Breaking News >> News >> Azzaman


النواب: لم ألـق مثل العراق كريماً – علاء نوري الدراجي


Link [2022-05-28 21:59:53]



النواب: لم ألـق مثل العراق كريماً – علاء نوري الدراجي

العراق بلد إستثنائي في كل شيء ، فمن كونه أحد أهم الدول المنتجة للنفط في العالم ويمتلك – كما يعرف الجميع – آخر قطرة بترول حينما يحين موعد نضوبه في الكرة الأرضية ، والعراق أيضاً إستثنائي في موقعه ومساحته وعدد سكانه وتركيبتهم الديمغرافية ، حيث يبلغ ما نسبته 56.5 بالمئة من الاشخاص في سن العمل والتي تتراوح أعمارهم بين (15-64) سنة ، ولو اردنا أن نحصي ميزات وخصائص العراق كبلد إستثنائي لتعبت أناملنا وألسنتنا وأقلامنا عن سَبَر غَوره والإحاطة بكينونته .

ولم ألـق مثل العراقِ كريماً خجولْ” قالها شاعرنا الراحل مظفر النواب في إحدى قصائده ورغم كون البيت الشعري تصويراً أدبياً الآ إنه لخص حقيقة إقتصادية بأن العراق بلد يمتلك من الثروات ما جعل البلدان المجاورة له أو حتى غيرها من أن تقوّم إقتصادها وتحقق الفائض في ميزانها التجاري وبالتالي تعظيم مواردها وزيادة إنتاجها المحلي وصادراتها وبالنتيجة تحقيق الإستقرار الإقتصادي وهو ما رأيناه ونراه جلياً في دول جوار العراق على إختلاف سياساتها وإقتصاداتها ولكنها جميعاً تتشارك بحقيقة واحدة وهي إن العراق هو الوعاء التجاري لصادراتها وهو المستهلك الأول للكثير من السلع والبضائع التي تقوم هذه الدول بإنتاجها وهي تدرك تماماً –وأعني دول جوار العراق وغيرها- إن كل ما سلف لن يتحقق إذا شهد العراق إستقراراً سياسياً وأمنياً لأن تلكما الجانبين –السياسي والامني- إذا ما إستقرا فحتماً سينهض العراق بإقتصاده .

إن حقيقة كون العراق كريماً – كما قال الراحل النواب– تشير إلى إن العراق أخذ ردحاً طويلاً من الزمن بلا سياسة إقتصادية ناجعة ولا خطط مستدامة لصناعة النمو الإقتصادي أو على أقل تقدير الإستقرار أو معادلة الميزان التجاري من خلال النهوض بالموارد الطبيعية المختلفة وضبط إيقاع الترنح الكبير في القيمة الشرائية للدينار العراقي وضعف وإضمحلال الصناعة والإنتاج المحلي في القطاعين الحكومي والخاص ؛ كل ذلك جعل العراق كريماً بشكل مسرف فهو يعطي على قاعدة إذا أعطيت فـ أشبع ولكنه كالغني الجائع الذي يفترش الأرض وجيوبه خاويه في إشارة لما حصل في العام 2020 من قرار الحكومة العراقية إعتمادها سياسة الاقتراض الداخلي لسد العجز في الموازنة المالية ودفع رواتب موظفي الدولة وإنخفاض الخزين الاستراتيجي من عملة البنك المركزي حتى صار العراق يسن القوانين للإقتراض لكي يدفع رواتب الموظفين .

في العراق لا توجد سياسة إقتصادية بل هنالك (اقتصاد مسيس) يتلاعب به من ليس لديهم أدنى درجات من المعرفة بقوة العراق الإقتصادية في العالم والمنطقة وتأثيره على إقتصادات دول العالم لكونه كما أسلفنا من كبريات الدول المصدرة للنفط ؛ فأصحاب القرار السياسي في العراق لا يلتفتون إلآ الى مكاسبهم الضيقة وتقوية نفوذهم وسلطتهم في هذه الوزارة أو تلك ، ولم تبرع الأحزاب السياسية في العراق بالإقتصاد وإدارته وتوجيهه نحو النهوض والنجاح ، بيد إن مصطلح الإقتصاد في أدبيات أحزاب السلطة برز فقط في مفهوم جديد تمثل في تشكيل (اللجان الإقتصادية) في شتى الوزارات ، هذا المصطلح الذي أسس لمنهج مستحدث من الفساد ويستند لقوة الحزب ومكاسبه الإنتخابية والمناصب الوزارية حتى تجلت بشكل منظم ومهيأ لتنظيم عملية السرقة وتحصيل المقاولات وغسيل العملة وغيرها مما يطول الحديث فيه وهو ما أسهم بشكل أو بآخر في هروب رؤوس الأموال والمستثمرين أو إعراضها عن المجيء للعراق وبالتالي تقويض الإقتصاد العراقي لكون العراق بيئة غير آمنة لرؤوس الاموال والإستثمار .

