كثير منا يتحدث صباح مساء عن هيمنة الدول الاستعمارية علينا واستغلالها ونهبها لثرواتنا، ناهيك عن احتلالها لأوطاننا وتنصيبها لانظمة حكم عميلة أو موالية لها. في ذات الوقت الذي لم توفر حناجرنا ولا أقلامنا شتماً وسباً بهؤلاء الحكام، وبحق. لكن الحقيقة لا تنتهي عند ذلك، فللشعوب دور كبير في هيمنة الاستعمار وعمالة الحكام.
وفي هذا المقال سوف لا أخوض في مجالات الوعي والاخلاق الوطنية والثورات، وانما سأتناول جانب من سلوكياتنا، نحن ابناء الشعوب العربية، ودورها في تعزيز تلك الهيمنة الاستعمارية وديمومة عمالة الحكام.
ماذا أريد باستعمار “”البهرجة”؟
استعمار “البهرجة” هو الاستعمار الذي يقوم على بعض من أهوائنا وسلوكياتنا نحن ابناء الشعوب العربية، في ما نرغب به ونعمل على الحصول عليه ونتصرف من أجله.
تعالوا معي نتجول بين شعوبنا، ولا اتحدث هنا عن ما نشاهده من مظاهر الفقر والعوز والجهل والمرض، وانما عن مظاهر البذخ والرفاهية والسلوكيات التي تكلف ثرواتنا مئات وآلاف المليارات التي نحن بأمس الحاجة لها في تمتين اقتصاد وبناء تعليم واقامة صحة وتعزيز سيادة.
نشاهد شيخاً أو أفندياً يقود سيارة بعشرات الآلاف من الدولارات، يرتدي ثياباً إيطالية، ويحمل ساعة روليكس السويسرية وقد تعطر بروائح فرنسية وهو في طريقه الى حفل عشاء وسهرة تحييه فرق خارجية في فندق شركة عالمية. مثل هؤلاء غالباً ما يصرون على تعليم أبنائهم في مدارس وجامعات أجنبية، لأن جامعات بلدانهم قد نخرها التخلف وتدهورت سمعة شهاداتها الى هاوية. لم يعد يحتاج الاستعمار أن يأتي بطائراته أو دباباته ليحتل وينهب ثرواتنا إلا في حال من أبى!
أما استعمار ” الأنا” فهو استعمار من تقوده أنانيته الى بيع الغالي والرخيص في وطنه من أجل ذاته.
ان هجرة العقول والعمالة الماهرة لها أسباب كثيرة، ارادية ولا إرادية، اضطرارية أو طوعية. فحالنا السياسي والاقتصادي والثقافي والاجتماعي يقف وراء كثير من حالات تلك الهجرة. بيد ان هناك من الحالات وليست بالقليلة، ما يمكن ربطها بأنانية أصحابها ممن شكلت بوصلة أنانيته مسار حياته وهدفها.
ترى ما الذي يدفع بالاستعمار لتحمل مشاق السفر والغزو والاحتلال، طالما حصل على من يفكر له ويعمل لحسابه ويشتري بضاعته ويسوق لها ويتصرف وفق ثقافته ومصالحه؟!
قد يختصر بعض من يقرأ المقال ما دفعني لكتابته بالقول: انه مسكون بالفكر الاشتراكي المعادي للدول الرأسمالية! أجيبه باحترام: أنك لم تصب!
برلين،
2024-09-20 22:40:41