Breaking News >> News >> Azzaman


استعمار البهرجة والأنا-د. نزار محمود


Link [2022-04-21 07:32:47]



كثير‭ ‬منا‭ ‬يتحدث‭ ‬صباح‭ ‬مساء‭ ‬عن‭ ‬هيمنة‭ ‬الدول‭ ‬الاستعمارية‭ ‬علينا‭ ‬واستغلالها‭ ‬ونهبها‭ ‬لثرواتنا،‭ ‬ناهيك‭ ‬عن‭ ‬احتلالها‭ ‬لأوطاننا‭ ‬وتنصيبها‭ ‬لانظمة‭ ‬حكم‭ ‬عميلة‭ ‬أو‭ ‬موالية‭ ‬لها‭. ‬في‭ ‬ذات‭ ‬الوقت‭ ‬الذي‭ ‬لم‭ ‬توفر‭ ‬حناجرنا‭ ‬ولا‭ ‬أقلامنا‭ ‬شتماً‭ ‬وسباً‭ ‬بهؤلاء‭ ‬الحكام،‭ ‬وبحق‭. ‬لكن‭ ‬الحقيقة‭ ‬لا‭ ‬تنتهي‭ ‬عند‭ ‬ذلك،‭ ‬فللشعوب‭ ‬دور‭ ‬كبير‭ ‬في‭ ‬هيمنة‭ ‬الاستعمار‭ ‬وعمالة‭ ‬الحكام‭.‬

وفي‭ ‬هذا‭ ‬المقال‭ ‬سوف‭ ‬لا‭ ‬أخوض‭ ‬في‭ ‬مجالات‭ ‬الوعي‭ ‬والاخلاق‭ ‬الوطنية‭ ‬والثورات،‭ ‬وانما‭ ‬سأتناول‭ ‬جانب‭ ‬من‭ ‬سلوكياتنا،‭ ‬نحن‭ ‬ابناء‭ ‬الشعوب‭ ‬العربية،‭ ‬ودورها‭ ‬في‭ ‬تعزيز‭ ‬تلك‭ ‬الهيمنة‭ ‬الاستعمارية‭ ‬وديمومة‭ ‬عمالة‭ ‬الحكام‭.‬

ماذا‭ ‬أريد‭ ‬باستعمار‭ “”‬البهرجة‭”‬؟

استعمار‭ “‬البهرجة‭” ‬هو‭ ‬الاستعمار‭ ‬الذي‭ ‬يقوم‭ ‬على‭ ‬بعض‭ ‬من‭ ‬أهوائنا‭ ‬وسلوكياتنا‭ ‬نحن‭ ‬ابناء‭ ‬الشعوب‭ ‬العربية،‭ ‬في‭ ‬ما‭ ‬نرغب‭ ‬به‭ ‬ونعمل‭ ‬على‭ ‬الحصول‭ ‬عليه‭ ‬ونتصرف‭ ‬من‭ ‬أجله‭.‬

تعالوا‭ ‬معي‭ ‬نتجول‭ ‬بين‭ ‬شعوبنا،‭ ‬ولا‭ ‬اتحدث‭ ‬هنا‭ ‬عن‭ ‬ما‭ ‬نشاهده‭ ‬من‭ ‬مظاهر‭ ‬الفقر‭ ‬والعوز‭ ‬والجهل‭ ‬والمرض،‭ ‬وانما‭ ‬عن‭ ‬مظاهر‭ ‬البذخ‭ ‬والرفاهية‭ ‬والسلوكيات‭ ‬التي‭ ‬تكلف‭ ‬ثرواتنا‭ ‬مئات‭ ‬وآلاف‭ ‬المليارات‭ ‬التي‭ ‬نحن‭ ‬بأمس‭ ‬الحاجة‭ ‬لها‭ ‬في‭ ‬تمتين‭ ‬اقتصاد‭ ‬وبناء‭ ‬تعليم‭ ‬واقامة‭ ‬صحة‭ ‬وتعزيز‭ ‬سيادة‭.‬

