Breaking News >> News >> Azzaman


إجيال تعمل بصمت لا تشغلها أساليب الترويج والتهريج


Link [2022-05-25 23:52:03]



خشبة مسرح الربيع وروّاد الفن في الموصل

إجيال تعمل بصمت لا تشغلها أساليب الترويج والتهريج

مروان ياسين الدليمي

إذا ما تم استذكار السيرة المشرِّفة للرواد،عندما يستدعي الموقف ذلك، خاصة في مناسبات معينة لها ظرفها الخاص،كأنْ تتعرض فيها تتطلعات الفنانين الى التهميش على أيدي القوى الممسكة بسلطة القرار في البلاد، فان ذلك سيعزز من مكانة الفنانين الشباب لانهم يمثلون المستقبل،ولهذا لم اجد سببا مقنعا لما كتبه من تعليق احد المخرجين الشباب على صفحته في (فيسبوك) معبرا فيه عن انزعاجه الشديد من تكرار ذكر أسماء الرواد في اكثر من مناسبة ، ومنها التجمع الذي نظمته نقابة الفنانين في نينوى عصر يوم الاحد 5 أيار داخل مبنى قاعة الربيع احتجاجا على اهمالها وعدم اعمارها من قبل إدارة المحافظة بعد ان كانت قد تضررت كثيرا جراء الحرب الأخيرة اثناء تحرير الموصل في منتصف العام 2017 ? حتى انه لم يكن موفقا باستخدامه كلمة(العباقرة) في اشارته الى جيل الرواد الذين وقفوا على خشبة مسرح الربيع في ما مضى من السنين،واظن ان معنى الكلمة في السياق الذي وردت فيه لايدخل في باب التعظيم ،إذا ما يذهب بالاتجاه المعاكس.

إذا كان لدينا من ملاحظات نسجلها على جيل الرواد ، تتعلق بمستواهم الفني او الفرص التي نالوها ، ينبغي ان نكون موضوعيين ومنصفين، اخذين بنظر الاعتبار ،انهم كانوا بمثابة الكتيبة الاولى التي تقدمت الصفوف في معركة شديدة الشراسة مع قوى مجتمعية كانت تنظر اليهم بعين الاحتقار،وتحملت بسبب ذلك الكثير من التحديات المعيشية والقيمية لاجل ان يكون للاجيال اللاحقة نقطة انطلاق واضحة يبنون عليها خطواتهم،لا أن يبدأوا من لحظة فراغ ،مع كل الصعوبات التي تفرضها مثل هذه اللحظة.

عادة ما  تفخر الشعوب المتحضرة بفنانيها الرواد،وتصر على تكرار  التذكير باسمائهم،في المناسبات والمدونات والكتب،وهي بذلك تستعيد وعيها وكرامتها،خاصة عندما تجد هويتها الحضارية تتعرض الى التشويه والتخريب والتزييف من قبل الاخرين،واصرارها على الاحتفاء باسمائهم  يؤكد على  مدى تمسكها بقواعد اخلاقية عالية لايختلف عليها اثنان .

وإذا ما توقف المنصفون امام الوقائع والانجازات التي حققها الرواد وقيَّموها في سياق ظرفها التاريخي بكل تعقيداته وتحدياته،فإنهم لن يترددوا في ان يطلقوا عليهم من (باب الاحترام) صفة العباقرة،والحقيقة التي لاتقبل النقاش ان أجيال الفنانين الرواد(بعضهم مايزال حاضرا وفاعلا وينبض بالحياة)بما قدموه من عطاء وبما تحملوه من تضحيات،كانوا في المحصلة النهائية سببا رئيسا في ظهور الحاجة العلمية الملحة امام اعين المسؤولين في الدولة لتاسيس معهد الفنون الجميلةعام 1977 وكلية الفنون عام 1997 في مدينة الموصل،بالتالي لابد من الاقرار بان  كل اجيال الطلبة والفنانين الذين تخرجوا من هاتين المؤسستين العلميتين ،ويحملون اليوم شهادات البكالوريوس والماجستير والدكتوراه ومعهم أيضا اساتذتهم،كلهم بدون استثناء مدينون بالفضل لكل فنان من جيل الرواد حتى لو لم ينل شهادة اكاديمية في الفن،طالما أن كل واحد منهم نذر حياته وسمعته الشخصية والعائلية لاجل ان يزرع البذرة الأولى في تربة تكاد ان تكون بور،واصر على ان يقف فوق خشبة مسرح الربيع لاسعاد الجمهور، ضاربا عرض الحائط موقفا اجتماعيا جارحا كان ينتقص من  شرف كل شخص يعمل في مجال الفن،والرواد في ذروة شغفهم بالفن،لم يكن يشغلهم سوى ان يوقظوا الوعي والمعرفة ويشيعوا المتعة لدى الجمهور.

  العمل بصمت

اجيال واجيال من الفنانين النبلاء من الذين وقفوا على خشبة مسرح الربيع او احتوتهم اروقته وغرفه خلال اكثر من خمسة عقود،من مسرحيين وموسيقيين وكتاب  ورسامين ونحاتين،كانوا يعملون بصمت وزهد لاينافسهم عليه سوى الابطال في ساحات الوغى،ومن غير ان ينشغلوا باساليب الترويج والتهريج،كما يحصل اليوم على صفحات مواقع التواصل الاجتماعي عند تقديم اكثر الاعمال سذاجة .

