<p>بين بوتين وزيلينسكي "إرهاب إعلامي" (وكالة تاس الروسية)</p>
تقاريرTags: اتفاقيات مينسكحوار اسطنبولسيرغي لافروفحرب أوكرانيافلاديمير بوتينفولوديمير زيلينسكيعازف البيانوحرب المعلوماتانزلق الإعلام الروسي خلال الأيام القليلة الماضية إلى شرك "حرب إعلامية" تجاوز فيها كثيراً مما عهدناه عليه من لباقة ولياقة وحصافة دبلوماسية في اختيار المفردات والصور البلاغية، وجاء ذلك مواكباً لتصاعد حدة المعارك التي اشتعلت بين الجانبين الروسي والأوكراني في أعقاب إعلان الرئيس فلاديمير بوتين "العملية العسكرية الروسية الخاصة" في الـ 24 من فبراير (شباط) الماضي.
وإذا كان الجانب الأوكراني مضى في تجاوزاته إلى الحد الذي دفع موسكو إلى "رد التحية بما هو أقوى منها"، فإن المتضررين من الجانبين ومعهم الحقيقة والموضوعية غير مدعوين إلى سداد فواتير مثل هذه الأخطاء أو الخطايا خصماً من معايير اللياقة والموضوعية.عميد الدبلوماسية الروسية وكان وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف في صدارة مَن بادروا إلى إعلان احتجاجه "ضد ما يمارسه الغرب من حرب معلومات" اختلطت مع ما وصفه بـ "الإرهاب المعلوماتي".
انطلق عميد الدبلوماسية الروسية في تقديره لوسائل الإعلام البريطانية والأميركية باعتبارها "رائدة في مجال المعلومات في الوقت الحاضر، على الرغم من أن جودة المعلومات التي تنتجها تثير تساؤلات"، وذلك فضلاً عما خلص إليه من انحسار مفهوم "الإعلام المستقل" الذي قال إنه "لم يعد موجوداً منذ فترة طويلة، وأن محطة "فوكس نيوز" الأميركية هي "الوحيدة التي احتفظت بوجهة نظر بديلة"، فيما أكد "أن استخدام منصات الإنترنت مثل تطبيق (تيك توك) غير آمن، لأن جمهورهم الرئيس يتكون من الفتيان والفتيات الصغار جداً". ما يبدو أكثر أهمية في اللحظات الراهنة يتركز بالدرجة الأولى حول ما يتعلق بمجريات المعارك والمواجهات العسكرية، الأمر الذي يتطلب سرعة في العمل من أجل تقليص مساحات الخلاف، والعثور على ما يمكن معه التوصل إلى الاتفاقات المنشودة التي كان الجانبان توصلا إلى أطرها العامة خلال محادثاتهما التي جرت في بيلاروس وإسطنبول، وكانت موسكو، انطلاقاً من هذه الأطر، اتخذت قراراتها بالانسحاب من المحيط القريب من كييف، غير أن ضغوطاً خارجية ومعارضة عناصر قتالية في الداخل الأوكراني حالت دون تنفيذ ما جرى الاتفاق حوله، وأعقبه اندلاع ما يمكن تسميته "حرب التصريحات" التي بدا معظمها على طرفي نقيض لما سبق وتوصل إليه الجانبان على مدى سنوات طوال، ومثال على ذلك ما يتعلق بـ "اتفاقات مينسك" التي جرى توقيعها العام 2015، وما توصل إليه الجانبان في "بيلوفجسكويه بوشا" في بيلاروس وإسطنبول، وبلغ الأمر بالجانب الروسي العودة لسابق تصريحاته التي لطالما أطلقها في أعقاب "الانقلاب" الذي أطاح الرئيس الأوكراني السابق فيكتور يانوكوفيتش في فبراير (شباط) 2014، حول عدم اعتراف موسكو بالسلطة الأوكرانية، وهو ما ينسحب بالتالي على السلطات الحالية في كييف على الرغم مما سبق وتوصلت إليه موسكو من لقاءات واتفاقات مع هذه السلطات الأوكرانية، بل وكان بوتين التقى وشارك مع رمزي هذه السلطة بيتر بوروشينكو وخلفه فولوديمير زيلينسكي في اجتماعات "مجموعة نورماندي" التي تم برعايتها توقيع "اتفاقات مينسك" بمشاركة المستشارة الألمانية السابقة أنغيلا ميركل والرئيس الفرنسي السابق فرانسوا هولاند وخلفه إيمانويل ماكرون."