<p>سكان جزر فيرجن البريطانية لا ينظرون بعين الرضى إلى عودة النموذج القديم للحكم البريطاني (رويترز)</p>
آراءTags: المملكة المتحدةالاستعمار البريطانيالجذر العذراءمستعمرات التاجالحكم الذاتيالأزمة الحالية في الجزر العذراء البريطانية British Virgin Islands BVI، هي تذكير بسيط أن الشمس ربما لم تغرب تماماً عن الإمبراطورية البريطانية، وأن الأراضي المتفرقة المتبقية (التي ما تزال تحت سيطرة المملكة المتحدة)، وحتى تلك غير المأهولة منها، يمكنها أن تتسبب في مشكلات، وتؤدي إلى تشتيت التركيز في "الدولة الأم" [مركز الدولة المستعمِرة]. وعندما يقع ذلك، فإن العثور على حلول سهلة للمشكلة قد لا يكون متاحاً.
مثل معظم المناطق الخاضعة لسلطة ما يعرف بالأراضي البريطانية ما وراء البحار British overseas territories، (التي لا نشير إليها هذه الأيام على أنها "مستعمرات التاج" crown colonies أو "المحميات" protectorate) ، فإن الجزر العذراء البريطانية BVI تتمتع بحكم ذاتي يشمل إدارة شؤونها الداخلية، وتنتخب حكومتها (من دون تدخل بريطانيا) وتعتمد على المملكة المتحدة فقط في قضايا الدفاع والأمن وتمثيل مصالحها في الشؤون الخارجية.
أدى اعتقال رئيس الوزراء أندرو فاهي بتهمة التآمر لغسل الأموال وتهريب المخدرات إلى الولايات المتحدة إلى فرض حكم مباشر بناءً على مشورة لجنة قضائية. يرأس الحاكم، جون رانكين، الآن مجموعة من المسؤولين المعنيين لتصريف الأعمال الإدارية اليومية لشؤون تلك الجزر.
يأتي اعتقال فاهي في أعقاب تحقيق فساد طويل في BVI، التي كان النائب البريطاني المحامي بالترافع QC والنائب في البرلمان البريطاني السير جيفري كوكس Sir Geoffrey Cox - مصدراً للتسلية الإعلامية خلال الجدل الدائر العام الماضي حول أرباح المحامي من أعماله الخاصة المستقلة (كان السير جيفري قد دافع في السابق عن رئيس الوزراء السابق لجزر كايمان بتهم الفساد بين عامي 2012 و 2014).
اقرأ المزيديحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
إن فرض إجراءات الحكم المباشر [على الجزر العذراء البريطانية] يفترض أن يدوم عامين. وقد أدى ذلك إلى قيام تظاهرات احتجاجاً على إعادة فرض هذا النوع القديم من أساليب الحكم البريطاني. لا يمكن أن نختلف هنا بأن أهالي الجزر تلك يفضلون أن يبت شؤونهم أشخاص منتخبون يمثلونهم بدلاً من أن يقوم بذلك دبلوماسيون من الخارجية البريطانية Foreign Office، ولكن ليس أمامهم أي شيء للقيام به لمواجهة هذا الأمر. فمثلها مثل كافة الأراضي البريطانية في ما وراء البحار، تبقى الجزر العذراء البريطانية BVI أصغر من أن تكون قابلة للتحول إلى دولة مستقلة تماماً، على الرغم من أن هناك عدداً من المستعمرات السابقة الصغيرة في المنطقة التي حصلت على استقلالها الكامل مع أو من دون بقاء ملكة بريطانيا كرئيسة رمزية للدولة.
تعد الجزر العذراء البريطانية ملاذاً ضريبياً أساسياً في العالم، وهي موطن لعديد من الشركات والصناديق العالمية المسجلة خارج نطاق السيطرة الضريبية الحكومية، وهي كذلك مركز لعديد من الثروات الشخصية النظيفة وغير النظيفة. ويلعب دورها ككيان مستقر "بريطاني" دوراً في جذبها للمستثمرين، ويشكل ما تجنيه منهم مصدر دخل لحكومتها. من حين لآخر، يمكن أن تنعكس سمعة الجزر العذراء بشكل سيء على المملكة المتحدة.
ليست الجزر الملاذ الضريبي الوحيد الذي يتمتع بهوية بريطانية. فهي إلى جانب كيانات أخرى خاضعة للتاج مثل كل من جيرزي Jersey وغيرنزي Guernsey، وآيل أوف مان Isle of Man التي تتمتع بوضع مختلف، وهناك أيضاً جزر كايمان، وجبل طارق (وهي منطقة تروج فيها مؤسسات ألعاب القمار) وكل من برمودا Bermuda وجزر تورك وكايكوس Turks and Caicos Islands والأخيرة كانت قد وضعت تحت حكم لندن المباشر بين عامي 2009 و2012 بسبب الفساد.
