Breaking News >> News >> Azzaman


لص في قمة الإنسانية -طالب سعدون


Link [2022-04-20 22:13:02]



نبض القلم

لص في قمة الإنسانية -طالب سعدون

من جميل ما قرأت ما كتبه الكاتب الباكستناني أديب مرزا في كتابه المصباح ما نصه (( ذهبت الى دلهي في الستينات للعمل .. وفي أحد الايام نزلت من الحافلة : فتشت جيوبي تفاجأت بان أحدهم قد سرقني ، وما كان في جيبي سوى تسع روبيات ورسالة كنت كتبتها الى أمي : أمي فصلت من عملي لا أستطيع أن أرسل اليك هذا الشهر المبلغ المعتاد .. كنت وضعت رسالتي هذه في جيبي منذ ثلاثة أيام على أمل أن أرسلها في وقت لاحق ، وبالرغم من أن الروبيات التسع لا تساوي شيئا، لكن الذي فصل من عمله وسرق ماله تساوي هذه الروبيات في نظره 900 روبية ..

مضت أيام وصلتني رسالة من أمي، توجست خوفا وقلت في نفسي : لا بد أنها طلبت المبلغ الذي إعتدت إرساله لها لكنني عندما قرأت الرسالة إحترت كونها تحمل شكرها لي قائلة : ( وصلتني منك 50 رويية عبر حوالتك المالية .. كم أنت رائع يا بني : ترسل لي المبلغ في وقته ولا تتأخر بتاتا ) ..عشت متذبذبا لايام .. من يا ترى أرسل هذا المبلغ الى امي ؟ وصلتني بعد أيام رسالة أخرى بخط يكاد يقرأكتب فيها : ( أضفت الى روبياتك التسع إحدى واربعين روبية كنت قد جمعتها وارسلتها حوالة مالية الى أمك .. فكرت في أمي وامك فقلت في نفسي : لماذا تبيت أمك أيامها طاوية على الجوع .. تحياتي .. أنا صاحبك الذي إنتشلك .. )) ..

هذا النص واللص ( الشريف ) الذي تحلى باسمى درجة من الانسانية يذكرنا بحرامي أيام زمان ، وبشقاوات بغداد ومقارنتهما بحرامي اليوم والفاسد (لص المال العام ) وكل من مات ضميره وتجرد من أي صلة بالانسانية .. حرامي الامس لا يسرق من الفقير أو يتجاوز على الضعيف في محلته ، لا بل هناك من بينهم من يمد يده بالمساعدة والعون للفقراء…

ومن الشقاوات كان هناك من ينتصر للضعيف من ينتصر للمظلوم ،

ويقف مع الفقير ضد من اغتصب حقه من الاغنياء والاقوياء ، ويأخذ ما يسمى (بالخاوات) منهم ويعطيها لمن يحتاجها ، والوقوف مع ابناء المنطقة ، والدفاع عنها ضد من يتجاوز عليها …

 كان هناك أشبه ما يكون بالعرف بين

اللصوص أن لا يسرقوا الجيران والنساء والاسخياء (الكرماء) والفقراء .. لص الامس كان يسرق بالفلسان اذا جاز التعبير أما الفاسد اليوم وحرامي المال العام فهو يسرق بالمليارات ، والملايين ، و يعلن ذلك بلا أدنى مستوى من الاخلاق أو الخوف من القانون .. يسرق مع سبق الأصرار والمعرفة بأن ما يسرقه هو من أموال الشعب والفقراء والضعفاء والمرضى والمحتاجين ، وعلى حساب فرص البلاد والعباد في التطور .

الحرامي أيام زمان كان معروفا على مستوى المدينة ومنبوذا ومعزولا اجتماعيا في المحلة ، وتلك عقوبة كان لها تأثير معنوي وفعل تأديبي أكثر من القانون .. فاذا استطاع أن يفلت من يد الشرطة فالمحلة له بالمرصاد ..

