Breaking News >> News >> Azzaman


الدستور حمّال الوزر وسبب الخراب – علي الشكري


Link [2022-04-24 00:13:55]



الدستور حمّال الوزر وسبب الخراب – علي الشكري

منذ نحو عقد ونيف من الزمان ، وأنا أتحدث بحرقة وحماسة مع أحد الساسة عن خرق دستوري ، وما هو كائن وما يجب أن يكون ، وما ينسجم والنص الدستوري ، وهو يستمع ويصغي والشهادة لله باهتمام ، حتى خُيل لي أن الرجل يشاطرني الرأي ويشاركني الهم ويتفق معي بالتشخيص ، بلحاظ أنه تركني أشرح وأُشخّص وأُحدد مواطن الخلل ، وبعد أنتهائي من حديث مطول ، استدعى المسؤول عن الضيافة وطلب لي ودون أن يخيرني عصير ليمون بارد ، فاستغربت لتصرفه لكن كان عليّ القبول فهو لم يأخذ رأيي ، وذاته كان متصدي ، وأنا أكاديمي أبحث عن الحقيقية والمصلحة وبناء الوطن ، وبعد أن حضر الليمون طلب مني احتساؤه قائلاً يارجل هوّن على نفسك فصحتك مقدمةٌ لا مُقدم عليها ، ويبدو أنه شفق عليّ إذ لم يرَ في الخرق ما يبرر الانفعال والحديث بتفصيل ، وتشخيص الخلل ، إذ أوجز الرجل بحديث مختصر جامع عنده شامل ، فقال دكتور نحن نتناقش في الخلاف ونتوافق على الحل ونتراضى بالتقاسم ونطوع النص الدستوري بما يتوائم وما اتفقنا ، فالاتفاق عندنا مقدم على الدستور ، وهو الأول ودستورك الثاني ، أتذكر أنني صمت صمتاً مطبقاً لهول ما سمعت وكارثة ما تلقيت ، واراد الرجل أن يهون عليّ ويبسّط واقع قائم ومثالية المبادىء القانونية التي تتلمذت عليها وتلمذت طلبتي عليها في الحامعة على مدى ثلاثة عقود من الزمان ، فاستحضرت طريفة سمعتها من نجار بسيط أحضرته لبيتي كي يأخذ جزء بسيط من أسفل باب خشب لم يعد يُغلق ، إذ وقف النجار وبعد إجراؤه الفحص السريري على الباب تنهد قائلاً مسكين الأبكم يتلقى الضربات ولا يستطيع الدفاع عن نفسه ، فبادرت بالسؤال وما الرابط ، اجاب بعفوية ، خطية الباب العيب مو بي مو هو نازل البلاط مرتفع بفعل الرطوبة ، نجر الباب وأخذ جزء منها وولى ذاهباً متأسفاً على الباب والظلم الذي لحق بها .

ويقيناً أن ما يتعرض له اليوم دستورنا ، من اجحاف وظلامة وهجمة إنما هو حمل لوزر ساسة تصدوا فأخفقوا ، وحكموا ولم يفلحوا ، وتقاسموا فاختلفوا ، وانتهى الأمر الى البحث عمن يحمل الوزر فلم يجدوا أفضل من دستور صامت ، كُتبت نصوصه في أقسى ظرف وأقصر مدة وأخطر ظرف أمني ، فكان الأول غير المؤقت في العهد الجمهوري ، والأفضل عربياً واقليمياً ، والأوسع حماية للحقوق والحريات العامة ، والأكثر تقدماً في مبادئه السلطوية ، والأوفق وسطية في معالجة القضايا الخلافية العالقة الموروثة عن النظم الانقلابية الراحلة ، نعم لم يخلو من بعض الهنات ، ولم تغادره قليل الهفوات ، ولم تتجرد نصوصه من التوافقات ، لكن كل ذلك مقبول معقول منطقي ، بلحاظ الزمان والمكان والظرف الاستثنائي .

حمال الوزر

ويقيناً أن الغرابة ليس في الظلم الذي الحقه الساسة بالدستور ، فالساسة دائماً لا غالباً يبحثون عن حمّال الوزر ، لكن الغرابة كلها في أساتيذ يدعون التخصص ويتظاهرون بالمهنية ويقدمون أنفسم على أنهم مشخصون مصححون ، إذ راح البعض ينبري في مهاجمة الدستور ، ويتدافع بقصد إظهار سلبياته ، ويتطوع في تشخيص ما ليس فيه ، مناغماً بعض الساسة ، مسايراً توجهات من لا علم له ، وربما كان هاجسه ، صعود الموج بقصد الفوز بمنصب أو مكان أو امتياز ، فظننا بدستورنا أنه الأفضل إقليمياً والأوفق عربياً في ظل ظروف الوطن الاستثنائية ، والأكثر تقدماً فكراً ومبادئاً ونصوصاً ، غاية ما اصابه بمقتل ، ساسة لا يمتثلون ، وأكاديميون لا يشخصون ، وهنات لم تتوافق الإرادة للسياسية على تجاوزها ، فما من دستور خال من العيب الولادي أو اللاحق المستجد ، بفعل المتغير والطارىء والحديث ، فدستور الولايات المتحدة الامريكية الأقدم تاريخاً والأطول عمراً والاقل نصوصاً والأكثر ديمقراطية ، طرأ عليه التعديل وادخل فيه التغيير وتناوله الحذف والإضافة ، فالدستور  كما التشريع يصيبه النقص ويكتنفه الغموض وتنعكس عليه المتغيرات ، وهو نص يوصف بالمتغير المتطور ، فالأكثر جدوى فيه ذلك الذي يستجيب للمتغير ، ويُساير التطور ، ويلاحق المستجد ، ويتلقف الحاجة ، فدستورنا غير مصاب بمرض الموت ولا مبتلى بمرض عضال ، لكنه ينوء  بوزر من لا يمتثل ولا يساير ولا يستجيب للحاجة ، فالعيب كله في القائم على التنفيذ ولا عيب جوهري فيه ، فنجاح الدستور وفشله مقترن حتما بإيمان أو تنكر الحاكم بتفريعاته ، فأكثر الدساتير رصانة ماتت لتنكر القائمين عليها ، والاقل دقة وصياغة ومعنى ومبنى ، نجحت في بناء مدنيات وتشييد حاضرات ، لإيمان المعني والمخاطب بها ، فالدساتير على دين الحكام ، وهي هويتهم ، تحيا بهم وترحل بتنكرهم .



Most Read

2024-09-20 20:44:00