فاتح عبدالسلام
من الأمور الواضحة التي تدل على انّ العراق بوضعه الحالي يتراجع يوما بعد يوم عن السكة الحقيقية في الإدارة والحكم وأنه لم يستطع حتى اللحظة وضع مركبته عليها أصلاً، هو تعبير(غير دستوري) الشائع لفظياً وعملياً الذي يستسهله السياسيون ويطلقونه في كل المجالات، وكأنهم يتحدثون عن ثوب أو حاجة منزلية ليست قياساتها مضبوطة ويمكن تبديلها بالمادة ذات القياس الصحيح.
غير دستوري، معناه انّ كل البناء الإداري والسياسي من أعلى الهرم حتى السفوح والهضاب والوديان والمستنقعات ليس له علاقة بالدولة التي ينبغي انها قامت بوضعها الجديد منذ سنوات على دستور جديد.
في الانتخابات وتفاصيلها، وفي التطلعات الفيدرالية او توزيع الثروات او التعاقدات الاستثمارية أو العمل بمواعيد الفترات المخصصة للاستحقاقات في اعلان الحكومة والمناصب أوفي مجالس المحافظات أو العلاقة بين المركز والاقليم الكردي أو وجود مليشيات خارج سلطة الدولة أو مهاجمة السفارات الاجنبية ، ترد جملة – غير دستوري- للدلالة على اجتراح طرق أخرى منفصلة، تصل بأصحابها الى غاياتهم فرادى أو جماعات، لا علاقة لها بالدستور أو الدولة او البلد كله. وبرغم ذلك يمضي الحال بالتراضي والتوافق والتغاضي، وكأنّ شيئاً لم يكن وكأنّ كل الأحوال عادية.
هذا الحال في التوصيف السياسي لبناء الدول ونشوئها وتطورها يمثل الخط الفاصل بين استمرارية الانحدار نحو اللادولة بمعناها الحديث، أو التوقف عند النقطة الفاصلة والشروع من جديد بطريق يجلب معه دستوره وقوانينه وتشكيلاته السياسية مهما كان وعراً، وعدم الركون الى التغطية الشكلية بدستور يجري التجاوز اليومي عليه من قبل الجميع بوصفه الحلقة الأضعف في كيان البلاد.
المخالفات الدستورية ليست في مستوى مخالفات مرورية أو مخالفات التجاوز في قطاع البناء على أراض تابعة للدولة أو خرق لقانون الكمارك والمنافذ الحدودية.
المسألة هي خيار بين اثنين، إمّا وجود دولة وحكومة وقانون وهذا يعني استمرارية بقاء البلد، أو الاستسلام للأبد لإقطاعيات مهيمنة وأمراء مال وسلاح.
رئيس التحرير-الطبعة الدولية
fatihabdulsalam@hotmail.com
2024-09-21 03:30:55