Breaking News >> News >> Azzaman


مظفر النواب:قلت أمام أكثر من رئىس أقصى ما أمتلك من قناعاتي


Link [2022-05-21 22:39:46]



حاوره: كرم نعمة

دخل‭ ‬علينا‭ ‬بقامة‭ ‬فارعة‭ ‬هي‭ ‬المعادل‭ ‬لقامته‭ ‬الشعرية،‭ ‬وبرباطة‭ ‬جأش‭ ‬منطوية‭ ‬على‭ ‬ذاتها،‭ ‬فمظفر‭ ‬النواب‭ ‬شاعر‭ ‬اكثر‭ ‬من‭ ‬كونه‭ ‬شاعراً‭..! ‬تحدث‭ ‬بهدوء‭ ‬مفرط‭ ‬وبثقة‭ ‬لا‭ ‬يبدو‭ ‬انها‭ ‬ستغادره،‭ ‬فأعاد‭ ‬تشكيل‭ ‬الحلم‭ ‬في‭ ‬مخيلتي‭ ‬الصحفية‭ ‬عنه‭: ‬الشاعر‭ ‬المتمرد،‭ ‬الثائر،‭ ‬المطارد،‭ ‬الحزين،‭ ‬الملتاع‭…‬

انه‭ ‬ببساطة‭ ‬صورة‭ ‬لانسان‭ ‬داخل‭ ‬شاعر‭ ‬وشاعر‭ ‬داخل‭ ‬انسان،‭ ‬مظفر‭ ‬النواب‭ ‬زاهد‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬شيء‭ ‬الا‭ ‬الشعر،‭ ‬وهكذا‭ ‬كان‭ ‬علي‭ ‬ان‭ ‬أضع‭ ‬‮«‬لعبتي‭ ‬الصحفية‮»‬‭ ‬جانبا‭ ‬فهو‭ ‬لا‭ ‬يمت‭ ‬بصلة‭ ‬لمن‭ ‬يتوجب‭ ‬على‭ ‬المحاور‭ ‬ان‭ ‬يدخله‭ ‬في‭ ‬شراك‭ ‬لعبته‭.‬

مظفر‭ ‬النواب‭ ‬خارج‭ ‬سياق‭ ‬المقدمات‭ ‬وتفاصيلها،‭ ‬لأن‭ ‬الاسئلة‭ ‬تتصاعد‭ ‬امامه‭ ‬منذ‭ ‬ان‭ ‬اوقد‭ ‬شمعة‭ ‬الأمل‭ ‬في‭ ‬السجن‭ ‬وحتى‭ ‬قصيدته‭ ‬التي‭ ‬لم‭ ‬تكتب‭ ‬بعد‭.‬‭. ‬كذلك‭ ‬قلت‭ ‬له‭:‬

‭- ‬دعنا‭ ‬نتحدث‭ ‬أولاً‭ ‬عن‭ ‬علاقتك‭ ‬بالمتلقى،‭ ‬ويصح‭ ‬مع‭ ‬تجربتك‭ ‬استخدام‭ ‬كلمة‭ ‬الجمهور‭- ‬فالعراقيون‭ ‬يحبونك‭ ‬كشاعر‭ ‬شعبي‭ ‬والعرب‭ ‬يرون‭ ‬فيك‭ ‬الضمير‭ ‬المعبر‭ ‬عن‭ ‬صرخة‭ ‬الشارع‭ ‬بوجه‭ ‬السياسة،‭ ‬فهل‭ ‬تعتقد‭ ‬ان‭ ‬علاقتك‭ ‬بالجمهور‭ ‬تكتفي‭ ‬بهذه‭ ‬الحدود؟

‭- ‬لا‭ ‬أعتقد‭ ‬ان‭ ‬علاقتي‭ ‬بالجمهور‭ ‬العراقي‭ ‬تقتصر‭ ‬على‭ ‬القصائد‭ ‬الشعبية‭ ‬ولا‭ ‬حتى‭ ‬مع‭ ‬الجمهور‭ ‬العربي‭ ‬حيث‭ ‬السمة‭ ‬السياسية،‭ ‬اما‭ ‬لماذا‭ ‬طغيان‭ ‬هذا‭ ‬الجانب،‭ ‬فلأن‭ ‬الهم‭ ‬السياسي‭ ‬دائم‭ ‬الحضور‭ ‬فيلقى‭ ‬متابعة‭ ‬مستمرة،‭ ‬لكن‭ ‬ثمة‭ ‬جوانب‭ ‬اخرى‭ ‬في‭ ‬شعري‭ ‬منها‭ ‬ما‭ ‬هو‭ ‬جمالي‭ ‬وصوفي‭ ‬تجد‭ ‬من‭ ‬يهتم‭ ‬بها‭ ‬من‭ ‬القراء،‭ ‬وثمة‭ ‬دراسات‭ ‬كتبت‭ ‬تحديداً‭ ‬عن‭ ‬هذا‭ ‬الجانب،‭ ‬وربما‭ ‬المداخل‭ ‬السياسية‭ ‬الحادة‭ ‬تقود‭ ‬إلى‭ ‬التساؤل‭ ‬اكثر‭ ‬وخصوصا‭ ‬بعد‭ ‬القاء‭ ‬القصيدة‭ ‬أو‭ ‬عند‭ ‬الاستماع‭ ‬اليها‭ ‬مسجلة‭ ‬ومن‭ ‬بعد‭ ‬لابد‭ ‬ان‭ ‬يبحث‭ ‬عن‭ ‬الجماليات‭ ‬والرؤى‭ ‬في‭ ‬متن‭ ‬القصيدة،‭ ‬الشاعر‭ ‬رائي‭ ‬وثمة‭ ‬كثير‭ ‬من‭ ‬القراء‭ ‬يلتفتون‭ ‬إلى‭ ‬الرؤى،‭ ‬خصوصاً‭ ‬عن‭ ‬قصيدة‭ ‬ألقيت‭ ‬قبل‭ ‬ثلاثين‭ ‬سنة‭ ‬مثلاً‭ ‬وكأنها‭ ‬تتجسد‭ ‬اليوم‭.‬

‭- ‬حسناً،‭ ‬ألا‭ ‬تعتقد‭ ‬ان‭ ‬ردة‭ ‬فعل‭ ‬المتلقي‭ ‬المتواصلة‭ ‬على‭ ‬قصائدك‭ ‬القديمة‭ ‬باتت‭ ‬حاجزاً‭ ‬امام‭ ‬استقبال‭ ‬جديدك،‭ ‬فكثير‭ ‬لا‭ ‬يعرف‭ ‬مظفر‭ ‬النواب‭ ‬إلا‭ ‬مع‭ ‬قصيدة‭ ‬الوتريات‭ ‬مثلاً؟

‭- ‬أبداً،‭ ‬والمحك‭ ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬الامسيات‭ ‬التي‭ ‬القي‭ ‬فيها‭ ‬قصائدي‭ ‬الجديدة،‭ ‬فردة‭ ‬فعل‭ ‬الجمهور‭ ‬لا‭ ‬تختلف‭ ‬كثيرا‭ ‬ان‭ ‬لم‭ ‬تتجاوز‭ ‬عن‭ ‬جماهيرية‭ ‬قصيدة‭ ‬الوتريات،‭ ‬فهي‭ ‬كانت‭ ‬صرخة‭ ‬في‭ ‬وقتها،‭ ‬والان‭ ‬ثمة‭ ‬قصائد‭ ‬خصوصا‭ ‬السياسية‭ ‬التي‭ ‬تعالج‭ ‬الوضع‭ ‬الفلسطيني‭ ‬المتردي‭ ‬ان‭ ‬لم‭ ‬يترد‭ ‬الوضع‭ ‬اكثر،‭ ‬اشعر‭ ‬ان‭ ‬الجمهور‭ ‬يتلقاها‭ ‬بالمشاعر‭ ‬نفسها‭ ‬مع‭ ‬انني‭ ‬لم‭ ‬أنشرها‭ ‬لكنها‭ ‬تنتقل‭ ‬عبر‭ ‬الاشرطة‭ ‬المسموعة،‭ ‬وحتى‭ ‬القصائد‭ ‬غير‭ ‬السياسية،‭ ‬وهذا‭ ‬ما‭ ‬حدث‭ ‬في‭ ‬المهرجان‭ ‬الذي‭ ‬اقيم‭ ‬مؤخراً‭ ‬في‭ ‬دمشق‭ ‬حيث‭ ‬ابتدأت‭ ‬بقصائد‭ ‬تحمل‭ ‬زمانيات‭ ‬معينة‭ ‬بعيدة‭ ‬إلى‭ ‬حد‭ ‬ما‭ ‬عن‭ ‬السياسة‭ ‬وتفاعل‭ ‬معها‭ ‬الجمهور‭ ‬بتذوق‭ ‬خاص‭.‬

