Breaking News >> News >> Azzaman


مظفر النواب: زمن الشعر لم ينته


Link [2022-05-22 18:58:08]



مظفر النواب: زمن الشعر لم ينته

الكتابة هي أمتع ما عندي رغم كل مصاعب حياتي

لندن – كرم نعمة

دخل علينا بقامة فارعة هي المعادل لقامته الشعرية، وبرباطة جأش منطوية على ذاتها، فمظفر النواب شاعر اكثر من كونه شاعراً..! تحدث بهدوء مفرط وبثقة لا يبدو انها ستغادره، فأعاد تشكيل الحلم في مخيلتي الصحفية عنه: الشاعر المتمرد، الثائر، المطارد، الحزين، الملتاع..

انه ببساطة صورة لانسان داخل شاعر وشاعر داخل انسان، مظفر النواب زاهد في كل شيء الا الشعر، وهكذا كان علي ان أضع “لعبتي الصحفية” جانبا فهو لا يمت بصلة لمن يتوجب على المحاور ان يدخله في شراك لعبته.

مظفر النواب خارج سياق المقدمات وتفاصيلها، لأن الاسئلة تتصاعد امامه منذ ان اوقد شمعة الأمل في السجن وحتى قصيدته التي لم تكتب بعد.. كذلك قلت له:

{ دعنا نتحدث أولاً عن علاقتك بالمتلقى، ويصح مع تجربتك استخدام كلمة الجمهور- فالعراقيون يحبونك كشاعر شعبي والعرب يرون فيك الضمير المعبر عن صرخة الشارع بوجه السياسة، فهل تعتقد ان علاقتك بالجمهور تكتفي بهذه الحدود؟

– لا أعتقد ان علاقتي بالجمهور العراقي تقتصر على القصائد الشعبية ولا حتى مع الجمهور العربي حيث السمة السياسية، اما لماذا طغيان هذا الجانب، فلأن الهم السياسي دائم الحضور فيلقى متابعة مستمرة، لكن ثمة جوانب اخرى في شعري منها ما هو جمالي وصوفي تجد من يهتم بها من القراء، وثمة دراسات كتبت تحديداً عن هذا الجانب، وربما المداخل السياسية الحادة تقود إلى التساؤل اكثر وخصوصا بعد القاء القصيدة أو عند الاستماع اليها مسجلة ومن بعد لابد ان يبحث عن الجماليات والرؤى في متن القصيدة، الشاعر رائي وثمة كثير من القراء يلتفتون إلى الرؤى، خصوصاً عن قصيدة ألقيت قبل ثلاثين سنة مثلاً وكأنها تتجسد اليوم.

قصائد قديمة

{ حسناً، ألا تعتقد ان ردة فعل المتلقي المتواصلة على قصائدك القديمة باتت حاجزاً امام استقبال جديدك، فكثير لا يعرف مظفر النواب إلا مع قصيدة الوتريات مثلاً؟

– أبداً، والمحك في ذلك الامسيات التي القي فيها قصائدي الجديدة، فردة فعل الجمهور لا تختلف كثيرا ان لم تتجاوز عن جماهيرية قصيدة الوتريات، فهي كانت صرخة في وقتها، والان ثمة قصائد خصوصا السياسية التي تعالج الوضع الفلسطيني المتردي ان لم يترد الوضع اكثر، اشعر ان الجمهور يتلقاها بالمشاعر نفسها مع انني لم أنشرها لكنها تنتقل عبر الاشرطة المسموعة، وحتى القصائد غير السياسية، وهذا ما حدث في المهرجان الذي اقيم مؤخراً في دمشق حيث ابتدأت بقصائد تحمل زمانيات معينة بعيدة إلى حد ما عن السياسة وتفاعل معها الجمهور بتذوق خاص.

{ هل تعتقد ان وظيفة الشعر تبقى مرتهنة بالقاء الشاعر لقصائده من على المنصة، وغالباً ما تقوم انت بذلك ربما لان شعرك مصادر في أغلب البلدان العربية؟

