<p style="direction:rtl">تقع القلعة في موقع استراتيجي يعتبر مفتاح العراق لبلاد الشام (syriaphotoguide)</p>
منوعاتTags: سورياالشامقلعة الرحبةطريق الحريرتتميز بلدة الرحبة وقلعتها القريبة من نهر الفرات بموقعها الجغرافي الاستراتيجي في الجزيرة الفراتية، الذي منحها دوراً تاريخياً خلال القرون الوسطى، فوقعت على أرضها مجموعة من الأحداث التاريخية، التي شكلت انعطافات في مسارات التاريخ العربي الإسلامي، كما وفر لها موقعها غنى اقتصادياً وزراعياً وتجارياً، فهي تطل على سهل واسع كبير يرتوي من نهر الفرات، وجذب موقعها الغني عدداً من القبائل العربية للسكن ضمنه وحوله، وقد حافظت الرحبة على هذه المكانة حتى أواخر القرن الحادي عشر، إلى أن حلت محلها مدينة الموصل، التي تحولت في ذلك الوقت إلى مدينة شامية.
يذكر سهيل زكار في كتابه "مئة أوائل" أن "الرحبة كانت آنذاك ذات أهمية عالية، نظراً إلى موقعها على الفرات، فهي قريبة من البلدان الشامية وغير بعيدة من العراق، حيث أقامت العشائر البدوية في البادية الشامية وشغلت دوراً من أعظم الأدوار في صنع تاريخ الشام السياسي ما قبل القرن الثاني عشر، وكانت الرحبة أول محطة للبدو المهاجرين إلى سوريا".
بوابة شرقية
تبعد قلعة الرحبة عن مدينة الميادين، التي تشير معظم الدراسات الأثرية إلى أنها ترقد على آثار مدينة الرحبة القديمة، أربعة كيلومترات، وتبعد عن مدينة دير الزور حوالى 40 كيلومتراً، وهي قريبة من الطريق الدولي الذي يصل تركيا وأوروبا بالعراق وبلدان الخليج، ويعبر في سوريا من مدينة حلب مروراً بمدن الرقة ودير الزور والميادين، ويدخل إلى العراق من مدينة البوكمال.
وتقع القلعة في موقع استراتيجي متميز يعتبر مفتاح العراق لبلاد الشام، ومفتاح الشام لبلاد الرافدين، ويُعدّها كثير من المؤرخين والجغرافيين والرحالة إحدى البوابات الشرقية المهمة، كما كانت تعتبر على مدى مئات السنين إحدى أهم محطات التجار والمسافرين على طريق الحرير الذي كان يمتد من الصين إلى الخليج على أوروبا وبالعكس.
الرحاب
بنيت القلعة على هضبة صخرية مرتفعة ومنعزلة، ترتفع عن سطح البحر 230 متراً، يحيط بها وادٍ عميق، يصل عرضه إلى ما يقارب العشرين متراً، وتشرف على عقدة من الطرق التجارية والعسكرية المهمة التي تؤدي إلى حلب وبغداد ودمشق وتدمر والموصل. وتقع عند منتهى وادٍ وعلى مكان مرتفع مشرف على الوادي وعلى مستنقع للماء، وهذا يجسد معنى اسمها "الرحبة"، فالرحاب في الأودية هي، بحسب النضر بن شميل، مواضع متواطئة لمستنقع، الماء فيها وما حولها، مشرف عليها، وهي أسرع الأرض إنباتاً.
وصف القلعة
يحيط بالقلعة سور خارجي مشيّد بالحجارة والقرميد، مؤلف من خمسة أضلاع أطولها الضلع الجنوبي المطل على البادية السورية، ويقع مدخله الرئيس في الضلع الشمالي الغربي. ثم هناك سور آخر مشيّد بالحجارة الكبيرة، مؤلف أيضاً من خمسة أضلاع أطولها الغربي، ويقوم وسط الأسوار حصن بُني في القرن السابع الهجري.
وتتألف القلعة في الداخل من ثلاثة طوابق سفلية، الأول عبارة عن قاعات وغرف ومستودعات، والثاني أصغر من الأول، والثالث صالة كبيرة كانت مستودعاً رئيساً. ويقع مدخل القلعة الرئيس في الجهة الغربية من السور الخارجي، وكان يصعد إليها في فترة ما عن طريق جسر متحرك. ويؤدي المدخل إلى ممر مقبي بارتفاع خمسة أمتار، ينفذ إلى الأقسام الداخلية للقلعة وإلى غرفة الحراسة المشيدة بالآجر، كما بالإمكان الوصول من خلاله إلى الأدوار السفلية، ويحتوي على غرف عدة ومستودعات كبيرة وأقواس مشيدة بالقرميد تستند في صفين إلى أساسات السور الداخلي. وفي الدورين الثاني والثالث للقلعة، اللذين يقعان أسفل الدور الأول، توجد الغرف والمستودعات، كما تربض باحة في أسفل القلعة.