‭- ‬هل‭ ‬تعتقد‭ ‬ان‭ ‬وظيفة‭ ‬الشعر‭ ‬تبقى‭ ‬مرتهنة‭ ‬بالقاء‭ ‬الشاعر‭ ‬لقصائده‭ ‬من‭ ‬على‭ ‬المنصة،‭ ‬وغالباً‭ ‬ما‭ ‬تقوم‭ ‬انت‭ ‬بذلك‭ ‬ربما‭ ‬لان‭ ‬شعرك‭ ‬مصادر‭ ‬في‭ ‬أغلب‭ ‬البلدان‭ ‬العربية؟

‭- ‬أعتقد‭ ‬ذلك‭ ‬وتحديداً‭ ‬الشعر‭ ‬العربي،‭ ‬ويمكن‭ ‬ان‭ ‬نلاحظ‭ ‬ذلك‭ ‬عندما‭ ‬يقال‭ ‬وقف‭ ‬المتنبي‭ ‬بين‭ ‬يدي‭ ‬سيف‭ ‬الدولة‭ ‬وانشد‭ ‬شعره‭ ‬ولا‭ ‬يقال‭ ‬قرأ‭ ‬المتنبى،‭ ‬وهذا‭ ‬الانشاد‭ ‬يلعب‭ ‬دوراً‭ ‬مهماً‭ ‬كون‭ ‬اللغة‭ ‬العربية‭ ‬تحمل‭ ‬موسيقى‭ ‬تفتقرها‭ ‬كثير‭ ‬من‭ ‬اللغات‭ ‬الاخرى،‭ ‬اما‭ ‬الجانب‭ ‬الثاني‭ ‬فهو‭ ‬خشية‭ ‬الانظمة‭ ‬من‭ ‬التفاعل‭ ‬أو‭ ‬الجو‭ ‬الذي‭ ‬تخلقه‭ ‬القصيدة‭ ‬داخل‭ ‬القاعات‭ ‬والذي‭ ‬يختلف‭ ‬بالتأكيد‭ ‬عما‭ ‬اذا‭ ‬كان‭ ‬قارىء‭ ‬واحد‭ ‬يقرأ‭ ‬قصيدة‭ ‬في‭ ‬منزله،‭ ‬جو‭ ‬قاعات‭ ‬الشعر‭ ‬هو‭ ‬جو‭ ‬متكهرب‭ ‬يدفع‭ ‬إلى‭ ‬الرفض‭ ‬والتحدي‭ ‬والوعي،‭ ‬وهنا‭ ‬لا‭ ‬أقول‭ ‬انها‭ ‬الوظيفة‭ ‬الاساس‭ ‬للقصيدة،‭ ‬بل‭ ‬هي‭ ‬احدى‭ ‬وظائفها،‭ ‬فالقصيدة‭ ‬التي‭ ‬تقال‭ ‬الان‭ ‬لها‭ ‬تأثير‭ ‬وأبعاد‭ ‬قد‭ ‬تظهر‭ ‬بعد‭ ‬سنين‭ ‬عدة،‭ ‬والشاعر‭ ‬لا‭ ‬يحمل‭ ‬مهمة‭ ‬السياسي‭ ‬في‭ ‬الخطاب‭ ‬المباشر،‭ ‬وارى‭ ‬ان‭ ‬الالقاء‭ ‬واقامة‭ ‬الامسيات‭ ‬الشعرية‭ ‬أمراً‭ ‬مهماً‭ ‬وتبدو‭ ‬أهميته‭ ‬خشية‭ ‬الانظمة‭ ‬العربية‭ ‬منه‭.‬

‭- ‬يبدو‭ ‬ان‭ ‬ثمة‭ ‬جانبا‭ ‬في‭ ‬السؤال‭ ‬السابق‭ ‬لم‭ ‬نتطرق‭ ‬له،‭ ‬قلت‭ ‬ان‭ ‬العراقيين‭ ‬يحبونك‭ ‬كشاعر‭ ‬شعبي،‭ ‬فهل‭ ‬مازالت‭ ‬تكتب‭ ‬القصيدة‭ ‬الشعبية‭ ‬العراقية‭ ‬مع‭ ‬تنقلك‭ ‬في‭ ‬اكثر‭ ‬من‭ ‬بلد‭ ‬عربي؟

‭- ‬لا،‭ ‬لم‭ ‬اقلل‭ ‬من‭ ‬كتابة‭ ‬هذا‭ ‬النوع‭ ‬من‭ ‬الشعر‭ ‬لكنني‭ ‬لا‭ ‬القي‭ ‬كثيراً‭ ‬من‭ ‬القصائد‭ ‬العامية،‭ ‬ومازلت‭ ‬اكتب‭ ‬شعراً‭ ‬عامياً‭ ‬اكثر‭ ‬مما‭ ‬اكتبه‭ ‬بالفصحى،‭ ‬ففي‭ ‬امسية‭ ‬مدينة‭ ‬مانشستر‭ ‬الاخيرة‭ ‬قرأت‭ ‬في‭ ‬قسمها‭ ‬الأول‭ ‬قصائد‭ ‬فصحى‭ ‬وانتقلت‭ ‬إلى‭ ‬القصائد‭ ‬العامية‭ ‬خلال‭ ‬القسم‭ ‬الثاني،‭ ‬الا‭ ‬ان‭ ‬طلبات‭ ‬الحاضرين‭ ‬الذين‭ ‬هم‭ ‬من‭ ‬اقطار‭ ‬عربية‭ ‬مختلفة‭ ‬كانت‭ ‬تشدد‭ ‬على‭ ‬الشعر‭ ‬الفصيح‭ ‬لصعوبة‭ ‬فهم‭ ‬العامية‭ ‬العراقية‭. ‬قد‭ ‬يبدو‭ ‬الطريق‭ ‬سهلاً‭ ‬امام‭ ‬الشعر‭ ‬الشعبي‭ ‬العراقي‭ ‬في‭ ‬سوريا‭ ‬والاردن‭ ‬وفلسطين‭ ‬ودول‭ ‬الخليج‭ ‬العربي‭.‬

‭- ‬ثمة‭ ‬آراء‭ ‬يتبناها‭ ‬نخبة‭ ‬من‭ ‬الشعراء‭ ‬مفادها‭ ‬ان‭ ‬وظيفة‭ ‬الشاعر‭ ‬ما‭ ‬عادت‭ ‬تقتصر‭ ‬على‭ ‬الوقوف‭ ‬خلف‭ ‬المنصة‭ ‬وأمام‭ ‬متلق‭ ‬عادي،‭ ‬بل‭ ‬اختلف‭ ‬الحال‭ ‬عما‭ ‬كان‭ ‬عليه‭ ‬في‭ ‬زمن‭ ‬المتنبى‭ ‬وسيف‭ ‬الدولة،‭ ‬ويأملون‭ ‬في‭ ‬القصيدة‭ ‬بعثاً‭ ‬جديداً‭ ‬وتأثيراً‭ ‬مختلفاً،‭ ‬كيف‭ ‬تنظر‭ ‬إلى‭ ‬الامر‭ ‬وانت‭ ‬اكثر‭ ‬من‭ ‬يقرأ‭ ‬شعره‭ ‬امام‭ ‬الجمهور؟