الإرهاب الإعلامي" وفي الوقت الذي كرر فيه البعض في موسكو تصريحات قال فيها لافروف "لا نرى إمكان الاعتراف بحكومة ديمقراطية تضطهد وتطبق أساليب الإبادة الجماعية على شعبها"، عادت مصادر رسمية لتقول إن "الكرملين يعتبر زيلينسكي رئيساً لأوكرانيا"، وعلى الرغم من أن هذه التصريحات ومثيلاتها التي تحمل المعنى ذاته كانت صدرت في وقت سابق، فإن العودة لترديدها يأتي في سياق اشتعال ما وصفه لافروف بـ "الإرهاب الإعلامي"، وقد اتسمت هذه الحرب الإعلامية بحدة أكبر على وقع تصاعد الهجمات الغربية التي استهدفت روسيا وقياداتها السياسية والعسكرية ورموزها البرلمانية والثقافية، بل والرياضية التي أدرجتها ضمن قوائم العقوبات الصادرة عن الكونغرس الأميركي والاتحاد الأوروبي، ولم تكن فصائل القوميين المتطرفين و"النازيين الجدد" بعيدة من ساحة المعارك الإعلامية، مما أضفى مذاقاً خاصاً على ما ارتكبته من "جرائم" اغتيال أضافتها إلى تصدرها القوات الأوكرانية على جبهة المواجهة العسكرية مع العناصر التابعة لجمهوريتي لوغانسك ودونيتسك المعترف بهما من جانب موسكو.عازف البيانو وفي ظل هذه الأجواء لم يكن غريباً أن تعود السلطات الأوكرانية لإنكار ما سبق ووافقت عليه في إسطنبول ودعمته بمذكرة مكتوبة اعترفت فيها باستعدادها للتخلي عن طلب الانضمام إلى الـ "ناتو" والاعتراف بوضعية الدولة، فضلاً عما يتعلق بقضيتي شبه جزيرة القرم والدونباس، ولم تكد موسكو تتنفس الصعداء وتعلن ارتياحها لما جرى التوصل إليه من نتائج دفعتها إلى اتخاذ قرارها بسحب قواتها من محيط كييف، وهو ما وصفه سيرغي لافروف بأنه "تطور إيجابي"، حتى عادت السلطات الأوكرانية إلى التراجع عن كل ما جرى التوصل إليه من إيجابيات، بل ومضت هذه السلطات إلى ما هو أبعد حين صعدت نبرة الهجوم ضد القيادة الروسية وانضمت إلى المبارزات اللفظية التي تزعمها الرئيس الأميركي جو بايدن شخصياً حين كال إلى نظيره الروسي شتى الاتهامات والسباب والشتائم التي يندرج بعضها تحت ما يعاقب عليه القانون، الأمر الذي لم يكن ليلتزم معه الجانب الروسي بالصمت أو التجاهل.
اقرأ المزيديحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وبينما انصرفت وسائل الإعلام الروسية الرسمية وشبه الرسمية إلى رد "التحية بما هو أشد وطأة وأكثر حدة منها"، اختار لافروف أسلوباً جمع بين الحصافة الدبلوماسية والهجاء الساخر، وتندر لافروف حول صمت زيلينسكي تجاه "ما ترتكبه فصائل النازيين الجدد من جرائم وتطاولات ضد ذكرى اعتداءات النازية وجرائمها ضد اليهود"، بما في ذلك محرقة الـ "هولوكست" التي راح ضحيتها يهود وأوكرانيون وروس وغيرهم من ممثلي مختلف القوميات إبان سنوات الحرب العالمية الثانية. وفي موقف آخر خرج لافروف عن موقعه الدبلوماسي لينزل إلى صفوف الصحافة وبسطاء القراء والسامعين والمشاهدين ويجيب على سؤال توجه به إليه رئيس تحرير صحيفة "كومسومولسكايا برافدا" فلاديمير سونجوركين، حول شخصية زيلينسكي. فسأل سونجوركين لافروف، "لماذا لا تتواصلون مع زيلينسكي؟ زيلينسكي ابن مجتمعنا وعضو سابق في منظمة الكومسومول (الشبيبة الشيوعية) وأحد المشاركين في برامج القناة الأولى للتلفزيون الروسي"؟ هنا قاطعه لافروف ليسأل، "لماذا لا تشير إليه أيضاً بوصفه عازف بيانو؟"، لتنفجر القاعة في ضحك صاخب، في إشارة الى ما يقصده لافروف بالعرض المسرحي "عازف البيانو" الذي قدمه مع فرقته المسرحية "كفارتال 95". وكان العرض المسرحي يصور فنانين يتقدمان من البيانو في صدر المسرح ليقدما إلى المشاهدين بعضاً من هذا الفن الساحر ثم يرفعا يديهما إلى أعلى في انتظار سقوط سرواليهما أمام المشاهدين (خلف البيانو)، ليبدآ عزف المقطوعة الموسيقية على وقع انفجار المشاهدين في وصلة ضحك صاخبة. ولعله يكون من المناسب أكثر أن نحيل الفضوليين ممن لم يفهم المقصود من الكلمات أعلاه إلى "اليوتيوب" الذي يظل يحتفظ بهذه الفقرة تحت عنوان "زيلينسكي عازف البيانو".