اقرأ المزيديحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
مراحل عدة
أظهرت الدراسات حقيقة أن القلعة لم تبنَ في مرحلة زمنية واحدة، بل امتد بناؤها وترميمها على فترات زمنية عدة. ففي المرحلة الأولى، بنيت القلعة بالآجر وحفر خندق حولها، وفي الثانية بنيت أقسام القلعة المشيدة بالحجارة الكبيرة المنحوتة. أما في الثالثة، فقد وسعت القلعة وأضيفت إليها الأبراج وبني الحصن الداخلي في القرن السابع الهجري، وفي المرحلة الرابعة رفعت فيها الأسوار الخارجية والحجارة الصغيرة، وأضيفت الجدران الاستنادية للتدعيم، كما أضيفت بعض البيوت السكنية التي تعود إلى الفترة العثمانية.
وهناك اختلاف وجدل حول هوية مؤسسها، فتذكر بعض المراجع أن البناء القديم يعود إلى فترة الآراميين أو الأموريين، وتذهب أخرى إلى أن الذي شيّدها هو مالك بن طوق، أما الرأي الثالث، فيرجّح أن بانيها هو أسد الدين شيركوه، والرأي الرابع يقول إنه شيركوه بن ناصر الدين.
بداية مجهولة
تظهر لنا البحوث والدراسات التاريخية والأثرية عن الرحبة وقلعتها وجود اختلاف ما بين الباحثين والدارسين عن القدم التاريخي للرحبة وقلعتها، فيرى البعض أنها كانت إحدى الممالك الآرامية القديمة، التي وجدت على نهر الفرات الأوسط وحوله، وقريباً من جبل البشري غرب نهر الفرات، وذكر آخر أنها كانت موجودة قبل الآراميين، واستولى الأخيرون عليها منتصف الألف الثاني قبل الميلاد، وشكلوا فيها مملكة خاصة بهم أطلقوا عليها اسم "آرام بيت رحوبوت".
وبعض الدراسات تحدثت أن الرحبة بلدة قديمة ذكرت في التوراة وأنها وردت في بعض الرقم التاريخية التي دُوّنت في عصر ملوك بابل وأشور وغيرهم، واستند من قال عن قدمها التاريخي إلى ورودها في التوراة باسم "رحبوت" أو "رحوبوت"، في سفر التكوين (36)، ولكن في كتاب "تاريخ وأعلام الحضارة الفراتية"، ذكر زبير سلطان قدوري، مدير ثقافة دير الزور سابقاً، بعد اطلاعه على مكان مدينة رحبوت، التي أوردتها التوراة في خريطة فلسطين وبلاد كنعان وأرفقت في نهاية الكتاب المقدس، أن رحبوت هذه تقع جنوب بئر السبع في المنطقة الشمالية لسيناء، وهذا يعني أنها ليست مدينة الرحبة التي تقع على الشاطئ الغربي لنهر الفرات.
ودراسات أخرى نفت هذا الأصل التاريخي للرحبة وقالت إنها بنيت في العصر العباسي زمن هارون الرشيد وابنه المأمون، على يد مالك بن طوق، وهذا ما ذكره ياقوت الحموي في معجمه.
الرحبة الأولى والثانية
وفي بحثه عن الجذر التاريخي لمدينة الرحبة، اعتمد زبير قدوري على معلومات علمية دقيقة مستندة إلى نتائج البعثة الأثرية الفرنسية- السورية التي أجرت في أجزاء من مدينة الميادين أسباراً اختبارية في منطقة تُسمّى بـ"العلوة"، وتوصلت إلى "وجود مدينة تحتها تعاقب عليها السكن البشري منذ العهد العباسي إلى العهد الأيوبي، ثم توقف السكن فيها بعد ذلك، وأظهرت الأسبار آثاراً لدمار وحريق أصاب المساكن ومؤسسات مدينة الرحبة القديمة، وذكرت أن بلدة جديدة نشأت بعد دمار الرحبة القديمة في أسفل القلعة التي تبعد عنها كيلومترات عدة، ويبدو أن الرحبة الأولى التي ترقد تحت مدينة الميادين القديمة، كانت مدينة عظيمة".
وتابع، "بذلك، نستنتج أن هناك مدينتين نشأتا باسم الرحبة، الأولى المدينة القديمة التي هي اليوم تحت حي العلوة في مدينة الميادين، والثانية مدينة أخرى نشأت أسفل القلعة بعد تعرض الرحبة للدمار، وكانت نشأتها في العهد الأيوبي".
ويبقى تاريخ بناء القلعة الدقيق منوط بسبر أثري جديد تقوم به بعثة جديدة، يقدم للباحثين دليلاً علمياً تاريخياً عن بداية بنائها، بعيداً من المعلومات المتناقلة التي لم تثبت علمياً صحة أي منها.
subtitle: يعدها كثير من المؤرخين إحدى البوابات الشرقية التي أسهمت في صنع تاريخ الشام ما قبل القرن الـ12نيرمين عليpublication date: السبت, مايو 28, 2022 - 22:452024-11-05 22:51:01