Breaking News >> News >> Azzaman


مُسَكِنات


Link [2022-06-17 22:38:26]



مُسَكِنات

في العادة، وحينما يتحسس انزلاق فقرات الجسد الاجتماعي وانتهازية المصالح في تسييرها ، لا يجد مسكناً ألطف من تقليب الماضي، والبحث في التراث، ولا سيما الفولكلوري منه على جهة الامتاع والهروب من الواقع..

هكذا هو صديقي المقموع (رعد..)، ولا أخفي مللي الدائم من تكرار القصص التي تحكي معاناته أبان زواجه الأول في بيت أهله المكتض بجيش من الأخوة العاطلين عن العمل والأخوات العاذلات، مما تسبب بانفصالهِ، بشكل لا يختلف فكاهياً عن (قيس – لبنى) وافتراقهما.. ذلك الملل الذي تصاحبه ضحكات لا يمكن عندها إغلاق فمي!!، لتكرار أحاديثه نفسها في كل لقاء، وغالبا ما ينتهي بالخروج من المقهى دون دفع ثمن الشاي مع زعل مؤقت!..

وعلى الرغم من هذا فإن عودة صديقي إلى مسكنات التراث الفولكلوري لها ما يبررها، فالحياة استوائية كما يقول، وافقدت القلوب براءتها وجعلتها أقسى من عيادات الأطباء!!

وفي ليلة شتائية يحلم بنسماتها كل عراقي جنوبي كان يحدثني، عن: التملق للمسؤول، فالمتملقون مخلوقات عجيبة، قادرة على التلون بشكل لا تجيده حرباء الأدغال ، فهم وصوليون، يحققون الانتفاع من أي مسؤول.. ولهم تاريخ مهني “في طلاء الشخصيات”، لا يخلو منه عصر من تاريخ الانسانية، وقلما نجد متملقا فاشلا في تزلفه، وهو يحقق من خلال كم هائل من المدح المنافق ما يصبو إليه بطريقة تعجز عنها الوساطات المصلحية والحزبية وروابط الدم،  وللمتملقين أسلوب غريب في الاستدراج والاقناع وصولا إلى توهيم المسؤول بأنه يمتلك الصفات التي نزعها عليه المتملق..

وتاريخنا الشرقي مليء بالشواهد التي اضفت صفات خارقة على المسؤولين وصدق المساكين ذلك، فتارة يصفون الخليفة بالقاهر وأخرى بالجبار، لتنتقل هذه الملاقة إلى تقديس الحاكم وحرمة الخروج عليه فيما بعد!..

ولا يختلف الغربيون عنا كثيرا، فهذا إدموند سبنسر مدح الملكة إليزابيث الأولى في ملكة الجن إلى درجة النفاق، كما فعل وليم شكسبير مع الملك جيمس الأول في مكبث، وأيضا نيكولو مكيافيلي مع لورينزو الثاني دي ميديشي في كتاب الأمير.

ومن الانصاف أن نعترف بسعة خيال المتزلفين إلى المسؤول، فهم يختلقون الموضوعات التي تقربهم إليه.. يذكر أن أحد المتزلفين وهو “خالد بن صفوان” لم يجد ما يتملق به لـ”أبي العباس السفاح” فدخل عليه ولم ير أحداً عنده فقال: يا أمير المؤمنين من اليوم الذي وصلت إليك الخلافة كنت أتمنى أن أخلو معك فتلطّف إن أحببت بأن تمنع أحداً من الدخول عليك حتى أحدثك كلاماً، فطلب السفاح من الحاجب ألا يدخل أحدا. قال خالد: يا أمير المؤمنين فكرت فيك ملياً فلم أر أحداً قادراً على النساء مثلك، فلماذا اقتنعت بواحدة؟!

إذ قناعتك بواحدة يعني أنه إذا مرضت مرضت وإذا غابت كنت غائباً.. أيها الخليفة فعليك ببنات المدينة والطائف واليمامة فالواحدة منهن غير الأخرى .. ومع شديد الأسف صدق السفاح بذلك !!

أما في أيامنا فإن تورم هذه الجدران له ما يبرره، ولا سيما أن نوعية الأصباغ التي يطلي بها الصباغون، اتخذت ماركات حديثة، لم يعهدها تاريخ النفاق البشري، أما صديقي (رعد) فلا يمل تكرار الحديث عن أحد المتملقين الذي ناهزت خدمته ثلاثين مسؤولا ولا زال في منصب التزلف لأي مسؤول، ومن ذلك أنه يحكي عن دائرة حكومية تعاقب عليها أكثر من مدير في وقت قصير، في حين لم يفقد هذا الصباغ المخضرم، وظيفته في الطلاء، وكلهم كان يصدق أنه بطل قومي وفاتح القسطنينية، متناسياً المثل المشهور (خادم سيدين يكذب على أحدهما..)، حتى أن أحدهم بدأ باصطحاب المشط ليسرح شعره، مع أنه أصلع الرأس!!

محمد جاسم الأسدي – بغداد



Most Read

2024-09-16 16:51:15