– أعتقد ذلك وتحديداً الشعر العربي، ويمكن ان نلاحظ ذلك عندما يقال وقف المتنبي بين يدي سيف الدولة وانشد شعره ولا يقال قرأ المتنبى، وهذا الانشاد يلعب دوراً مهماً كون اللغة العربية تحمل موسيقى تفتقرها كثير من اللغات الاخرى، اما الجانب الثاني فهو خشية الانظمة من التفاعل أو الجو الذي تخلقه القصيدة داخل القاعات والذي يختلف بالتأكيد عما اذا كان قارىء واحد يقرأ قصيدة في منزله، جو قاعات الشعر هو جو متكهرب يدفع إلى الرفض والتحدي والوعي، وهنا لا أقول انها الوظيفة الاساس للقصيدة، بل هي احدى وظائفها، فالقصيدة التي تقال الان لها تأثير وأبعاد قد تظهر بعد سنين عدة، والشاعر لا يحمل مهمة السياسي في الخطاب المباشر، وارى ان الالقاء واقامة الامسيات الشعرية أمراً مهماً وتبدو أهميته خشية الانظمة العربية منه.

{ يبدو ان ثمة جانبا في السؤال السابق لم نتطرق له، قلت ان العراقيين يحبونك كشاعر شعبي، فهل مازالت تكتب القصيدة الشعبية العراقية مع تنقلك في اكثر من بلد عربي؟

– لا، لم اقلل من كتابة هذا النوع من الشعر لكنني لا القي كثيراً من القصائد العامية، ومازلت اكتب شعراً عامياً اكثر مما اكتبه بالفصحى، ففي امسية مدينة مانشستر الاخيرة قرأت في قسمها الأول قصائد فصحى وانتقلت إلى القصائد العامية خلال القسم الثاني، الا ان طلبات الحاضرين الذين هم من اقطار عربية مختلفة كانت تشدد على الشعر الفصيح لصعوبة فهم العامية العراقية. قد يبدو الطريق سهلاً امام الشعر الشعبي العراقي في سوريا والاردن وفلسطين ودول الخليج العربي.

{ ثمة آراء يتبناها نخبة من الشعراء مفادها ان وظيفة الشاعر ما عادت تقتصر على الوقوف خلف المنصة وأمام متلق عادي، بل اختلف الحال عما كان عليه في زمن المتنبى وسيف الدولة، ويأملون في القصيدة بعثاً جديداً وتأثيراً مختلفاً، كيف تنظر إلى الامر وانت اكثر من يقرأ شعره امام الجمهور؟

– قبل كل شيء، أرفض وبشكل مطلق اتهام الجمهور وهذا من اخطر ما يمارس في الوطن العربي ضد الجمهور، في حين ان أيدي الاتهام يجب ان توجه إلى مكان اخر، اما الايغال بالغموض بدعوى الحداثة فهو ما يصد ويبعد الجمهور عن كثير من النتاجات، اذن لمن يكتب هؤلاء؟ الشاعر يكتب لزمانه ويمتلك رؤى مستمدة من واقعة ومبنية عليه.

والامر غير الصحيح هو المصطلح السائد عن الرغبة في الغموض وكأنه كلما اوغلت فيه كلما كنت في مستوى اعلى.

ولا اعتقد ان القارىء الجاد يختلف كثيرا مع القارىء العادي في تذوق الجماليات التي تمنحها القصائد الشعبية، لكن اصحاب الرأي المتبني فكرة الغموض لا يطبقون هذا الامر على تلك القصائد، لانه في الاساس ليس ميدانهم، فيعكسونه على ما اكتبه بالفصحى. والامر ليس تنافساً، وانا ضد التنافس في الشعر، لانني اكتب ما ينتابني من احساس وعلاقتي بالناس وبالعصر، اقوله وامشي، اما من الذي يقول شيئا اخر، فذلك عظيم لانه يؤدي دوره شرط الا يرمي تهويمات بالفراغ.

واذا كان المثقفون لا يتصدون للصراع في اصعب مرحلة نمر بها فلماذا نلوم الجماهير؟

{ حسناً، هل تعتقد ان وظيفة المثقف هي وظيفة السياسي أو الجندي؟

– هي ليست كذلك، انها وظيفة اخرى لها علاقة بالصراع الذي يدور، والمفروض بالشاعر طبقاً لتركيبته وحساسيته وحدسه الا يتعالى على قضايا الناس، نحن امة مهددة بكوارث ونرى ماذا يحدث، فاذا بقي المثقفون جالسين في منازلهم لكتابة قصائد تقرأ في الليل على ضوء خافت وموسيقى ناعمة، فأين نحن من الصراع، بل اين نحن كأمة؟

وفي كل ذلك لا أنكر وجود جماليات في بعض النصوص ولكن اذا كانت متعالية على الناس لماذا تنشر ولماذا تطبع في ديوان؟

هؤلاء انفسهم يشكون من عزوف القراء عن الشعر، وان زمن الشعر انتهى، هذا الكلام غير صحيح لأنه ليس ثمة عزوف عن الشعر ولم ينته زمنه، لكن الناس لا تهتم بمن لا يهتم بها.

