Breaking News >> News >> Azzaman


كواليس الاحتلال الأمريكي البريطاني للعراق


Link [2022-04-08 21:53:15]



كواليس الاحتلال الأمريكي البريطاني للعراق

لا دليل على أسلحة الدمار والجيش لم يقاتل بجدية

عمر علي

يقال إن الجروح تشفى مع مرور الأيام، لكن جرح العراق يُنكأ كلما مرت ذكرى جريمة الاحتلال الأمريكي البريطاني، وهي على هذه الحال منذ 2003 الى اليوم، وستستمر إلى نهاية التاريخ!.

سأدخل في الموضوع مباشرة من دون مقدمات، وسيكون حديثي مسنداً من مصادر لم تكن موجودة خلال التحضير لاحتلال العراق، ثم احتلاله وتدميره، ثم تركه يواجه مصيره المجهول منذ 19 عاماً مضت إلى اليوم، ويبدو أن قراءة الحوادث المستمرة التي يمر بها إلى اليوم تكشف أنه سيبقى يعاني لمدة أطول.

ظهرت خلال السنوات التي تلت الاحتلال الأمريكي البريطاني والقوات المتحالفة معهما العديد من مذكرات الرؤوساء والقادة السياسيين والعسكريين، إضافة الى الكثير من الكتب التي تناولت الموضوع من زوايا مختلفة، وظهر معها الكثير من الحقائق التي أثبتت تعرض العراق إلى أكبر جريمة في العصر الحديث، انتهت بتدميره شبه التام نتيجة تهم باطلة، باعتراف القائمين أنفسهم بهذه الجريمة المروعة.

سأقدم خلال هذه السطور ما اسميته (كواليس الاحتلال الأمريكي البريطاني للعراق)، مالذي كان يجري، وكيف جرى؟، ثم اتبعه بمقال لاحق بمجموعة من الإعترافات التي أدلى بها قادة الاحتلال الأمريكي البريطاني، وأرجو أن تصبح هذه الكلمات وثائق تجمع مع غيرها لتقوم أجيال العراق المتعاقبة بقراءتها، واستعراضها، ومطالعة المزيد منها عبر دراسات وابحاث وندوات مستمرة تمثل شهادات حية على ما تعرض له وطنهم، وأدلة دامغة تسير باتجاه المطالبة بحقوقهم، وحقوق الأجيال اللاحقة، حقوق لا يسقطها التقادم، ولا تنسيها كثرة المآسي، وظلم القريب والبعيد.

من هنا كانت البداية؟

بعد إخراج العراق من الكويت في العام 1990 سيطر التفكير بإطاحة صدام حسين -لا نزع اسلحة الدمار الشامل- على خطط العديد من الساسة الأمريكيين، تدفعهم في ذلك دوافع شتى، وقد بدأت بوادرها بالرسالة التي رفعها عدد من المحافظين الجدد (من ذوي النزعة الصهيونية) إلى الرئيس الأمريكي بيل كلنتون في 19 من شباط/ فبراير 1998? يحرضونه فيها على احتلال العراق وضرورة (إخضاع صدام) من دون اللجوء إلى مجلس الأمن، وذلك لفشل سياسة احتواء العراق بالحصار الإقتصادي، والحاجة إلى اتخاذ تدابير أكثر قسوة وشدة، لضمان أمن ومصالح الولايات المتحدة الأمريكية. وحضوا البيت الأبيض على (توفير القيادة اللازمة لإنقاذ أنفسنا والعالم من بلاء صدام، وأسلحة الدمار الشامل التي يرفض التخلي عنها)، وقد وقع على هذه الرسالة مجموعة من المحافظين الجدد (الصقور لاحقاً) أبرزهم:”ريتشارد. ل. آرميتاج، جون بولتون، فرانسيس فوكوياما، زلماي خليل زاد، ريتشارد بيرل، دونالد رامسفيلد، بول وولفويتز، روبرت زوليك”، وآخرون.[الولايات المتحدة (الصقور الكاسرة في وجه الديمقراطية)، 109? حلف مع الشيطان، 77-78? التفرد الأمريكي، 265-266].

آلهة الحديد والنار؟

وقد سُمّيَ هؤلاء بآلهة الحديد والنار، وهو “اسم شهرة أطلق على الفريق الإستشاري حول السياسة الخارجية الذي كان يرافق المرشح الجمهوري جورج دبليو بوش لتقديم النصح له أثناء حملته الإنتخابية الرئاسية عام 2000? وكان الفريق برئاسة كوندليزا رايس، وضم كلاً من ريتشارد أرميتاج، وروبرت بلاكويل، وستيفن هادلي، وريتشارد بيرل، ودوف زاكهايم، وروبرت زوليك، وبول وولفويتز، وسكوتر ليبي. كذلك شارك مع الفريق شخصيات رئيسية من بينهم ديك تشيني، وجورج شولتز، وكولين باول، وإن لم يكونوا فعلاً أعضاء في الفريق. ويشير اسم (آلهة الحديد والنار) إلى تمثال روماني ضخم يمثل إله النار والأعمال المعدنية في مسقط رأس كوندوليزا رايس بمدينة برمنجهام في ولاية الاباما. وكانوا كذلك حقاً لأنهم صبوا جحيم نيران وحديد الترسانة العسكرية الأمريكية على كل من أفغانستان والعراق. وبعد نجاح بوش في انتخابات عام 2000 أسند إلى هؤلاء الأعضاء المناصب العليا في إدارته”. [الرمال المتحركة، 962? باختصار].

