Breaking News >> News >> Azzaman


كيف تم إختيار عبد الرحمن عارف رئيساً للجمهورية ؟


Link [2022-04-19 06:52:56]



كيف تم إختيار عبد الرحمن عارف رئيساً للجمهورية ؟

محسن حسين

في مثل هذا اليوم  16 نيسان عام 1966 انتخب  عبد الرحمن عارف رئيسا للجمهورية خلفا لشقيقة الرئيس عبد السلام عارف.

كنت شاهدا على عملية انتخابه التي جرت في احدى قاعات مبنى المجلس الوطني حيث اشرف رئيس الوزراء انذاك والمرشح للرئاسة د عبد الرحمن البزاز.

وكان عبد الرحمن عارف في عهد شفيفه رئيسا لاركان الجيش ويتمتع باحترام كبير وتقدير من كل الجهات المتصارعة سياسيا وطائفيا.

عرفته لاول مرة بعد ثورة 14 تموز 1958 التي اطاحت بالنظام الملكي وتاسيس الجمهوريبة وكان شقيقه عبد السلام عارف الشخص الثاني في قيادة الثورة مع الزعيم عبد الكريم قاسم. وكان عبد الرحمن عارف عضوا في هيئة الضباط الاحرار التي هيأت للثورة.

كنت واحداً من ثلاثة صحفيين شهدوا أحداث تلك الليلة العصيبة حيث تقرر عقد اجتماع مشترك لمجلس الوزراء ومجلس الدفاع الوطني لانتخاب رئيس للجمهورية خلفا للرئيس عبد السلام محمد عارف الذي قتل في حادث طائرة قبل ذلك بأربعة أيام.

خلال تلك الأيام الأربعة تولى تمشية أمور الدولة رئيس الوزراء عبد الرحمن البزاز رئيسا موقتا للجمهورية وهو رجل قانون وسياسي محنك ويعد من العناصر القومية المثقفة وله تاريخ طويل في العمل السياسي.

ولولا تدخل العسكريين لكان البزاز أول مدني يتولى منصب رئيس الجمهورية منذ الإطاحة بالنظام الملكي وتأسيس الجمهورية العراقية عام 1958 ولكن ضباط الجيش الذين كانوا يسيطرون على مفاصل الدولة وقفوا ضد البزاز وضد الأكثرية في الاجتماع المشترك الذي عقده مجلس الوزراء ومجلس الدفاع الوطني لانتخاب رئيس للجمهورية.

خلو منصب

كان مجلس الوزراء يضم 16 وزيراً بينما يضم مجلس الدفاع الوطني 11 ضابطاً. وكان الدستور الذي صدر في 29 نيسان 1964 يقضي بعقد مثل هذا الاجتماع لانتخاب رئيس الجمهورية بأغلبية ثلثي المجموع الكلي للأعضاء خلال أسبوع واحد من خلو منصب رئيس الجمهورية.

وعندما استدعيت إلى مكتب رئيس الوزراء مساء ذلك اليوم أصر المدير العام لوكالة الأنباء العراقية احمد فوزي أن يحضر معي هذه المناسبة وهناك وجدنا الصحفي المصري زكريا نيل رئيس قسم الشؤون العربية في صحيفة الأهرام المصرية الذي كان قد جاء إلى العراق لتغطية أنباء مقتل الرئيس عبد السلام ومن ثم تشييعه وانتخاب خلف له.

كان الجو مشحوناً ومتوتراً للغاية، وشهدنا خلال ثلاث ساعات من الترقب كبار قادة الجيش ومن هم اقل منهم رتبة يروحون ويأتون حاملين أسلحتهم مما كان ينذر بالخطر لأقل خطأ.وشهدنا ضباطاً يدخلون مكتب رئيس الوزراء البزاز بدون استئذان لتهديده إن لم يسحب ترشيحه لمنصب رئيس الجمهورية.

كان البزاز قد رشح نفسه للمنصب بينما رشح معظم قادة الجيش اللواء عبد الرحمن محمد عارف لهذا المنصب لكن وزير الدفاع العميد الركن عبد العزيز العقيلي يدعمه عدد قليل من الضباط رشح نفسه هو الآخر لهذا المنصب، وفهمنا في حينه استعداده للاشتراك في مجلس رئاسي يحل محل منصب رئيس الجمهورية يضم عارف والبزاز.

وعندما انعقد الاجتماع المشترك طرح البزاز فكرة بديلة لانتخاب رئيس الجمهورية بإلغاء المنصب واستحداث مجلس رئاسي ثلاثي يضم ممثلاً عن السنة وممثلاً عن الشيعة وآخر عن الأكراد على غرار مجلس السيادة الذي شكل بعد ثورة 14 تموز 1958 لكن الضباط رفضوا الفكرة بشكل قاطع.

