Breaking News >> News >> Azzaman


المغترب العراقي..الاندماج و الهوية-د.نزار محمود


Link [2022-04-09 03:13:36]



لابد‭ ‬في‭ ‬البدء‭ ‬من‭ ‬التمييز‭ ‬بين‭: ‬المغترب‭ ‬والمهاجر‭ ‬،‭ ‬من‭ ‬ناحية،‭ ‬وبين‭ ‬الاغتراب‭ ‬والهجرة‭ ‬الطوعي‭ ‬منها‭ ‬والقسري‭ ‬من‭ ‬ناحية‭ ‬اخرى‭. ‬فالمغترب‭ ‬هو‭ ‬ذلك‭ ‬الشخص‭ ‬الذي‭ ‬يجد‭ ‬نفسه‭ ‬في‭ ‬بلد‭ ‬غير‭ ‬وطنه‭ ‬الأصلي‭ ‬لكنه‭ ‬يبقى‭ ‬يفكر‭ ‬في‭ ‬العودة‭ ‬طالت‭ ‬مدة‭ ‬اقامته‭ ‬أم‭ ‬قصرت،‭ ‬ناهيك‭ ‬عن‭ ‬أسباب‭ ‬تلك‭ ‬الغربة‭. ‬في‭ ‬حين‭ ‬تعني‭ ‬الهجرة،‭ ‬لا‭ ‬سيما‭ ‬الطوعية‭ ‬منها،‭ ‬اتخاذ‭ ‬المهاجر‭ ‬قراراً‭ ‬بهجر‭ ‬وطنه‭ ‬مكاناً‭ ‬وثقافة‭ ‬لكي‭ ‬يعيش‭ ‬مجتمعاً‭ ‬جديداً‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬ما‭ ‬له‭ ‬وما‭ ‬عليه‭.‬

من‭ ‬هنا‭ ‬تجيء‭ ‬أهمية‭ ‬كتابتنا‭ ‬حول‭ ‬موضوعة‭ ‬المغترب‭ ‬العراقي‭ ‬واشكالية‭ ‬اندماجه‭ ‬وحفاظه‭ ‬على‭ ‬الهوية‭. ‬كما‭ ‬لابد‭ ‬من‭ ‬الاشارة‭ ‬الى‭ ‬اختلاف‭ ‬مفاهيم‭ ‬ما‭ ‬يسمى‭ ‬بالاندماج‭ ‬التي‭ ‬تتراوح‭ ‬بين‭ ‬الانصهار‭ ‬التام‭ ‬مروراً‭ ‬بالتعايش‭ ‬وانتهاءً‭ ‬حتى‭ ‬بالانعزال‭ ‬والعيش‭ ‬في‭ ‬ما‭ ‬يسمى‭ ‬بالمجتمعات‭ ‬الموازية‭ ‬التي‭ ‬لا‭ ‬تحبذها‭ ‬بلدان‭ ‬الاستضافة،‭ ‬ناهيك‭ ‬عن‭ ‬اختلافات‭ ‬مفاهيم‭ ‬الهوية‭ ‬وعناصرها‭ ‬وأنماط‭ ‬تطورها‭ ‬بالنسبة‭ ‬للأجيال‭ ‬المختلفة‭.‬

حتى‭ ‬السبعينات‭ ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬يعرف‭ ‬كثير‭ ‬من‭ ‬العراقيين‭ ‬الاغتراب‭ ‬والهجرة،‭ ‬التي‭ ‬سرعان‭ ‬ما‭ ‬بدأت‭ ‬تتزايد‭ ‬مع‭ ‬الحرب‭ ‬العراقية‭ ‬الايرانية‭ ‬وما‭ ‬حصل‭ ‬من‭ ‬أمر‭ ‬الحروب‭ ‬بعدها‭ ‬حتى‭ ‬وصلت‭ ‬ذروتها‭ ‬مع‭ ‬الغزو‭ ‬والاحتلال‭ ‬الامريكي‭ ‬عام‭ ‬‮٢٠٠٣‬‭ ‬والهيمنة‭ ‬الطائفية‭ ‬والاقتتال‭ ‬الأهلي‭ ‬وتردي‭ ‬الاوضاع‭ ‬الامنية‭ ‬والاقتصادية‭.‬

اليوم‭ ‬يعيش‭ ‬ملايين‭ ‬العراقيين‭ ‬في‭ ‬بلدان‭ ‬العالم‭ ‬المختلفة‭ ‬من‭ ‬عربية‭ ‬واسلامية‭ ‬واوربية‭ ‬وامريكية‭ ‬وفي‭ ‬كندا‭ ‬واستراليا‭ ‬وغيرها‭.‬