ارادة سياسية

ورغم إنها متعددة ومتشابكة إلآ أن المشاكل في العراق واضحة ومشخصه ومن الممكن وضع اليد عليها وحلحلتها إذا توافر عاملي الإرادة السياسية والأمن الإجتماعي ، وما يمكن أن نبدأ به لحل المشاكل الإقتصادية في العراق هو إناطة إدارة الملف الإقتصادي بكل حيثياته لذوي الإختصاص والخبرة ، والعراق يزخر بالعديد من الأكاديميين والمختصين ومن لديهم الدراية الكاملة لمشاكل العراق الإقتصادية ويعرفون الإقتصاد العراقي كما يعرفون أبنائهم ولديهم الحلول الآنية والمستقبلية إذا توفرت لهم الفرصة وكانت لهم اليد الطولى في صناعة القرار الإقتصادي .

مكامن الخلل

إن الإقتصاديين في العراق من الأكاديميين وذوي الخبرة ومنذ سنين طوال يشيرون إلى مكامن الخلل ويشخصون الحلول من خلال أبحاثهم وتقاريرهم وندواتهم واللقاءات الصحفية والتلفزيونية وحتى عبر منشوراتهم على مواقع التواصل الإجتماعي قد ملأوا الدنيا ضجيجاً ولكن لسان حالهم مع أصحاب القرار كالذي يقول “أنا أشير إلى القمر والأحمق ينظر إلى أصبعي”!!! .وإذا بقى حال الإقتصاد في العراق كما هو عليه الآن فإن الأمور ستزداد سوءاً ، وإذا بقيت الطبقة السياسية تغمض العينين على ما وصل له حال الاقتصاد في العراق من توقف الصناعة والتجارة وإنعدام فرص العمل وقرار خفض قيمة الدينار مقابل الدولار فإن الإنهيار واقع لا محاله ، وحيث إنه من الممكن أن تستمر الحياة في أي بلد مهما كانت قساوة الظروف كما عهدناه في العراق أو غيره من بلدان العالم مثل إنعدام الأمن وإندلاع الحروب وتفشي الأوبئة حيث تستمر الشعوب بالحياة لعلمها إن هذه المشاكل مناطة بالزمن ومحكومة بالظروف الإستثنائية ، ولكن الإنهيار الإجتماعي وثورة الجياع والمعدمين تحصل لا محاله في حال تجويع الشعوب وتردي الحياة الإقتصادية وزيادة نسبة الفقر وهو ما يؤدي لإنتشار الجريمة والتفكك الإجتماعي ويوقد نار الثورات والإنتفاضات والإعتصامات وغيرها من الحوادث التي شهدها التأريخ وكان سببها الأساسي تردي الوضع الإقتصادي .

لا زالت الفرصة مؤاتية ولم يفت الآوان بعد والعراق لا يزال قوياً بموارده الطبيعية والبشرية ومن الممكن أن ينهض إقتصاده بمدة قياسية وجيزة إذا ما تحرر من قيود الإقتصاد المسيس الذي نهجته الأحزاب طيلة الفترة الماضية .وها هو شاعرنا الكبير مظفر النواب يرحل عن هذه الدنيا ولم يلق مثل العراق كريماً خجول ، وعلى أمل أن ينهض العراق بأبناءه الخيرين ويصنعون من واقع العراق ما يقال عنه : ” لم ألقَ مثل العراقِ كريمــــاً قويْ “



Most Read

2024-09-20 07:20:44