<p class="rteright">التربة حول العالم تفقد قوتها وقد تستشعر البشرية العواقب (أ ف ب)</p>
بيئةTags: تدهور التربةالغاباتاضطراب المناختوفر التربة الدعم للإنتاج الزراعي والحيواني وللكائنات البرية، فضلاً عن أنها تنقي المياه وتخزن الكربون. وفي وصفها، أورد المزارع والشاعر الأميركي ويندل بيري ذات مرة أن "التربة تمثل الرابط الرئيس بين الكائنات الحية كلها، ومنبت الجميع ووجهتهم. إنها الشافي والمعافي والباعث، عبرها يتحول المرض إلى صحة، والشيخوخة إلى شباب، والموت إلى حياة".
وأضاف بيري، "من دون إيلائها الرعاية المناسبة لن نحظى بمجتمع، لأن غياب العناية المناسبة بها يعني أننا لن نحيا".
في الواقع، يشكل تدهور التربة مشكلة مناخية عسيرة لا تحظى بالاعتراف العام نفسه الذي تناله مشكلات بيئية من قبيل ارتفاع درجات الحرارة العالمية، والفيضانات، وتراجع جودة الهواء.
1- ما المقصود بتدهور التربة؟
ينطوي تدهور التربة على وجهين، أولاً الخسارة المادية (بمعنى تعرية التربة)، وثانياً انخفاض جودة التربة السطحية المرتبطة بتراجع مستوى المغذيات في مقابل زيادة التلوث فيها.
إذ يؤثر تدهور التربة على الجودة المطلوبة لزراعة المحاصيل، وله انعكاسات على البيئة الحضرية، والتلوث، والفيضانات.
في المملكة المتحدة، يتآكل ما مجموعه 2.2 مليون طن من التربة السطحية سنوياً، في حين تظهر علامات التعرية على أكثر من 17 في المئة من الأراضي الصالحة للزراعة، وفق "وكالة البيئة".
وبحسب حركة "أنقذوا التربة" Save Soil، إن 52 في المئة من التربة الزراعية في العالم قد أصابها الهلاك فعلاً، و90 في المئة من التربة على كوكب الأرض ستتدهور مع حلول 2050.
على الصعيد العالمي، يصنف ما يربو على نصف أنواع التربة حاضراً على أنها متدهورة، ويعيش 1.5 مليار شخص تقريباً في أراضٍ غير سليمة، وفق "صندوق الغذاء المستدام". ويعزى ذلك الضرر في معظمه، بحسب تلك المنظمة، إلى استخدام أساليب الزراعة الصناعية، والرعي الجائر، والاحترار العالمي، ما يضع على كاهل المجتمع تكاليف مستترة هائلة.
2. ما الأسباب وراء تدهور التربة؟
يعزى تدهور التربة إلى عامل أو أكثر تندرج ضمن عوامل عدة. إنه عملية طبيعية، لكنها قد تنجم عن أنشطة الإنسان كممارسات الزراعة والتدجين المكثفين من قبيل اجتثاث الغابات، والرعي الجائر، والزراعة المكثفة، وحرائق الغابات وأعمال البناء.
تؤدي هذه الممارسات إلى خلل في التربة وتتركها عرضة للتعرية بفعل الرياح والمياه، ما يقود إلى تلف الأنظمة المعقدة الكامنة تحتها، بحسب سيلفيا بريسيل، باحثة في "متحف التاريخ الطبيعي" في قسم الطحالب والفطريات والنباتات.
وتضيف، "ثمة ممارسات عدة مرتبطة بالزراعة المكثفة، خصوصاً الحراثة، وتخلخل بنية التربة".
وتشرح بريسيل أن تلك الممارسات "تعمل على تسريع عجلة انزياح الطبقة السطحية من التربة، وتآكل التربة، وفقدان المواد العضوية والخصوبة، فضلاً عن الاضطراب في حلقات دوران المياه، والكربون العضوي، والمغذيات النباتية".
