Breaking News >> News >> Azzaman


فنانون متنكرون في أزياء نسائية لرد الاعتبار لتراث شعبي بالمغرب 


Link [2022-06-11 14:49:30]



الرباط‭ (‬أ‭ ‬ف‭ ‬ب‭) – ‬يعتلي‭ ‬أعضاء‭ ‬فرقة‭ “‬كباري‭ ‬الشيخات‭” ‬الغنائية‭ ‬خشبة‭ ‬المسرح‭ ‬متزينين‭ ‬بماكياج‭ ‬فاقع‭ ‬ومسدلين‭ ‬على‭ ‬رؤوسهم‭ ‬شعرا‭ ‬مستعارا‭ ‬ومرتدين‭ ‬فساتين‭ ‬القفطان‭ ‬النسائي‭ ‬التقليدي،‭ ‬في‭ ‬عرض‭ ‬يسعى‭ ‬الى‭ ‬إحياء‭ ‬موسيقى‭ ‬العيطة‭ ‬الشعبية‭ ‬التي‭ ‬تندرج‭ ‬ضمن‭ ‬الفنون‭ ‬النسائية‭ ‬التراثية‭ ‬في‭ ‬المغرب‭.‬

اختار‭ ‬هؤلاء‭ ‬الرجال‭ ‬اسم‭ “‬كباري‭ ‬الشيخات‭” ‬لفرقتهم‭ ‬الفنية‭ ‬نسبة‭ ‬إلى‭ “‬الشيخة‭”‬،‭ ‬وهي‭ ‬التسمية‭ ‬التي‭ ‬تطلق‭ ‬بالعامية‭ ‬على‭ ‬الفنانة‭ ‬التي‭ ‬تؤدي‭ ‬هذا‭ ‬اللون‭ ‬الموسيقي‭ ‬الشعبي‭ ‬المعروف‭ “‬بالعيطة‭”.‬‮ ‬

ويسعون‭ ‬منذ‭ ‬العام‭ ‬2016‭ ‬إلى‭ ‬رد‭ ‬الاعتبار‭ ‬لهذا‭ ‬الفن‭ ‬النسائي‭ ‬والحفاظ‭ ‬عليه‭ ‬من‭ ‬الاندثار،‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬تقمص‭ ‬شخصية‭ ‬الشيخات،‭ ‬في‭ ‬مبادرة‭ ‬تخرق‭ ‬المعايير‭ ‬المجتمعية‭ ‬المحافظة‭ ‬التي‭ ‬ما‭ ‬تزال‭ ‬مثقلة‭ ‬بالثقافة‭ ‬الذكورية‭. ‬لكن‭ ‬عروضهم‭ ‬الراقصة‭ ‬تشعل‭ ‬المسارح‭ ‬التي‭ ‬تحتضنهم،‭ ‬كما‭ ‬حصل‭ ‬خلال‭ ‬العرض‭ ‬الذي‭ ‬قدموه‭ ‬مؤخرا‭ ‬في‭ ‬مسرح‭ ‬امتلأ‭ ‬عن‭ ‬آخره‭ ‬بالرباط‭. ‬وذلك‭ ‬بعد‭ ‬جولة‭ ‬غير‭ ‬مسبوقة‭ ‬في‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭.‬‮ ‬

ويقول‭ ‬مؤسس‭ ‬الفرقة‭ ‬ومخرج‭ ‬عروضها‭ ‬غسان‭ ‬الحاكم‭ ‬لوكالة‭ ‬فرانس‭ ‬برس‭ “‬هذه‭ ‬الموسيقى‭ ‬تراث‭ ‬نسائي‭ ‬ثمين،‭ ‬من‭ ‬الضروري‭ ‬إيلاؤها‭ ‬القيمة‭ ‬التي‭ ‬تستحق‭.‬‭ ‬هذا‭ ‬ما‭ ‬يحفزنا‭”.‬

ويضيف‭ ‬الفنان‭ ‬ذو‭ ‬ال37‭ ‬عاما‭ “‬مضت‭ ‬ستة‭ ‬أعوام‭ ‬على‭ ‬تأسيس‭ ‬الفرقة،‭ ‬لكننا‭ ‬لا‭ ‬نزال‭ ‬نتعلم‭ ‬ونبحث‭ ‬باستمرار‭”.‬

‭”‬جذور‭ ‬عميقة‭” ‬

وتمزج‭ ‬عروض‭ “‬كباري‭ ‬الشيخات‭” ‬بين‭ ‬الغناء‭ ‬والتشخيص‭ ‬المسرحي‭. ‬وتسافر‭ ‬بالجمهور‭ ‬عبر‭ ‬مناطق‭ ‬مختلفة‭ ‬من‭ ‬المملكة،‭ ‬لكل‭ ‬منها‭ ‬نمطه‭ ‬الخاص‭ ‬من‭ ‬موسيقي‭ “‬العيطة‭” ‬المتوارثة‭ ‬عبر‭ ‬الأجيال‭ ‬والمنتشرة‭ ‬على‭ ‬الخصوص‭ ‬في‭ ‬البوادي‭.‬