{ هل تستطيع ان تحدد لنا كم من الشعراء الذين يحضر لسماعهم الآلاف عند اقامة امسية شعرية، كما يحدث غالباً مع مظفر النواب؟

– نزار قباني له جمهور واسع وكذلك محمود درويش، الجواهري ايضا.

{ هل انت نادم على كونك شاعراً؟

– لا، أبداً، واشعر ان الاشياء التي انتابتني ابعدتني عن اماكن عديدة كي اذهب إلى الشعر، ربما هنالك قصدا مجهولاً يقودك كي تكتب القصيدة.

{ ألم تكبلك القصيدة بالاحزان؟

– على العكس، وحتى في اقصى حالات الحزن اجدني فرحاً، وثمة قصيدة لي يقول مطلعها “مو حزن لكن حزين”، فالشعر يحوي فرحه الخاص، ورغم كل مصاعب حياتي اجد ان الكتابة هي امتع ما عندي، وحتى ما بعدها وما تؤول اليه، انها باختصار أمتع حالات حياتي.

{ لكن كل نصوصك مفعمة بالحزن، ولا يبدو انها تأمل بمغادرته؟

– السعادة تعني تحقيق الذات، فعندما تمر على الكرة الارضية يجدر بك ان تكون قد تركت شيئا كي تكون سعيدا، وثمة فرح يكمن داخل النص الحزين، وهذا ما تحسه في حالة النشوة والطرب عند سماع اغنية حزينة.

{ إذاً هل انت سعيد بعد كل هذا الشتات والمطاردة والغربة والبعد..؟

– ثمة هم وحيد لا يوازيه هم، هو البعد عن العراق ــ لكن تبقى الاشياء الاخرى تحمل فرحها الخاص، وبالذات حب الناس لي، هناك حب هائل بيني وبينهم في الشارع والمقهى، الا يكفي ان يحقق الشعر هذه المحبة؟

{ بشأن الغربة عن العراق، يقال انك لم تغادره كمعارض سياسي وان رئيس الدولة هو الذي سهل لك الخروج حينها، فهل صحيح هذا الكلام؟

– لم يسهل لي الخروج، والجانب السياسي هو الاساس في مغادرتي العراق، اذ كان الصراع محتدماً انذاك وقبل خروجي كنت معتقلاً فترة من الزمن، وفي السجن الانفرادي، وتحديدا عام 1969.

نعم، صحيح بعدها ارسلوا لي من القصر الجمهوري وطلبوا مني ان اتبوأ المركز الذي ارغب فيه، لكنني تكلمت باللغة التالية: أنا مقتنع بما عليه بين الناس ولا يهمني المركز أو المنصب، وكان الرد اننا لا ننوي البيع والشراء معك.

الإستقبال الجيد

حكيت قناعاتي بوضوح تام ولم اخف حرفاً واحداً حتى وان كان يؤدي إلى كارثة، ولا انكر الاستقبال الجيد الذي حظيت به آنذاك اذ كانت الامور وقتها في بداية الاحتدام ولم تكن حادة جدا.

اذن الجانب السياسي كان موجوداً في مغادرتي العراق، وقبلها كنت قد طلبت الموافقة على طبع مجموعتي “الريل وحمد” في بيروت واسافر كي اتابعها وبالفعل سافرت ولم اعد.

{ هل وجهت لك دعوات رسمية لزيارة العراق بعدها، وكيف كنت ترد عليها؟

– نعم، كثيرة، وكنت ارد على شيء اساس لانهم كانوا يقولون اكتب ما تريده كي نحققه لك قبل عودتك إلى العراق.

والحقيقة انني لا امتلك مطالب بقدر ما هي مطالب الشعب الذي أنا جزء منه، وسأعود إلى العراق عندما تعود للانسان كرامته ولا أحد يعتدي عليه، فالكرامة قضية أساسية، وحدث ان كان وقتها أحد طلابي يحمل مسدساً داخل الصف الدراسي فاستأت كثيراً لكونه طفلاً وطلقة واحدة منه تؤدي الى كارثة غير متوقعة.

