<p>مهاجرون أنقذهم الحرس الوطني التونسي في بن قردان في جنوب تونس 15 ديسمبر(كانون الأول) 2021 (أ ف ب / غيتي)</p>
تحقيقات ومطولاتTags: تونسليبياالهجرة غير الشرعيةإيطالياالإحباطيفكر حاتم، 28 سنة، وهو يقف على شاطئ البحر في مدينة حلق الوادي، ميناء الصيد الصغير في شمال تونس بمحاولته الأخيرة للهجرة إلى أوروبا.
بعدما جمع بصعوبة 4000 دينار (1,027 جنيه استرليني) من مدخرات وقروض استدانها من أقارب له، كان حاتم يأمل أن تنجح محاولته الثالثة للوصول إلى إيطاليا.
وتجنب حاتم، شأن عدد متعاظم من الشباب التونسيين، اللجوء إلى خدمات شبكات التهريب التقليدية، وبدلاً من ذلك أراد أن "يهرّب نفسه". واتفق مع آخرين على جمع نقودهم معاً لاستئجار زورق خاص بهم مع قائده. لكن لا تجري الرياح كما تشتهي السفن.
يقول حاتم "حاولت أن أغادر سراً في بادئ الأمر أواخر الصيف، غير أن [السلطات التونسية] قبضت علي وزجتني في السجن لمدة 15 يوماً".
ويضيف الشاب الذي يفصح فقط عن اسمه الأول، وهو يجلس أمام خلفية يشكلها البحر الأبيض المتوسط والقصور المتداعية لحكام تونس السابقين، "عشت أوقاتاً عصيبة [في السجن]. لم يكن هناك تباعد اجتماعي. عانيت المرض بشدة".
على الرغم من بقائه مدة وراء القضبان وفشل محاولاته الثلاث، فحاتم لم يرتدع.
وهو يقول لصحيفة "اندبندنت" "سأحاول مرة أخرى. إنها قضية حياة أو موت. إما أن أموت في البحر أو سأظل أحاول".
وحاتم بالتأكيد ليس الوحيد [الذي يحاول يائساً أن يهاجر]، إذ تضاعفت مستويات اليأس نتيجة الصعوبات الاقتصادية التي لا تزال مهيمنة منذ 11 عاماً بعد ثورة كانت البلاد تأمل أنها ستفتح الباب على فجر جديد.
بلغت الهجرة غير النظامية من تونس أعلى مستوياتها منذ ثورة عام 2011، إذ يجازف عشرات الآلاف من الناس بأرواحهم في البحر بحثاً عن حياة أفضل.
على نحو مؤثر، تجاوزت مستويات الهجرة غير المشروعة في تونس في السنوات الأخيرة المستويات التي سجلتها ليبيا التي تعصف بها الحرب، لتكون الدولة التي تصدر أكبر عدد من المهاجرين إلى أوروبا.
وقد وصل العام الماضي ما يزيد على 15 ألف تونسي بالقوارب إلى إيطاليا، التي تعد البوابة إلى دول الاتحاد الأوروبي بالنسبة إلى المهاجرين القادمين من أنحاء أفريقيا، حسبما تفيد بيانات صادرة عن "المنظمة الدولية للهجرة".
ويمثل التونسيون حوالى 24 في المئة من مجموع الوافدين، وهي نسبة أعلى بكثير من نسبة [المهاجرين من] حاملي أي جنسية أخرى.
علاوة على ذلك، اعترضت السلطات التونسية على أقل تقدير 23250 مهاجر غير نظامي، مثل حاتم، ممن كانوا يحاولون أن يغادروا سواحل البلاد العام الماضي، وهو ضعف عدد من حاولوا ذلك عام 2020.
وتمثل هذه الإحصاءات إدانة دامغة للتقدم الذي حققته تونس منذ الثورة، فضلاً عن الوضع الحالي للاقتصاد.
وفي مدينة حلق الوادي، القريبة من عديد من نقاط المغادرة الموزعة على طول الساحل التونسي، لم تظهر أي رغبة على الإطلاق في البقاء بالبلاد إلا لدى قلة فقط من الشباب التونسيين الذين أجرت "اندبندنت" مقابلات معهم.
أحد هؤلاء الشباب يدعى أحمد طرابلسي، 25 سنة، وهو يرغب بالسفر إلى الخارج، لكنه مضطر للبقاء في الوطن ليعتني بوالدته المريضة.