‭- ‬قبل‭ ‬كل‭ ‬شيء،‭ ‬أرفض‭ ‬وبشكل‭ ‬مطلق‭ ‬اتهام‭ ‬الجمهور‭ ‬وهذا‭ ‬من‭ ‬اخطر‭ ‬ما‭ ‬يمارس‭ ‬في‭ ‬الوطن‭ ‬العربي‭ ‬ضد‭ ‬الجمهور،‭ ‬في‭ ‬حين‭ ‬ان‭ ‬أيدي‭ ‬الاتهام‭ ‬يجب‭ ‬ان‭ ‬توجه‭ ‬إلى‭ ‬مكان‭ ‬اخر،‭ ‬اما‭ ‬الايغال‭ ‬بالغموض‭ ‬بدعوى‭ ‬الحداثة‭ ‬فهو‭ ‬ما‭ ‬يصد‭ ‬ويبعد‭ ‬الجمهور‭ ‬عن‭ ‬كثير‭ ‬من‭ ‬النتاجات،‭ ‬اذن‭ ‬لمن‭ ‬يكتب‭ ‬هؤلاء؟‭ ‬الشاعر‭ ‬يكتب‭ ‬لزمانه‭ ‬ويمتلك‭ ‬رؤى‭ ‬مستمدة‭ ‬من‭ ‬واقعة‭ ‬ومبنية‭ ‬عليه‭.‬

والامر‭ ‬غير‭ ‬الصحيح‭ ‬هو‭ ‬المصطلح‭ ‬السائد‭ ‬عن‭ ‬الرغبة‭ ‬في‭ ‬الغموض‭ ‬وكأنه‭ ‬كلما‭ ‬اوغلت‭ ‬فيه‭ ‬كلما‭ ‬كنت‭ ‬في‭ ‬مستوى‭ ‬اعلى‭.‬

ولا‭ ‬اعتقد‭ ‬ان‭ ‬القارىء‭ ‬الجاد‭ ‬يختلف‭ ‬كثيرا‭ ‬مع‭ ‬القارىء‭ ‬العادي‭ ‬في‭ ‬تذوق‭ ‬الجماليات‭ ‬التي‭ ‬تمنحها‭ ‬القصائد‭ ‬الشعبية،‭ ‬لكن‭ ‬اصحاب‭ ‬الرأي‭ ‬المتبني‭ ‬فكرة‭ ‬الغموض‭ ‬لا‭ ‬يطبقون‭ ‬هذا‭ ‬الامر‭ ‬على‭ ‬تلك‭ ‬القصائد،‭ ‬لانه‭ ‬في‭ ‬الاساس‭ ‬ليس‭ ‬ميدانهم،‭ ‬فيعكسونه‭ ‬على‭ ‬ما‭ ‬اكتبه‭ ‬بالفصحى‭. ‬والامر‭ ‬ليس‭ ‬تنافساً،‭ ‬وانا‭ ‬ضد‭ ‬التنافس‭ ‬في‭ ‬الشعر،‭ ‬لانني‭ ‬اكتب‭ ‬ما‭ ‬ينتابني‭ ‬من‭ ‬احساس‭ ‬وعلاقتي‭ ‬بالناس‭ ‬وبالعصر،‭ ‬اقوله‭ ‬وامشي،‭ ‬اما‭ ‬من‭ ‬الذي‭ ‬يقول‭ ‬شيئا‭ ‬اخر،‭ ‬فذلك‭ ‬عظيم‭ ‬لانه‭ ‬يؤدي‭ ‬دوره‭ ‬شرط‭ ‬الا‭ ‬يرمي‭ ‬تهويمات‭ ‬بالفراغ‭.‬

واذا‭ ‬كان‭ ‬المثقفون‭ ‬لا‭ ‬يتصدون‭ ‬للصراع‭ ‬في‭ ‬اصعب‭ ‬مرحلة‭ ‬نمر‭ ‬بها‭ ‬فلماذا‭ ‬نلوم‭ ‬الجماهير؟

‭- ‬حسناً،‭ ‬هل‭ ‬تعتقد‭ ‬ان‭ ‬وظيفة‭ ‬المثقف‭ ‬هي‭ ‬وظيفة‭ ‬السياسي‭ ‬أو‭ ‬الجندي؟

‭- ‬هي‭ ‬ليست‭ ‬كذلك،‭ ‬انها‭ ‬وظيفة‭ ‬اخرى‭ ‬لها‭ ‬علاقة‭ ‬بالصراع‭ ‬الذي‭ ‬يدور،‭ ‬والمفروض‭ ‬بالشاعر‭ ‬طبقاً‭ ‬لتركيبته‭ ‬وحساسيته‭ ‬وحدسه‭ ‬الا‭ ‬يتعالى‭ ‬على‭ ‬قضايا‭ ‬الناس،‭ ‬نحن‭ ‬امة‭ ‬مهددة‭ ‬بكوارث‭ ‬ونرى‭ ‬ماذا‭ ‬يحدث،‭ ‬فاذا‭ ‬بقي‭ ‬المثقفون‭ ‬جالسين‭ ‬في‭ ‬منازلهم‭ ‬لكتابة‭ ‬قصائد‭ ‬تقرأ‭ ‬في‭ ‬الليل‭ ‬على‭ ‬ضوء‭ ‬خافت‭ ‬وموسيقى‭ ‬ناعمة،‭ ‬فأين‭ ‬نحن‭ ‬من‭ ‬الصراع،‭ ‬بل‭ ‬اين‭ ‬نحن‭ ‬كأمة؟

وفي‭ ‬كل‭ ‬ذلك‭ ‬لا‭ ‬أنكر‭ ‬وجود‭ ‬جماليات‭ ‬في‭ ‬بعض‭ ‬النصوص‭ ‬ولكن‭ ‬اذا‭ ‬كانت‭ ‬متعالية‭ ‬على‭ ‬الناس‭ ‬لماذا‭ ‬تنشر‭ ‬ولماذا‭ ‬تطبع‭ ‬في‭ ‬ديوان؟

هؤلاء‭ ‬انفسهم‭ ‬يشكون‭ ‬من‭ ‬عزوف‭ ‬القراء‭ ‬عن‭ ‬الشعر،‭ ‬وان‭ ‬زمن‭ ‬الشعر‭ ‬انتهى،‭ ‬هذا‭ ‬الكلام‭ ‬غير‭ ‬صحيح‭ ‬لأنه‭ ‬ليس‭ ‬ثمة‭ ‬عزوف‭ ‬عن‭ ‬الشعر‭ ‬ولم‭ ‬ينته‭ ‬زمنه،‭ ‬لكن‭ ‬الناس‭ ‬لا‭ ‬تهتم‭ ‬بمن‭ ‬لا‭ ‬يهتم‭ ‬بها‭.‬

‭- ‬هل‭ ‬تستطيع‭ ‬ان‭ ‬تحدد‭ ‬لنا‭ ‬كم‭ ‬من‭ ‬الشعراء‭ ‬الذين‭ ‬يحضر‭ ‬لسماعهم‭ ‬الآلاف‭ ‬عند‭ ‬اقامة‭ ‬امسية‭ ‬شعرية،‭ ‬كما‭ ‬يحدث‭ ‬غالباً‭ ‬مع‭ ‬مظفر‭ ‬النواب؟

‭- ‬نزار‭ ‬قباني‭ ‬له‭ ‬جمهور‭ ‬واسع‭ ‬وكذلك‭ ‬محمود‭ ‬درويش،‭ ‬الجواهري‭ ‬ايضا‭.‬

‭- ‬هل‭ ‬انت‭ ‬نادم‭ ‬على‭ ‬كونك‭ ‬شاعراً؟

‭- ‬لا،‭ ‬أبداً،‭ ‬واشعر‭ ‬ان‭ ‬الاشياء‭ ‬التي‭ ‬انتابتني‭ ‬ابعدتني‭ ‬عن‭ ‬اماكن‭ ‬عديدة‭ ‬كي‭ ‬اذهب‭ ‬إلى‭ ‬الشعر،‭ ‬ربما‭ ‬هنالك‭ ‬قصدا‭ ‬مجهولاً‭ ‬يقودك‭ ‬كي‭ ‬تكتب‭ ‬القصيدة‭.‬

