Breaking News >> News >> Azzaman


غرف حسب الشيخ جعفر العمّونية-علي السوداني


Link [2022-04-19 06:52:56]



الغرفة‭ ‬الأولى

هي‭ ‬ذلك‭ ‬المربع‭ ‬الصغير‭ ‬المعلق‭ ‬بالزاوية‭ ‬الشمالية‭ ‬المتطرفة‭ ‬من‭ ‬جبل‭ ‬القلعة‭ ‬الشهير‭ ‬،‭ ‬وهي‭ ‬باب‭ ‬الطريق‭ ‬المفتوح‭ ‬على‭ ‬جبل‭ ‬الحسين‭ ‬إن‭ ‬شمّلت‭ ‬قليلاً‭ ‬صوب‭ ‬خشم‭ ‬بناية‭ ‬البنك‭ ‬المركزي‭ ‬العالية‭ ‬،‭ ‬ونحو‭ ‬قلعة‭ ‬هيروقليدس‭ ‬لو‭ ‬رميت‭ ‬خطوك‭ ‬يميناً‭ ‬من‭ ‬أعطار‭ ‬بقالة‭ ‬الغلاييني‭ ‬التي‭ ‬كان‭ ‬خبزها‭ ‬وطعامها‭ ‬الرخيص‭ ‬ودفتر‭ ‬الديون‭ ‬هو‭ ‬الممول‭ ‬الرحيم‭ ‬المتاح‭ ‬لكائنات‭ ‬تلك‭ ‬الغرفة‭ ‬الضاجة‭ ‬بالصعاليك‭ ‬الأدباء‭ ‬الفارين‭ ‬من‭ ‬جوع‭ ‬العراق‭ ‬المريض‭ .‬

يقوم‭ ‬على‭ ‬المكان‭ ‬طعاماً‭ ‬وسقاية‭ ‬وفراشاً‭ ‬وطمأنينة‭ ‬إثنان‭ ‬هما‭ ‬الشاعر‭ ‬الطبيب‭ ‬عبود‭ ‬الجابري‭ ‬والمصمم‭ ‬الفنان‭ ‬فاضل‭ ‬جواد‭ ‬،‭ ‬وهذان‭ ‬الكائنان‭ ‬الطيبان‭ ‬كانا‭ ‬قد‭ ‬فتحا‭ ‬باب‭ ‬المكان‭ ‬لمن‭ ‬يدقه‭ ‬،‭ ‬وكان‭ ‬من‭ ‬هؤلاء‭ ‬الطارقين‭ ‬الشاعر‭ ‬حسب‭ ‬الشيخ‭ ‬جعفر‭ ‬الذي‭ ‬لم‭ ‬يستعمل‭ ‬يده‭ ‬ولسانه‭ ‬في‭ ‬عملية‭ ‬الطرق‭ ‬بل‭ ‬أناب‭ ‬عنه‭ ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬الأمر‭ ‬الصعب‭ ‬نصيف‭ ‬الناصري‭ ‬وهادي‭ ‬الحسيني‭ .‬

أكلنا‭ ‬وشربنا‭ ‬وسهرنا‭ ‬وسكرنا‭ ‬وتشاجرنا‭ ‬فيها‭ ‬سنوات‭ ‬كثيرة‭ ‬،‭ ‬حتى‭ ‬بدل‭ ‬حسب‭ ‬وجهته‭ ‬بقوة‭ ‬المصادفة‭ ‬الحسنة‭ ‬،‭ ‬إلى‭ ‬مسكن‭ ‬عجيب‭ ‬آخر‭ ‬مزروع‭ ‬بوشل‭ ‬جبل‭ ‬اللويبدة‭ ‬المطل‭ ‬بصعوبة‭ ‬على‭ ‬ضجيج‭ ‬ونعم‭ ‬وسط‭ ‬عمان‭ ‬البديع،‭ ‬وصحن‭ ‬هاشم‭ ‬وصوت‭ ‬أبي‭ ‬عرب‭ ‬المتاح‭ ‬للعابرين‭ ‬والسائلين‭ ‬الذين‭ ‬في‭ ‬جيوبهم‭ ‬الرثة‭ ‬عطب‭ ‬يكاد‭ ‬يصيح‭ .‬