رفض كلنتون هذا المقترح، لكنه وجّه الكونغرس لإصدار (قانون تحرير العراق).

يقول د. إياد علاوي:”تصاعد الموقف الأمريكي فصدرت موافقة الكونغرس على قانون تحرير العراق الذي أدى فيه الدور الأكبر المرحوم أحمد الچلبي، وكان لذلك القانون جانبان: الجانب السياسي القاضي باستبدال نظام الحكم في العراق، والجانب العملياتي المتعلق بتسليح ودعم قوى معارضة كقوى مؤهلة لذلك”، [بين النيران، 1/ 255].

هذا القانون لم يكن سوى مجرد حبر على ورق، يقول ديفيد فروم وريتشارد بيرل:”في عام 1998 قام الكونغرس -بعد أن أرهقه عجز إدارة كلينتون عن التحرك – بإصدار مرسوم تحرير العراق الذي خوّل بموجبه تحويل 100 مليون دولار كمساعدة إلى معارضي صدام. بعدها قامت وزارة الخارجية ووكالة المخابرات المركزية بالضغط بشدة ضد انفاق هذه الأموال ونجحت في ذلك، إذ قام كلينون برفع توقيعه على المرسوم بعد أن أثنى عليه ووقعه، وحتى بعد أن قام جوج دبليو بوش باستبدال كلينتون بقي مرسوم تحرير العراق دون تطبيق”، [نهاية الشر، 211? ينظر أيضاً: ضريبة الدم، 49? للإطلاع على نص القانون كاملاً: العراق من حرب إلى حرب، 524-529].

بعد وصول جورج بوش الإبن للبيت الأبيض في مطلع العام 2001? شغل المحافظون المذكورون مناصب عديدة في حكومته، وهي مناصب عسكرية وأمنية رفيعة لترجمة طموحات غزو العراق، واحتلاله، ونهب خيراته، وتغيير نظامه على أرض الواقع.

الاجتماع الأول؟

تطرق الإجتماع الأول لمجلس الأمن القومي الأمريكي الذي عقد برئاسة بوش (في أول جلسة حكومية بعد انتخابه) في 31 كانون الثاني/ يناير 2001 إلى موضوع الإطاحة بصدام حسين، وحضر الإجتماع نائب بوش ديك تشيني، ووزير الخارجية كولن باول، ووزير الدفاع دونالد رامسفيلد وبقية أعضاء الإدارة الأمريكية، وتم بحث المهام المُلحة، والمخططات الواجب تنفيذها في الأعوام القادمة فيما يخص السياسة الخارجية والدفاعية، ومنها:

وضع سيناريو الحرب المخططة على العراق وأفغانستان.

بحث سبل الوصول إلى النفط العراقي، ووضع بدائل لمصادر الطاقة تصب في مصلحة الإقتصاد الأمريكي.

وشكل هذا الموضوع أيضاً محور الإجتماع الثاني (اللاحق).

أيضاً، “أوصى وولفويتز الرئيس بوش في الإجتماعات التي أعقبت هجمات 11 سبتمبر بأن يقحم العراق في أي رد عسكري للولايات المتحدة. وكان قد امتدح عن طيب خاطر كتاباً سخيفاً لواحد من أكثر المحافظين الجدد حقداً في عام 2000 زعم فيه أن تفجير مركز التجارة العالمي عام 1993 وقع بتحريض من صدام حسين كجزء من (حربه غير المكتملة ضد أمريكا)”. [الرمال المتحركة، 806].

وفي يوم الثلاثاء 11 من أيلول/ سبتمبر 2001? أي بعد ولاية بوش الإبن بنحو 8 اشهر، تعرضت الولايات المتحدة لمجموعة هجمات استهدفت برجي مركز التجارة، ومقر وزارة الدفاع (البنتاغون)، وأحدثت خسائر هائلة في الأرواح والممتلكات والبنية التحتية.

لابد من اتهام العراق؟

يقول ريتشارك كلارك رئيس جهاز مكافحة الإرهاب في إدارة الرئيس بوش (في شهادة أدلاها تحت القَسَم):” إستدعاني الرئيس مع بضعة أشخاص إلى إحدى الغرف، واغلق الباب، وقال: (أريدكم أن تعرفوا إذا كان العراق هو من قام بذلك)، فقلت: سيدي الرئيس، لقد فعلنا ذلك من قبل، وكنا نفحص هذا الأمر بدقة وبعقل متفتح فلم تكن هناك أي صلة سيدي الرئيس، فرد علي قائلاً: (العراق، صدام، إكتشف إن كان هناك صلة)، جمعنا كل خبراء مكتب التحقيق الفيدرالي FBI وكل خبراء الإستخبارات المركزية CIA فأعدوا جميعاً التقرير بوضوح وأرسلناه إلى الرئيس فعاد التقرير ممهوراً بالرفض من مستشار الأمن القومي ونائبه، عاد يحمل تأشيرة بالرفض تقول: (إجابة خاطئة، تعاد كتابته مرة أخرى)، ولا أظن أن الرئيس يرى مذكرات يمكن أن يكون بها إجابة لا تعجبه”. [هجوم على العقل، 162-163].