‭- ‬ألم‭ ‬تكبلك‭ ‬القصيدة‭ ‬بالاحزان؟

‭- ‬على‭ ‬العكس،‭ ‬وحتى‭ ‬في‭ ‬اقصى‭ ‬حالات‭ ‬الحزن‭ ‬اجدني‭ ‬فرحاً،‭ ‬وثمة‭ ‬قصيدة‭ ‬لي‭ ‬يقول‭ ‬مطلعها‭ ‬‮«‬مو‭ ‬حزن‭ ‬لكن‭ ‬حزين‮»‬،‭ ‬فالشعر‭ ‬يحوي‭ ‬فرحه‭ ‬الخاص،‭ ‬ورغم‭ ‬كل‭ ‬مصاعب‭ ‬حياتي‭ ‬اجد‭ ‬ان‭ ‬الكتابة‭ ‬هي‭ ‬امتع‭ ‬ما‭ ‬عندي،‭ ‬وحتى‭ ‬ما‭ ‬بعدها‭ ‬وما‭ ‬تؤول‭ ‬اليه،‭ ‬انها‭ ‬باختصار‭ ‬أمتع‭ ‬حالات‭ ‬حياتي‭.‬

‭- ‬لكن‭ ‬كل‭ ‬نصوصك‭ ‬مفعمة‭ ‬بالحزن،‭ ‬ولا‭ ‬يبدو‭ ‬انها‭ ‬تأمل‭ ‬بمغادرته؟

‭- ‬السعادة‭ ‬تعني‭ ‬تحقيق‭ ‬الذات،‭ ‬فعندما‭ ‬تمر‭ ‬على‭ ‬الكرة‭ ‬الارضية‭ ‬يجدر‭ ‬بك‭ ‬ان‭ ‬تكون‭ ‬قد‭ ‬تركت‭ ‬شيئا‭ ‬كي‭ ‬تكون‭ ‬سعيدا،‭ ‬وثمة‭ ‬فرح‭ ‬يكمن‭ ‬داخل‭ ‬النص‭ ‬الحزين،‭ ‬وهذا‭ ‬ما‭ ‬تحسه‭ ‬في‭ ‬حالة‭ ‬النشوة‭ ‬والطرب‭ ‬عند‭ ‬سماع‭ ‬اغنية‭ ‬حزينة‭.‬

‭- ‬إذاً‭ ‬هل‭ ‬انت‭ ‬سعيد‭ ‬بعد‭ ‬كل‭ ‬هذا‭ ‬الشتات‭ ‬والمطاردة‭ ‬والغربة‭ ‬والبعد‭..‬؟

‭- ‬ثمة‭ ‬هم‭ ‬وحيد‭ ‬لا‭ ‬يوازيه‭ ‬هم،‭ ‬هو‭ ‬البعد‭ ‬عن‭ ‬العراق‭ ‬ــ‭ ‬لكن‭ ‬تبقى‭ ‬الاشياء‭ ‬الاخرى‭ ‬تحمل‭ ‬فرحها‭ ‬الخاص،‭ ‬وبالذات‭ ‬حب‭ ‬الناس‭ ‬لي،‭ ‬هناك‭ ‬حب‭ ‬هائل‭ ‬بيني‭ ‬وبينهم‭ ‬في‭ ‬الشارع‭ ‬والمقهى،‭ ‬الا‭ ‬يكفي‭ ‬ان‭ ‬يحقق‭ ‬الشعر‭ ‬هذه‭ ‬المحبة؟

‭- ‬بشأن‭ ‬الغربة‭ ‬عن‭ ‬العراق،‭ ‬يقال‭ ‬انك‭ ‬لم‭ ‬تغادره‭ ‬كمعارض‭ ‬سياسي‭ ‬وان‭ ‬رئيس‭ ‬الدولة‭ ‬هو‭ ‬الذي‭ ‬سهل‭ ‬لك‭ ‬الخروج‭ ‬حينها،‭ ‬فهل‭ ‬صحيح‭ ‬هذا‭ ‬الكلام؟

‭- ‬لم‭ ‬يسهل‭ ‬لي‭ ‬الخروج،‭ ‬والجانب‭ ‬السياسي‭ ‬هو‭ ‬الاساس‭ ‬في‭ ‬مغادرتي‭ ‬العراق،‭ ‬اذ‭ ‬كان‭ ‬الصراع‭ ‬محتدماً‭ ‬انذاك‭ ‬وقبل‭ ‬خروجي‭ ‬كنت‭ ‬معتقلاً‭ ‬فترة‭ ‬من‭ ‬الزمن،‭ ‬وفي‭ ‬السجن‭ ‬الانفرادي،‭ ‬وتحديدا‭ ‬عام‭ ‬1969‭.‬

نعم،‭ ‬صحيح‭ ‬بعدها‭ ‬ارسلوا‭ ‬لي‭ ‬من‭ ‬القصر‭ ‬الجمهوري‭ ‬وطلبوا‭ ‬مني‭ ‬ان‭ ‬اتبوأ‭ ‬المركز‭ ‬الذي‭ ‬ارغب‭ ‬فيه،‭ ‬لكنني‭ ‬تكلمت‭ ‬باللغة‭ ‬التالية‭: ‬أنا‭ ‬مقتنع‭ ‬بما‭ ‬عليه‭ ‬بين‭ ‬الناس‭ ‬ولا‭ ‬يهمني‭ ‬المركز‭ ‬أو‭ ‬المنصب،‭ ‬وكان‭ ‬الرد‭ ‬اننا‭ ‬لا‭ ‬ننوي‭ ‬البيع‭ ‬والشراء‭ ‬معك‭.‬

حكيت‭ ‬قناعاتي‭ ‬بوضوح‭ ‬تام‭ ‬ولم‭ ‬اخف‭ ‬حرفاً‭ ‬واحداً‭ ‬حتى‭ ‬وان‭ ‬كان‭ ‬يؤدي‭ ‬إلى‭ ‬كارثة،‭ ‬ولا‭ ‬انكر‭ ‬الاستقبال‭ ‬الجيد‭ ‬الذي‭ ‬حظيت‭ ‬به‭ ‬آنذاك‭ ‬اذ‭ ‬كانت‭ ‬الامور‭ ‬وقتها‭ ‬في‭ ‬بداية‭ ‬الاحتدام‭ ‬ولم‭ ‬تكن‭ ‬حادة‭ ‬جدا‭.‬

اذن‭ ‬الجانب‭ ‬السياسي‭ ‬كان‭ ‬موجوداً‭ ‬في‭ ‬مغادرتي‭ ‬العراق،‭ ‬وقبلها‭ ‬كنت‭ ‬قد‭ ‬طلبت‭ ‬الموافقة‭ ‬على‭ ‬طبع‭ ‬مجموعتي‭ ‬‮«‬الريل‭ ‬وحمد‮»‬‭ ‬في‭ ‬بيروت‭ ‬واسافر‭ ‬كي‭ ‬اتابعها‭ ‬وبالفعل‭ ‬سافرت‭ ‬ولم‭ ‬اعد‭.‬

‭- ‬هل‭ ‬وجهت‭ ‬لك‭ ‬دعوات‭ ‬رسمية‭ ‬لزيارة‭ ‬العراق‭ ‬بعدها،‭ ‬وكيف‭ ‬كنت‭ ‬ترد‭ ‬عليها؟

‭- ‬نعم،‭ ‬كثيرة،‭ ‬وكنت‭ ‬ارد‭ ‬على‭ ‬شيء‭ ‬اساس‭ ‬لانهم‭ ‬كانوا‭ ‬يقولون‭ ‬اكتب‭ ‬ما‭ ‬تريده‭ ‬كي‭ ‬نحققه‭ ‬لك‭ ‬قبل‭ ‬عودتك‭ ‬إلى‭ ‬العراق‭.‬

والحقيقة‭ ‬انني‭ ‬لا‭ ‬امتلك‭ ‬مطالب‭ ‬بقدر‭ ‬ما‭ ‬هي‭ ‬مطالب‭ ‬الشعب‭ ‬الذي‭ ‬أنا‭ ‬جزء‭ ‬منه،‭ ‬وسأعود‭ ‬إلى‭ ‬العراق‭ ‬عندما‭ ‬تعود‭ ‬للانسان‭ ‬كرامته‭ ‬ولا‭ ‬أحد‭ ‬يعتدي‭ ‬عليه،‭ ‬فالكرامة‭ ‬قضية‭ ‬أساسية،‭ ‬وحدث‭ ‬ان‭ ‬كان‭ ‬وقتها‭ ‬أحد‭ ‬طلابي‭ ‬يحمل‭ ‬مسدساً‭ ‬داخل‭ ‬الصف‭ ‬الدراسي‭ ‬فاستأت‭ ‬كثيراً‭ ‬لكونه‭ ‬طفلاً‭ ‬وطلقة‭ ‬واحدة‭ ‬منه‭ ‬تؤدي‭ ‬الى‭ ‬كارثة‭ ‬غير‭ ‬متوقعة‭.‬

