Muristek
إستطلاع عن المعالم الثقافية والسياحية في هيت (1)
مدينة الحضارة والتاريخ والتراث والنواعير والعاصمة السياسية للشيوعيين
هيت – حمدي العطار
حينما قررت السفر مع شركة محلية التي تهتم بتنظيم رحلات الى المعالم السياحية لمدن العراق وكانت رحلتهم لهذه الجمعة 4/2الى مدينة (هيت)، لم يخطر على بالي الا تاريخ الحركة الشيوعية في مدينة هيت التي تعد العاصمة السياسية للشيوعيين ابان مراحل تاريخية متعددة! وتذكرت الكاتب المثير للجدل الراحل مدني صالح ،كذلك كنت متشوقا لزيارة منطقة (الشاقوفة) حيث لا زالت النواعير منذ 400 عام وهي تدور لتنقل المياه من نهر الفرات الى البساتين التي تقع في موقع اعلى من النهر.واسترجعت معلومة توضح ان كل حضارات العراق والمعالم العمرانية الاثرية كانت لمدينة هيت بصمة فيها لأنها كما يطلق عليها (مدينة النار) وجاءت التسمية لوجود عيون (القير) التي يتم فيها طلاء المباني قديما بشكل اساسي وحديث لغراض تجنب التشققات، ولم اكن اعرف بأنني سوف اجد متحفا للتراث الشعبي هو (متحف الشهيد أحمد عفتان للتراث) ليكون محطتنا الاولى في هذه الرحلة المبهرة والجميلة! كان الاستقبال عند بوابة المتحف مختلفا! بينما تتوقع ان تجد شخصا مزعجا يقف في البوابة يجبرك قبل الدخول الى تلك الاماكن على دفع اجور زيارة المتحف وقد يتكلم معك من دون ان يبتسم قائلا (ممنوع التصوير) وجدنا العم (حمدي عفتان) يقف مبتسما مرحبا بنا وكأنه يقيم عرسا ويستقبل المدعوين! وبدلا من ان يأخذ من النقود ! اعد طاولة طويلة وضع عليها صحون (الراشي والدبس والتمر وكاسات اللبن) قلنا لرئيس اتحاد الادباء في مدينة هيت (جمال داود) ما هذا الكرم نحن من يجب ان ندفع مقابل المتعة والفائدة من زيارة هذا المرفق التراثي والسياحي المهم ؟ رد علينا: العم حمدي عفتان كريم وعزيز النفس و يشعر بالخجل فهو يريد ان يقدم لكم فطورا متكاملا!
شخصية هيت الأصيلة
تتمتع الشخصيات العامة في مدينة هيت بالطيبة والاصالة، لكن لشخصية حمدي عفتان جاذبية وكارزما خاصة، فعند معرفته بإنني صحفي واعمل في جريدة الزمان رحب بي بحرارة وحماس وسألني عن رئيس التحرير” د. احمد عبد المجيد” فهو قد التقى به في احد المهرجات الثقافية بمدينة هيت، وبدأ يسرد لي قصة هذا المتحف التراثي، بعد ان قلت له : ” هذا المتحف يتشابه مع متحف في لبنان يطلق عليه قصر موسى! والدافع من ذلك المتحف كانت وراءه قصة حب فاشلة واراد موسى ان يثبت لأهل حبيبته بإنه كان جديرا بالاقتران بها، فما هي قصة الحب لدى العم حمدي عفتان التي كانت وراء هذا المتحف؟” قال لي حمدي عفتان” انه قصة حب مدينة هيت تراثها والمقتنيات القديمة الاصلية، كانت لدي هواية جمع الطوابع والصور القديمة منذ كان عمري 16 عاما عام 1972 وقد اشتركت بأحدى المسابقات العالمية وفزت بها واعطوني هدية كاميرا وكانت حافزا كبيرا للاستمرار في التقاط الصور المثيرة والغريبة والاحتفاظ بها ، ثم بعد زيارة احد الاصدقاء في بغداد وهو من هواة جمع التحفيات التراثية احببت هذه الهواية واصبحت عملي وهاجسي واهتمامي، حتى افتتاح المتحف عام 1996 بعد جمع مقتنيات كثيرة تستحق ان تعرض فيه ليكون متحفا للتراث في مدينة هيت (مدينة الثقافة والتراث) وتم الاحتفال بذكرى مرور 25 عاما على تأسيس المتحف عام 2021 وقد شرفني العم حمدي بوضع وشاح الاحتفالية حول رقبتي لأنه يحب الثقافة ويعشق جريدة الزمان.