في تلك المدة “وضع المخططون العسكريون أمام بوش ثلاثة أهداف للحرب في العراق:

الأول: الإنتصار على الإرهاب من خلال إزاحة صدام حسين، وهي الورقة الأساسية في لعبة بوش، وبالتالي الإنتقام لأمريكا نتيجة الإذلال الذي لحق بها بسبب أحداث 11 ايلول والتي ليس لصدام علاقة بها بكل تأكيد.

الثاني: يرغب بوش بإنشاء حكم ديمقراطي في العراق وجواره، بحيث يكون العراق نموذجاً يحتذى به، مع أن هذه القصة الخرافية حيكت بشكل سيّء ولا تتوافق مع الواقع، ولا مع العادات السياسية للمنطقة.

الثالث: إحياء عملية السلام بين الإسرائيليين والفسطينيين”. [إمبراطور كل الأرض، 8].

وفي مستهل تشرين الأول/ أكتوبر 2001? ولتحقيق مقتضيات (قانون تحرير العراق) تبنت وزارة الخارجية الأمريكية (مشروع مستقبل العراق) وهو التخطيط لعراق ما بعد الحرب، وقد عكفت على تنفيذه مجموعات عمل تضم مسؤولين في الحكومة الأمريكية، ومنفيين عراقيين، وخبراء حكوميين لاستكشاف مشكلات عراق ما بعد صدام حسين. [للمزيد بتفصيل حول المشروع ينظر: وصمة الاحتلال وصناعة الفشل، 2/ 508-510].

خطة اجتياح العراق!

وفي تشرين الثاني/ نوفمبر 2001 طلب بوش الإبن من رامسفيلد خطة مفصلة لاجتياح عسكري أمريكي للعراق، وأمره بعدم إطلاع أي مسؤول في الحكومة على هذا الطلب، وإقناع الضباط العسكريين رفيعي المستوى الذي سيشاركون في وضع الخطة أو إبداء المشورة بأن ذلك مجرد طلب اعتيادي، “وهكذا انتقلت أمريكا إلى خطة مفصلة للإطاحة بصدام علم بأمرها ثلاثة رجال فقط، بوش ورامسفيلد وتشيني، أما أسباب عدم الإفصاح فكانت جلية المعالم. ولكن، سؤال واحد شائك بقي: كيف نحبِك قصة (الحرب ضد الإرهاب) حول الإطاحة بصدام حسين؟”. [نظرية الواحد في المائة، 35-36? باختصار].

يقول آل جور:”لقد أخبرنا الرئيس أن الحرب هي خياره الأخير، لكن الواضح الآن أنها كانت دوماً خياره الأول، فقد أكد وزير خزانته السابق بول أونيل، أن العراق كان (يتصدر) موضوعات أول اجتماعات بوش بمجلس الأمن القومي بعد عشرة أيام من توليه السلطة، (وكان الأمر هو إيجاد طريقة لتحقيق ذلك)”. [هجوم على العقل، 158? ينظر أيضاً: التفرد الأمريكي، 202].

ويبدو أن الأمر لم يكن مجرد خطة توضع من دون أن يكون لها تنفيذ دقيق حتى قبل إيجاد عذر الغزو، إذ شرعت بعض قطعات الجيش بالفعل في التدريب على أهداف عراقية، “فقد قال طيار لطائرة هليكوبتر من طراز ليتل بيرد (حينما عادت وحدتنا إلى قاعدة فورت كامبل في نهاية شهر كانون الأول من عام 2001? كانت كل التدريبات التي قمنا بها والسيناريوهات التي لدينا بنيت على سيناريو غزو عراقي)”. [التاريخ السري للعمليات الأمريكية الخاصة في العراق، 23].

وفي كلمته التي ألقاها في 31 من كانون الثاني/ يناير 2002 المُعَدَّة على خلفية تلك الأحداث سمّى بوش ثلاث دول ترعى الإرهاب: كوريا الشمالية، إيران، والعراق. لقد وصف تلك الدول ومن ينتمي إليها من إرهابيين بـ (محور الشر)، وهؤلاء يترتب عليهم أن يدفعوا ثمناً غالياً جداً، مؤكداً أن من أهم أولوياته في مجال الأمن والدفاع عن أمريكا هو الوقوف في وجه تلك الأنظمة التي تسعى إلى امتلاك الأسلحة الكيميائية والبيولوجية أو تصنيع الأسلحة الذرية، ووجه نقداً لاذعاً لدول محور الشر التي تهدد العالم أجمع.

وأعلن بوش أن إستراتيجية ضبط النفس التي كان معمولاً بها في مدة (الحرب الباردة) ليس لها قيمة الآن. لذا لا مخرج لأمريكا إلا أن تكون جاهزة (لإنزال ضربات إستباقية عندما يكون ذلك ضرورياً لحماية أرواح الناس). [ضريبة الدم، 47].