تصريحات مستهترة وبالعودة للجدية التي تتناسب مع مضمون الموضوع ومأساوية اللحظة، نشير إلى مدى "الاستهتار" التي تتسم به بعض تصريحات الرئيس الأوكراني، ومنها ما قاله حول استعداده للاستمرار في المواجهة العسكرية مع روسيا حتى ولو امتد القتال 10 سنوات، وذلك ما تلقفه الرئيس الشيشاني رمضان قديروف ليرد عليه بأنه "مصاب بالشيزوفرينيا". وقال قديروف إن الوقت لن يسعف زيلينسكي ليعيش حتى 10 سنوات أخرى، لأنه سيلقى حتفه خلال الأيام القليلة المقبلة"، وهو ما احتدم في شأنه الجدل عبر مختلف الأوساط السياسية والإعلامية في كل من روسيا وأوكرانيا. غير أن الأوساط الدبلوماسية والسياسية توقفت طويلاً وعلى نحو يليق بمأساوية اللحظة أمام ما عاد لافروف إلى انتقاده من سياسات ومواقف الرئيس زيلينسكي، خلال تصريحاته للقناة الإخبارية الروسية الرسمية "روسيا-24"، فأشار الوزير الروسي في تقديره لهذه السياسات إلى أن "كل شيء يمكن توقعه من الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي"، عازياً ذلك إلى كون الرئيس الأوكراني شخص "غير متزن التصرفات"، على حد تعبيره، ومضى ليشرح أسباب تراجع زيلينسكي عما سبق ووافق عليه وتقدم به مبعوثوه إلى الوفد الروسي في إسطنبول من مذكرة مكتوبة يتعهد فيها بما سبق وأشرنا إليه أعلاه.
قال لافروف "إن زيلينسكي شخص لا يتمتع بأي استقلالية ويعتمد بشكل مباشر على القائمين عليه وهم الأميركيون في المقام الأول". وكان زيلينسكي كشف في وقت سابق في تصريحات أدلى بها عبر "الفيديو كونفرانس" في أعقاب اعتراف روسيا باستقلال جمهوريتي لوغانسك ودونيتسك، "أن أوكرانيا لا تدين بأي شيء لأي شخص، ولن تعيد أي شيء لأي شخص". وإلى حين عودة "غير المتزنين" و"غير المستقلين" لاتزانهم وما يجب أن يتمتعوا به من وضع مستقل، على حد تقديرات المصادر الروسية، تؤكد موسكو أنها "ليست على استعداد لمواصلة المحادثات مع أناس على شاكلة هؤلاء الذي يأتمرون بأوامر وتعليمات الخارج"، ومنها ما أشرنا إليه نقلاً عن مفوض الشؤون الخارجية للاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل وغيره من قيادات حلف شكال الأطلسي (ناتو) حول ضرورة حسم المعركة مع روسيا.
وفيما تعيد موسكو إلى الأذهان ما سبق وقاله الرئيس بوتين من أن "الولايات المتحدة والـ (ناتو) يعتزمان مواصلة معاركهما مع روسيا حتى آخر أوكراني"، وهو ما "تعقد روسيا العزم على مواجهته"، أعلنت الخارجية الروسية مكالمة هاتفية ناقش لافروف خلالها آخر تطورات المواجهات العسكرية في جنوب شرقي أوكرانيا مع نظيره التركي مولود جاويش أوغلو. وكشف البيان الصادر عن وزارة الخارجية الروسية أن "الجانب الروسي شدد مجدداً على أن المسؤولية الكاملة عن الوضع الإنساني المعقد في مناطق القتال تقع على عاتق الكتائب القومية اليمينية المتطرفة الأوكرانية التي تستخدم المدنيين كدروع بشرية وتمنعهم من الانسحاب عبر الممرات الإنسانية التي يوفرها العسكريون الروس بانتظام".
وأشار بيان "الخارجية الروسية" إلى أن الوزيرين الروسي والتركي ناقشا الخطوات المشتركة الممكن اتخاذها على مستوى وزارتي الخارجية والدفاع في البلدين بهدف ضمان أمن المدنيين، وبخاصة المواطنين الأجانب في أوكرانيا، كما أعرب أوغلو وفق البيان الصادر عن الخارجية الروسية عن امتنان أنقرة لموسكو تجاه "الدعم الذي قدمته القوات المسلحة الروسية في تحرير الرهائن الذين كانوا محتجزين من جانب مسلحين داخل أحد مساجد مدينة ماريوبول" جنوب شرقي أوكرانيا.
أما عن آفاق المفاوضات بين روسيا وأوكرانيا فقد "تم التأكيد على ثبات الموقف المبدئي للجانب الروسي، وهو يقضي بأن نتيجة المفاوضات تتوقف بالكامل على استعداد كييف لمراعاة المطالب الروسية المشروعة".
subtitle: اشتعال حرب المعلومات دفع لافروف إلى استعادة مشهد زيلينسكي في "فقرة" عازف البيانوسامي عمارةpublication date: الخميس, أبريل 21, 2022 - 13:452024-11-07 00:40:08