بيت‭ ‬عتيق‭ ‬مهجور‭ ‬لا‭ ‬أحد‭ ‬حتى‭ ‬اللحظة‭ ‬قد‭ ‬عرف‭ ‬مالكه‭ ‬،‭ ‬وهو‭ ‬يتألف‭ ‬من‭ ‬جمع‭ ‬غرف‭ ‬صارت‭ ‬إحداها‭ ‬ملاذاً‭ ‬آمناً‭ ‬لأبي‭ ‬نؤاس‭ ‬وجان‭ ‬دمو‭ ‬وأياد‭ ‬صادق‭ ‬وهادي‭ ‬الحسيني‭ ‬،‭ ‬أما‭ ‬ما‭ ‬تبقى‭ ‬من‭ ‬جغرافيا‭ ‬هذا‭ ‬النزل‭ ‬البستان‭ ‬فتوزعت‭ ‬على‭ ‬رضا‭ ‬ذياب‭ ‬وعلي‭ ‬منشد‭ ‬وكاظم‭ ‬الحلاق‭ ‬وزوار‭ ‬ليليين‭ ‬طارئين‭ ‬استأنسوا‭ ‬البيت‭ ‬الذي‭ ‬كان‭ ‬صامتاً‭ ‬قبل‭ ‬تلك‭ ‬الغزوة‭ ‬الرافدينية‭ ‬المباركة‭ .‬

سكن‭ ‬مذهل‭ ‬من‭ ‬دون‭ ‬فواتير‭ ‬كهرباء‭ ‬وماء‭ ‬ومحنة‭ ‬إيجار‭ ‬رأس‭ ‬الشهر‭ ‬،‭ ‬وأشجار‭ ‬الليمون‭ ‬والتين‭ ‬واللوز‭ ‬هي‭ ‬الاخرى‭ ‬كانت‭ ‬تؤدي‭ ‬دورها‭ ‬بامتنان‭ ‬عظيم‭ ‬يخفف‭ ‬من‭ ‬لذعة‭ ‬عرق‭ ‬الموال‭ ‬الرخيص‭ ‬وسجائر‭ ‬كريم‭ ‬وبريمز‭ ‬النحات‭ ‬أياد‭ ‬صادق‭ ‬،‭ ‬وعشاء‭ ‬العوافي‭ ‬المصنوع‭ ‬من‭ ‬خبز‭ ‬الطابون‭ ‬المنقوع‭ ‬بمرق‭ ‬يحصل‭ ‬على‭ ‬دسمه‭ ‬التام‭ ‬من‭ ‬بقايا‭ ‬عظام‭ ‬الخروف‭ ‬وأقفاص‭ ‬الدجاج‭ ‬المشتراة‭ ‬برخص‭ ‬التراب‭ ‬من‭ ‬دكاكين‭ ‬سقف‭ ‬السيل‭ ‬ومقتربات‭ ‬الجامع‭ ‬الحسيني‭ ‬،‭ ‬وطماطة‭ ‬وبصل‭ ‬وبطاطة‭ ‬من‭ ‬آخر‭ ‬صياح‭ ‬عربات‭ ‬المساء‭ ‬المتعجلة‭ .‬

أما‭ ‬غرفة‭ ‬الشاعر‭ ‬الثالثة‭ ‬العجيبة‭ ‬الرهيبة‭ ‬فكانت‭ ‬لحسب‭ ‬وولده‭ ‬محمد‭ ‬فقط،‭ ‬وكان‭ ‬زائرها‭ ‬بحاجة‭ ‬إلى‭ ‬خريطة‭ ‬استكشافية‭ ‬كي‭ ‬يدخلها‭ ‬بأمان‭ ‬من‭ ‬دون‭ ‬أن‭ ‬تتعثر‭ ‬قدمه‭ ‬بعتبة‭ ‬مثلومة‭ ‬كما‭ ‬حدث‭ ‬معي‭ ‬ذات‭ ‬ليل‭ ‬جميل‭ ‬كان‭ ‬ناقوطه‭ ‬مثل‭ ‬بكاء‭ ‬الكاظمين‭  ‬،‭ ‬وهي‭ ‬تطل‭ ‬على‭ ‬مشهد‭ ‬وادي‭ ‬السير‭ ‬الجميل‭ ‬وكان‭ ‬حجمها‭ ‬وجوها‭ ‬مشتقاً‭ ‬من‭ ‬غرفة‭ ‬عبود‭ ‬وفاضل‭ ‬الأولى‭ .‬

هناك‭ ‬تحرر‭ ‬أبو‭ ‬نؤاس‭ ‬من‭ ‬الغزوات‭ ‬المباغتة‭ ‬والضيوف‭ ‬الثقلاء‭ ‬الذين‭ ‬لم‭ ‬يستوعبهم‭ ‬مزاج‭ ‬حسب‭ ‬المائل‭ ‬إلى‭ ‬الإنغلاق‭ ‬والعزلة‭ ‬التي‭ ‬تشبه‭ ‬قصيدة‭ ‬عصية‭ ‬شاسعة‭ ‬لا‭ ‬نهاية‭ ‬لها‭ ‬أبداً‭ .‬

الآن‭ ‬أتعبني‭ ‬التذكر‭ ‬وهدَّ‭ ‬حيلي‭ ‬معول‭ ‬نبش‭ ‬الذاكرة‭ .‬

سأكتفي‭ ‬بهذا‭ ‬القدر‭ ‬وقد‭ ‬أعود‭ ‬ثانية‭ !! ‬



Most Read

2024-09-21 03:46:08