وفي‭ ‬اوروبا،‭ ‬ومنها‭ ‬المانيا،‭ ‬تسعى‭ ‬الدول‭ ‬الى‭ ‬أقلمة‭ ‬هؤلاء‭ ‬المغتربين‭ ‬لكي‭ ‬يندمجوا‭ ‬في‭ ‬مجتمعاتها‭ ‬ثقافياً‭ ‬واقتصادياً‭. ‬من‭ ‬أجل‭ ‬ذلك‭ ‬تلعب‭ ‬مسألة‭ ‬تعلم‭ ‬لغة‭ ‬البلد‭ ‬والتعايش‭ ‬مع‭ ‬ثقافته‭ ‬والاستعداد‭ ‬للمساهمة‭ ‬في‭ ‬سوق‭ ‬عمله‭ ‬واقتصاده‭ ‬دوراً‭ ‬كبيراً‭ ‬في‭ ‬حياة‭ ‬المغتربين‭. ‬من‭ ‬ناحية‭ ‬أخرى‭ ‬يجهد‭ ‬المغتربون‭ ‬انفسهم‭ ‬ويصارعوها‭ ‬على‭ ‬الاحتفاظ‭ ‬بهويتهم‭ ‬العراقية‭ ‬في‭ ‬لغاتها‭ ‬ولهجاتها‭ ‬وعاداتها‭ ‬وتقاليدها،‭ ‬ويروحوا‭ ‬يحرصوا‭ ‬على‭ ‬تعليم‭ ‬ابنائهم‭ ‬لغاتهم‭ ‬ومبادىء‭ ‬اديانهم‭.‬

كما‭ ‬اجتهدوا‭ ‬في‭ ‬تأسيس‭ ‬منظمات‭ ‬مجتمع‭ ‬مدني‭ ‬ليشبعوا‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬لقاءاتهم‭ ‬ونشاطاتهم‭ ‬فيها‭ ‬بعضاً‭ ‬من‭ ‬حاجاتهم‭ ‬الاجتماعية‭ ‬والنفسية‭ ‬والثقافية‭ ‬وكذلك‭ ‬السياسية‭.‬

بيد‭ ‬ان‭ ‬اشكالية‭ ‬التوفيق‭ ‬بين‭ ‬اندماج‭ ‬المغتربين‭ ‬العراقيين‭ ‬والحفاظ‭ ‬على‭ ‬هويتهم‭ ‬في‭ ‬مجتمعات‭ ‬الغربة،‭ ‬التي‭ ‬اهتزت‭ ‬معالمها‭ ‬حتى‭ ‬داخل‭ ‬الوطن،‭ ‬ليس‭ ‬بالامر‭ ‬السهل،‭ ‬لا‭ ‬سيما‭ ‬بين‭ ‬صفوف‭ ‬ابناء‭ ‬الجيل‭ ‬الثاني،‭ ‬ناهيك‭ ‬عن‭ ‬الثالث،‭ ‬وفي‭ ‬الاسر‭ ‬المختلطة‭ ‬الانحدار‭.‬

انها‭ ‬عملية‭ ‬مركبة‭ ‬ومعقدة‭ ‬في‭ ‬جوانبها‭ ‬الثقافية‭ ‬والاقتصادية‭ ‬والاجتماعية،‭ ‬لا‭ ‬يساعد‭ ‬معها‭ ‬سوى‭ ‬الوعي‭ ‬الثقافي‭ ‬والواقعي،‭ ‬من‭ ‬ناحية،‭ ‬ومشاعر‭ ‬الانتماء‭ ‬الوجداني‭ ‬والعاطفي‭ ‬والثقافي‭ ‬كذلك‭.‬

وفي‭ ‬اطار‭ ‬عملي‭ ‬رئيساً‭ ‬للمعهد‭ ‬الثقافي‭ ‬العربي‭ ‬في‭ ‬برلين،‭ ‬حيث‭ ‬تواجهنا‭ ‬يومياً‭ ‬قضية‭ ‬الاندماج‭ ‬والهوية،‭ ‬كنا‭ ‬اهتدينا‭ ‬في‭ ‬عملنا‭ ‬الى‭ ‬شعار‭: ‬الاندماج‭ ‬الايجابي‭ ‬الفاعل‭ ‬المحافظ‭ ‬على‭ ‬الهوية،‭ ‬المتحضرة‭ ‬والمنفتحة‭ ‬على‭ ‬ثقافة‭ ‬المجتمع‭ ‬والمتفاعلة‭ ‬معه‭. ‬غير‭ ‬أننا‭ ‬يجب‭ ‬ان‭ ‬نعترف‭ ‬انها‭ ‬ليست‭ ‬بالمهمة‭ ‬السهلة‭.‬

وختاماً‭ ‬لا‭ ‬بد‭ ‬من‭ ‬الاشارة‭ ‬الى‭ ‬المسؤولية‭ ‬الوطنية‭ ‬للجهات‭ ‬الرسمية‭ ‬العراقية‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬المسألة،‭ ‬اذا‭ ‬ما‭ ‬أريد‭ ‬للمغتربين‭ ‬البقاء‭ ‬على‭ ‬التواصل‭ ‬مع‭ ‬وطنهم‭ ‬الذي‭ ‬قد‭ ‬يعودون‭ ‬اليه‭ ‬يوماً‭ ‬ما‭ ‬أو‭ ‬على‭ ‬الأقل‭ ‬يتخادمون‭ ‬معه‭.‬

برلين،‭ ‬‮٣١‬‭/‬‮٣‬‭/‬‮٢٠٢٢‬



Most Read

2024-09-21 17:54:50