اذن‭ ‬كان‭ ‬المطلب‭ ‬الوحيد‭ ‬هو‭ ‬مطلب‭ ‬الشعب‭ ‬برمته‭ ‬وليس‭ ‬لي‭ ‬مطالب‭ ‬خاصة،‭ ‬وكرامة‭ ‬الانسان‭ ‬فوق‭ ‬كل‭ ‬شيء‭ ‬ويجب‭ ‬الا‭ ‬يعتدى‭ ‬عليها،‭ ‬قد‭ ‬نختلف‭ ‬في‭ ‬الصراع‭ ‬السياسي‭ ‬والتوجهات،‭ ‬لكن‭ ‬سأحترم‭ ‬هذا‭ ‬الصراع‭ ‬عندما‭ ‬تحترمه‭ ‬السلطة،‭ ‬وهي‭ ‬اجدر‭ ‬بان‭ ‬تقوم‭ ‬اولاً‭ ‬بذلك‭ ‬لأنها‭ ‬تمتلك‭ ‬القوة‭ ‬وأنا‭ ‬لا‭ ‬أمتلكها‭.‬

‭- ‬ثمة‭ ‬خلط‭ ‬تأسيساً‭ ‬على‭ ‬ما‭ ‬قلته‭ ‬بين‭ ‬مظفر‭ ‬النواب‭ ‬الشاعر‭ ‬والسياسي،‭ ‬فأيهما‭ ‬يتغلب‭ ‬على‭ ‬الآخر‭ ‬فيك؟

‭- ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬الفصل‭ ‬بين‭ ‬الاثنين،‭ ‬أنا‭ ‬أرسم،‭ ‬واكتب‭ ‬الشعر‭ ‬الفصيح‭ ‬والعامي‭ ‬وأحياناً‭ ‬أغني،‭ ‬وفي‭ ‬كل‭ ‬ذلك‭ ‬أبقىالشخص‭ ‬نفسه‭.‬

‭- ‬لكن‭ ‬الا‭ ‬تعتقد‭ ‬ان‭ ‬الشعر‭ ‬لا‭ ‬يلتقي‭ ‬بالسياسة‭ ‬غالباً،‭ ‬لم‭ ‬نجد‭ ‬هنا‭ ‬في‭ ‬بريطانيا‭ ‬مثلاً‭ ‬ان‭ ‬اهتم‭ ‬الشعر‭ ‬كثيراً‭ ‬بالسياسة؟

‭- ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬القياس‭ ‬على‭ ‬المجتمع‭ ‬البريطاني‭ ‬لاسباب‭ ‬عديدة‭ ‬منها‭ ‬الحرية‭ ‬المتاحة‭ ‬له‭ ‬وانتقاد‭ ‬السلطة‭ ‬والاشهار‭ ‬برأيه‭ ‬دون‭ ‬خوف‭ ‬أو‭ ‬بتظاهر‭ ‬وقتما‭ ‬يشاء،‭ ‬وهو‭ ‬الامر‭ ‬غير‭ ‬الموجود‭ ‬في‭ ‬مجتمعاتنا‭ ‬العربية‭. ‬اما‭ ‬ان‭ ‬اترك‭ ‬الحبل‭ ‬على‭ ‬الغارب،‭ ‬فلمن؟‭ ‬أنا‭ ‬ابن‭ ‬هذا‭ ‬الشعب‭ ‬الذي‭ ‬تربيت‭ ‬في‭ ‬احضانه،‭ ‬وابن‭ ‬البيئة‭ ‬التي‭ ‬تنفست‭ ‬هواءها،‭ ‬فحبي‭ ‬له‭ ‬يدفعني‭ ‬إلى‭ ‬الدفاع‭ ‬عنه‭ ‬لأنني‭ ‬اعرف‭ ‬الحال‭ ‬التي‭ ‬وصل‭ ‬اليها‭.‬

‭- ‬مع‭ ‬كل‭ ‬ذلك‭ ‬يؤخذ‭ ‬عليك‭ ‬علاقاتك‭ ‬القوية‭ ‬مع‭ ‬بعض‭ ‬الزعماء‭ ‬العرب،‭ ‬وهم‭ ‬غالباً‭ ‬لا‭ ‬يختلفون‭ ‬مع‭ ‬الزعماء‭ ‬الذين‭ ‬تعارضهم؟

‭- ‬ليس‭ ‬لدى‭ ‬علاقة‭ ‬مع‭ ‬حكام‭ ‬بمعنى‭ ‬العلاقة‭ ‬المتعارف‭ ‬عليها،‭ ‬ربما‭ ‬التقيت‭ ‬برئيس‭ ‬دولة‭ ‬أو‭ ‬اثنين،‭ ‬ثلاثة،‭ ‬لكن‭ ‬قلت‭ ‬رأيي‭ ‬امامهم‭ ‬بوضوح‭ ‬كما‭ ‬قلته‭ ‬عندما‭ ‬كنت‭ ‬في‭ ‬العراق،‭ ‬نعم‭ ‬التقيت‭ ‬بالعديد‭ ‬منهم‭ ‬لكن‭ ‬كل‭ ‬هذه‭ ‬اللقاءات‭ ‬تمخضت‭ ‬عن‭ ‬قول‭ ‬أقصى‭ ‬ما‭ ‬امتلكه‭ ‬من‭ ‬رأي‭ ‬وبقناعاتي‭ ‬الخاصة‭ ‬ولو‭ ‬حتم‭ ‬ذلك‭ ‬اخراجي‭ ‬من‭ ‬بلد‭ ‬هذا‭ ‬الرئيس‭ ‬أو‭ ‬ذاك،‭ ‬مع‭ ‬انه‭ ‬لم‭ ‬يحدث‭ ‬مثل‭ ‬هذا‭ ‬الامر‭.‬

‭- ‬لكن‭ ‬ثمة‭ ‬من‭ ‬يتحدث‭ ‬عن‭ ‬علاقة‭ ‬وثيقة‭ ‬تربطك‭ ‬بمعمر‭ ‬القذافي،‭ ‬هل‭ ‬هذا‭ ‬صحيح؟

‭- ‬نعم‭ ‬صحيح،‭ ‬وثمة‭ ‬اشياء‭ ‬لا‭ ‬تقال‭ ‬الان‭.. ‬أنا‭ ‬مع‭ ‬الناس‭ ‬ومع‭ ‬الذين‭ ‬مع‭ ‬الناس،‭ ‬ولا‭ ‬يمكن‭ ‬ان‭ ‬تكون‭ ‬علاقتي‭ ‬بحاكم‭ ‬ما‭ ‬قوية‭ ‬اذا‭ ‬كان‭ ‬متسلطاً‭ ‬على‭ ‬شعبه،‭ ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬ذلك‭ ‬أبداً‭. ‬مهدت‭ ‬لي‭ ‬ظروف‭ ‬معينة‭ ‬ان‭ ‬التقي‭ ‬بحكام‭ ‬عرب،‭ ‬لكن‭ ‬قلت‭ ‬رأيي‭ ‬بوضوح‭ ‬تام‭ ‬ودون‭ ‬ان‭ ‬اطلب‭ ‬شيئا،‭ ‬وعرض‭ ‬علي‭ ‬كثير‭ ‬سواء‭ ‬في‭ ‬العراق‭ ‬أو‭ ‬خارجه،‭ ‬لكن‭ ‬دعني‭ ‬اقول‭ ‬انني‭ ‬مترفع‭ ‬عن‭ ‬هذه‭ ‬الاشياء،‭ ‬ولا‭ ‬اعتقد‭ ‬ان‭ ‬من‭ ‬قضى‭ ‬هذه‭ ‬المسيرة‭ ‬الحياتية‭ ‬الطويلة‭ ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬ان‭ ‬يساوم،‭ ‬لم‭ ‬يبق‭ ‬ثمة‭ ‬شيء‭ ‬يستحق‭ ‬ان‭ ‬نساوم‭ ‬من‭ ‬اجله‭.‬

