Breaking News >> News >> Azzaman


تجديد مضمون القصيدة الحديثة – محمود خيون


Link [2022-05-27 22:11:53]



(تراكم الجمر والندى) للشاعر ريسان الخزعلي

تجديد مضمون القصيدة الحديثة – محمود خيون

يصف عدد من الباحثين والاختصاصين بأن ظاهرة الشعر الحديث هي خروج الشعراء عن المألوف واتخاذهم أساليب جديدة في كتابة القصيدة العربية حيث عمل الشعراء على أحياء ذواتهم من جديد من خلال التحرر من بعض التقاليد والقيود التي فرضتها كتابة الشعر القديم، ويضيف الباحث محمد السالم بأنه لم يقتصر ذلك المنحى الشكلي وحده،لكن تعدى الأمر إلى البدء بعملية تجديد مضمون القصيدة العربية ليظهر كل ذلك على شكل سلسلة من التغيرات المتلاحقة في العديد من التجارب الشعرية في العصر الحديث…بحيث تبنت بعض التجارب وجود خصائص ومظاهر عكست حداثة التجربة الشعرية لهؤلاء الشعراء الذين تبنوا هذه الأفكار وعملوا على ترسيخها في قصائدهم ليطلق عليهم فيما بعد شعراء الشعر الحديث …

وهكذا نرى أن الشعر الحديث الذي واكبته موجة عارمة التجدد والتخلي عن قيود الشعر القديم والكلاسيكي الذي يحتكم إلى الوزن والقافية والبحر والموسيقى خاصة بعد أن غزت القصيدة الحديثة ميادين الشعر في البلاد العربية، لاسيما بعد أن نقل التجربة حرفيا الشاعر أدونيس الذي قام باستنساخها من الغرب وجاء بها إلى بلاد العرب وهي تلبس ثوب قصيدة الغرب القصيرة وخاصة الشعر الروسي بعد الحرب العالمية الثانية، وظهور شعراء نادوا بحرية الإنسان ونبذ العنف والعبودية والحروب والدمار الذي حطم كل شيء جميل في الحياة.. ومن تم صارت للقصيدة الحديثة مدارس واسماء لامعة فظهر شعراء كان لهم الدور الكبير في تحديث القصيدة وتجديد هويتها وخصائصها إذ امتازت بالسلاسة والبساطة ومنهم حافظ ابراهيم وعمر أبو ريشة وأبو القاسم الشابي وسميح القاسم وبدر شاكر السياب وفدوى طوقان ومحمود درويش وصلاح عبد الصبور وميخائيل نعيمة وبشارة الخوري وعبد الوهاب البياتي ونازك الملائكة ورشيد مجيد ومؤيد عبد الواحد وجبران خليل جبران وغيرهم..اضافة إلى عشرات الشعراء من الجيل الثوري الجديد الذي واكب المتغيرات السياسية والاجتماعية ونادى بالتحرر والحياة الكريمة وبلوغ الاهداف الإنسانية الكبرى..

نسوق ذلك ونحن نقف عند تجربة شعرية معاصرة لفتت انتباه الكثيرين من النقاد والباحثين إلا وهي تجربة الشاعر ريسان الخزعلي، الذي يصف تجربته الشعرية بالقول في مقدمة ديوانه الذي حمل تأشيرة ( الأعمال الشعرية غير الكاملة )تحت عنوان( تراكم الجمر والندى ) …( قد لا تأخذ القصيدة شكلها النهائي عندما تنشر لاول مرة في الصحافة أو حتى في كتاب، والشاعر ،أي شاعر بعد تراكم الخبرة وسعة الإطلاع حين يراجع كتاباته الشعرية بأشكالها المتنوعة يتوقف كثيرا، وتغريه مطاردة الضرورات الفنية، من غير تلك التي شغلته في بداية التكوين وما بعد التكوين..)..وهو في كل ذلك يفتح لنا ذاته على المدى ويعبر عن حواسه وهواجسه بكل وضوح وسلاسة( مازال الجمر متقدا، والندى رغم رقته وقلته، لم يستطع إخماد حمرة التوهج، الماء يستطيع ذلك، لكن للشعر ماء لايطفيء، وانما يمنح اللهب الجديد، ويزيد من الاستطاردة )…

ومن هنا نرى الشاعر ريسان الخزعلي قد دون وبكل حرفية ووعي كامل خوالج روحه المعذبة و العاشقة للحياة ومفاتنها التي قد تغريه وهو في أشد حاجة إليها بعد أن يعصر قلبه وجع السنين وويلات القدر الذي قد يغير المسارات أمام طموحاته واحلامه فنراه في قصيدة ( مفتتح في الحب والحرية ) يبوح بمالديه من أسرار كانت تشغله وتداعب مشاعره الجياشة..

( * من الحب …

   إن تلوح

  لقطار الساعة السادسة دون أن تعرف أبا من المسافرين …

* من الحرية…

   إن تكون بين الجالسين في عربات القطار

   وانت على الرصيف…

* من الحب والحرية…

   إن يمر القطار ولا أحد يملك المدينة

* ومن الحب والحرية أيضا

أن تمسك لمسة الهدب على زجاج القطار ) ..

وهكذا يبدأ هذا الحديث الروحي المعطر بأريج الحنين وهو يدرك أن قلبه وعقله مرهون بأتجاهات عديدة وفريدة في تنوعها فالقطار والمحطة والمدينة والزجاج السميك كلها إشارات توميء له بالضياع والحنين الى عالم آخر قد يجد فيه ضالته وهو مخمور بالحب حد الثمالة ..

( الليلة…

اخيت الريح كثيرا…

لعل

ظفائرها تأتي غيمة

أومأت لها…

مالت

واغتسل البستان بدمعي )..

هكذا اذن هو ريسان الخزعلي يناجي من يحب ويصنع من ظفائر حبيبته غيمة قد لا تأتي بالمطر والندى بل هي تغتسل بدمعه وسط بساتين الذكرى والرغبة العارمة….

لقد إستطاع الشاعر ريسان الخزعلي أن يعيدنا إلى ماكتبه شعراء الستينيات والسبعينيات من روائع الشعر الذي جسدوا فيه التنوع بالوصف والتعبير والصور والمشاهد الحية لما يجوس الإنسان أي إنسان من مجموعة عواطف ومشاعر لم تستطع التعبير عنها إلا من خلال قراءة قصيدة عصماء لشاعر مجنون… وبعد هذا كله يريد الشاعر أن يهرب بعيدا عن كل مأساته وجنونه فيدون اعترافه في( نصف ملامسة ) …

( لهوت

وكان اللهو مفتونا بأخطائي..

لهوت وضاعت

كل الواني واسمائي..)

ومما تقدم نقول ان الشاعر ريسان الخزعلي في( تراكم الجمر والندى ) إستطاع أن يأتي بوصف جديد للشعر الحديث وهو أن يجمع ما سطر من العناوين في جميع دواوينه التي أراد أن تظهر بطبعتها الجديدة وعلى شكل أعمالا غير كاملة ضمت ( الليلة وما بعدها وصولا إلى انصات عن بعد لما مات من العزف ) …وتعد هذه الأعمال إضافة نوعية لمسيرة الشعر الحديث في بلادنا التي شهدت تطورا نوعيا شق طريقه إلى روعة الكلمة والرؤى .



Most Read

2024-09-20 09:34:07