Breaking News >> News >> Azzaman


فرقة المسرح الفني الحديث في ذكرى تأسيسها السبعين   1-2


Link [2022-04-17 01:52:43]



فرقة المسرح الفني الحديث في ذكرى تأسيسها السبعين   1-2

يوسف العاني يتسلّم رئاسة العمل طوال خمسة عقود

بغداد –  كافي لازم

لم يكن يوسف العاني بحاجة الى امرأة تصحبه وتدس ذراعها في خاصرته اثناء مسيره . فهو عندما يخرج من دائرة الاذاعة والتلفزيون متجهاً صوب جسر الاحرار يبحث عن شجرة حمضيات او شجرة اليوكالبتوس ليدعك اوراقها في كفيه ليكون انيقا معطرا وبالتالي يسمع سيلا من المديح والثناء من المارة واصحاب المحلات وعند نهاية الجسر بعد ان شم نسيم نهر دجلة الخالد منتشيا . هنا يرفع يده لتأجير سيارة التكسي للذهاب لفرقة المسرح الفني الحديث يتوقف عشرات السواق لايصاله مجاناً والتمتع بحديثه لدقائق… وهنا لابد ان نعرج قليلا عن تاريخ تأسيس هذه الفرقة العريقة اذ تظافرت جهود مجموعة من الشباب المتحمس والذي جمعهم الفكر التقدمي والصداقة لتأسيس فرقة المسرح الحديث حينها قدم الفنان إبراهيم جلال طلبا لاجازة الفرقة وتم له ذلك في الثاني من نيسان 1952 وكانت الهيئة الادارية الاولى على الشكل الاتي : ابراهيم جلال/ رئيسا، يوسف العاني / سكرتيرا، عبد الرحمن بهجت/ محاسبا، يعقوب الامين/ عضوا.

ويعتبر هذا اليوم انعطافا تاريخياً في مسيرة المسرح العراقي حيث بنى هؤلاء الشباب الطموح وعلى جهودهم الذاتية مسرحاً من طين وخشب بإيدي اعضاءها في مقر جمعية النداء في الاعظمية وقدموا العديد من الاعمال العالمية كذلك المحلية ومنعت هذه الفرقة لعدة مرات ايام العهد الملكي لانها كانت تعالج مشاكل اجتماعية وتهيج الرأي العام(هذا ما جاء بكتاب المنع) وبعد ثورة تمــــــــــوز عيد اجازتها للمرة الثانية بتاريخ  1958/10/22 بأسم الرائد المؤسس ابراهيم جلال وكانت اول أعمالها (أني امك يا شاكر) في العهد الجمهوري وقد التقى الزعيم الراحل عبد الكريم قاسم باعضاء الفرقة واثنى على عملها وطلب منها، إعادة العمل مرة أخرى كان الاقبال على العرض كبيرا. وقد اندمجت الفرقة مع مجموعة المسرح الفني التي يقودها الفنان خليل شوقي. اصبحت باسمها الجديد (فرقة المسرح الفني الحديث) اجيزت هذه المرة بموافقة (الامن العامة) وبعدها الوزارة في 13 ايار 1965. استطاعت الفرقة ان تعرض أعمالها على مسرح بغداد عام 1968 بمسرحية (المفتاح) ليوسف العاني كانت نقلة نوعية ذلك لطبيعة العرض غير التقليدية من ناحية الشكل والمضمون وهي قريبة للمسرح البرشتي تعتبر سابقة تحسب ليوسف العاني والفرقة. استقرت الفرقة على هذا المسرح الى ان تم إيجاره عام 1970 كمقر ثابت لها والملاحظ إن اغلب ريع هذه الفرقة لدعم العمل الفدائي في فلسطين.

تنوعت أعمال الفرقة بين العالمية والمحلية اهتمت باحتضان كثير من الاجيال الشابة الذين هم فاعلون الان بالحركة الفنية ومنهم من حصل على شهادات عليا وهم الفنانون (روميو يوسف , مقداد عبد الرضا , لطيف صالح , صلاح القصب ,  فاضل خليل, فاضل السوداني ، عقيل مهدي , جواد الاسدي، حكمت داوود ، أثير عبد الوهاب، وليد شامل، رياض شهيد الباهلي، خليل الحرگاني، اسماعيل خليل ,عزيز خيون، عواطف نعيم , اقبال نعيم , حازم كمال الدين ،غانم بابان، إقبال محمد علي، حميدة العربي، سناء التكمجي، عبد الخالق المختار , حكيم جاسم , طه رشيد  , مظفر الطيب , محمد عمر ، باسم عبد القهار ، وكافي لازم…. واخرون ) واصبحت الفرقة بمثابة معهد للفنون اذ ان الفرقة لم تكتفي بالعروض المسرحية بل اقامت ندوات فنية عديدة كذلك معارض تشكيلية ومشغل مسرحي يضم طلاب المسرح والرواد أيضاً. اهتمت بالارشيف الفني ومكتبتها عامرة بمختلف الكتب الفنية والأدبية. مؤسف ان هذا المنجز الكبير يتحطم وسط الفوضى في خضم الأحداث الكارثية بعد عام 2003 كذلك خسرت بناية مسرح بغداد برمته والذي اصبح مكبا للنفايات. حقيقة تظافرت بعض الجهود لإعادة المسرح بعد استبشارنا بالتغيير وقطعنا شوطا لا باس به لترميم بعض الحالات كاكساء الخشبة وترميم غرف الممثلين وامور اخرى (وهذا تم بأيدي اعضاء الفرقة) روادا وشبابا.

