رَبانيّةُ علي (ع) – حسين الصدر
-1-
ثمة سؤال مركزي يطرح نفسه ويقول :
هل استطاع المعاصرون للامام علي (ع) أنْ يفهموا أسرارَ ما تنطوي عليه شخصيتُه ؟
والجواب :
لا
فالعقلية العشائرية المترسخة في الاذهان ليس بمقدورها استيعاب حقيقته الشخصية الربانية المتمثلة بأمير المؤمنين (ع) .
الربانية تعني أنه لن يحابي أحداً على حساب الدين وأحكامه .
والسواد الأعظم من معاصريه يريدونه أنْ يكون منحازاً اليهم ولو على حساب الدين .
وهنا تكمن المعضلة .
-ألم يقولوا له :
أَبْقِ معاويةَ والياً على الشام وليأخذ لك البيعة مِنَ الشاميين ثم اعزّلْهُ ؟
وأبى (ع) أنْ يطلب النصر بالجور .
إبقاء معاوية واليا على الشام ولو لأيام يعني ضرب الموازين الشرعية
وهذا ما لا يرضاه أمير المؤمنين (ع) لنفسه بحال من الأحوال .
-2-
جاء في التاريخ :
ان رجلاً من بني أسد أُخذ في حَدّ فاجتمع قومُه ليكلموا أمير المؤمنين ، وطلبوا الى الحسن أنْ يصبحهم فقال :
أئتوه فهو أغلى بكم عينا ، فدخلوا اليه ، فرحب بهم وقال لهم معروفاً ،
وسألوه فقال :
لا تسألوني شيئا أملكه الا أعطيتكم
فخرجوا وهم راضون ،
ويرون أنهم قد نجحوا ،
فسألهم الحسن فقالوا :
أتينا خير مأتي ،
وحكوْا له قوله فقال :
ما كنتم فاعلين اذا جلد صاحبكم فاصنعوه ،
فأخرجه علي (ع) فحدّه قال :
هذا لله لست أملكه .
انّ بني اسد كانوا مدفوعين بعقلية عشائرية لتخليص أحدهم مِنْ أنْ يُقام عليه الحد، يسعون لذلك كما يسعون لحل اية مشكلة أخرى ، ولم يكونوا يملكون من الوعي ما يميّزون بين أحكام الدين التي لا تقبل الوساطة والتسوية وبين المسائل الشخصية التي يمكن التنازل عنها .
-3-
انّ المساواة في العطاء بين شيخ العشيرة وبين أصغر أبنائها – وهو مقتضى العدل الذي سار عليه امير المؤمنين (ع) – جعل الكثيرين يتجهون صوب معاوية الذي كان يغدق الأموال على رؤساء العشائر وأعيان الرجال لصدهم عن الولاء لامير المؤمنين (ع) .
والخلاصة :
ان الدين حَقٌّ ، وطعم الحق مُرٌّ في الأفواه
فطوبى لعشّاق عليّ رائد الحق الذي دار معه حيثما دار
وداروا بحبهم له حيثما دار .
2024-09-21 00:43:20