نشاهد‭ ‬شيخاً‭ ‬أو‭ ‬أفندياً‭ ‬يقود‭ ‬سيارة‭ ‬بعشرات‭ ‬الآلاف‭ ‬من‭ ‬الدولارات،‭ ‬يرتدي‭ ‬ثياباً‭ ‬إيطالية،‭ ‬ويحمل‭ ‬ساعة‭ ‬روليكس‭ ‬السويسرية‭ ‬وقد‭ ‬تعطر‭ ‬بروائح‭ ‬فرنسية‭ ‬وهو‭ ‬في‭ ‬طريقه‭ ‬الى‭ ‬حفل‭ ‬عشاء‭ ‬وسهرة‭ ‬تحييه‭ ‬فرق‭ ‬خارجية‭ ‬في‭ ‬فندق‭ ‬شركة‭ ‬عالمية‭. ‬مثل‭ ‬هؤلاء‭ ‬غالباً‭ ‬ما‭ ‬يصرون‭ ‬على‭ ‬تعليم‭ ‬أبنائهم‭ ‬في‭ ‬مدارس‭ ‬وجامعات‭ ‬أجنبية،‭ ‬لأن‭ ‬جامعات‭ ‬بلدانهم‭ ‬قد‭ ‬نخرها‭ ‬التخلف‭ ‬وتدهورت‭ ‬سمعة‭ ‬شهاداتها‭ ‬الى‭ ‬هاوية‭. ‬لم‭ ‬يعد‭ ‬يحتاج‭ ‬الاستعمار‭ ‬أن‭ ‬يأتي‭ ‬بطائراته‭ ‬أو‭ ‬دباباته‭ ‬ليحتل‭ ‬وينهب‭ ‬ثرواتنا‭ ‬إلا‭ ‬في‭ ‬حال‭ ‬من‭ ‬أبى‭!‬

أما‭ ‬استعمار‭ ” ‬الأنا‭” ‬فهو‭ ‬استعمار‭ ‬من‭ ‬تقوده‭ ‬أنانيته‭ ‬الى‭ ‬بيع‭ ‬الغالي‭ ‬والرخيص‭ ‬في‭ ‬وطنه‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬ذاته‭.‬

ان‭ ‬هجرة‭ ‬العقول‭ ‬والعمالة‭ ‬الماهرة‭ ‬لها‭ ‬أسباب‭ ‬كثيرة،‭ ‬ارادية‭ ‬ولا‭ ‬إرادية،‭ ‬اضطرارية‭ ‬أو‭ ‬طوعية‭. ‬فحالنا‭ ‬السياسي‭ ‬والاقتصادي‭ ‬والثقافي‭ ‬والاجتماعي‭ ‬يقف‭ ‬وراء‭ ‬كثير‭ ‬من‭ ‬حالات‭ ‬تلك‭ ‬الهجرة‭. ‬بيد‭ ‬ان‭ ‬هناك‭ ‬من‭ ‬الحالات‭ ‬وليست‭ ‬بالقليلة،‭ ‬ما‭ ‬يمكن‭ ‬ربطها‭ ‬بأنانية‭ ‬أصحابها‭ ‬ممن‭ ‬شكلت‭ ‬بوصلة‭ ‬أنانيته‭ ‬مسار‭ ‬حياته‭ ‬وهدفها‭. ‬

ترى‭ ‬ما‭ ‬الذي‭ ‬يدفع‭ ‬بالاستعمار‭ ‬لتحمل‭ ‬مشاق‭ ‬السفر‭ ‬والغزو‭ ‬والاحتلال،‭ ‬طالما‭ ‬حصل‭ ‬على‭ ‬من‭ ‬يفكر‭ ‬له‭ ‬ويعمل‭ ‬لحسابه‭ ‬ويشتري‭ ‬بضاعته‭ ‬ويسوق‭ ‬لها‭ ‬ويتصرف‭ ‬وفق‭ ‬ثقافته‭ ‬ومصالحه؟‭!‬

قد‭ ‬يختصر‭ ‬بعض‭ ‬من‭ ‬يقرأ‭ ‬المقال‭ ‬ما‭ ‬دفعني‭ ‬لكتابته‭ ‬بالقول‭: ‬انه‭ ‬مسكون‭ ‬بالفكر‭ ‬الاشتراكي‭ ‬المعادي‭ ‬للدول‭ ‬الرأسمالية‭! ‬أجيبه‭ ‬باحترام‭: ‬أنك‭ ‬لم‭ ‬تصب‭!‬

برلين،



Most Read

2024-09-20 22:40:41