فاتح عبدالسلام
قبل أكثر من عشرين سنة، كنت حين أمرّ بمحطة قطار بلندن في طريقي الى عملي، أجد إعلانات كثيفة عن التسوق الالكتروني. كنت اتأمل الإعلان وأحاول تفسيره وهل سيكون التسوّق الالكتروني لعموم الناس ام للنخبة وهل سيكون لبضائع محددة دون سواها. وكان النقاش مع الأصدقاء يدور حول هذه الصرعة الجديدة التي لم تتضح معالمها ولم يكن الاهتمام منصبا عليها. وكنت ادلف الى داخل المحطة واقطع تذكرة واصعد الى قطاري المقصود. وبسرعة البرق صار التسوق الالكتروني أساسيا في الحياة، بل ان احداً لن يقطع لك تذكرة للقطار، وسوف تفعل ذلك بنفسك عبر جهاز خاص، و تطور الحال بعد سنوات لتكون بطاقة البنك أو الصراف الالي هي بطاقة قطارك، ولم يعد هناك أي توقف في المحطة من اجل قطع تذكرة او استخدامها ، فالناس يدخلون مثل النحل ويخرجون من دون توقف مواكبين سرعة الحياة التي لن تنتظرهم اذا تأخروا عنها.
بعد ثماني سنوات من الان، لا تُصنع سيارة على هذه الارض أو يجري استيرادها الى بريطانيا ما لم تكن كهربائية. وبدأت الدولة بتقديم مبلغ من المال ربّما يعادل عشرين بالمائة أو أربعين بحسب التجهيز لكل مواطن يقوم بتركيب نقطة كهربائية خاصة في منزله لشحن سيارته، وهذا لفترة محدودة من اجل تشجيع الناس على اتباع الأسلوب الحديث الذي سوف يتم اعتماده في عموم البلاد.
ربما بعد فترة من الزمن ستكون محطات تزويد الوقود العادية خالية الا من بعض العربات ذات الاستخدام المحدود، وحتى اشعار آخر.
هناك كثير من الناس يظنّون انّ ثماني سنوات فترة بعيدة وينسون أنْ يتأقلموا مع التطور قبل فوات الأوان.
الشركات تتناغم مع الحكومات من أجل تحديث المجتمع بسرعة. وجاءت فترة الجائحة لتعجّل في النقلة النوعية في جميع أساليب العمل، ولتكتشف الشركات كم يوجد من بنود وموظفين وخطوات زائدة ويمكن تعويضها من خلال العمل عن بُعد مع زيادة في الإنتاجية وتقليص في النفقات.
أين نحن من حركة تحديث اساليب الحياة، وما دور القطاع الخاص في نقل الخبرات والتجارب الجديدة في الانتقال الى مرحلة الشريحة الالكترونية والجهاز الذكي في جميع مجالات الحياة، في المدن والبلدات والارياف والمدارس والمصانع والخدمات اليومية؟ هل يمكننا الانتقال الى هذه المرحلة التي ستكون حتمية اذا تطور المحيط الاقليمي و الدولي من حولنا ولا يمكن ان نبقى في عزلة وحدنا، ونحن نعاني من ارتفاع نسبة الامية والتسرب من المدارس وهبوط التعليم العالي؟
كلها عوامل مترابطة.
رئيس التحرير-الطبعة الدولية
fatihabdulsalam@hotmail.com
2024-09-21 00:43:28