لابد في البدء من التمييز بين: المغترب والمهاجر ، من ناحية، وبين الاغتراب والهجرة الطوعي منها والقسري من ناحية اخرى. فالمغترب هو ذلك الشخص الذي يجد نفسه في بلد غير وطنه الأصلي لكنه يبقى يفكر في العودة طالت مدة اقامته أم قصرت، ناهيك عن أسباب تلك الغربة. في حين تعني الهجرة، لا سيما الطوعية منها، اتخاذ المهاجر قراراً بهجر وطنه مكاناً وثقافة لكي يعيش مجتمعاً جديداً في كل ما له وما عليه.
من هنا تجيء أهمية كتابتنا حول موضوعة المغترب العراقي واشكالية اندماجه وحفاظه على الهوية. كما لابد من الاشارة الى اختلاف مفاهيم ما يسمى بالاندماج التي تتراوح بين الانصهار التام مروراً بالتعايش وانتهاءً حتى بالانعزال والعيش في ما يسمى بالمجتمعات الموازية التي لا تحبذها بلدان الاستضافة، ناهيك عن اختلافات مفاهيم الهوية وعناصرها وأنماط تطورها بالنسبة للأجيال المختلفة.
حتى السبعينات لم يكن يعرف كثير من العراقيين الاغتراب والهجرة، التي سرعان ما بدأت تتزايد مع الحرب العراقية الايرانية وما حصل من أمر الحروب بعدها حتى وصلت ذروتها مع الغزو والاحتلال الامريكي عام ٢٠٠٣ والهيمنة الطائفية والاقتتال الأهلي وتردي الاوضاع الامنية والاقتصادية.
اليوم يعيش ملايين العراقيين في بلدان العالم المختلفة من عربية واسلامية واوربية وامريكية وفي كندا واستراليا وغيرها.
وفي اوروبا، ومنها المانيا، تسعى الدول الى أقلمة هؤلاء المغتربين لكي يندمجوا في مجتمعاتها ثقافياً واقتصادياً. من أجل ذلك تلعب مسألة تعلم لغة البلد والتعايش مع ثقافته والاستعداد للمساهمة في سوق عمله واقتصاده دوراً كبيراً في حياة المغتربين. من ناحية أخرى يجهد المغتربون انفسهم ويصارعوها على الاحتفاظ بهويتهم العراقية في لغاتها ولهجاتها وعاداتها وتقاليدها، ويروحوا يحرصوا على تعليم ابنائهم لغاتهم ومبادىء اديانهم.
كما اجتهدوا في تأسيس منظمات مجتمع مدني ليشبعوا من خلال لقاءاتهم ونشاطاتهم فيها بعضاً من حاجاتهم الاجتماعية والنفسية والثقافية وكذلك السياسية.
بيد ان اشكالية التوفيق بين اندماج المغتربين العراقيين والحفاظ على هويتهم في مجتمعات الغربة، التي اهتزت معالمها حتى داخل الوطن، ليس بالامر السهل، لا سيما بين صفوف ابناء الجيل الثاني، ناهيك عن الثالث، وفي الاسر المختلطة الانحدار.
انها عملية مركبة ومعقدة في جوانبها الثقافية والاقتصادية والاجتماعية، لا يساعد معها سوى الوعي الثقافي والواقعي، من ناحية، ومشاعر الانتماء الوجداني والعاطفي والثقافي كذلك.
وفي اطار عملي رئيساً للمعهد الثقافي العربي في برلين، حيث تواجهنا يومياً قضية الاندماج والهوية، كنا اهتدينا في عملنا الى شعار: الاندماج الايجابي الفاعل المحافظ على الهوية، المتحضرة والمنفتحة على ثقافة المجتمع والمتفاعلة معه. غير أننا يجب ان نعترف انها ليست بالمهمة السهلة.
وختاماً لا بد من الاشارة الى المسؤولية الوطنية للجهات الرسمية العراقية في هذه المسألة، اذا ما أريد للمغتربين البقاء على التواصل مع وطنهم الذي قد يعودون اليه يوماً ما أو على الأقل يتخادمون معه.
برلين، ٣١/٣/٢٠٢٢
2024-09-21 17:54:50