يبدأ‭ ‬العرض‭ “‬بعيطة‭ ‬جبلية‭” ‬نسبة‭ ‬إلى‭ ‬منطقة‭ ‬جبالة‭ ‬في‭ ‬شمال‭ ‬المملكة،‭ ‬مرورا‭ ‬بفاس‭ ‬ثم‭ ‬ضواحي‭ ‬الرباط‭ ‬قبل‭ ‬أن‭ ‬يتوغل‭ ‬في‭ ‬سهول‭ ‬دكالة‭ ‬عبدة‭ ‬التي‭ ‬تعد‭ ‬معقل‭ ‬هذا‭ ‬الغناء‭. ‬ويوضح‭ ‬الشاعر‭ ‬والباحث‭ ‬المتخصص‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬الفن‭ ‬حسن‭ ‬نجمي‭ ‬لوكالة‭ ‬فرانس‭ ‬برس‭ ‬أن‭ ‬هذا‭ ‬التراث‭ “‬مبني‭ ‬على‭ ‬التناقل‭ ‬الشفهي،‭ ‬وتعود‭ ‬جذوره‭ ‬إلى‭ ‬القرن‭ ‬الثاني‭ ‬عشر،‭ ‬مستمدا‭ ‬قوته‭ ‬الشعرية‭ ‬من‭ ‬الحياة‭ ‬اليومية‭”. ‬وتتناول‭ ‬أغاني‭ ‬العيطة‭ ‬مواضيع‭ ‬من‭ ‬حياة‭ ‬القبائل‭ ‬البدوية‭ ‬وتفاعلها‭ ‬مع‭ ‬الطبيعة،‭ ‬ولكن‭ ‬أيضا‭ ‬موضوعات‭ ‬الحب‭ ‬والمتعة‭ ‬الجنسية،‭ ‬من‭ ‬دون‭ ‬مواربة‭.‬‮ ‬‭ ‬في‭ ‬أواخر‭ ‬القرن‭ ‬التاسع‭ ‬عشر،‭ ‬غدت‭ ‬لهذه‭ ‬الأغاني‭ ‬الاحتفالية‭ ‬قيمة‭ ‬متميزة،‭ ‬إذ‭ “‬أولتها‭ ‬السلطة‭ ‬اهتماما‭ ‬خاصا‭ ‬لأنها‭ ‬كانت‭ ‬بمثابة‭ ‬وسيلة‭ ‬لترويج‭ ‬دعايتها‭”‬،‭ ‬وفق‭ ‬نجمي‭. ‬

وخلال‭ ‬خضوع‭ ‬المغرب‭ ‬للحماية‭ ‬الفرنسية‭ ‬الإسبانية‭ (‬1912-1956‭)‬،‭ ‬أصبح‭ ‬هذا‭ ‬الغناء‭ ‬أيضا‭ ‬وسيلة‭ ‬لإذكاء‭ ‬روح‭ ‬المقاومة‭ ‬بأشعار‭ ‬زجلية‭ ‬عامية‭.‬

حتى‭ ‬تسعينات‭ ‬القرن‭ ‬الماضي،‭ ‬ظلت‭ ‬الشيخات‭ ‬يتمتعن‭ ‬بهالة‭ ‬ويحظين‭ ‬بالاحترام‭. ‬وكانت‭ ‬تتم‭ ‬دعوتهن‭ ‬لإحياء‭ ‬الحفلات‭ ‬الكبرى‭ ‬والأعياد‭ ‬الوطنية‭. ‬لكن‭ ‬التحولات‭ ‬المجتمعية‭ ‬والثقافية‭ ‬أثرت‭ ‬على‭ ‬صورتهن‭ ‬ومكانتهن‭.‬

وأصبح‭ ‬يشار‭ ‬إليهن‭ ‬باعتبارهن‭ “‬رمزا‭ ‬للرذيلة‭”. ‬ويرى‭ ‬نجمي‭ ‬أن‭ ‬من‭ ‬أسباب‭ ‬ذلك‭ ‬أيضا‭ “‬النفاق‭ ‬وازدواجية‭ ‬الخطاب‭ ‬لدى‭ ‬فئة‭ ‬من‭ ‬المجتمع‭”.‬

‭”‬الأحكام‭ ‬الجاهزة‭” ‬

ودفعت‭ ‬هذه‭ ‬النظرة‭ ‬الدونية‭ ‬أعضاء‭ ‬فرقة‭ “‬كباري‭ ‬الشيخات‭” ‬إلى‭ ‬العمل‭ ‬على‭ ‬إعادة‭ ‬الاعتبار‭ “‬لهؤلاء‭ ‬النساء‭ ‬القويات‭”‬،‭ ‬كما‭ ‬يصفهن‭ ‬عضو‭ ‬الفرقة‭ ‬أمين‭ ‬ناوني‭.‬ويقول‭ ‬موضحا‭ “‬لم‭ ‬نخترع‭ ‬شيئا‭ ‬من‭ ‬هذه‭ ‬العروض‭ ‬الاحتفالية‭. ‬كل‭ ‬ما‭ ‬نقوم‭ ‬به‭ ‬هو‭ ‬التذكير‭ ‬بظاهرة‭ ‬كانت‭ ‬موجودة‭ ‬في‭ ‬مجتمعنا‭”.‬

