Breaking News >> News >> Azzaman


وأطلّت أنوار الإمام الرضا (ع) – حسين الصدر


Link [2022-06-11 23:55:13]



وأطلّت أنوار الإمام الرضا (ع) – حسين الصدر

في الحادي عشر من ذي القعدة سنة 148 هـ

لمحات انسانية في سيرة الامام الرضا (ع)

الامام الرضا (عليه السلام) قمةٌ رسالية شامخة وَوَجْهٌ ناصِعٌ للإمامة الحقة والزعامة الربانية الصالحة .

وهو الامام الثامن من ائمة الهدى من اهل البيت (ع) الذين أذهبَ اللهُ عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا .

أئمتُنا الطيبون الهداةُ

شموسٌ وأنوارُهم بازِغَهْ

وقد ملأ الدنيا علماً وهدَّى وصلاحاً وبِرّاً ، وحسبُنا أنْ نقف عند بعض اللمَحات الانسانية في سيرته المباركة.

-1-

الوظيفة الاجتماعية للمال

” فرّق (عليه السلام) بخرسان مالَهُ كُلَّه في يوم عرفة فقال له الفضل بن سهل :

إنّ هذا لمَغْرمٌ فقال :

بل هو المغنم، لا تَعُدنَّ مغرماً ما ابتَعْتَ به أجراً وكرماً “

إنفاق المال في منظور الامام الرضا (ع) لا يشكل إلا مغنماً متى كان في سبيل الله، وسبيل الله هو سبيل المستضعفين من عباده، والاّ فانّ الله هو الغنيّ عن كل تلك الانفاقات .

أنفق (سلام الله عليه) كل ما لديه في يوم من أشرف أيام الله قدراً وشأناً – وهو يوم عرفة – معتبراً ذلك مغنماً لا مغرماً ، أي (ربحاً لا خسارة) .

والسؤال الآن :

كيف يكون ذلك ؟

انها نظرة عميقة الدلالة الى الوظيفة الاجتماعية للمال، فالمال لا قيمة له عند الامام (ع) إلاّ بمقدار ما يُسهم في الخدمة الاجتماعية والبرّ الانساني.

ويشكل التلازم بين الخدمة الاجتماعية والمثوبة الربانية قانوناً مطردا في ظل النظرية الاسلامية التي كان الامام الرضا (ع) حريصاً على اقترانها بأروع التطبيقات من خلال تجسيداته الحيّة .

وهكذا كلما عظمت الخدمة الاجتماعية عظمت المثوبة الالهية الممنوحة لصاحب الخدمة، ومن فاز برضوان الله وثوابه فهو “الرابح” وان فَقَد المال .

على عكس المحتفظ بالمال مع تجميع الاصفار فهو “الخاسر” في ميزان التقويم الرباني .

وهنا يمكن سرّ هذا الدرس البليغ .

-2-

عمق الحرص على الكرامة البشرية

” جاءه خراساني صادرٌ من الحج فقال :

قد افتقدتُ نفقتي وما معي ما أبلغ به مرحلةً .

فدخل (ع) الحجرة ثم خرج وردَّ الباب، وأخرج يده من أعلى الباب وأعطاه مئتي دينار .

فقيل له :

لقد أجزلتَ ورحمتَ فلماذا سترتَ وجهَك عنه ؟

فقال (ع) :

مخافةَ أنْ ارى ذُلّ السؤال في وجهه ” .

لا نعرف في تاريخ الحضارات كلها مُعطى انسانياً نبيلاً يوازي صنيع الامام (ع) مع هذا الخراساني .

انه يتحاشى مواجهة صاحب الحاجة بالرغم من احسانه الكبير اليه ،

خشية أنْ يرى ذُلَّ السؤال في وجهه .

وهكذا عاشت الانسانية ربيعها على يد الامام الرضا (ع)، بينما تشهد احتضارها اليوم على يد الحضارة المادية المعاصرة والمنبهرين بها من انصاف الرجال .

-3-

الحنو على البائسين

قال ابراهيم بن العباس :

” كان الرضا (ع) كثيرَ المعروف والصدقة في السر، واكثر ذلك يكون منه في الليالي المظلمة “.

أولياء الله لا يغمض لهم جفن ، ولا يهدأ لهم بال حين يرون معاناة البائسين من المستضعفين من ذوي الأكباد الحرّى والمتضورين من سعار الحاجة والفاقة، وَدَوْرُهم دَوْرُ النفحات الشذية التي تهب لتنعش، ودور الغَيْث الذي يُحيي الارض الموات، ولكي يكون عملهم خالصاً لوجه الله فهم يبتعدون عن الاضواء ويتخيرون غلس الليل البهيم لمباشرة مهامهم تلك .

هذا على العكس تماماً من الحكّام الطغاة والمترفين الذين ماتت قلوبُهُم ولم يعودوا يفكرون إلاّ بذواتهم وشهواتهم وملذاتهم، وذلك هو حضيض الانانية والتدحرج الى القاع..!!

-4-

النزعة الانسانية الرائدة

دعا (ع) بمائدة له فجمع عليها مواليه من السودان وغيرهم فقال له بعض اصحابه :

جُعلتُ فِداكَ لو عزلتَ لهؤلاء مائدة .

فقال (ع) : إنَّ الرب تبارك وتعالى واحد ،

والأم واحدة

والاب واحد

والجزاء بالاعمال ” .

صاحب هذه النزعة الانسانية لا بُدَّ أنْ يحطم أسوار الزمان والمكان، وأنْ يستقر في حنايا القلوب والوجدان .

انه يجسد روح الاسلام في المساواة والاخاء الانساني العام بعيداً عن كل نزعة فوقية او طبقية او عِرْقيّة …

وهذا السبق الحضاري للاسلام هو الذي جعل المستضعفين – والسود منهم بوجه خاص – يقبلون على اعتناقه بعد أنْ جربوا ظلم الانسان (الابيض) وحضارته الزائفة ومدعياتها الجوفاء .

-5-

كرم الضيافة

نزل بالرضا (ع) ضيف وكان جالساً عنده في بعض الليل ، فتغيّر السراج فمدّ الرجل يده ليصلحه فنهاه الامام وأصلحه بنفسه

وقال :

إنا قوم لا نستخدم أضيافنا ” .

انظر الى النفس الكبيرة كيف تُصِرّ – ومن موقع الطُهر والصفاء والاشراق – على أنْ تكون صاحبة المبادرة الكريمة لا يلذّ لها إلاّ البذل، وفي ذلك نشوتها ولا يروق لها إلا مكارم الاخلاق …

والامام الرضا (ع) يكشفُ بهذا التواضع عن واقع ذاته النبيلة التي انطوت على كل خصائص السمو الانساني والعظمة والنبل الذي لا يُحد .

قرأت بالأمس بيتيْن جميلين أحببت أن أزين بها المقالة واختمها :

قال الشاعر :

قصدتُ أبا الجواد بأرض طُوسٍ

فجاد بما أُريد أبو الجوادِ

وكيف يردني وهو ابن بابِ

الحوائجِ وابنُه بابُ المراد ؟

رزقنا الله واياكم التشرف بزيارته في الدنيا ونيل شفاعته في الآخرة

انه سميع مجيب .



Most Read

2024-09-16 15:26:44