‭- ‬دعنا‭ ‬نسألك‭ ‬عن‭ ‬الطقوس‭ ‬الخاصة‭ ‬التي‭ ‬تمارسها‭ ‬في‭ ‬الكتابة،‭ ‬فهناك‭ ‬من‭ ‬يتخيل‭ ‬انك‭ ‬تعيش‭ ‬في‭ ‬عالم‭ ‬بخصوصية‭ ‬محطة‭ ‬لا‭ ‬تنطبق‭ ‬على‭ ‬شاعر‭ ‬اخر،‭ ‬فهل‭ ‬تمارس‭ ‬طقوساً‭ ‬طبيعية،‭ ‬كيف‭ ‬تعيش‭ ‬يومك؟

‭- ‬قدتكون‭ ‬هذه‭ ‬التصورات‭ ‬محقة‭ ‬في‭ ‬جانب‭ ‬معين،‭ ‬ومبالغة‭ ‬في‭ ‬جوانب‭ ‬اخرى‭. ‬يحدث‭ ‬أحياناً‭ ‬ألا‭ ‬أنام‭ ‬أو‭ ‬اسهر‭ ‬طويلاً،‭ ‬وقد‭ ‬تستيقظ‭ ‬بي‭ ‬ذكرى‭ ‬من‭ ‬الماضي‭ ‬وأنا‭ ‬في‭ ‬قمة‭ ‬النعاس،‭ ‬عندها‭ ‬اضطر‭ ‬إلى‭ ‬الخروج‭ ‬إلى‭ ‬الشارع‭ ‬فجراً‭ ‬كي‭ ‬اتخلص‭ ‬من‭ ‬الوحشة‭.. ‬لست‭ ‬مع‭ ‬الطقوسية‭ ‬الصارمة‭ ‬في‭ ‬الحياة‭ ‬والكتابة،‭ ‬لكن‭ ‬ثمة‭ ‬شيء‭ ‬في‭ ‬حياتي‭ ‬له‭ ‬علاقة‭ ‬بالمجاهيل‭. ‬وقد‭ ‬يبدو‭ ‬الحديث‭ ‬عنها‭ ‬اليوم‭ ‬غير‭ ‬ذي‭ ‬جدوى‭ ‬في‭ ‬وقت‭ ‬الصراع‭ ‬الذي‭ ‬نعيشه‭ ‬والذي‭ ‬يجب‭ ‬ان‭ ‬نكرس‭ ‬له‭ ‬كل‭ ‬جهودنا،‭ ‬لكي‭ ‬لا‭ ‬نشغل‭ ‬الناس‭ ‬عما‭ ‬يعيشونه‭ ‬بالفعل‭.‬

لقد‭ ‬عشت‭ ‬تجربة‭ ‬موت‭ ‬سريري‭ ‬في‭ ‬عدن‭ ‬والرؤى‭ ‬التي‭ ‬انتابتني‭ ‬حينها،‭ ‬تماما‭ ‬مثل‭ ‬ما‭ ‬عاشه‭ ‬محمود‭ ‬درويش‭ ‬بعد‭ ‬الجلطة‭ ‬القلبية،‭ ‬اذا‭ ‬كان‭ ‬فرحا‭ ‬بعد‭ ‬الاستيقاظ‭ ‬لانه‭ ‬رأى‭ ‬شيئا‭ ‬ما‭ ‬اثناء‭ ‬فترة‭ ‬الغيبوبة،‭ ‬لكنه‭ ‬في‭ ‬مرة‭ ‬اخرى‭ ‬قد‭ ‬كان‭ ‬حزيناً‭ ‬لرؤيته‭ ‬شيئا‭ ‬اخر‭ ‬تماما،‭ ‬دنيا‭ ‬سوداء‭.‬

ايضا‭ ‬من‭ ‬الاشياء‭ ‬التي‭ ‬ترافقني‭ ‬لا‭ ‬اكتب‭ ‬الا‭ ‬بقلم‭ ‬قطر‭ ‬ريشته‭ ‬1‭.‬5‭ ‬ملمتراً‭ ‬ولا‭ ‬احبذ‭ ‬الكتابة‭ ‬بغيره،‭ ‬ربما‭ ‬يساعدني‭ ‬على‭ ‬التركيز‭ ‬ولا‭ ‬اعرف‭ ‬سببا‭ ‬آخر‭ ‬لذلك،‭ ‬لانه‭ ‬كلما‭ ‬صغرت‭ ‬الكلمة‭ ‬كلما‭ ‬دخلت‭ ‬اكثر‭ ‬في‭ ‬الصورة،‭ ‬وكأن‭ ‬شكل‭ ‬الحرف‭ ‬يساعد‭ ‬على‭ ‬ايجاد‭ ‬شكل‭ ‬للكتابة،‭ ‬للصورة،‭ ‬للمعنى‭.‬

‭- ‬هل‭ ‬تبكي‭ ‬كثيرا؟

‭- ‬عندما‭ ‬انفعل‭ ‬نعم‭! ‬اليوم‭ ‬مثلا‭ ‬كنت‭ ‬في‭ ‬منزل‭ ‬العازف‭ ‬احمد‭ ‬مختار‭ ‬وبطريقة‭ ‬غير‭ ‬مقصودة‭ ‬اسمعني‭ ‬شريطاً‭ ‬لجنازة‭ ‬المغتي‭ ‬الراحل‭ ‬رياض‭ ‬احمد،‭ ‬فغالبتني‭ ‬الدموع،‭ ‬بكيت،‭ ‬نعم‭ ‬بكيت‭..‬

‭- ‬هل‭ ‬تصلك‭ ‬صورة‭ ‬الوله‭ ‬الذي‭ ‬ينتاب‭ ‬العراقيين‭ ‬تحديداً‭ ‬مع‭ ‬سماع‭ ‬نصوصك‭ ‬الشعبية؟‭ ‬هل‭ ‬تتحسس‭ ‬وطأتها‭ ‬عليهم‭ ‬وانت‭ ‬البعيد‭ ‬القريب‭ ‬عنهم؟

‭- ‬نعم،‭ ‬تصلني‭ ‬وبشكل‭ ‬دائم‭ ‬خصوصاً‭ ‬بعد‭ ‬موجة‭ ‬سفر‭ ‬العراقيين،‭ ‬وحديثهم‭ ‬معي‭ ‬اينما‭ ‬نلتقي،‭ ‬أحياناً‭ ‬نتحول‭ ‬إلى‭ ‬مناحات‭ ‬معبرة‭ ‬عن‭ ‬حالهم‭ ‬في‭ ‬الغربة‭.‬

‭- ‬هل‭ ‬كتبت‭ ‬نصاً‭ ‬شعبياً‭ ‬بمستوى‭ ‬النصوص‭ ‬القديمة‭ ‬التي‭ ‬لا‭ ‬تغادر‭ ‬الذاكرة؟

‭- ‬بشأن‭ ‬المستوى‭ ‬فلا‭ ‬يمكن‭ ‬تحديد‭ ‬ذلك،‭ ‬لكنني‭ ‬احاول‭ ‬وطبقا‭ ‬للحالة‭ ‬التي‭ ‬تنتابني‭ ‬وقدرتها‭ ‬على‭ ‬استفزازي‭ ‬مع‭ ‬بداية‭ ‬الدفعة‭ ‬التي‭ ‬ستشكل‭ ‬زخمها‭ ‬وإلى‭ ‬اين‭ ‬ستمتد،‭ ‬واحيانا‭ ‬واثناء‭ ‬المداخل‭ ‬اجد‭ ‬ان‭ ‬هذا‭ ‬النص‭ ‬لا‭ ‬يفيد‭ ‬فأمزقه،‭ ‬ليس‭ ‬له‭ ‬زخم،‭ ‬لقد‭ ‬اتلفت‭ ‬كثير‭ ‬مما‭ ‬كتبته،‭ ‬والقصيدة‭ ‬الجيدة‭ ‬هي‭ ‬التي‭ ‬تكتب‭ ‬نفسها‭ ‬في‭ ‬ما‭ ‬بعد،‭ ‬وما‭ ‬كتبته‭ ‬أنت‭ ‬يكتب‭ ‬معاك،‭ ‬تحدث‭ ‬هذه‭ ‬الحالة‭ ‬لنثمر‭ ‬اجمل‭ ‬انواع‭ ‬القصائد،‭ ‬واحياناً‭ ‬وبعد‭ ‬الاستيقاظ‭ ‬عن‭ ‬سطوة‭ ‬الكتابة‭ ‬تستغرب‭ ‬كيف‭ ‬كتبت‭ ‬ما‭ ‬كتبت،‭ ‬لكونك‭ ‬تمارس‭ ‬الرقابة‭ ‬على‭ ‬ذلك،‭ ‬فثمة‭ ‬من‭ ‬يكتب‭ ‬فيك‭ ‬وثمة‭ ‬من‭ ‬يراقب‭ ‬في‭ ‬ما‭ ‬بعد‭ ‬على‭ ‬النحو‭ ‬واللغة‭.‬

