Breaking News >> News >> Azzaman


عن النواب.. مظفر – وجيه عباس


Link [2022-05-25 23:52:03]



عن النواب.. مظفر – وجيه عباس

لم يجد وظيفة بالمجان سوى ان يمثل الشعب فعيّن نفسه ناطقا باسم العراقيين ، وحين تكاثرت الاصوات الوطنية التي كانت تمشي بصف الحائط، أحال نفسه إلى التقاعد على سرير في مستشفى الشارقة، تكلم عما يريد، لا مايريد الآخرون، يكفيه انه لم يلبس عباءة أمه او ختل بين احضانها حين كانت الكلمات تتفجر في وجهه مثل عبوات ناشفة، طيلة حياته كان يمشي مع الموت… هكذا بكل خيانة الاصدقاء سلبه الموت آخر نفس لم يكتب فيه كلمة.

مظفر عراقي حد اللعنة… لو وقف أمام المرآة ورأى الواقف امامه لايشبهه في عراقيته… لتنازل عنه.

مظفر النواب قاموس، للمحبة والعشق والشتيمة، مظفر علّمنا البكاء على صدور الحبيبات، حتى الشتيمة التي تطلقه طاهرةٌ  لانها خرجت من قلب مكسور مثل قلبه، النواب معلمنا الاول في درس الشتيمة الوطنية….وطز بالأخلاق الوطنية لو انها وجدت ابناء قحبة مثل الذين اطلقها في وجوههم.

عراق من دون مظفر النواب وحشة، والشعر من دونه غربة، هذا المثقل بغيوم المنفى ووجع الامهات، مظفر جبل يكسوه الثلج النازل من ريل البصرة، في حنجرته ينوح القصب البردي وهو يحمل بحة داخل حسن، النواب شريعة اهل الهوى، رايته الحنين الى وطن باعه واشترى غيره بدراهم معدودات، مظفر وجع كاظمي بحث عن ماء فلم يجد الا ماء الاهوار ليدوزن نفسه، مظفر راية حرب مغروسة بالطين، ترف مثل الشلغم والنسوان، وحلو مثل القند، وعلقمه مر مثل هجاء القادة، مظفر باب يدخلنا بكّائين إليه، ويخرجنا هلهولة ام بين العرسان، مظفر اغنية حزينة تحمل كل وجع التاريخ، مظفر النواب قطار يحمل قلوب أحبته الذين تربوا على كلمات غزله وغضبه، مظفر كلمات من نص مفقود في مخطوطة نسخها الشعر بيديه واهداها الينا لنحققها، هذا المغموس بعسل الاشعار التي كتبها ليعلن على رؤوس الاشهاد انه مجلس نواب حقيقي لاعلاقة له بالتشريع الا في قانون الحب، يطير حيث لا سرب سواه، مسكون بالوحشة عن كل احبته وترابه، النواب “عراقي هواه وميزة فيه الهوى خبل”، صوت مثل اذان الصبح، وصيام عن وطن متخوم، النواب اب للشعراء، اوقد جمرته في ليل شتوي ليتدفأ العاشقون على جمرات روحه، مظفر دجلة، ومظفر فرات، ومظفر منفى روحي لنفس لم تذلها المصالح، كبير مثل مرقد علوي، من مآذن الكاظمية يسير النواب، ويسير معه الولع البغدادي، روحه تصطاد الفراشات ليحيلها الى اغان، حمل العراق تحت جلده، وحين تيقن بالرحيل آثر ان ينام قرب امه واخيه الذي سكن قبره قبل ثمانية اشهر.

النواب حكاية لم يسع شهرزاد روايتها، وقصيدة تحمل عطر المطر الباكي، مظفر روح هائمة في هذا الجرح العربي الممتد من الدمع، قدر مظفر النواب ان ينام على سرير لخمسة اعوام وهو ينتظر رجوعه الى وطنه الذي ذخر له قبرا قرب علي ع، كان يمتحن الجميع، مظفر امتحان للسلطة، وامتحان للعقوق، قال في موته اوجع قصيدة، كان متيقنا انه سيتكلم في التابوت، مظفر امتحان لم احبه وابغصه، كان يريد ان يذهب لقبره بسلام، حتى السلام استكثره عليه الكثير، مظفر النواب روح مجروحة من المهد إلى اللحد، مظلوم حتى في دفنته التي حلم بها كثيرا، السياسة التي ظلمته حيا… ظلمته وهو ينام في تابوته، لاادري لماذا ذكرني تابوته بتابوت الامام الحسن ع والسهام تنبت فوق جسده وهو يسير الى مقبرة البقيع… تشابهت التوابيت علينا…

مظفر النواب نخلة، تموت واقفة، لكنها تأبى الدفن، هكذا يموت اصحاب الارواح الحية…

أفي كفنٍ طُويتَ؟ وما سمعنا

بأن الأرضَ كفَّنت النخيلا

لمظفر النواب راية، كتبت السهام والسيوف والرماح تذكاراتها عليها، لكن مقبض رايته حفظ مساحة صغيرة ليكتب عليها تذكرة وجوده الحقيقي…

باسم محبيك وبنيك نعتذر لك ايها الشيب الذي صبغ حياتنا بالمحبة….

نم بجنب من احببت، يكفيك حزنا لحياة طويلة اهديتها لأهلك، ياحامل ضيم اهلك لثمانية وثمانين عاما، يكفيك هذا الحزن في حياة واحدة، من اراد ان يتعرف على العراق فليتعرف على حزن النواب ووحشة عمره وغربة موته…آن لشمعة حزنك ان تنطفي… دخيل العباس:اعط لروحك فسحة من الراحة، يكفيك نواحا على وطن يشيعك بشتائم الحكومات، ماذا لو حمل المشيعون وردا  بحجم حزنك؟ ماذا لو شيعك الشعراء بما يليق بك؟

ايها الشعراء… تنازلوا عن اي تشييع رسمي في وطن ديمقراطي لايحمل فيه المشيعون سوى الشتائم…. كبيركم ودعه الغاضبون بالشتائم على السياسة.



Most Read

2024-09-20 11:35:08