ولا‭ ‬يخفي‭ ‬الفنان‭ ‬ذو‭ ‬ال28‭ ‬عاما‭ ‬أنه‭ “‬خشي‭” ‬في‭ ‬بداية‭ ‬التجربة‭ ‬من‭ “‬الأحكام‭ ‬الجاهزة‭” ‬التي‭ ‬لا‭ ‬تنظر‭ ‬بعين‭ ‬الرضى‭ ‬لرجل‭ ‬يتقمص‭ ‬شخصية‭ ‬امرأة‭ “‬شيخة‭”. ‬لكنه‭ “‬تجاوز‭ ‬هذه‭ ‬الخشية‭ ‬مع‭ ‬مرور‭ ‬الوقت‭”. ‬عموما‭ ‬ليست‭ ‬فكرة‭ ‬تقمّص‭ ‬شخصيات‭ ‬نسائية‭ ‬من‭ ‬طرف‭ ‬رجال‭ ‬جديدة‭ ‬في‭ ‬المغرب‭. ‬ويقول‭ ‬نجمي‭ “‬في‭ ‬الماضي،‭ ‬كان‭ ‬ذلك‭ ‬أمرا‭ ‬عاديا‭ ‬لأن‭ ‬الفضاء‭ ‬العمومي‭ ‬كان‭ ‬مغلقا‭ ‬في‭ ‬وجه‭ ‬النساء‭. ‬كنا‭ ‬نرى‭ ‬رجالا‭ ‬يضعون‭ ‬زينة‭ ‬نسائية‭ ‬ويرتدون‭ ‬فساتين‭ ‬القفطان‭ ‬ليرقصوا‭ ‬في‭ ‬الحفلات،‭ ‬دون‭ ‬أن‭ ‬يطرح‭ ‬ذلك‭ ‬أي‭ ‬مشكل‭”.‬

ولم‭ ‬يكن‭ ‬الأمر‭ ‬حكرا‭ ‬على‭ ‬المغرب،‭ ‬بل‭ ‬كان‭ ‬يحدث‭ ‬أيضا‭ ‬في‭ ‬بلدان‭ ‬أخرى‭ ‬مثل‭ ‬اليابان‭.‬

ويعتبر‭ ‬غسان‭ ‬الحاكم‭ ‬ورفاقه‭ ‬أن‭ ‬الحدود‭ ‬بين‭ ‬الذكورة‭ ‬والأنوثة‭ ‬تبقى‭ ‬شفافة‭. ‬وهذه‭ ‬الفكرة‭ “‬جد‭ ‬مهمة‭” ‬بالنسبة‭ ‬إليهم،‭ ‬كونهم‭ ‬لا‭ ‬يتقاسمون‭ ‬النظرة‭ ‬المعيارية‭ ‬والجامدة‭ ‬للفروق‭ ‬بين‭ ‬الرجال‭ ‬والنساء‭.‬

ويوضح‭ ‬قائلا‭ “‬في‭ ‬كل‭ ‬عرض‭ ‬أشاهد‭ ‬التلاحم‭ ‬مع‭ ‬الجمهور،‭ ‬الجميع‭ ‬يشعر‭ ‬بالرضى‭ ‬رغم‭ ‬اختلافاتنا،‭ ‬أستطيع‭ ‬أن‭ ‬أقول‭ ‬إذا‭ ‬إنه‭ ‬من‭ ‬الممكن‭ ‬أن‭ ‬نتعايش‭ ‬جميعا،‭ ‬ليس‭ ‬فقط‭ ‬خلال‭ ‬المدة‭ ‬التي‭ ‬يستغرقها‭ ‬العرض‭”.‬

وإذا‭ ‬كانت‭ ‬عروض‭ ‬الفرقة‭ ‬الفريدة‭ ‬من‭ ‬نوعها‭ ‬لا‭ ‬تثير‭ ‬حاليا‭ ‬سوى‭ “‬تفاعل‭ ‬إيجابي‭” ‬في‭ ‬المسارح،‭ ‬إلا‭ ‬أن‭ ‬ردود‭ ‬الفعل‭ ‬في‭ ‬مواقع‭ ‬التواصل‭ ‬الاجتماعي‭ ‬مختلفة‭.‬

ويقول‭ ‬أمين‭ ‬الناوتي‭ “‬ردود‭ ‬الأفعال‭ ‬السلبية‭ ‬محصورة‭ ‬بالإنترنت،‭ ‬لأنه‭ ‬من‭ ‬السهل‭ ‬التعبير‭ ‬عن‭ ‬الكراهية‭ ‬خلف‭ ‬شاشة‭ ‬حاسوب،‭ ‬لكن‭ ‬الأمر‭ ‬مختلف‭ ‬في‭ ‬الحياة‭ ‬الواقعية‭”.‬



Most Read

2024-09-18 08:17:42