‭- ‬هل‭ ‬تعرف‭ ‬ان‭ ‬ثمة‭ ‬ما‭ ‬يشبه‭ ‬الاساطير‭ ‬احبط‭ ‬ببعض‭ ‬قصائدك‭ ‬واجواء‭ ‬كتابتها،‭ ‬فحيك‭ ‬حولها‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬القصص،‭ ‬هل‭ ‬تتذكر‭ ‬مثلا‭ ‬اجواء‭ ‬قصيدة‭ ‬‮«‬البنفسج‮»‬‭ ‬مثلا‭ ‬متى‭ ‬كتبتها،‭ ‬من‭ ‬قرأها‭ ‬اولا‭..‬؟

‭- ‬لا‭ ‬أُؤرخ‭ ‬كثيراً‭ ‬لقصائدي‭ ‬ربما‭ ‬لأنني‭ ‬اعتبر‭ ‬القصيدة‭ ‬عالماً‭ ‬لا‭ ‬ينتهي،‭ ‬لا‭ ‬بأس‭ ‬بكل‭ ‬ما‭ ‬قلته‭.. ‬لكنني‭ ‬لا‭ ‬اتذكر‭ ‬وقت‭ ‬أو‭ ‬حالة‭ ‬كتابة‭ ‬‮«‬البنفسج‮»‬‭.. ‬الصورة‭ ‬الشعرية‭ ‬تأتي‭ ‬نتيجة‭ ‬حسابات‭ ‬معقدة‭ ‬لا‭ ‬نفهمها،‭ ‬أقرأ‭ ‬حاليا‭ ‬كتاباً‭ ‬عن‭ ‬التزامن‭ ‬يتحدث‭ ‬عن‭ ‬تصادف‭ ‬تتالي‭ ‬حدوث‭ ‬اشياء‭ ‬معينة‭ ‬دون‭ ‬سبب،‭ ‬فالحديث‭ ‬قائم‭ ‬اليوم‭ ‬عن‭ ‬علاقات‭ ‬مجهولة‭ ‬غير‭ ‬العلاقات‭ ‬المستمرة،‭ ‬لذلك‭ ‬عندما‭ ‬نفسر‭ ‬أجواء‭ ‬كتابة‭ ‬القصيدة‭ ‬وميزة‭ ‬تلك‭ ‬اللحظة،‭ ‬فانا‭ ‬لا‭ ‬اتذكر‭ ‬شيئا‭ ‬أو‭ ‬لا‭ ‬أملك‭ ‬الآن‭ ‬على‭ ‬الاقل‭ ‬تفسيراً‭ ‬لذلك،‭ ‬لان‭ ‬ثمة‭ ‬كما‭ ‬هائلاً‭ ‬من‭ ‬التركيبات‭ ‬لعشرات‭ ‬الاعوام‭ ‬الماضية‭ ‬هي‭ ‬التي‭ ‬منحتك‭ ‬هذه‭ ‬البناء‭ ‬أشهر‭.‬

‭- ‬انت‭ ‬شاعر‭ ‬بقيت‭ ‬صلته‭ ‬عميقة‭ ‬مع‭ ‬نصوصه‭ ‬الاولى،‭ ‬لأن‭ ‬اغلب‭ ‬الشعراء‭ ‬يشعرون‭ ‬بالخجل‭ ‬ازاء‭ ‬ما‭ ‬كتبوه‭ ‬في‭ ‬سنوات‭ ‬تجربتهم‭ ‬الاولى؟

‭- ‬أنا‭ ‬لا‭ ‬اتبرأ‭ ‬من‭ ‬اي‭ ‬جانب‭ ‬من‭ ‬جوانبي‭ ‬اطلاقا،‭ ‬مع‭ ‬ذلك‭ ‬أنا‭ ‬مازلت‭ ‬اكتب‭ ‬قصائد‭ ‬جديدة‭ ‬وربما‭ ‬لا‭ ‬تصل‭ ‬إلى‭ ‬القارىء‭ ‬بسبب‭ ‬الظروف‭ ‬التي‭ ‬تحيط‭ ‬بنا،‭ ‬وهنالك‭ ‬سيرورة‭ ‬للتطور‭ ‬جانب‭ ‬منها‭ ‬عقلي،‭ ‬لكن‭ ‬المنطق‭ ‬لا‭ ‬يفعل‭ ‬شيئا‭ ‬في‭ ‬عالم‭ ‬الشعر‭ ‬الذي‭ ‬يعتمد‭ ‬على‭ ‬الحدس‭ ‬والمجاهيل،‭ ‬ثمة‭ ‬شيء‭ ‬يتطور‭ ‬واحيانا‭ ‬ينشطر‭ ‬الشاعر‭ ‬إلى‭ ‬اثنين‭: ‬الشاعر‭ ‬والرقيب،‭ ‬واشعر‭ ‬بالسعادة‭ ‬عندما‭ ‬تتناول‭ ‬قصائدي‭ ‬جوانب‭ ‬جديدة،‭ ‬اعني‭ ‬ثمة‭ ‬شيء‭ ‬ينمو‭ ‬ويتطور،‭ ‬والقصائد‭ ‬التي‭ ‬اكتبها‭ ‬الان‭ ‬هي‭ ‬بنفس‭ ‬البذرة‭ ‬التي‭ ‬كانت‭ ‬في‭ ‬مظفر‭ ‬الطفل‭ ‬وصار‭ ‬بعد‭ ‬ذلك،‭ ‬والمسيرة‭ ‬الحياتية‭ ‬للانسان‭ ‬فيّ‭ ‬هي‭ ‬مسيرة‭ ‬الشعر‭ ‬نفسه،‭ ‬لذلك‭ ‬تراني‭ ‬لا‭ ‬اتنصل‭ ‬من‭ ‬اي‭ ‬قصائدي‭ ‬القديمة‭.‬

‭- ‬لو‭ ‬تسنى‭ ‬لك‭ ‬ان‭ ‬تنظر‭ ‬لشعرك،‭ ‬ماذا‭ ‬ستقول؟

‭- ‬لا‭ ‬أميل‭ ‬كثيراً‭ ‬لهذا‭ ‬الجانب‭ ‬وأكتفى‭ ‬بالكتابة‭ ‬وحدها،‭ ‬وعندما‭ ‬أسأل‭ ‬عن‭ ‬شعري‭ ‬أحاول‭ ‬ان‭ ‬اجد‭ ‬تفسيرات‭ ‬ربما‭ ‬لا‭ ‬تكون‭ ‬كما‭ ‬يعهدها‭ ‬القارىء‭.‬

اعتقد‭ ‬ان‭ ‬النقد‭ ‬ليس‭ ‬مهمتي،‭ ‬على‭ ‬الرغم‭ ‬من‭ ‬ضرورته‭ ‬في‭ ‬تربية‭ ‬اذواق‭ ‬الاجيال،‭ ‬وربما‭ ‬الجأ‭ ‬اليه‭ ‬بعد‭ ‬ان‭ ‬تتوقف‭ ‬بذرة‭ ‬الشعر‭ ‬بسبب‭ ‬العمر‭.‬