 كانت الأبواب مفتوحة الى الصباح ، لان الحرامي كان يخاف من الفضيحة ، فلا يسرق أهله ، لانه يعتبر كل سكان المحلة أهله ، وياويله لو تجاسر وفعل شيئا من ذلك ، فاللعنة لا تطارده وحده فقط ، بل وتلحق أحفاده أيضا ، لذلك كان الحرامية معدودين ومعروفين في المحلة والسرقات قليلة وتكتشف بسرعة..

لم يكن الفساد ظاهرة بل حالات فردية محاصرة اجتماعيا خلاف حاله اليوم فقد اصبح مادة اعلامية ثقيلة على النفس ، ومن وسائل التسقيط السياسي والاجتماعي والاحباط المعنوي خاصة للشرائح الفقيرة التي تجهد الليل والنهار لتحصل على دنانير معدودة لا تسد حاجة يومها وهي تسمع وتقرأ روايات وحكايات عن المليارات التي هدرت بالفساد ..

الفاسد اليوم يسرق في وضح النهار ، مع وجود مؤسسات لمحاربة الفساد ، ورأي عام وأعلام وفضاء وقضاء ، وتنشر الوثائق وتعلن الاسماء وتروى القصص والروايات عن الفساد والمفسدين ، في الفضائيات والتواصل الاجتماعي والصحف ، وكأن الامرلا يعني تلك الاسماء ، ولا يندى جبينها ، أو تخشى على سمعتها وعائلتها ، وتذهب أسماء وتصبح طي النسيان ، وتأتي أخرى واخرى ، وتبدأ دورة جديدة من الفساد والردود المتقابلة بالنفي والتبرير ، وهكذا يبقى الامر معلقا في الهواء ، وكأن العمل كان بفعل فاعل خارج هذا الكوكب .

وما احوجنا اليوم الى تفعيل القانون الاجتماعي والعقوبة الاجتماعية بعزل الفاسد .. هو مجرم .. ينبغي ان تطارده لعنة فساده ، وفضحه بين الناس ليكون عبرة لغيره ، لانه خائن للامانة ولمبادىء الشرف والوطنية والانسانية .. الفاسدون ليسوا فقط لصوصا يسرقون أموال الشعوب وقوتها ومستقبل أجيالها وفرصها في البناء والتطور ، بل يسرقون الاوطان كذلك ، ويتركون أهلها نهبا للحاجة والحرمان في أوطانهم ، أو يتوزعون على المنافي يتجرعون مرارة الغربة في اصقاع العالم المختلفة .. مكافحة الفساد هي مفتاح بناء الثقة في الحكومة وهي ايضا مادة اساسية للنمو الاقتصادي القوي والمستدام على حد ما كريستالينا جورجيفا الرئيسة التنفيذية السابقة للبنك الدولي التي وصفت الفساد بالقوة المدمرة لانه يحرم المرضى من الدواء والاطفال من المدارس ويهدر المال العام ويقوض جهود تحقيق الاستقرار ومنع العنف والتطرف على حد ما ترى .. وهذا ما نريده ايضا من الحكومة..

{ { { {

كلام مفيد :

من جميل ما قرأت هذه المعادلة الرياضية

سئل الخوارزمي عن الانسان فأجاب :

إذا كان الانسان ( ذو أخلاق ) فهو = 1

واذا كان ( ذو جمال ) فأضف الى الواحد صفرا = 10

واذا كان ( ذو مال ) فأضف صفرا أخر = 100

 واذا كان ( ذو حسب ونسب ) فأضف صفرا أخر = 1000

فإذا ذهب العدد واحد وهو ( الاخلاق ) ذهبت قيمة الانسان وبقيت الأصفار التي لا قيمة لها .

معادلة رائعة عن الاخلاق …

الاخلاق تعطي الانسان قوة لا تضاهيها قوة أخرى …

ويكفي الانسانية فخرا أن الرسول الكريم محمد (ص) بعث ليتمم مكارم الأخلاق .



Most Read

2024-09-21 00:49:52