اذن كان المطلب الوحيد هو مطلب الشعب برمته وليس لي مطالب خاصة، وكرامة الانسان فوق كل شيء ويجب الا يعتدى عليها، قد نختلف في الصراع السياسي والتوجهات، لكن سأحترم هذا الصراع عندما تحترمه السلطة، وهي اجدر بان تقوم اولاً بذلك لأنها تمتلك القوة وأنا لا أمتلكها.

{ ثمة خلط تأسيساً على ما قلته بين مظفر النواب الشاعر والسياسي، فأيهما يتغلب على الآخر فيك؟

– لا يمكن الفصل بين الاثنين، أنا أرسم، واكتب الشعر الفصيح والعامي وأحياناً أغني، وفي كل ذلك أبقىالشخص نفسه.

{ لكن الا تعتقد ان الشعر لا يلتقي بالسياسة غالباً، لم نجد هنا في بريطانيا مثلاً ان اهتم الشعر كثيراً بالسياسة؟

– لا يمكن القياس على المجتمع البريطاني لاسباب عديدة منها الحرية المتاحة له وانتقاد السلطة والاشهار برأيه دون خوف أو بتظاهر وقتما يشاء، وهو الامر غير الموجود في مجتمعاتنا العربية. اما ان اترك الحبل على الغارب، فلمن؟ أنا ابن هذا الشعب الذي تربيت في احضانه، وابن البيئة التي تنفست هواءها، فحبي له يدفعني إلى الدفاع عنه لأنني اعرف الحال التي وصل اليها.

{ مع كل ذلك يؤخذ عليك علاقاتك القوية مع بعض الزعماء العرب، وهم غالباً لا يختلفون مع الزعماء الذين تعارضهم؟

– ليس لدى علاقة مع حكام بمعنى العلاقة المتعارف عليها، ربما التقيت برئيس دولة أو اثنين، ثلاثة، لكن قلت رأيي امامهم بوضوح كما قلته عندما كنت في العراق، نعم التقيت بالعديد منهم لكن كل هذه اللقاءات تمخضت عن قول أقصى ما امتلكه من رأي وبقناعاتي الخاصة ولو حتم ذلك اخراجي من بلد هذا الرئيس أو ذاك، مع انه لم يحدث مثل هذا الامر.

{ لكن ثمة من يتحدث عن علاقة وثيقة تربطك بمعمر القذافي، هل هذا صحيح؟

– نعم صحيح، وثمة اشياء لا تقال الان.. أنا مع الناس ومع الذين مع الناس، ولا يمكن ان تكون علاقتي بحاكم ما قوية اذا كان متسلطاً على شعبه، لا يمكن ذلك أبداً. مهدت لي ظروف معينة ان التقي بحكام عرب، لكن قلت رأيي بوضوح تام ودون ان اطلب شيئا، وعرض علي كثير سواء في العراق أو خارجه، لكن دعني اقول انني مترفع عن هذه الاشياء، ولا اعتقد ان من قضى هذه المسيرة الحياتية الطويلة لا يمكن ان يساوم، لم يبق ثمة شيء يستحق ان نساوم من اجله.

{ دعنا نسألك عن الطقوس الخاصة التي تمارسها في الكتابة، فهناك من يتخيل انك تعيش في عالم بخصوصية محطة لا تنطبق على شاعر اخر، فهل تمارس طقوساً طبيعية، كيف تعيش يومك؟

– قد تكون هذه التصورات محقة في جانب معين، ومبالغة في جوانب اخرى. يحدث أحياناً ألا أنام أو اسهر طويلاً، وقد تستيقظ بي ذكرى من الماضي وأنا في قمة النعاس، عندها اضطر إلى الخروج إلى الشارع فجراً كي اتخلص من الوحشة.. لست مع الطقوسية الصارمة في الحياة والكتابة، لكن ثمة شيء في حياتي له علاقة بالمجاهيل. وقد يبدو الحديث عنها اليوم غير ذي جدوى في وقت الصراع الذي نعيشه والذي يجب ان نكرس له كل جهودنا، لكي لا نشغل الناس عما يعيشونه بالفعل.

لقد عشت تجربة موت سريري في عدن والرؤى التي انتابتني حينها، تماما مثل ما عاشه محمود درويش بعد الجلطة القلبية، اذا كان فرحا بعد الاستيقاظ لانه رأى شيئا ما اثناء فترة الغيبوبة، لكنه في مرة اخرى قد كان حزيناً لرؤيته شيئا اخر تماما، دنيا سوداء.