ووفق بريسيل، "فإن هذه الممارسات تطرح تأثيراً سلبياً كبيراً على التنوع البيولوجي للتربة. حينما تتدهور التربة، تتضرر العمليات التي تحدث في داخلها، ما يتسبب في تدهور صحة التربة والتنوع البيولوجي والإنتاجية، ويؤدي إلى مشكلات على مختلف المستويات بالنسبة إلى نظم إيكولوجية عدة، إضافة إلى عواقب بيئية كبيرة من قبيل الفيضانات والهجرة الجماعية".
3- ما عواقب تدهور التربة؟
يحذر تقرير مدعوم من "الأمم المتحدة" من أن تدهور التربة يترك تبعاته فعلاً على أكثر من 3.2 مليار شخص على مستوى العالم، ما يقود إلى صراعات وموجات من الهجرة.
ووفق منظمة "أنقذوا التربة"، في غضون 20 عاماً، يتوقع أن يتراجع إنتاج الغذاء بـ40 في المئة لسكان المعمورة الذين سيبلغ عددهم نحو 9.3 مليار شخص، لأن التربة الفقيرة تؤدي إلى توهين القيمة الغذائية. وتضيف المنظمة أن الفواكه والخضراوات اليوم تحتوي فعلاً على 90 في المئة أقل من العناصر الغذائية، ويعاني ما يقدر بنحو ملياري شخص نقصاً في التغذية يقود إلى الإصابة بأمراض عدة.
علاوة على ذلك، يزيد تدهور التربة إمكانية حدوث فيضانات، لأن التربة التي فقدت المواد العضوية تعجز عن امتصاص كميات كبيرة من المياه والاحتفاظ بها.
وفق التقديرات، تتراوح التكلفة السنوية لتدهور التربة عموماً بين 6.3 و10.6 تريليون دولار. وإذ يتعذر على التربة المتدهورة أن تحتفظ بالرطوبة بنفس مستوى التربة الغنية بالمواد العضوية، فإنها تضحى عرضة للجفاف أيضاً، بحسب "صندوق الغذاء المستدام".
وكذلك تشير ميغان بيري، رئيسة قسم الاتصالات في ذلك الصندوق، إلى أنه "بالنظر إلى موجات الجفاف الكبرى التي شوهدت في السنوات الأخيرة، من كاليفورنيا مروراً بالأرجنتين وصولاً إلى كيب تاون وحتى المملكة المتحدة، بشكل دوري، لا بد من إيجاد حل عاجل لهذه المشكلة قبل أن يتفشى نقص الغذاء والأضرار التي تلحق بالبيئة".
وفق بيري، "تخزن التربة ألفين و500 مليار طن متري من الكربون، ما يساوي تقريباً ضعفي الكمية الموجودة في الغلاف الجوي، وأكثر من أربعة أضعاف الكمية التي تختزنها النباتات والحيوانات التي تبلغ 560 مليار طن، بالتالي الأجدر أن تكون أولويتنا القصوى الحيلولة دون حدوث مزيد من تدهور التربة، مع الحفاظ على ذلك الحجم الهائل من الكربون في التربة، لكن معظم الأراضي الزراعية سبق أن أطلقت ما يتراوح بين 40 و60 في المئة من الكربون العضوي إلى الغلاف الجوي".
وتختتم بيري بالإشارة إلى أن "عكس مسار تدهور التربة يقتضي إجراء تغيير منهاجي حقيقي في طريقة إدارة الأراضي. يشمل ذلك العودة إلى نظام الزراعة المختلطة، بمعنى دمج إنتاج المحاصيل مع الأراضي العشبية ورعي الماشية، إلى جانب النباتات ذات الجذور العميقة، وإعادة النفايات العضوية إلى الأراضي الزراعية كسماد في أفضل الأحوال. وتشكل الأخيرة خطوة ضرورية لاستعادة خصوبة التربة ومستويات الكربون العضوي. لكل واحد في المئة زيادة في المواد العضوية للتربة، تستوعب القدم الأولى من التربة 16 ألفاً و500 غالون إضافي من المياه لكل فدان".
نشر في "اندبندنت" بتاريخ 19 مايو 2022
subtitle: ظاهرة لها أسباب عدة وتترتب عليها عواقب وخيمة سامويل ويبpublication date: السبت, يونيو 4, 2022 - 14:452024-11-05 11:32:08