وقال بوش في ختام كلمته تلك: (إن محاربة الإرهاب لا تكون عن طريق حصار وعزل الدول المارقة لأن تلك الأنظمة غير مستقرة، وتمتلك أسلحة تدمير شامل ويمكن استخدام تلك الأسلحة بواسطة الصواريخ أو عبر تسليمها إلى مجموعات إرهابية) وهذا تلميح آخر على احتمال توجيه ضربة إلى العراق، أو كوريا الشمالية، أو إيران.

وإمعاناً منه في تضخيم المخاوف من دور العراق، قال في تلك الكلمة: (إن العراق يستمر بإظهار عدائه لأمريكا ويدعم الإرهاب. إن النظام في العراق ومنذ عشرات السنوات كان ينفق الأموال من أجل الحصول على الأسلحة البيولوجية والكيميائية والذرية، هذا النظام الذي لم يتورع عن استخدام الاسلحة الكيميائية ضد شعبه والذي ترك الأطفال أمواتاً فوق جثث أمهاتهم. هذا النظام الذي وافق على التفتيش الدولي ثم قام بطرد المفتشين، إن هذا النظام لديه ما يخفيه عن العالم المتحضر).

استفزازات مفتشي الأسلحة

كان عمل المفتشين استفزازياً وعبثياً، يقول د. محمد البرادعي:”استمر بعض مفتشي (الأنسكوم) في استخدام سلطتهم بصورة مفرطة تفتقر للحساسية الثقافية والدينية اللازمة. اقتحم بعضهم المساجد والكنائس للبحث عن أسلحة الدمار الشامل دون أن تكون هناك أي دلائل تفيد بوجودها فيها. وكان منهم من يقوم بعمليات التفتيش خلال الأعياد والإجازات الدينية دون داع مُلِح لذلك. وفي مرحلة تالية أصروا على تفتيش قصور صدام حسين ليس لأن لديهم معلومات جدية على وجود ما يستوجب أو يستدعي التفتيش في هذه القصور، ولكن لمجرد إظهار قدرتهم على تفتيش القصور الرئاسية، ولم أتمالك نفسي أحياناً من التساؤل حول ما سيكون عليه شعورهم لو أنهم كانوا هم في مكان العراقيين في ذلك الوقت”، [زمن الخداع، 29].

“لم تكن في حسابات البيت الأبيض في تلك اللحظة أسلحة دمار شامل يملكها النظام في العراق ويراد نزعها منه، ولم يكن في الحسابات ديكتاتورية تخنق شعب العراق ويراد كسر قبضتها عن رقبته، ولم تكن هناك ديمقراطية وحرية غابت عن أرض العراق فجأة ويراد لها أن تشرق مع الربيع الجديد، ولم تكن هناك صِلات بتنظيم القاعدة وخلاياها الإرهابية المنتشرة فوق سطح الكرة الأرضية ويراد تصفيتها ضمن الحملة العالمية على الإرهاب.

كل ذلك لم يكن في الحساب، ولا كان مما يمكن أو يصح انتظاره، لأنه مخالف لطبائع وحقائق الأشياء، والواقع والصحيح أنه كانت هناك أحوال إنسانية، وصراعات سياسية، ومطالب إمبراطورية، وضرورات بترولية، ولوزام إنتخابية، وكله يتداخل ويختلط في وعاء طبخ القرار الأمريكي، وكل طبق يحتاج إلى محسنات للطعم ولمسات جمال على الشكل ترضي الذوق وتفتح الشهية، وعندها تجيء لحظة إضافة المغريات من نوع (أسلحة الدمار الشامل) و (إبعاد الديكتاتورية) و(ضمان حقوق الإنسان) و(مستقبل الديمقراطية!)”. [الإمبراطورية الأمريكية والإغارة على العراق، 240].

بوش يجمع الحلفاء للحرب!

في تلك المدة كان بوش يلتقي بحلفائه، ويحاول ضمهم للحرب، لكنهم كانوا مستغربين من الطريقة العاجلة التي يسعى بها نحو الحرب، بمن فيهم حليفه الوثيق بلير الذي اشترط للحصول على دعم بريطانيا أن يتم استصدار قرار من مجلس الأمن، لكنه رضخ فيما بعد، وسار معه إلى الحرب من دون ذلك القرار!.

أما بقية الحلفاء

وجه الرئيس الروسي بوتين لبلير في لقاء جمعهما لبحث هذه القضية سؤالاً هو:

” لماذا يعمد بوش إلى تبديد وقته وموارده في مطاردة صدام حسين؟، أتعتقد فعلاً أن العراق أكثر خطراً من هؤلاء الأصوليين؟”.

هز بلير رأسه:” لا بطبيعة الحال”.

أما الرئيس الفرنسي جاك شيراك، فقد قال لهانز بليكس رئيس لجنة التفتيش عن أسلحة العراق بحضور البرادعي الذي وصل معه فرنسا في 17 من كانون الثاني/ يناير 2003:” لم خيار الحرب؟، لم يفكر الأمريكيون -أو اي جهة أخرى- بالعمل العسكري عندما تكون أدلة وجود تهديد أكثر قليلاً من مجرد شائعات واهية؟”، واضاف: “الحرب هي الخيار الأسوأ، ستشعل الحرب الحقد الإسلامي على الغرب. وسوف تزيد من عدد الإرهابيين، أما فرنسا فليست مستعدة للإنجرار إلى حرب كهذه”.

