د. نزار محمود – برلين
لا يذكر اسم المانيا الا وتقفز صورة الحربين العالميتين اللتين سببتا ازهاق أرواح ملايين البشر والحقت بالبشرية الكثير من الكوارث والمآسي، وكان لها تداعيات جيوسياسية كبيرة، الغيت بموجبها حدود وقامت على إثرها دول. لقد تميز القرن العشرون بحربيه اللتين لا تزال كوابيسهما تؤرق من يبحث عن الأمن والسلام والاستقرار ومواصلة التنمية والبناء. لقد قامت الحربان العالميتان الاولى والثانية وانطلقتا من ألمانيا التي خسرتهما ودفعت ثمن ذلك الكثير في أبنائها وأراضيها وثرواتها، والتي قادت الى نشوء النازية على اثر الاولى، والتقسيم على اثر الثانية مع كثير من العقوبات والغرامات والقيود واستلاب الحقوق في السيادة.، ومنها تحديد قدراتها العسكرية تصنيعاً وامتلاكاً، وعلاقاتها الاقتصادية والتجارية، ناهيك عن السياسية، حتى ان البعض يذهب الى ان الالمانيتين، الشرقية والغربية، بقيتا محتلتين من قبل الشرق والغرب لحين إعادة الوحدة عام ١٩٩٠، والتي لازالت سيادتها غير مكتملة الأركان متمثلة بتحديد عدد قواتها وفروع صناعاتها العسكرية وقراراتها، سيما وانها لا تشغل مقعداً دائماً في مجلس الأمن ولا تتمتع بحق الفيتو.
بيد ان تلك التقييدات، ومنذ اعادة الوحدة الالمانية وانهيار المنظومة الشيوعية ونشوء ما يسمى بنظام العالم الجديد الذي تقوده الولايات المتحدة ، بقيت رهينة التطورات الدولية وبالخصوص مع روسيا الاتحادية والصين. وعلى هذا الأساس وعلى اثر الحرب الروسية في اوكرانيا وما تعنيه بالنسبة لحلف الناتو وجدت المانيا فرصتها في رفع قدراتها العسكرية التي يضطر الغرب بغض الطرف عنها، ليس فقط لحماية حدوده، وانما لحاجته الى تعكير الأجواء بين المانيا وروسيا وايقاف مشاريعهما المشتركة وفي مقدمتها مشاريع الطاقة.
لقد حاولت المانيا، وفي اطار خدمة مصالحها، منع الحرب الروسية ضد اوكرانيا بكل ما استطاعته من سياسة ودبلوماسية ومال، غير انها لم تنجح. كما انها ماطلت وراوغت كثيراً في مسائل توريد السلاح وايقاف استيراد النفط والغاز، الا ان تطورات الامور العسكرية وفي ضوء الضغط الامريكي والبريطاني المتزايد لم تتمكن من تحقيق رغباتها. وجاءت التصريحات العنيفة المتأخرة للمستشارة الالمانية السابقة ميركل، لتساهم في وضح حد للمرونة الالمانية في التعامل مع روسيا في حربها ضد اوكرانيا، ولتعزز طلب الحكومة الائتلافية التي لا ينتمي اليها حزبها وتكتلها المسيحي، في الموافقة على طلب الحكومة بزيادة الميزانية العسكرية.
ناقش الجمعة البرلمان الاتحادي الالماني، البونديستاغ، وصوت وقرر باغلبية تزيد عن الثلثين المشروع الذي تقدمت به الحكومة الإئتلافية المتكونة من الحزب الاشتراكي الديمقراطي وحزب الخضر والحزب الليبرالي الالماني بخصوص رفع مالية الجيش الالماني بمقدار ١٠٠ مليار يورو، والذي تطلب تعديلاً في القانون الأساسي ( الدستور) الذي يستوجب موافقة ثلثي البرلمان. يشار الى ان التكتل المسيحي المعارض قد اعلن مسبقاً عن موافقته، وبهذا فقد اصبحت الطريق سالكة لتمرير مشروع تعديل القانون الأساسي وزيادة مالية المؤسسة العسكرية. ويبقى التساؤل قائماً: ماذا لو عادت المانيا الى زيادة تسلحها، وماذا لو أصبحت من القوة ما يساعدها على المطالبة بحقوق تحسبها مستلبة؟!
2024-09-19 10:27:39