وفي يوم ما جئنا لتكملة العمل الا انا وجدنا ان الابواب قد تهشمت والشبابيك قد تكسرت وسياج المسرح قد تهدم .من هنا ضاع المسرح. ولم نستطع الوصول أليه وسط الاقتتال الطائفي البغيض ولم تهتم اي من الحكومات المتعاقبة بهذا الصرح العظيم.

تنظيم الفرقة

تسلم يوسف العاني رئاسة الفرقة طيلة خمسة عقود بعد استقرارها كانت اهم نقطة يرتكز عليها هو تنظيم الفرقة إدارياً وماليا بعد ان توسعت بعدد اعضاءها ونشاطها ليس على مستوى المسرح فقط بل في الإذاعة والتلفزيون، الفرقة في عهده تعتمد على نظام داخلي سنته لنفسها باستشارة لجان قانونية وفنية وهو في غاية الدقة يعتبر في حينه نظاما متقدماً يتضمن الثوابت والاسس لاستقرار الهيئات الادارية المتعاقبة من خلال انتخابات تجرى سنويًا بعد قراءة التقرير المالي والاداري للسنوات السابقة ولا ننسى انه كان محامياً وخريج كلية الحقوق كذلك فتح العضوية للجميع وقد شملت فنانين تشكيليين ومحامين واطباء ومن محبي الفرقة كأعضاء شرف وبحكم موقعه الاجتماعي في اوساط النخبة من المجتمع العراقي كان له تأثير فاعل في توجيه هذه النخب باتجاه المسرح واهميته في بناء المجتمع جماليا وفكريا.

كانوا حاضرين في جميع عروض الفرقة وهناك بعضاً منهم من المتمكنين ماديا لا يتاخرون عن مساعدة الفرقة والتبرع لها حدث هذا في حالة إنتاج عمل كبير كثير التكاليف ك(بغداد الازل)، (القربان) و(الخان).

ان الفرقة قد تلقت ضربات موجعة مباشرة وغير مباشرة اولها مغادرة اغلب اعضاءها المهمين في نهاية السبعينات وبداية الثمانينات نتيجة ضغوطات السلطة على العناصر التي تحمل الفكر التقدمي والتدخل في عروض الفرقة بكل شاردة واردة ليس بالنص المكتوب فقط بل اثناء العرض كذلك ومراقبة حجم الجمهور وحتى انفعالاته وتجاوبه مع المعروض وبالتالي اعتكاف الجمهور عن الحضور للمسرح كذلك ظهور المسرح الكوميدي الهابط وبتشجيع من الدولة بحجة الترفيه والمتعة اضف الي سنوات الحصار التي اثقلت موارد الفرقة الشحيحة بالاصل الى درجة الافلاس وعدم القدرة على دفع راتب حارس المسرح وفاتورة الماء والكهرباء كذلك ايجار المسرح. مع كل هذا وذاك فإن يوسف العاني بتاريخه الفني الحافل على مدى سبعة عقود استطاع ان يمرر خطابه الفكري والفني في مختلف العصور والحكومات التي عاصرها من العصر الملكي الى الجمهوريات الستة وفي خضم المتغيرات كان دائما يضع خيطا من التعامل مع المؤسسات الرسمية مستغلاً مساحته المؤثرة جدا مع الذين يتعامل معهم. فترى ان هذا الخيط يشتد هنا ويرتخي هناك بمعنى انه يختلف ويتفق بدرجات متفاوتة فهو حذر وحذق بالوقت نفسه. انه يتهرب من مقص الرقيب بطريقة مبتكرة كمؤلف يتخذ شكلا معيناً للعرض من ناحية الزمان والمكان كذلك الديكور والملابس ومكملات العرض الاخرى لكنه كوحدة عرض يخاطب الوضع المعاصر ويدفع بحوار مثير يداعب مشاعر الجمهور والواقع الراهن وروح الحاضر باستعمال مفردات معينة وجمل يمررها بايحاءات وايماءات بين الغمز واللمز ليشد للمشاهد لموقف ما على سبيل المثال : في حوار عن الحية (وهي رمز لكثير من الامور) يقول: مع الاسف قضينا على ذيلها ولكن الرأس باقية او عن لسان احد الشخصيات يقول (همزين اكو عرگ بالعراق جان شسوينا) وهنا تضج القاعة بالتصفيق والاستحسان.



Most Read

2024-09-21 05:48:34