كما قال الرئيس الفرنسي جاك شيراك لبوش في حديث هاتفي لمناقشة الحرب: “إنني غير مقتنع أن الوضع ملح لهذه الدرجة، أو أن الأسلحة موجودة. إننا بحاجة إلى أن نتأكد من قناعاتنا قبل اتخاذ خطوات لا يمكننا الرجوع عنها”.

وبعد أن رد بوش أن التأخير يؤدي إلى تقوية صدام، وأنه لكي يذعن لابد من مشاركة الجميع في الضغط عليه، قال لشيراك:” إننا نتقاسم يا جاك إيماناً واحداً. أنت من الروم الكاثوليك، وأنا ميثودي، لكننا مسيحيون، وملتزمون بتعاليم الإنجيل. إننا نتشارك في إله واحد”، إلى أن قال:” بدأ يأجوج ومأجوج العمل في الشرق الأوسط، إن تنبؤات الإنجيل تتحقق” مدعياً أنهما مختبئان الآن قرب مدينة بابل القديمة!.

وأضاف بوش: “هذه هي المواجهة التي أرادها الله الذي يريد استغلال هذا الصراع لمحو أعداء شعبه قبل بدء الحقبة الجديدة”.

لاحقاً وفي حديث لشيراك مع الصحافي الفرنسي جان كلود موريس مراسل صحيفة (لو جورنال دو ديمانش) الذي ألف كتاب (لو كررت ذلك على مسامعي فلن اصدقه) تعقيباً على تلك المكالمة:” هذه ليست مزحة، فقد كنت متحيراً جداً، بعدما صعقتني هذه الخزعبلات والخرافات السخيفة التي يؤمن بها رئيس أعظم دولة في العالم، ولم أصدق حينها أن هذا الرجل بهذا المستوى من السطحية والتفاهة، ويحمل هذه العقلية المتخلفة، ويؤمن بهذه الأفكار الكهنوتية المتعصبة التي سيحرق بها الشرق الأوسط، ويدمر مهد الحضارات الإنسانية”، [الإرهاب الأمريكي المعولم، 247? نقلاً عن: دور المحافظين الجدد، 158-159].

في 22 من كانون الثاني/ يناير 2003? التقى الرئيس الفرنسي نظيره الألماني، كان هذا اليوم مناسبة الذكرى الأربعين للصداقة بين البلدين، وبحضور 603 أشخاص أكد شيراك “إن الحرب ليست أمراً حتمياً، وهي في نظرنا، وعلى الدوام برهان على الإخفاق، وعلى أسوأ الحلول لذا يجب أن نبذل ما في وسعنا لتجنبها”، وأكد في ختام حديثه أن فرنسا والمانيا ستستخدمان حق النقض (الفيتو) لمنع الولايات المتحدة من الضغط على الأمم المتحدة لاستصدار قرار غزو العراق، في حين قال المستشار الألماني غيرهارد شرودر “لا أريد أن يتوقع أحد أن توافق ألمانيا على حل يشرع الحرب. لا تتوقعوا ذلك”.

بعد ذلك، شن وزير الدفاع الأمريكي دونالد رامسفيلد هجوماً إعلامياً على فرنسا وألمانيا بسبب موقفيهما الرافض للحرب، يقول الكاتب الأمريكي كورت آيكنوالد:” كانت تلك نظرة صبيانية، وكأن البيت الأبيض يطبق عقلية (إمّا معنا وإما ضدَّنا)، ويمنع أي بلد من التوصل إلى قرار مستقل حول العراق”. [500 يوم، ص 510? وحول لقاء بوش وبلير وبوتين وشيراك وشرويدر، ينظر الصفحات: 436? 438? 501-502? 505-508? المصدر نفسه].

في أعقاب أحداث 11 من سبتمبر وبداية الحرب على الإرهاب، تقلصت الحريات المدنية للمواطنين الأمريكيين، “يمكنهم أن يتهموا أي شخص بخرق القانون الفدرالي الأمريكي، من خلال قانون (الوطنية) أو من خلال توجيه إتهام بعدم حب أمريكا”. [إمبراطور كل الأرض، 15].

بوش يصادر الرأي العام الأمريكي

وخلال التحشيد للحملة العسكرية، كان هناك تحشيد من نوع آخر للرأي العام يجري في الولايات المتحدة، فحواه أن أي رافض لتلك الحرب من المواطنين الأمريكيين هو شخص ضد القانون لأن المبدأ الذي ساد آنذاك استمد عبارة بوش الشهيرة (من لا يكون معنا فهو ضدنا)، أو “(من لم يكن مع الولايات المتحدة في حربها على الإرهابيين فهو مع الإرهابيين)”، وهي العبارة المفضلة لدى بوش في الكثير من خطاباته الحربية. (أمريكا الكتاب الأسود، 138-139).