ومن بين الأقاليم الأخرى الأصغر من أن تفكر في الاستقلال واقعياً أنغويلا Anguilla ومونتسيرات Montserrat، في البحر الكاريبي، وجزر أسانسيون Ascension Island، وسانت هيلينا وتريستان دا كونها St Helena and Tristan da Cunha، في جنوب المحيط الأطلسي، وجزيرة بيتكيرن Pitcairn Island في المحيط الهادئ ــ التي يقطنها سكان ينحدرون من متمردين كانوا على متن سفينة البحرية الملكية "إتش أم أس" باونتي HMS Bounty ــ إضافة إلى كيانات أخرى. هناك أيضاً أراض تعد شاسعة جغرافياً هي الأراضي البريطانية في المحيط الهندي المعروفة بــ BIOT، والأراضي الأنتارتيكية البريطانية British Antarctic Territory، وهي غير مأهولة تقريباً ولكنها ذات قيمة استراتيجية، حيث تُؤجَر أراضي الأولى كقاعدة أميركية عسكرية مهمة.
أما جزر الفولكلاند Falkland Islands فهي الأغنى إلى حد كبير من تلك الأراضي هذه الأيام نسبة إلى عدد سكانها، ولأنها تستفيد من تجارة منح تراخيص الصيد للبحار التي تحيط بها والمنطقة التابعة لها ساوث جورجيا South Georgia. وهناك أيضاً القاعدة العسكرية البريطانية في قبرص، أكروتيري ودهيقليا Akrotiri and Dhekelia، وهي وحدها إلى جانب تلك الواقعة في جبل طارق، ليست بجزيرة أو مجموعة جزر، والاثنتان مثل المملكة المتحدة تماماً إذ تقعان على تخوم الاتحاد الأوروبي.
وكما كانت عليه الحال إبان عهد الامبراطورية القديمة التي تضمنت كلاً من الهند وأستراليا وكندا ومساحات شاسعة من أفريقيا، فإن أقاليم ما وراء البحار البريطانية هي مناطق متنوعة للغاية من "الممتلكات" التي لديها مشكلات مزمنة لا يمكن حلها. أربعة من تلك الكيانات تطالب بالسيطرة عليها دول جارة مثل دولة جبل طارق الذي تطالب بالسيادة عليها إسبانيا، وتطالب دولة موريشوس بالسيادة على الأراضي البريطانية في المحيط الهندي المعروفة بــ BIOT، وجزر الفوكلاند تطالب بها الأرجنتين و أكروتيري ودهيقليا Akrotiri and Dhekelia تطالب بها دولة قبرص. تعتمد مناطق أخرى على وارداتها من التهرب الضريبي ــ وهو ما تجده بريطانيا مصدر ازعاج.
ولدى بعض تلك الدول تحديات كبيرة في إمكانية تحولها إلى الاكتفاء الذاتي اقتصادياً، دون أي خطأ من جانبهم. ولكن لا يمكن دمجهم بشكل عادل مع دولة أجنبية أو فرض الاستقلال عليهم. ولا يمكن القول إن بريطانيا لم تكن راغبة في المحاولة، ففي عام 1982، أجرى وزراء بريطانيون مفاوضات سرية مع الأرجنتين حول السيادة على تلك الجزر وحاولت بريطانيا إقناع السكان المحليين في التوصل إلى تسوية مع القيادة العسكرية في بيونس أيرس (وهو أمر من المرجح أن يتم إهماله في الاحتفالات بالذكرى الأربعين للحرب).
على الرغم من أن الأجزاء المتبقية من الإمبراطورية البريطانية على جمالها المجمع عليه، وتمتعها بإمكانات يمكن لها أن تكون واعدة كثيراً، فتبقى متناثرة على مساحة واسعة من بقاع العالم، ولا يقطنها إلا 250 ألف نسمة من السكان مجتمعة (أي أنهم يعدون ما يعادل سكان منطقة داربي Derby في شمال إنجلترا وحدها)، كما تجلب بعض المتاعب للمملكة المتحدة.
ويمكن أن يؤدي الحكم الذاتي إلى الفساد، لكن الحكم المباشر مرفوض لأسباب مفهومة. لم تطلب هذه الأماكن أن يحتلها أو يستعمرها البريطانيون. لكن الحكومات البريطانية المتعاقبة لم تعرف كيف تتعامل معها من أجل تعزيز مصالح تلك المناطق المتباينة. تمثل الجزر العذراء BVI مشكلة حكم أخرى "للدولة الأم" التي بالكاد تستطيع أن تحكم نفسها هذه الأيام.
نشرت اندبندنت هذا المقال في 5 مايو 2022
subtitle: التظاهرات احتجاجاً على عودة الحكم المباشر مفهومةشون أوغرايديpublication date: الخميس, مايو 19, 2022 - 19:002024-11-06 14:25:45