Muristek
مزار الولي العثماني ينافس معبد أوغسطس الروماني بهيبته الروحية
الأناضول تحتضن مسجداً تأريخياً عمره أكثر من خمسة قرون
صلاح الربيعي
لم تكن الصدفة التي قادتنا لهذا المكان السياحي التأريخي العثماني المميز الذي يقع وسط العاصمة أنقرة بل كنا على موعد مسبق مع أحد الأخوة الأتراك العارفين بمثل هذه الأماكن والذين يتحدثون العربية بشكل مقبول لكي يعرفنا على المزيد من التفاصيل التي تتضمنها تلك البقعة الجميلة المرتفعة قليلا عن كل المناطق المحيطة بها وان ماأزاد في روحية هذا المعلم التأريخي العتيق هو تنوع أشكال الأسواق والمحال التجارية التي تبيع مختلف التحف والاكسسوارات والملابس بما فيها مستلزمات الحج والعمرة والمشغولات اليدوية الفلكلورية التركية ذات النكهة العثمانية الأصيلة والعطور بكل أنواعها إضافة الى المكتبات والمطاعم والبيوت التراثية القديمة التي تحاذي أطراف مقتربات المسجد الذي قصدناه في جولتنا السياحية وهو مسجد الولي المسلم الحاج بيرم الذي تم انجازه خلال فترة حكم الإمبراطورية العثمانية ويقع المسجد في منطقة أولوص التأريخية القديمة جوار معبد أغسطس الروماني في العاصمة التركية أنقرة ويعود تاريخ بناء هذا المسجد الى القرن الخامس عشر الميلادي وكان افتتاحه تكريما لصاحب الضريح المدفون في هذا المكان وهو الشاعر التركي الصوفي الحاج بيرم الذي ولد في أنقرة عام 1352 م وتوفي في عام 1430 م تبلغ مساحة المسجد الإجمالية بنحو 700 متر تم بناؤه في عام 1427 ـ 1428م أما تسمية بيرم بالتركية تعني العيد واسم الولي بيرم الحقيقي هو نعمان بن كويونلوكا بن أحمد قايلني جه من قرية سلفصول في أنقرة عرف بورعه وإيمانه وثقافته وعلمه الديني وإنسانيته في تعامله مع الناس .
شهرة واسعة
وقد اكتسب المكان شهرة واسعة بوجود ضريح ومرقد الحاج بيرم فيه حيث أصبح مزارا دينيا ومعلما حضاريا سياحيا بارزا لكثيرمن القاصدين هذا المكان الذي تحيط به الحدائق والنافورات والطرقات الجميلة المعبدة بأرضيات مفروشة بالحجر المقرنص الجذاب وبأرصفة طرقات مفتوحة ضيقة ملونة تحاذيها مساحات خضراء جميلة تبعث على البهجة إضافة الى مايطغى على المكان من نسائم الهواء النقية العليلة المعطرة بأريج الورود التي تملأ المكان وتزيده جمالا وقد بني المسجد وفقا للطراز السلجوقي الذي كان سائدا أواخر القرنين السابع عشر والثامن عشر الميلاديين ومن يمد بصره نحو البناء بشكل عام فانه سيلتفت الى المئذنة المتكئة على الجدار الجنوبي الشرقي لضريح الحاج بيرم الذي يجذب السائحين له من كل الجنسيات والعقائد والديانات وان الشهرة والأهمية التي اكتسبها هذا المسجد كانت بسبب وجود ضريح ومقام الولي الصالح بيرم الصوفي وفي سباق مع الزمن وبشكل متواصل تقوم السلطات المحلية في أنقرة بتطوير هذا المكان وبقية الأماكن التاريخية والتراثية والسياحية والدينية الاخرى من خلال ترميم الجوامع والمساجد والأضرحة الدينية لبعض الصالحين حفاظا عليها من الإهمال والاندثار وإذا ماعدنا بالحديث عن مسجد الحاج بيرم فسيتوجب علينا أن نصف كل مايحتويه في الداخل من بناء ونقوش وزخارف ملونة ومخطوطات عربية إسلامية تزين جدرانه وسقوفه الخشبية العالية التي يتدلى منها ثريات الكريستال التي تحيط بها مصابيح كبيرة إضافة الى محراب مصمم بطراز إسلامي قديم يجاوره منبر بهي مصنوع من الخشب الخاص .
طراز اسلامي
وهنالك منبر آخر وضع خارج المسجد يعتليه الخطيب أيام الصيف قبيل إقامة الصلاة وهو منبر صمم بشكل لافت للنظر اذ امتزجت فيه روحية النقوش الإسلامية مع روحية تصاميم الكنائس القديمة اضافة لبرج عال ابيض من الحجر هو عبارة عن ساعة توقيت كبيرة تم تصميمها بشكل جميل تقع في أحد الاركان التي تطل على المسجد وعند التجوال بين أروقة وممرات المكان ستقودك رائحة المشويات الطيبة الشهية والأطعمة الشرقية المختلفة الى المطاعم والكافيتريات بكل درجاتها السياحية المختلفة التي تعتبر أماكن جذب سياحي مهمة لكثير من الزائرين لما تقدمه من مأكولات ذات نكهات عثمانية مميزة لذلك يجد السائح نفسه مجبرا لتذوق هذه الأطعمة وبعدها سيتوجه الى أحد الأماكن الفلكلورية التي تشبه المقاهي البغدادية القديمة ليحتسي القهوة التي اشتهر الأتراك في إعدادها بطريقة مختلفة عن كل دول العالم ثم تناول أطباق الحلويات والمثلجات والمرطبات المطعمة بكل النكهات وسط أجواء موسيقية رائعة وأغان تراثية تركية يتفاعل معها كل الموجودين في هذا المكان الذي يعج بالسائحين من كل الجنسيات العربية والأجنبية الذين قدموا من كل فج عميق بحثا عن المعالم التاريخية القديمة في تركيا ومنها هذا المسجد التاريخي الشهير الذي سيبقى علامة فارقة بين كل الأماكن السياحية الجميلة المعروفة في تركيا سيما في أنقرة لما تميز به من خدمات بلدية عالية المستوى بالنظافة والتنظيم الاداري والأمني إضافة الى الأسعار المقبولة في معظم مرافقه السياحية .