يقول آل جور: “كان هؤلاء الذين بحثوا في الإفتراضات الخاطئة التي سوغت للحرب يتعرضون للهجوم بصفتهم غير وطنيين. أما من أشاروا إلى الأدلة الزائفة والتناقضات الصارخة فقد اتهموا بالإرهاب.. أما من كانوا يدقون جرس الإنذار، من داخل الإدارة الأمريكية للتنبيه على العلامات المزعجة المتزايدة المتعلقة بسير بلادنا بثقة عمياء نحو مستنقع استراتيجي، فقد تم تخويفهم وتهديدهم ومراقبتهم…

ويضيف آل جور:”قبل بدء الحرب وجد محللو سي آي إيه -الذين عارضوا بشدة تأكيد البيض الأبيض على وجود صلة بين أسامة بن لادن وصدام حسين -أنفسهم يتعرضون لضغوط في العمل، وصاروا يخشون فقدان ترقياتهم وعلاواتهم. ومن المؤسف أن وكالة الإستخبارات أخفقت في تصحيح الرأي القائل بوجود صلة بين تنظيم القاعدة وحكومة العراق، الذي ثبت كذبه بصورة واضحة جلية”. (هجوم على العقل، 191-192? باختصار)

تعتيم التقارير الإستخبارية

“وبدلاً من إجراء جرد حساب نزيه لمزايا ومساوئ الحملة العسكرية شنّت الإدارة [الأمريكية] هجوم علاقات عامة، عتمت على التقارير الإستخبارية لدعم قضيتها، وقللت إلى حد معيب من متطلبات النفقات والقوة البشرية اللازمة للعمل العسكري، ورفعت شبح سحابة الفطر (الناجمة عن الأسلحة النووية). وقد نجحت استراتيجية العلاقات العامة، فبحلول خريف عام 2002? إقتنع غالبية الأمريكيين بامتلاك صدام حسين أسلحة دمار شامل، واعتقد 66% منهم على الأقل (وهم على خطأً) أنه متورط شخصياً بهجمات 11 من سبتمبر، أما نسبة التأييد لغزو العراق. والتأييد لبوش فقد بلغت 60%? وفي 11 من تشرين الأول/ أكتوبر 2002 إنضم 28 عضواً من أعضاء الكونغرس الديمقراطيين الخمسين إلى الأعضاء الجمهوريين كلهم (باستثناء واحد) في تسليم الرئيس السلطة التي أرادها”. (جرأة الأمل، 299? أيضاً: ضريبة الدم، 50).

في 10 تشرين الأول/ أكتوبر 2002 ناقش ثم صوّت الكونغرس على منح سلطات الحرب إلى بوش وفاز بوش في التصويت اللاحق في 11 أكتوبر 2002 بـ: 296 صوتاً مقابل 133 صوتاً، ومجلس الشيوخ بـ: 77 صوتاً مقابل 23 صوتاً، وحصل بوش بذلك على معظم السلطات المخولة من الكونغرس ومجلس الشيوخ لإعلان الحرب، وضمن بذلك إمكانية شن الحرب على العراق بدون قرار من مجلس الأمن”. [وصمة الاحتلال وصناعة الفشل، 2/ 525? نقلاً عن: Hiro, Dilip. Secrets and Lies: The True Story of the Iraq War. Arlington, Verginnia: Politico, 2005, P 81-82.

“في كانون الأول من عام 2002 كان يتواجد موظفو قيادة العمليات الخاصة المشتركة في قطر لبحث المشاركة الداخلية مع القيادة المركزية الأمريكية في لعبة الحرب لغزو العراق في غضون ثلاثة أشهر، وبدأ الجنرال ديل دايلي – قائد العمليات الخاصة المشتركة- بتأسيس مركز عملياته المشتركة بالقرب من منطقة عرعر غرب العراق في المطار نفسه الذي استخدمته قيادة العمليات الخاصة المشتركة في معركة عاصفة الصحراء بعيداً عن أنظار وسائل الإعلام، ولم يتم الإعتراف به بشكل رسمي”. (التاريخ السري للعمليات الأمريكية الخاصة في العراق، 23).

مذهب بوش!

(مذهب أو مبدأ بوش) كما سماه الإعلام كان العنوان الأبرز للحملة، تضمن هذا المذهب إنشاء الدرع المضاد للصواريخ، وهو هدف بوش قبل تسلمه الحكم، وفي 17 كانون الأول 2002 وعد أنه بحلول عام 2004 سوف تتمكن الولايات المتحدة من نشر منظومات دفاعية محددة، الغاية منها تأمين حماية البلد من الصواريخ البالستية، ورافق هذا الهدف هدف آخر هو توجيه الضربات الإستباقية، وكان العراق مرشحاً بارزاً لهذه الضربة.

نُشر مبدأ بوش في سبتمبر 2002? ولكن قواعده طرحت في افغانستان، ويرى المبدأ “أن على واشنطن أن تستخدم قوتها العسكرية التي لا مثيل لها للإطاحة بنظم الحكم الشمولية”، “وأن الولايات المتحدة سوف تعامل أي نظام يؤوي الإرهابيين باعتباره إرهابياً، وأن واشنطن سوف تغزو وتسقط أي نظام يمتلك أسلحة دمار شامل قد تمثل تهديداً بشن هجمات على أمريكا، وأن البيض الأبيض لن يقيد نفسه بمداولات لانهاية لها في الأمم المتحدة إذا كان الأمن القومي الأمريكي معرضاً للخطر، وأن إدارة بوش ستشجع إجراء تغيير ديموقراطي -حتى ولو بفوهات المدافع الأمريكية- باعتبار ذلك العلاج الأفضل للإرهاب ولما أسماها بوش الدول المارقة، وأصبحت استراتيجية الحرب الإستباقية -التي تنصل منها بوش الأب- المفهوم المنظم لدى بوش الابن”. (الرمال المتحركة،  793? و 828-829 على التوالي).

