Breaking News >> News >> Azzaman


بيوت محفورة في الجبال الليبية تحفة معمارية في الظل


Link [2022-04-18 02:52:40]



غريان‭ (‬ليبيا‭) (‬أ‭ ‬ف‭ ‬ب‭) – ‬في‭ ‬مدينة‭ ‬غريان‭ ‬شمال‭ ‬غرب‭ ‬ليبيا،‭ ‬تنتشر‭ ‬تجويفات‭ ‬حُفرت‭ ‬بطريقة‭ ‬بدائية‭ ‬داخل‭ ‬سفح‭ ‬الجبل‭ ‬يُطلق‭ ‬عليها‭ ‬بيوت‭ ‬الحفر‭ ‬أو‭ “‬الداموس‭”‬،‭ ‬وهي‭ ‬تحف‭ ‬معمارية‭ ‬تاريخية‭ ‬مهجورة‭ ‬بمعظمها‭ ‬يأمل‭ ‬السكان‭ ‬في‭ ‬أن‭ ‬تساهم‭ ‬السياحة‭ ‬في‭ ‬إحيائها‭.‬

وقال‭ ‬العربي‭ ‬بالحاج‭ (‬55‭ ‬عاما‭) ‬الذي‭ ‬يملك‭ ‬أحد‭ ‬أقدم‭ ‬المنازل‭ ‬في‭ ‬المدينة‭ ‬التي‭ ‬تضم‭ ‬سكانا‭ ‬من‭ ‬العرب‭ ‬والأمازيغ‭ ‬في‭ ‬جنوب‭ ‬العاصمة‭ ‬طرابلس،‭ ‬إن‭ ‬أحد‭ ‬أسلافه‭ ‬قبل‭ ‬خمسة‭ ‬أجيال‭ ‬حفر‭ ‬هذه‭ ‬الأرض‭ ‬قبل‭ ‬355‭ ‬سنة‭.‬وتوجد‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬الموقع‭ ‬ثماني‭ ‬حجرات‭ ‬وفناء‭ ‬واسع‭ ‬ونظام‭ ‬للمياه‭ ‬وتصريفها‭. ‬وقد‭ ‬يُخيل‭ ‬للزائر‭ ‬أن‭ ‬المكان‭ ‬أشبه‭ ‬بقصر‭ ‬ملكي‭ ‬شُيد‭ ‬على‭ ‬يد‭ ‬مئات‭ ‬المهندسين‭ ‬والعمال،‭ ‬وليس‭ ‬بناء‭ ‬حفره‭ ‬بضعة‭ ‬أشخاص‭ ‬بأدوات‭ ‬بسيطة‭.‬

وتتم‭ ‬عمليات‭ ‬الحفر‭ ‬في‭ ‬مرحلتها‭ ‬الأولى‭ ‬باختيار‭ ‬تركيب‭ ‬صخري‭ ‬يكون‭ ‬بمثابة‭ ‬السقف،‭ ‬لتليها‭ ‬أعمال‭ ‬حفر‭ ‬في‭ ‬أسفل‭ ‬التركيب‭ ‬الصخري،‭ ‬ثم‭  ‬طلاء‭ ‬الحائط‭ ‬والسقف‭ ‬بالجبس‭ ‬أو‭ ‬الطين‭ ‬لمنع‭ ‬تفتت‭ ‬الصخور‭ ‬أو‭ ‬تساقطها‭.‬

أما‭ ‬المرحلة‭ ‬الأخيرة‭ ‬فتختص‭ ‬بالتصميم‭ ‬وتركيب‭ ‬ملحقات‭ “‬الداموس‭”‬،‭ ‬حيث‭ ‬تُصنع‭ ‬الأبواب‭ ‬على‭ ‬هيئة‭ ‬أقواس‭ ‬دائرية،‭ ‬من‭ ‬جذوع‭ ‬النخيل‭ ‬المربوطة‭ ‬بأغصان‭ ‬الزيتون‭. ‬وتُستخدم‭ ‬لذلك‭ ‬مسامير‭ ‬خشبية‭ “‬طرية‭” ‬من‭ ‬جذوع‭ ‬الزيتون‭ ‬الخضراء‭. ‬وتقام‭ ‬في‭ ‬جدران‭ ‬الغرف‭ ‬حفر‭ ‬مختلفة‭ ‬الأشكال‭ ‬تُخزن‭ ‬فيها‭ ‬لوازم‭ ‬المنزل‭ ‬الصخري‭.‬