ايضا من الاشياء التي ترافقني لا اكتب الا بقلم قطر ريشته 1.5 ملمتراً ولا احبذ الكتابة بغيره، ربما يساعدني على التركيز ولا اعرف سببا آخر لذلك، لانه كلما صغرت الكلمة كلما دخلت اكثر في الصورة، وكأن شكل الحرف يساعد على ايجاد شكل للكتابة، للصورة، للمعنى.

{ هل تبكي كثيرا؟

– عندما انفعل نعم! اليوم مثلا كنت في منزل العازف احمد مختار وبطريقة غير مقصودة اسمعني شريطاً لجنازة المغني الراحل رياض احمد، فغالبتني الدموع، بكيت، نعم بكيت..

{ هل تصلك صورة الوله الذي ينتاب العراقيين تحديداً مع سماع نصوصك الشعبية؟ هل تتحسس وطأتها عليهم وانت البعيد القريب عنهم؟

– نعم، تصلني وبشكل دائم خصوصاً بعد موجة سفر العراقيين، وحديثهم معي اينما نلتقي، أحياناً نتحول إلى مناحات معبرة عن حالهم في الغربة.

{ هل كتبت نصاً شعبياً بمستوى النصوص القديمة التي لا تغادر الذاكرة؟

– بشأن المستوى فلا يمكن تحديد ذلك، لكنني احاول وطبقا للحالة التي تنتابني وقدرتها على استفزازي مع بداية الدفعة التي ستشكل زخمها وإلى اين ستمتد، واحيانا واثناء المداخل اجد ان هذا النص لا يفيد فأمزقه، ليس له زخم، لقد اتلفت كثير مما كتبته، والقصيدة الجيدة هي التي تكتب نفسها في ما بعد، وما كتبته أنت يكتب معاك، تحدث هذه الحالة لنثمر اجمل انواع القصائد، واحياناً وبعد الاستيقاظ عن سطوة الكتابة تستغرب كيف كتبت ما كتبت، لكونك تمارس الرقابة على ذلك، فثمة من يكتب فيك وثمة من يراقب في ما بعد على النحو واللغة.

قصيدة البنفسج

{ هل تعرف ان ثمة ما يشبه الاساطير احبط ببعض قصائدك واجواء كتابتها، فحيك حولها الكثير من القصص، هل تتذكر مثلا اجواء قصيدة “البنفسج” مثلا متى كتبتها، من قرأها اولا..؟

– لا أُؤرخ كثيراً لقصائدي ربما لأنني اعتبر القصيدة عالماً لا ينتهي، لا بأس بكل ما قلته.. لكنني لا اتذكر وقت أو حالة كتابة “البنفسج”.. الصورة الشعرية تأتي نتيجة حسابات معقدة لا نفهمها، أقرأ حاليا كتاباً عن التزامن يتحدث عن تصادف تتالي حدوث اشياء معينة دون سبب، فالحديث قائم اليوم عن علاقات مجهولة غير العلاقات المستمرة، لذلك عندما نفسر أجواء كتابة القصيدة وميزة تلك اللحظة، فانا لا اتذكر شيئا أو لا أملك الآن على الاقل تفسيراً لذلك، لان ثمة كما هائلاً من التركيبات لعشرات الاعوام الماضية هي التي منحتك هذه البناء أشهر.

{ انت شاعر بقيت صلته عميقة مع نصوصه الاولى، لأن اغلب الشعراء يشعرون بالخجل ازاء ما كتبوه في سنوات تجربتهم الاولى؟

– أنا لا اتبرأ من اي جانب من جوانبي اطلاقا، مع ذلك أنا مازلت اكتب قصائد جديدة وربما لا تصل إلى القارىء بسبب الظروف التي تحيط بنا، وهنالك سيرورة للتطور جانب منها عقلي، لكن المنطق لا يفعل شيئا في عالم الشعر الذي يعتمد على الحدس والمجاهيل، ثمة شيء يتطور واحيانا ينشطر الشاعر إلى اثنين: الشاعر والرقيب، واشعر بالسعادة عندما تتناول قصائدي جوانب جديدة، اعني ثمة شيء ينمو ويتطور، والقصائد التي اكتبها الان هي بنفس البذرة التي كانت في مظفر الطفل وصار بعد ذلك، والمسيرة الحياتية للانسان فيّ هي مسيرة الشعر نفسه، لذلك تراني لا اتنصل من اي قصائدي القديمة.