وبعد أن تحدث البزاز عن الأسلوب الديمقراطي لمجابهة الموقف جرت الانتخابات بين المرشحين الثلاثة، البزاز، وعارف والعقيلي وكانت النتيجة 14 صوتاً للبزاز و13 صوتاً لعارف وصوتا واحدا فقط للعقيلي هو صوته.ووفقاً للدستور تقرر إعادة الانتخاب بين البزاز وعارف إلا أن البزاز أعلن تنازله لعبد الرحمن محمد عارف خشية ما كان يتوقعه لو انتخب هو للمنصب ولكون عبد الرحمن هو شقيق الرئيس الراحل وانه كان من رجال ثورة 1958 وقال ان عبد الرحمن “رب أسرة ” في إشارة إلى أن منافسه العقيلي غير متزوج.

كنت واقفاً وراء العقيلي عندما كان محضر الانتخاب ينتقل بين الحاضرين من المدنيين (الوزراء) والعسكريين لتوقيعه ولاحظت ان العقيلي لم يوقعه بينما كانت أمامه ورقة امتلأت “بشخابيط” تدل على توتره وخيبة أمله. وكان أكثر ما حز في نفسه أن احد قادة الجيش ممن كانوا يسندونه قد تقدم إلى عبد الرحمن عارف وألقى عليه التحية العسكرية قائلاً (سأبقى جندياً مخلصاً لك كما كنت جندياً مخلصاً لشقيقك فقيدنا العظيم عبد السلام عارف).وقبل أن يكتب البيان الرسمي بالانتخاب كانت إذاعة بغداد التي يسيطر عليها العسكريون قد أذاعت خبر انتخابه!!.وخلال رئاسته للجمهورية عرفته عن كثب وكان يسعى للتهدئة بين الكتل المتنافسه وتمثل ذلك امام الرأي العام حين كان يودعه ويستقبله عند السفر رؤساء الوزراء السابقون  وأتيحت لي الفرصة أن أرافقه في زيارته الرسمية مع السيدة عقيلته إلى إيران بدعوة من شاه إيران محمد رضا بهلوي والإمبراطورة فرح في آذار/مارس 1967.

رفض تقسيم

وقد لمست منه الكياسة والاحترام وتجنب الدخول في الصراعات السياسية مما جعله في مأمن من القتل أو السجن عندما أطيح بحكمه عند تسلم حزب البعث الحكم عام 1968 فتم نفيه إلى الخارج ثم عاد إلى بغداد ليعيش فيها مثل أي مواطن.خلال زيارته تلك لايران علمت من مصادري همسا بما جرى وحسب ما تسرب من المباحثات ان الرئيس عبد الرحمن عارف رفض في اليوم الثاني للزيارة 15 اذار 1967 طلب الشاه بتقسيم شط العراب بين البلدين قائلا ما معناه أرض العراق ومياهه وحدوده ليست عقاراً مسجلا باسمي، ولا ملكا صرفاً لعائلتي أنها ملك الشعب العراقي ، ولا يمكن لي ولغيري التفريط بها.لكني بعد فترة حصلت على النص من نجله الصديق المرحوم قيس عبد الرحمن عارف وهو كما يلي:(أن أرض العراق ومياهه وحدوده ليست عقاراً مسجلا باسمي، ولا ملكا صرفاً لعائلتي، ولا مقاطعة من مقاطعات أجدادي، ولا حقلا زراعياً من حقول عشيرتي، ولا إرثاً لأبناء قبيلتي، ولا غنيمة من غنائم أهلي، أنها ملك الشعب العراقي وحده، ولا يمكن التفريط بها، أو التنازل عنها، أو بيعها، أو تأجيرها، أو التلاعب بخرائطها، أو المقامرة بها أو المغامرة بها، أو المساومة عليها، أنها الواحة الفردوسية الرافدينية المقدسة، التي اختارها الله جل شأنه مهبطاً لرسالاته السماوية، ومثوى لأنبيائه، وصومعة لأئمته، ومنطلقاً لسلالاته البشرية. هي الأرض التي حملت شعلة الإنسانية والتحضر وطافت بها في أرجاء المعمورة، فلا أنا ولا غيري يمتلك حق التفريط بها وببحرها الإقليمي وممراتها الملاحية ومقترباتها المينائية).

رحم الله ابا قيس الذي توفي يوم 23 آب 2007 في عمان الأردن عن عمر ناهز الـ91 عاماً.

كان شخصية فذة وكانت فترة حكمه العراق تتسم بالهدوء والطمأنينة.



Most Read

2024-09-21 03:39:47