كما تضمن مذهب بوش مبدأ جديداً يقول (الهدف يحدد الحليف). وهذا المبدأ يمنح أمريكا حرية الخروج من المنظمات الدولية في أي وقت تشاء، ومن أجل أي قضية تشاء، ضاربة القوانين التي ادعت حمايتها والمحافظة عليها عرض الحائط.

و”كشفت وثيقة سريّة نشرت في آب/أغسطس 2011 أن بريطانيا اتفقت سراً مع واشنطن على المضي قدماً في شن الحرب ضد العراق قبل الغزو بخمسة أشهر دون الحاجة إلى قرار أممي ثانٍ [بعد القرار الأول برقم 1441 الصادر في 8 تشرين الثاني/نوفمبر 2002]? حيث جرى اجتماع بين بوش وبلير في 31 كانون الثاني/ يناير 2003 في البيت الأبيض، إتفقا فيه على تنفيذ الغزو بغض النظر عما إذا كان قد تم اكتشاف أسلحة دمار شامل في العراق من قبل مفتشي الأمم المتحدة أو لا، في تناقض واضح لتصريحات بلير التي أدلى بها في مجلس العموم البريطاني بعد ذلك بشأن إعطائه النظام العراقي فرصة أخيرة لنزع السلاح”. [إستراتيجية التدمير الأمريكية، 169-170? عن: موسوعة الجزيرة (الغزو الأمريكي للعراق، مبررات واهية ونتائج كارثية) منشور الكترونياً، للمزيد: وصمة الاحتلال وصناعة الفشل، 2/ 550-551].

“في 9 من كانون الثاني 2003 تحرك البنتاغون إلى مرحلة جديدة في شن الحرب غير المرئية حيث تم إرسال المئات من الرسائل إلى البريد الإلكتروني لزعماء ومنتسبي حزب البعث والجيش العراقي يحثهم فيها على ترك النظام والإتصال بالأمم المتحدة، وفي حقيقة الامر فإن كل شخص يمتلك بريداً إلكترونياً داخل العراق قد تم الإتصال به تقريباً. وفي 11 كانون الثاني 2003 بدأت السلطات العراقية بمنع هذه الرسائل وأوقف العمل بنظام البريد الإلكتروني لمدة أسبوع”. [وصمة الاحتلال وصناعة الفشل، 2/ 567].

في 6 من شباط/فبراير 2003? تحدث وزير الخارجية الأمريكي كولن باول أمام الدول الأعضاء في الأمم المتحدة من أجل الترويج لحرب العراق محاولاً تأمين قرار يجيز العمل العسكري ضده، واستدل في ذلك بمعلومات إستخبارية، ومما قاله:” أيها السيدات والسادة، هذه ليست إفتراضات، إنها وقائع”.

و”بعد مرور شهر على خطاب باول، لاحظت المحررة بصحيفة (نيويورك تايمز) مورين داود أنه لا عجب في وجود تشوش لدى الأمريكيين، فالولايات المتحدة على وشك الذهاب إلى حرب ضد بلد لم يهاجمها في 11 أيلول/ سبتمبر مثلما فعلت القاعدة، ولم يعترض طائراتها مثلما فعلت كوريا الشمالية، ولم يمول القاعدة مثلما فعلت بلدان..، وليس مقراً لمساعدي أسامة بن لادن مثلما هي باكستان، وليس مضيفاً للإرهابيين مثل إيران وسوريا”. [التفرد الأمريكي، 275].

استدعاء أقطاب المعارضة العراقية للقاء بهم في أمريكا كان من بين أهم أهداف الحملة العسكرية على العراق، كانت لديهم خططهم الجاهزة التي وضعوها أمام المعارضة العراقية لتوافق عليها بكل رحابة صدر، فلم يكن خيار الحكومات العراقية وطنياً بل كان إملاءً صِرفاً ينسجم مع مصالح الولايات المتحدة الأمريكية وحلفائها.

كان أحمد الچلبي الرجل المفضل لدى وولفويتز، نائب وزير الدفاع الأمريكي، وكان لبقية المعارضة قصص أخرى، يقول جلال طالباني:” في نيسان عام 2002? دعينا أنا ومسعود البارزاني إلى أمريكا والتقينا هناك بوفد أمريكي عالي المستوى، ضم ممثلي العديد من المؤسسات الرسمية من البيت الأبيض والبنتاغون والخارجية والمخابرات المركزية، وأبلغونا استعدادهم للتعاون على شرط أن يؤسس في العراق نظام ديمقراطي اتحادي، بحثنا معهم الفيدرالية فوافقوا على تثبيتها في دستور العراق، وبعد هذا اللقاء ذهبنا مرة أخرى في آب من ذلك العام برفقة وفد عراقي إلى واشنطن، وبحثنا معهم نفس المواضيع السابقة وأبلغناهم باستعداد قوى المعارضة العراقية للعمل معهم على إسقاط النظام وأيدنا جاهزيتنا للمشاركة في انتفاضة العراقيين، وقلنا لهم بأن عملية تحرير العراق سهلة، لأن صدام ضعيف حالياً وسيسقط بسرعة، ولكن حكم العراق بعد سقوطه أصعب، ولا تستطيع أمريكا وحدها الحكم فيه، وعليه يجب أن تتعاونوا مع المعارضة الفاعلة على الأرض العراقية”. [مذكرات الرئيس جلال طالباني، 550].