{ لو تسنى لك ان تنظر لشعرك، ماذا ستقول؟

– لا أميل كثيراً لهذا الجانب وأكتفى بالكتابة وحدها، وعندما أسأل عن شعري أحاول ان اجد تفسيرات ربما لا تكون كما يعهدها القارىء.

اعتقد ان النقد ليس مهمتي، على الرغم من ضرورته في تربية اذواق الاجيال، وربما الجأ اليه بعد ان تتوقف بذرة الشعر بسبب العمر.

وغالبا ما أسأل عن عدم طبع مجاميع شعرية، والسبب ببساطة انني كلما بدأت باعادة كتابة قصائدي القديمة كوني اكتب بخط ناعم جدا، لا استمر في ذلك بل اشرع بكتابة قصيدة جديدة، وهكذا..

{ هل تعتقد ان النقد مارس دوراً موضوعياً على نصوصك؟

ــ لا يمكن البت بالموضوعية من عدمها، لانه لم يكن هنالك نقد اصلاً على شعري، لكن ثمة كتابات كانت شفافة وجميلة مثل ما كتبه الناقد محمد مبارك. اما كثير مما كتب فلا يرقى إلى مرتبة النقد بابعاده وأدواته، وهناك بعض المخاوف تراود النقاد وتمنعهم من تناول قصائدي بسبب تناولها السياسي، وايضا هناك بعض المواقف المتحاملة علي من بعض كتاب الصحف، واخر شيء كان على امسية اقمتها في مبنى اليونيسكو في بيروت وبدعوة من لجنة مكافحة التطبيع وغصت القاعة بالجمهور وحتى المداخل، كنت منقاداً لقناعاتي وحدها فقرأت قصائد مداخلها خمرية وسياسية، فكتب ناقد أو هكذا يدعي، مستثيرا ضدي الانظمة السياسية ورجال الدين، فلم يحدث ذلك أبداً. وقال انني منذ عشرين سنة لم اتغير ومازلت اخاطب الانظمة باللهجة نفسها، فيما هي تغيرت وتطورت، بينما واقع الحال يقول ليس هناك تغير أو تطور اذا لم نكن قد تراجعنا إلى الوراء.

وقال انني لم احترم المقامات الدينية لكوني قرأت مطالع خمرية متناسياً ان الشعر العربي يحفل بذلك، وهناك رجال دين كتبوا مثل هذه القصائد، وحتى الخميني نفسه في ديوانه كتب قصائد غزل صوفي وخمريات تصوفية وعرفانيه.

{ وهل ثمة اسباب اخرى غير ما قلته عن عدم جمع قصائدك في مجاميع مطبوعة؟

– السبب الرئيس هو ما قلته اما الاسباب الثانوية فهي ما يتعلق بدور النشر التي لا تحترم شيئاً، عندما تعد بطبع الف نسخة من كتاب، في ما تقوم بطبع اضعاف هذا الرقم وهذا ما حدث معي بالفعل. ويوجد حالياً في مكتبات القاهرة وكندا واميركا وغيرها ما يسمى بالمجموعة الكاملة لمظفر النواب، وليس لي اي صلة بطبع هذا الكتاب لانه صادر عن دار نشر وهمية اسمها دار قنبر لم اجد لها اي اثر ويباع بثمن غال جداً ووجدته أيضا هنا في مكتبات لندن، والكتاب سيء لكونه مليئاً بالاخطاء اللغوية فضلا عن طباعته الرديئة. أيضا هناك صحيفة تصدر في شيكاغو نشرت اعلاناً تزعم فيه ان من يريد المجموعة الكاملة المسجلة لمظفر النواب أو محمود درويش فعليه ان يدفع 57 دولاراً للحصول عليها، ومن دون ان اعرف كيف حصلوا على هذا التخويل.

إشارة

في الـ27 من ايار عام 2001 زار الشاعر الكبير مظفر النواب جريدة (الزمان) في لندن، وحل ضيفا على رئيس التحرير الاستاذ سعد البزاز ، فيما اجرى  المحرر السابق في الجريدة  كرم نعمة  حوارا معه نشر في الجريدة انذاك، واليوم وبمناسبة رحيل النواب نعيد نشره.

القدس عروس عروبتكم

من باع فلسطين وأثرى بالله

سوى قائمة الشحاذين على عتبات الحكام

ومائدة الدول الكبرى ؟

فإذا أجن الليل

تطق الأكواب بان القدس عروس عروبتنا



Most Read

2024-09-20 16:33:05