يقول طرابلسي الذي يعيش على الإعانات التي تقدمها الدولة وبعض الأعمال العرضية، إن "الحَرقة (الهجرة غير النظامية باللهجة التونسية) تخطر في بالي في كثير من الأحيان. ليس من الصعب تدبير هجرتي من البلاد، بيد أنني أحتاج للبقاء مع والدتي. نتدبر أمورنا بما يتراوح بين 50 و100 دينار (12 و25 جنيه استرليني) في الأسبوع".
ويضيف "أما بالنسبة للمستقبل، فما من بصيص أمل في تونس... حاول بعض أصدقائي السفر إلى الخارج. بعضهم يعيش هناك، والبعض الآخر مات وهو يحاول".
تفيد الأمم المتحدة بأن الطريق الذي يمر وسط البحر الأبيض المتوسط من أفريقيا إلى أماكن مثل إيطاليا، هو أكثر طرق الهجرة البحرية فتكاً في العالم، لا سيما أن أكثر من 1500 شخص قد لقوا مصرعهم في البحر في عام 2021. وتوفي الأسبوع الماضي 11 تونسياً على الأقل، حين انقلب القارب الذي كانوا على متنه، وكان يحمل 32 مهاجراً. وقد غرق القارب بالقرب من جزر قرقنة، قبالة الساحل الشرقي بالقرب من مدينة صفاقس.
ولايزال الرئيس قيس سعيّد يحظى بثقة كبيرة في حلق الوادي، في الأقل. وهو عمد إلى الاستئثار بالسلطة بشكل استثنائي في يوليو (تموز)، حيث قرر تجميد عمل البرلمان، ورفع الحصانة عن أعضائه، والتأسيس لفترة من الحكم بموجب القرارات الرئاسية، في الوقت الذي تنكب فيه حكومته التي تم تعيين أعضائها على تنفيذ مهامه لإعادة تشكيل نسيج البلاد الدستوري.
غير أن حماس العامة التي رحبت بادئ الأمر بإجراءاته [الاستثنائية]، التي رأى كثيرون أنها جوهرية من أجل معالجة الفساد والطريق السياسي المسدود، لم يكن لها أثر كبير في ترسيخ أقدام الشباب التونسيين في بلاد محطمة بفعل "كوفيد" والبطالة المستشرية والتدهور الاقتصادي.
تصل نسبة البطالة حالياً إلى 18.4 في المئة، وقد ارتفعت من 13 في المئة في عام 2010، أي العام الذي سبق الثورة. ويبلغ سعر الدولار الأميركي الواحد حالياً قرابة 2.9 مقابل الدينار، أي أقل من نصف قيمته قبل 12 عاماً.
وفي الحياة اليومية، تلتمس العائلات في أنحاء تونس العلامات الدالة التي لا يمكن تجنبها بأن تكاليف الحياة تزداد ارتفاعاً، فيما تتضاءل الفرص أكثر فأكثر. علاوة على ذلك، تكاد أزمة نفقات المعيشة في أوروبا نفسها لا تقلق أولئك الذين لا يعرفون من أين ستأتيهم وجبتهم التالية.
مهاجر أنقذه حرس السواحل التونسي يلتقط أنفاسه في بن قردان جنوب تونس في 6 يناير 2022 (غيتي)
والأدهى أن كل ما تبقى للتونسيين من الأمل قد تم سحقه مع وصول الجائحة واستجابة الحكومة لها على نحو فوضوي، ما يضاف إلى سجل برلماني طويل غاب فيه أي فهم واضح للوضع الاقتصادي البائس، ولم يتضمن أي خطة لتوليد بعض التفاؤل بالنسبة للشباب الذين يبلغون سن الرشد على مرمى حجر من الثراء الذي تخيلوا أن أوروبا تخبئه لهم.
إضافة إلى ذلك، فإن قطاع السياحة الأساسي والقطاعات الملحقة به، التي تشكل 14 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي، قد تحطم، ما جعل التونسيين بلا خيار سوى البحث عن [فرص عيش أفضل] في مكان آخر في الخارج.
وتذكر أحلام شمالي، وهي باحثة من المركز الدنماركي للدراسات الدولية، لصحيفة "اندبندنت" أن "الناس الذين تحدثت إليهم يقولون ليس هناك فرص عمل، وهم يتساءلون ما الذي سيتبقى لهم للبقاء على قيد الحياة".
وفي حين كان المهاجرون عادة في غالبيتهم الساحقة شباباً من مناطق فقيرة في البلاد، فإن مزيداً من أبناء عائلات الطبقة المتوسطة يرحلون مع أطفالهم، بحسب شمالي.