ويقول‭ ‬الباحث‭ ‬التاريخي‭ ‬يوسف‭ ‬الختالي‭ ‬إن‭ ‬بيوت‭ ‬الحفر‭ ‬هذه‭ “‬لها‭ ‬استخدامات‭ ‬أربعة،‭ ‬وبالتالي‭ ‬صُممت‭ ‬لتكون‭ ‬متعددة‭ ‬المهام‭ ‬وصالحة‭ ‬لكل‭ ‬الحقب‭ ‬التاريخية‭ ‬المتعاقبة،‭ ‬وهو‭ ‬سبب‭ ‬إضافي‭ ‬يدل‭ ‬على‭ ‬أهميتها‭ ‬المعمارية‭ ‬في‭ ‬التاريخ‭ ‬الليبي‭”.‬

ويوضح‭ ‬الختالي‭ ‬لوكالة‭ ‬فرانس‭ ‬برس‭ ‬شكل‭ ‬هذه‭ ‬المهام‭ ‬والاستخدامات،‭ ‬قائلاً‭ “‬أولها‭ ‬هو‭ ‬لغرض‭ ‬السكن‭ ‬البشري،‭ ‬والثاني‭ ‬مصمم‭ ‬للعبادة،‭ ‬إذ‭ ‬توجد‭ ‬دياميس‭ ‬في‭ ‬مدن‭ ‬الجبل‭ ‬حُفرت‭ ‬كمعابد‭ ‬يهودية‭ ‬ومسيحية،‭ ‬قبل‭ ‬تحويل‭ ‬معظمها‭ ‬إلى‭ ‬مساجد‭ ‬للمسلمين‭”.‬

ويضيف‭ “‬الاستخدام‭ ‬الثالث‭ ‬عسكري‭ ‬بامتياز،‭ ‬إذ‭ ‬كانت‭ ‬بمثابة‭ ‬تحصينات‭ ‬للجنود‭ ‬تاريخياً‭” ‬بهدف‭ ‬المراقبة‭ ‬وصد‭ ‬أي‭ ‬هجمات‭ ‬عسكرية‭ ‬في‭ ‬الحروب،‭ ‬فيما‭ ‬الاستخدام‭ ‬الرابع‭ ‬كان‭ “‬لدفن‭ ‬الموتى،‭ ‬وهناك‭ ‬شواهد‭ ‬أثرية‭ ‬تعود‭ ‬للحكم‭ ‬الفينيقي‭ ‬في‭ ‬ليبيا،‭ ‬حين‭ ‬كانت‭ ‬تُستخدم‭ ‬كمقابر‭”.‬

ويشير‭ ‬الباحث‭ ‬التاريخي‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬هذه‭ ‬المنشآت‭ ‬الجبلية‭ ‬في‭ ‬المدينة‭ ‬الرابضة‭ ‬على‭ ‬علو‭ ‬يقرب‭ ‬من‭ ‬700‭ ‬متر،‭ ‬تحولت‭ ‬إلى‭ ‬وجهة‭ ‬سياحية‭ ‬أثناء‭ ‬الاستعمار‭ ‬الإيطالي‭ ‬لليبيا‭ ‬في‭ ‬القرن‭ ‬الماضي‭. ‬

وقد‭ ‬أولت‭ ‬إيطاليا‭ ‬هذا‭ ‬الموقع‭ ‬أهمية‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬نشرها‭ ‬سنة‭ ‬1936‭ ‬أول‭ ‬دليل‭ ‬سياحي‭ ‬يضيء‭ ‬على‭ ‬هذه‭ ‬المنشآت‭ ‬البدائية‭ ‬التي‭ ‬تحولت‭ ‬في‭ ‬خمسينيات‭ ‬القرن‭ ‬العشرين‭ ‬إلى‭ ‬وجهة‭ ‬سياحية‭ ‬بارزة‭.‬

تتباين‭ ‬الدياميس‭ ‬في‭ ‬هندستها‭ ‬المعمارية،‭ ‬إذ‭ ‬لا‭ ‬تتشابه‭ ‬في‭ ‬أشكالها‭ ‬أو‭ ‬مساحتها،‭ ‬بما‭ ‬يتناسب‭ ‬مع‭ ‬نوع‭ ‬الاستخدام‭ ‬وحجمه‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬المواقع‭.‬

وتتميز‭ ‬هذه‭ ‬المنشآت‭ ‬باعتدال‭ ‬درجة‭ ‬الحرارة‭ ‬طوال‭ ‬العام،‭ ‬فهي‭ ‬باردة‭ ‬صيفا‭ ‬ودافئة‭ ‬شتاء،‭ ‬لكون‭ ‬الصخور‭ ‬المحيطة‭ ‬بها‭ ‬تعزل‭ ‬بإحكام‭ ‬درجات‭ ‬الحرارة،‭ ‬لتعمل‭ ‬عمل‭ ‬أجهزة‭ ‬التكييف‭ ‬المشغلة‭ ‬بالكهرباء‭.‬

ويرتبط‭ ‬هذا‭ ‬البناء‭ ‬داخل‭ ‬الجبال‭ ‬بالثقافة‭ ‬والحضارة‭ ‬الليبية‭ ‬القديمة،‭ ‬وهو‭ ‬أظهر‭ ‬باستمرار‭ ‬تطور‭ ‬هذا‭ ‬النوع‭ ‬المعماري‭ ‬الفريد‭ ‬من‭ ‬نوعه‭ ‬حتى‭ ‬وصل‭ ‬إلى‭ ‬هذا‭ ‬الشكل‭ ‬حديثاً‭.‬

ويعود‭ ‬تاريخ‭ ‬بعض‭ ‬هذه‭ ‬المنشآت‭ ‬إلى‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬2300‭ ‬سنة،‭ ‬لكن‭ ‬قلّة‭ ‬منها‭ ‬تركت‭ ‬أثراً‭ ‬إذ‭ ‬لا‭ ‬يزال‭ ‬حوالى‭ ‬عشرة‭ ‬منها‭ ‬فقط‭ ‬صامدا،‭ ‬فيما‭ ‬يبقى‭ “‬داموس‭” ‬عائلة‭ ‬بالحاج‭ “‬شاهدا‭” ‬على‭ ‬تاريخ‭ ‬المنطقة‭.‬

وأكد‭ ‬العربي‭ ‬بالحاج‭ ‬أن‭ ‬الدياميس‭ ‬مهجورة‭ ‬معظمها،‭ ‬لكن‭ ‬البعض‭ ‬الذي‭ ‬خضع‭ ‬منها‭ ‬لعمليات‭ ‬ترميم‭ ‬تحول‭ ‬إلى‭ “‬معلم‭ ‬سياحي‭”.‬

وقال‭ ‬بهذا‭ ‬الصدد‭ “‬حوش‭ ‬الحفر‭ ‬الخاص‭ ‬بعائلتي‭ ‬غادرته‭ ‬آخر‭ ‬عائلة‭ ‬كانت‭ ‬تقطنه‭ ‬عام‭ ‬1990،‭ ‬ومنذ‭ ‬ذاك‭ ‬التاريخ‭ ‬تحول‭ ‬إلى‭ ‬وجهة‭ ‬سياحية،‭ ‬وصار‭ ‬الليبيون‭ ‬والأجانب‭ ‬على‭ ‬حد‭ ‬سواء‭ ‬يقصدونه‭ ‬للتجول‭ ‬والاطلاع‭ ‬على‭ ‬عماره‭ ‬المميز‭”.‬

ويمكن‭ ‬لزوار‭ ‬الموقع‭ ‬التنقل‭ ‬من‭ ‬غرفة‭ ‬إلى‭ ‬أخرى‭ ‬في‭ ‬مقابل‭ ‬دفع‭ ‬مبلغ‭ ‬رمزي‭.‬

وختم‭ ‬بالحاج‭ ‬قائلا‭ “‬مقابل‭ ‬دولار‭ ‬واحد‭ ‬يمكن‭ ‬لأي‭ ‬ليبي‭ ‬ودولارين‭ ‬للأجنبي‭ ‬التجول‭ ‬في‭ ‬بيت‭ ‬الحفر‭ ‬هذا،‭ ‬كما‭ ‬يمكن‭ ‬نظير‭ ‬عشرين‭ ‬دولاراً‭ ‬قضاء‭ ‬يوم‭ ‬كامل‭ ‬واستخدام‭ ‬إحدى‭ ‬الغرف‭ ‬وتناول‭ ‬وجبة‭ ‬غداء‭ ‬فيه‭”.‬



Most Read

2024-09-21 05:58:58