وغالبا‭ ‬ما‭ ‬أسأل‭ ‬عن‭ ‬عدم‭ ‬طبع‭ ‬مجاميع‭ ‬شعرية،‭ ‬والسبب‭ ‬ببساطة‭ ‬انني‭ ‬كلما‭ ‬بدأت‭ ‬باعادة‭ ‬كتابة‭ ‬قصائدي‭ ‬القديمة‭ ‬كوني‭ ‬اكتب‭ ‬بخط‭ ‬ناعم‭ ‬جدا،‭ ‬لا‭ ‬استمر‭ ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬بل‭ ‬اشرع‭ ‬بكتابة‭ ‬قصيدة‭ ‬جديدة،‭ ‬وهكذا‭..‬

‭- ‬هل‭ ‬تعتقد‭ ‬ان‭ ‬النقد‭ ‬مارس‭ ‬دوراً‭ ‬موضوعياً‭ ‬على‭ ‬نصوصك؟

ــ‭ ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬البت‭ ‬بالموضوعية‭ ‬من‭ ‬عدمها،‭ ‬لانه‭ ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬هنالك‭ ‬نقد‭ ‬اصلاً‭ ‬على‭ ‬شعري،‭ ‬لكن‭ ‬ثمة‭ ‬كتابات‭ ‬كانت‭ ‬شفافة‭ ‬وجميلة‭ ‬مثل‭ ‬ما‭ ‬كتبه‭ ‬الناقد‭ ‬محمد‭ ‬مبارك‭. ‬اما‭ ‬كثير‭ ‬مما‭ ‬كتب‭ ‬فلا‭ ‬يرقى‭ ‬إلى‭ ‬مرتبة‭ ‬النقد‭ ‬بابعاده‭ ‬وأدواته،‭ ‬وهناك‭ ‬بعض‭ ‬المخاوف‭ ‬تراود‭ ‬النقاد‭ ‬وتمنعهم‭ ‬من‭ ‬تناول‭ ‬قصائدي‭ ‬بسبب‭ ‬تناولها‭ ‬السياسي،‭ ‬وايضا‭ ‬هناك‭ ‬بعض‭ ‬المواقف‭ ‬المتحاملة‭ ‬علي‭ ‬من‭ ‬بعض‭ ‬كتاب‭ ‬الصحف،‭ ‬واخر‭ ‬شيء‭ ‬كان‭ ‬على‭ ‬امسية‭ ‬اقمتها‭ ‬في‭ ‬مبنى‭ ‬اليونيسكو‭ ‬في‭ ‬بيروت‭ ‬وبدعوة‭ ‬من‭ ‬لجنة‭ ‬مكافحة‭ ‬التطبيع‭ ‬وغصت‭ ‬القاعة‭ ‬بالجمهور‭ ‬وحتى‭ ‬المداخل،‭ ‬كنت‭ ‬منقاداً‭ ‬لقناعاتي‭ ‬وحدها‭ ‬فقرأت‭ ‬قصائد‭ ‬مداخلها‭ ‬خمرية‭ ‬وسياسية،‭ ‬فكتب‭ ‬ناقد‭ ‬أو‭ ‬هكذا‭ ‬يدعي،‭ ‬مستثيرا‭ ‬ضدي‭ ‬الانظمة‭ ‬السياسية‭ ‬ورجال‭ ‬الدين،‭ ‬فلم‭ ‬يحدث‭ ‬ذلك‭ ‬أبداً‭. ‬وقال‭ ‬انني‭ ‬منذ‭ ‬عشرين‭ ‬سنة‭ ‬لم‭ ‬اتغير‭ ‬ومازلت‭ ‬اخاطب‭ ‬الانظمة‭ ‬باللهجة‭ ‬نفسها،‭ ‬فيما‭ ‬هي‭ ‬تغيرت‭ ‬وتطورت،‭ ‬بينما‭ ‬واقع‭ ‬الحال‭ ‬يقول‭ ‬ليس‭ ‬هناك‭ ‬تغير‭ ‬أو‭ ‬تطور‭ ‬اذا‭ ‬لم‭ ‬نكن‭ ‬قد‭ ‬تراجعنا‭ ‬إلى‭ ‬الوراء‭.‬

وقال‭ ‬انني‭ ‬لم‭ ‬احترم‭ ‬المقامات‭ ‬الدينية‭ ‬لكوني‭ ‬قرأت‭ ‬مطالع‭ ‬خمرية‭ ‬متناسياً‭ ‬ان‭ ‬الشعر‭ ‬العربي‭ ‬يحفل‭ ‬بذلك،‭ ‬وهناك‭ ‬رجال‭ ‬دين‭ ‬كتبوا‭ ‬مثل‭ ‬هذه‭ ‬القصائد،‭ ‬وحتى‭ ‬الخميني‭ ‬نفسه‭ ‬في‭ ‬ديوانه‭ ‬كتب‭ ‬قصائد‭ ‬غزل‭ ‬صوفي‭ ‬وخمريات‭ ‬تصوفية‭ ‬وعرفانيه‭.‬

‭- ‬وهل‭ ‬ثمة‭ ‬اسباب‭ ‬اخرى‭ ‬غير‭ ‬ما‭ ‬قلته‭ ‬عن‭ ‬عدم‭ ‬جمع‭ ‬قصائدك‭ ‬في‭ ‬مجاميع‭ ‬مطبوعة؟

‭- ‬السبب‭ ‬الرئيس‭ ‬هو‭ ‬ما‭ ‬قلته‭ ‬اما‭ ‬الاسباب‭ ‬الثانوية‭ ‬فهي‭ ‬ما‭ ‬يتعلق‭ ‬بدور‭ ‬النشر‭ ‬التي‭ ‬لا‭ ‬تحترم‭ ‬شيئاً،‭ ‬عندما‭ ‬تعد‭ ‬بطبع‭ ‬الف‭ ‬نسخة‭ ‬من‭ ‬كتاب،‭ ‬في‭ ‬ما‭ ‬تقوم‭ ‬بطبع‭ ‬اضعاف‭ ‬هذا‭ ‬الرقم‭ ‬وهذا‭ ‬ما‭ ‬حدث‭ ‬معي‭ ‬بالفعل‭. ‬ويوجد‭ ‬حالياً‭ ‬في‭ ‬مكتبات‭ ‬القاهرة‭ ‬وكندا‭ ‬واميركا‭ ‬وغيرها‭ ‬ما‭ ‬يسمى‭ ‬بالمجموعة‭ ‬الكاملة‭ ‬لمظفر‭ ‬النواب،‭ ‬وليس‭ ‬لي‭ ‬اي‭ ‬صلة‭ ‬بطبع‭ ‬هذا‭ ‬الكتاب‭ ‬لانه‭ ‬صادر‭ ‬عن‭ ‬دار‭ ‬نشر‭ ‬وهمية‭ ‬اسمها‭ ‬دار‭ ‬قنبر‭ ‬لم‭ ‬اجد‭ ‬لها‭ ‬اي‭ ‬اثر‭ ‬ويباع‭ ‬بثمن‭ ‬غال‭ ‬جداً‭ ‬ووجدته‭ ‬أيضا‭ ‬هنا‭ ‬في‭ ‬مكتبات‭ ‬لندن،‭ ‬والكتاب‭ ‬سيء‭ ‬لكونه‭ ‬مليئاً‭ ‬بالاخطاء‭ ‬اللغوية‭ ‬فضلا‭ ‬عن‭ ‬طباعته‭ ‬الرديئة‭. ‬أيضا‭ ‬هناك‭ ‬صحيفة‭ ‬تصدر‭ ‬في‭ ‬شيكاغو‭ ‬نشرت‭ ‬اعلاناً‭ ‬تزعم‭ ‬فيه‭ ‬ان‭ ‬من‭ ‬يريد‭ ‬المجموعة‭ ‬الكاملة‭ ‬المسجلة‭ ‬لمظفر‭ ‬النواب‭ ‬أو‭ ‬محمود‭ ‬درويش‭ ‬فعليه‭ ‬ان‭ ‬يدفع‭ ‬57‭ ‬دولاراً‭ ‬للحصول‭ ‬عليها،‭ ‬ومن‭ ‬دون‭ ‬ان‭ ‬اعرف‭ ‬كيف‭ ‬حصلوا‭ ‬على‭ ‬هذا‭ ‬التخويل‭.‬



Most Read

2024-09-20 18:26:12