Breaking News >> News >> Azzaman


قدسية الموت .. الرغبة لا الشفقة-عبدالعزيز كوكاس


Link [2022-05-28 11:51:41]



في‭ ‬موضوع‭ ‬الموت‭ ‬الأفضل‭ ‬أن‭ ‬نثير‭ ‬الرغبة‭ ‬لا‭ ‬الشفقة‭. ‬ذلك‭ ‬كما‭ ‬أكد‭ ‬بطل‭ ‬الحزن‭ ‬العميق”‭ ‬لجان‭ ‬بول‭ ‬سارتر‭: ‬“إنني‭ ‬أقرر‭ ‬أن‭ ‬الموت‭ ‬كان‭ ‬المعنى‭ ‬السري‭ ‬لحياتي‭ ‬وإنني‭ ‬عشت‭ ‬لأموت،‭ ‬إنني‭ ‬أموت‭ ‬لأشهد‭ ‬بأن‭ ‬من‭ ‬المستحيل‭ ‬أن‭ ‬يعيش‭ ‬الإنسان”‭.‬

‮ ‬جوهر‭ ‬الموت‭ ‬ليس‭ ‬هو‭ ‬الرحيل‭ ‬ونهاية‭ ‬الأجل،‭ ‬فنحن‭ ‬نبدأ‭ ‬في‭ ‬الاقتراب‭ ‬من‭ ‬الموت‭ ‬ساعة‭ ‬نولد،‭ ‬لكن‭ ‬المفجع‭ ‬هو‭ ‬الفقد‭ ‬والحزن‭ ‬المرافق‭ ‬له،‭ ‬أي‭ ‬موت‭ ‬الموت‭ ‬الذي‭ ‬هو‭ ‬موجع،‭ ‬حيث‭ ‬الدموع‭ ‬لا‭ ‬تنفس‭ ‬الأحزان‭ ‬بل‭ ‬تزيد‭ ‬من‭ ‬شدتها‭..‬

كان‭ ‬شكسبير‭ ‬يقول‭ ‬من‭ ‬نحبهم‭ ‬ليسوا‭ ‬من‭ ‬يبهجنا‭ ‬حضورهم،‭ ‬بل‭ ‬من‭ ‬نحس‭ ‬باليتم‭ ‬والألم‭ ‬في‭ ‬غيابهم،‭ ‬هو‭ ‬ذا‭ ‬ما‭ ‬أحسه‭ ‬اليوم‭ ‬برحيل‭ ‬أمي،‭ ‬بهذا‭ ‬الغياب‭ ‬الحارق‭ ‬أننا‭ ‬لن‭ ‬نسمع‭ ‬حكيها‭ ‬بعد‭ ‬اليوم‭ ‬ولا‭ ‬حتى‭ ‬أنينها‭ ‬الذي‭ ‬نشتهيه‭ ‬ولا‭ ‬حتى‭ ‬عتابها‭ ‬كلما‭ ‬أطلت‭ ‬الغياب‭ ‬عنها،‭ ‬بدل‭ ‬الصمت،‭ ‬وهذا‭ ‬الخواء‭ ‬من‭ ‬حولي‭.. ‬ما‭ ‬معنى‭ ‬أن‭ ‬لا‭ ‬يبقى‭ ‬لك‭ ‬ممن‭ ‬تحب‭ ‬سوى‭ ‬حزمة‭ ‬من‭ ‬حكايات‭ ‬ورائحة‭ ‬من‭ ‬الحنين‭ ‬والوجع‭ ‬والذكريات؟

يلزمني‭ ‬مدى‭ ‬وأفق‭ ‬واسع‭ ‬بشاعة‭ ‬حلمها‭ ‬وإيمانها‭ ‬لأكتب‭ ‬عن‭ ‬أمي‭ ‬فاطمة‭ ‬باللغة‭ ‬التي‭ ‬تنجح‭ ‬في‭ ‬قولها،‭ ‬لغة‭ ‬الحب‭ ‬والعقل،‭ ‬لغة‭ ‬شفيفة‭ ‬تحاكي‭ ‬خفة‭ ‬وزن‭ ‬جسدها‭ ‬في‭ ‬العالم‭ ‬وثقله‭ ‬في‭ ‬المعنى‭ ‬والوجود‭.. ‬أفهم‭ ‬الآن‭ ‬عمق‭ ‬السؤال‭ ‬الذي‭ ‬وضعه‭ ‬الهادي‭ ‬بطل‭ ‬“لعبة‭ ‬النسيان”‭ ‬في‭ ‬اجتماع‭ ‬حزبي‭ ‬في‭ ‬لحظة‭ ‬تاريخية‭ ‬حاسمة‭: ‬“هل‭ ‬تعرفون‭ ‬أمي؟”‭ ‬وهو‭ ‬يقصد‭ ‬للا‭ ‬الغالية‭ ‬التي‭ ‬أحس‭ ‬بفقدها‭ ‬قبل‭ ‬الحزب‭ ‬والطبقة‭ ‬والثورة‭ ‬وباقي‭ ‬الخيبات‭.. ‬كيف‭ ‬تغيب‭ ‬أمي‭ ‬فاطمة‭ ‬في‭ ‬لحد‭ ‬صغير‭ ‬بمساحة‭ ‬شبر،‭ ‬وهي‭ ‬التي‭ ‬قلبها‭ ‬وحده‭ ‬كان‭ ‬يتسع‭ ‬لله‭ ‬سبحانه‭ ‬تعالى‭ ‬وملائكته‭ ‬وكتبه‭ ‬وأنبيائه‭ ‬وسماواته‭ ‬وأرضه‭ ‬وبحوره‭ ‬السبع‭ ‬وأناشيده‭ ‬ولنا‭ ‬نحن‭ ‬الأبناء‭ ‬والأحفاد‭ ‬وأبناء‭ ‬الأحفاد‭ ‬وكل‭ ‬العالمين؟

موجع‭ ‬هو‭ ‬هذا‭ ‬الغياب‭ ‬القاسي،‭ ‬حارق‭ ‬هو‭ ‬هذا‭ ‬الفقد‭ ‬الذي‭ ‬لم‭ ‬نكن‭ ‬على‭ ‬استعداد‭ ‬جماعي‭ ‬لتقبله‭ ‬وحضوره‭ ‬بيننا،‭ ‬في‭ ‬رمشة‭ ‬عين‭ ‬كما‭ ‬لم‭ ‬تكوني‭ ‬مبهجة‭ ‬الحضور‭..‬



Most Read

2024-09-20 09:52:12