وتشير إلى أنه "بالنسبة إلى هؤلاء ممن لا يستطيعون تحمل المغادرة كوحدة [عائلة مع بعضهم بعضاً]، يبدو الخيار أكثر وحشية. إنهم يتخذون القرار بأن أطفالهم لا مستقبل لهم في تونس، ولذلك يتم إرسالهم إلى أقرباء في الخارج فيما يبقى الوالدان هنا".
وطبقاً لبيانات " المنظمة الدولية للهجرة"، فإن قرابة 2500 طفل تونسي قد وصلوا إلى إيطاليا من طريق البحر العام الماضي، وتقدر نسبة من أتوا منهم من دون أهلهم بثلاثة أرباع العدد الإجمالي على الأقل، الأمر الذي أحدث نقلة دراماتيكية على المستوى الديموغرافي في الهجرة إلى أوروبا.
وتضيف شمالي "إذا كان الآباء يرسلون أولادهم للعيش مع أقرباء لهم في أوروبا، فهم حقاً لا يعتقدون أن ثمة مستقبل لهم هنا. هذا تجسيد لحالة اليأس".
وفي حين لا تُعد استطلاعات الرأي العامة في تونس جديرة بقدر كبير من الثقة، وجدت دراسة نُشرت في ديسمبر (كانون الأول) أجراها المعهد الوطني التونسي أن خمس التونسيين يرغبون في الهجرة [بحثاً عن آفاق أرحب].
اقرأ المزيديحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
مع ذلك، من الخطير أن المستقبل مظلم حتى بالنسبة لهؤلاء التونسيين الذين يتمكنون من الوصول إلى أوروبا. بالنظر إلى أن هؤلاء لا يملكون أوراقهم الثبوتية، يقع بعض منهم ضحايا للعصابات الإجرامية فيما يعاني كثيرون من العنصرية.
وفي حين يبقى وضع حد للهجرة أولوية بالنسبة للدول الأوروبية، إلا أن هذه المسألة لا تلقى اهتماماً كبيراً من قبل الرئيس سعيد، كما يبدو. فقد زار مسؤولون من الاتحاد الأوروبي وإيطاليا تونس العام الماضي، وتعهدوا بتقديم مئات الملايين من اليورو على شكل معونات اقتصادية لتشجيع تونس على إدارة حدودها بصورة أفضل.
ويبدو أن حكومة قيس تكتفي بالاعتماد على أجهزتها الأمنية من أجل مراقبة حدودها، في الوقت الذي تُترك فيه منظمات الإغاثة الدولية المختلفة هناك لتؤدي عملها في الأساس بمعزل عن غيرها، كما يوضح باحثون.
وبالنسبة إلى الدول الأوروبية التي تراقب الوضع، يُنظر حالياً بشكل متزايد إلى الهجرة من شمال أفريقيا وغيرها من أجزاء العالم على أنها قضية أمنية وليست مجرد مسألة إنسانية.
بغض النظر عن الطريقة التي تُعالج بها هذه الظاهرة، فمن المرجح أن تصبح أكثر إلحاحاً.
وستتجاوز الهجرة غير النظامية من تونس هذا العام على الأغلب المستويات التي تم تسجيلها في عامي 2020 و2021، حسب تقرير نُشر هذا الشهر من قبل "المبادرة العالمية لمكافحة الجريمة المنظمة العابرة للحدود الوطنية".
وليس من الصعب معرفة سبب ذلك لدى الحديث إلى الشبان العاطلين من العمل في محل لألعاب الكومبيوتر على أطراف الشارع الرئيس في مدينة حلق الوادي.
يقول أسامة الذي يفصح عن اسمه الأول فقط "من يقولون إنهم سيبقون في تونس فهم إما لديهم أب ثري أو وضع عائلي يحتم عليهم البقاء هنا... وبالنسبة لأي شخص آخر فإن [الهجرة] هي الخيار المنطقي الوحيد".
نشرت اندبندنت هذا المقال في 24 يناير 2022
subtitle: بلغت الهجرة غير النظامية (غير الشرعية) من تونس مستويات عالية غير معهودة منذ ثورة عام 2011 ، فيما تفاقم الجائحة من الاضطراب الاقتصادي وتترك الشباب من دون فُرص سانحة، كما يكتب سايمون سبيكمان كوردال في التقرير التاليسايمون سبيكمان كوردالpublication date: الأحد, أبريل 10, 2022 - 12:452024-11-07 06:08:11