لقد حالفني الحظ انني عاصرت اغلب رواد الحركة المسرحية والفنية في الموصل منذ منتصف سبعينات القرن الماضي،ولن تغيب عن ذاكرتي نبرة أصواتهم وملامحهم وظرافة الكثير منهم ،ودائما ما كانوا يجيئون سيرا على الاقدام الى مسرح الربيع معبأين بالعشق، قاطعين الازقة والشوارع والجسور من بعد ان انتهوا من أعمالهم ووظائفهم،قادمين من قلب المدينة العريقة وضواحيها واطرافها،وأجزم ان جميعهم ينتمون الى اشرف بيوتاتها وعوائلها،وكان من بينهم عُمَّال وكَسَبة فقراء ومعلمون وطلبة ومنتسبون للصحة والشرطة واغلب مؤسسات الدولة . احد الممثلين الرواد كان منتسبا الى سلك الشرطة في محافظة نينوى،اسمه  محمد نافع النمر،كانت وظيفته تقتضي منه ان يقود دراجة بخارية فجر كل يوم ، منطلقا بها من الموصل باتجاه دهوك ومن ثم زاخو لايصال  بريد دائرة الجنسية والجوازات التي ينتسب اليها،واستمر بوظيفته هذه سنين طويلة،ورغم مخاطر الطريق والمشقة التي كان يواجهها، لم اعرف عنه سوى الحرص الشديد على ان يعود عصرا من زاخو الى الموصل ليلتحق بزملائه في( فرقة مسرح الرواد) الذين كانوا يتدربون على خشبة مسرح الربيع حتى يؤدي دوره في التمارين المسرحية ،علما بانه في مطلع ثمانينات القرن الماضي نال جائزة افضل ممثل عراقي في مهرجان مسرحي اقيم في الموصل واشرف عليه المركز العراقي للمسرح ، وشاركت فيه فرق مسرحية عراقية  من معظم مدن العراق بما في ذلك فرق بغداد ، والجائزة التي نالها كانت عن دوره في مسرحية بعنوان ( حكايات للناس ) اعداد سلوى زكو ،اخراج يسن طه ، حيث جسد شخصية المناضل الافريقي نيلسون مانديلا  .

حب واخلاص

على مدى سنين طوال كان الرواد يلتقون في قاعة مسرح الربيع لاجل العمل،يجمعهم الحب والشغف والاخلاص،فيتناقشون ويفكرون ويتجادلون لاجل ان يقدموا عرضا مسرحيا او امسية موسيقية،من غير ان يضعوا في اعتبارهم ان يزداد رصيدهم في البنك،سوى ان يرتفع  رصيد المحبة لدى جمهورهم الذي يتابعهم ويصفق لعملهم .

ورغم هذه المسيرة الشاقة التي مروا بها ، لكي يضعوا الاسس التي ستبني عليها في ما بعد  الاجيال التي جاءت من بعدهم ، وقطفت ثمرة عرقهم إلا ان اي واحد  منهم لم ينل من التكريم ما يستحقه ، سواء كان  معنويا أوماديا.وإذ تطالب نقابة الفنانين فرع نينوى باعمار خشبة الربيع وتدعم طلبها باسماء ورموز لها تاريخها وانجازاتها التي باتت تحسب على التاريخ المضيء للمدينة فهذا ما تستحق التقدير عليه.

الايسعني المجال لذكر جميع اسماء الرواد في الموصل،وساكتفي بنخبة رائعة ممن عرفتهم وعملت معهم،حسبما تسعفني الذاكرة، منهم : زكي ابراهيم ، محمد حسين مرعي ، اسماعيل الفحام ، عامر يونس ، محمد زكي ، فخري فاضل ، علي احسان الجراح ، شفاء العمري ، عز الدين ذنون ، حكمت الكلو ، طارق فاضل ، احمد كركجه ، محمد حسن عباس ، طه العشبة ، داؤود سليمان، علي المهتدي ، يونس السبعاوي ، فائق الشكرجي ، ميسر عبد فليح ، فرحان طه ،راكان العلاف ، غانم العبيدي ، سميرة نافع ، سمر محمد، ريكاردوس يوسف ،  موفق الطائي ، قحطان سامي ، موفق ويس ، عبد الواحد اسماعيل ، حسن فاشل ، نجم عبدالله سليم ، طلال الحسيني ، عبدالرزاق ابراهيم ، سمير زيدان ، كريم محمد جرجيس ، رعد حسين ، محمد الزهيري ، صبحي صبري ، علي المهتدي ،يسن طه ، محمد نوري طبو ، واثق الامين ، خليل ابراهيم ، غازي فيصل ، مروان ياسين ، عصام سميح ، محمد العمر ، منهل احمد، عصام عبدالرحمن ، بيات مرعي ، نزار محمد ، ووووووو.



Most Read

2024-09-20 11:54:17