بندقية الشيخ ضاري
عن سؤالنا عن اهم المقتنيات القديمة التراثية ؟ اجاب :انها بندقية الشيخ ضاري، وبألم وحسرة يقول: كانت لدي العديد من المقتنيات القديمة والاصلية لكن الامريكان عند احتلالهم للعراق ودخولهم لمدينة هيت جعلوا اقامتهم في مبنى متحفي لمدة اسبوعين (وسرقوا) ما خف وزنه وغلا ثمنه!! وعملت جاهدا لتعويض ما سرقوه لكن الحصول على الاشياء التراثية الاصلية ليس سهلا! وجاء داعش وخرب ايضا بعض المقنيات (الامريكان يسرقون وداعش يخربون حضارتنا) وعلى الرغم من كل هذا حاولنا تعويض ما سرق وتم تخريبه فكان جهدا متعبا و مكلفا لكنه يشرفنا ويليق بتراث مدينتنا الحبيبة ، وانا أعتمد على امكانياتي المادية الخاصة، ولا يوجد اي دعم من اية جهة، يقول رئيس اتحاد الادباء في هيت (جمال داود) ان هذه القاعة التي تعرض فيها مقتنيات المتحف وضعها الحاج حمدي عفتان في خدمة الثقافة والادب فنعقد بها الجلسات الادبـــــــية والثقافية والتي تتناول التاريخ والتراث والاثار.
صور الملوك والرؤساء
صور كثيرة قديمة ومن التاريخ المعاصر حصل عليها حمدي عفتان وتعرض في المتحف (صور الملوك الثلاثة والرؤوساء الجمهورية ) وصور لمدينة هيت في مراحل تاريخية متعاقبة ،اما صورة شقيقه الشاب (الشهيد احمد عفتان) تتصدر تلك الصور وهو اطلق اسم المتحف على اسمه تخليدا لذكراه!
اشادة بالمتحف
كل من يزور المتحف يعجب به ويعد انجازا يستحق الاشادة فالروائي حميد المختار قد زار هذا المتحف وكتب عنه قائلا:” أنتم وجه العراق الحقيقي وفقكم الله لما يحب ويرضى ونحن المؤسسات الثقافية غير الحكومية سنكون معكم اليوم وغدا بإذن الله أتمنى لكم النجاح الدائم” اما الفنان التشكيلي (دهام بدر) فكتب عن المتحف قائلا:” أسجل إعجابي بما شاهدت وسروري العالي بما تأثرت به تراث حضاري وفكري وفني أصيل”اما د. سعدي الحديثي فكتب ” اثارني وجود هذا المتحــــــــف في مدينة هيت وشعرت بالفخر لأن أبناء هذه المديــــــــنة يتمسكون بتقاليدهم الثقافية المتأصلة، وعظـــــــمة هذا المشروع أنه مؤسسة خاصة يتولى أمرها واحد من أبناء هيت التي تزخر بالعـــــــــلماء والكتاب والشعراء”
مادة القير والحضارات
يطلق على هيت (مدينة النار) لما تملكه من عيون (القير) وفي المتحف يوجد نموذج لكيفية عمل القير الذي تطلى فيه المباني لتكون متماسكة وشرح لنا الحاج (خالد جهاد حسن) تفاصيل هذه العملية موضحا ان كل حضارات العراق اعتمدت في البناء على مادة القير ، والان يستخدم القير في طلاء السطوح وتاريخيا تم طلاء سفينة نوح وبرج بابل والزقــــــــوة ،ثم اشار الى (المكوار) الذي يعلق في المتحف قائلا يمكنك ان تعرف المكوار الذي واجه الثائر فيه مدافع الانكليز هو متكون من عصا غليظة في نهايتها (القير) الحجري! وضحكنا ونحن نسترجع هوسة ثورة العشرين (الطوب احسن لو مكواري)