“وفي 12 من مارس تقدم (توني بلير) و (جاك سترو) بمسودة قرار إلى مجلس الأمن في محاولة يبدو أنها تهدف إلى منع الحرب. وقد تطلب المشروع أن يقوم صدام حسين بتسليم ما يعتقد الأمريكيون والبريطانيون أنه في حوزته من المواد المستخدمة في تطوير الأسلحة النووية والبيولوجية والكيميائية، وكذلك الصواريخ المحظورة، حتى يتفادى الحرب ويتمكن من البقاء في منصبه رئيساً للعراق، إضافة إلى السماح للعلماء العراقيين بالخضوع لاستجواب خارج العراق.

وقد منحت مسودة القرار العراق خمسة أيام للإذعان لمطالب ستة صاغتها أمريكا وبريطانيا، شملت، إضافة لما سبق، اعترافاً علنيا من صدام حسين على الهواء بأنه يمتلك أسلحة للدمار الشامل، وأنه يلتزم بالتخلص من هذه الأسلحة.

ولم يتم تبني هذا القرار من قبل مجلس الأمن، وحتى لو تم ذلك، فسيكون من المستحيل على صدام حسين الالتزام بما جاء فيه لأنه لم يكن بوسعه الاعتراف بملكية أسلحة دمار شامل لم تكن في حوزته، كما لم يكن في وسعه أن يسلّم مواداً لم تكن في حوزته لتصنيع أسلحة دمار شامل، بما في ذلك الآنثراكس التي كانت بريطانيا تعتقد أنه موجود لديه.

ويتعارض بشدة ما جاء في هذا المشروع من إمكانية بقاء صدام حسين في السلطة مع ما قال به توني بلير فيما بعد من أن الإطاحة بنظام صدام حسين كان سبباً كافياً لشن الحرب على العراق”. [زمن الخداع، 76-77].

“في 18 آذار 2003 وصلت فاكسات غير متوقعة إلى الدوائر الحكومية العراقية باللغة العربية تحث العراقيين على عدم المقاومة، وزودت ترددات (إذاعة المعلومات) [في الفاكسات المرسلة] للإستماع إليها”. [وصمة الاحتلال وصناعة الفشل، 2/ 591].

تهميش الأمم المتحدة

في صباح يوم 20 من آذار/ مارس 2003 انطلقت العلميات العسكرية على العراق بقيادة الولايات المتحدة ورئيسها جورج بوش الابن، وبريطانيا ورئيس وزرائها توني بلير من دون الرجوع إلى الأمم المتحدة، وانتهت باحتلال العراق في 9 من نيسان/ إبريل من العام نفسه، وقد أقامت الولايات المتحدة سلطة سياسية وعسكرية تحت اسم (سلطة التحالف المؤقتة) التي أيدتها الأمم المتحدة بالقرار رقم 1483 في 22 من آيار/ مايو 2003 وترأسها بول بريمر خلفاً عن سلفه الجنرال المتقاعد جي غارنر، واستمرت حتى 30 من حزيران/ يونيو 2004 ليتم تسليم السلطة إلى العراق بموجب قرار مجلس الأمن المرقم 1546 في الشهر المذكور، وهناك تحولت قوات الولايات المتحدة من قوات إحتلال إلى قوات متعددة الجنسية، وبقيت متصرفة بشؤون العراق كافة من خلال سفيرها في العراق، وجميع المستشارين الذين يعملون بمعيته.

يقول روبرت غيتس:”بعد نحو سبع سنوات من غزونا للعراق، كانت الحرب في العراق قد انتهت أخيراً بالنسبة للأمريكيين. ومنذ بدء الغزو في 20 من آذار/ مارس 2003? قُتِل 4427 جندياً أمريكياً، وجُرِح 34275? ..وخلال السنتين السابقتين [2008-2009] سحبنا حوالي مئة الف جندي، وأغلقنا أو سلمنا العراقيين مئات القواعد، ونقلنا ملايين القطع من المعدات خارج البلد”، (.الواجب، 560? باختصار).

لا دليل على الأسلحة

كانت ذريعة شن الحرب على العراق في بادئ الأمر امتلاكه أسلحة دمار شامل، لكنها تلاشت بعد فشل العثور عليها برغم مضي عامين من الإحتلال الأمريكي للعراق، وذلك بإعلان مجموعة (مسح العراق) -الخاصة بأسلحة التدمير الشامل، والتي تشكلت في أعقاب احتلال العراق في 30 من آيار/ مايو 2003 وتألفت من 1300-1400 مفتش- خلو العراق منها، وقد أصدر رئيس المجموعة تشارلز ديولفر تقريراً في 30 من أيلول/ سبتمبر 2004 حول عمل المفتشين أكد فيه النتائج نفسها التي توصل إليها الرئيس السابق للجان التفتيش عن الأسلحة المحرمة في العراق ديفيد كاي في تشرين الأول/ اكتوبر من العام 2003.

بعد هذا الفشل، حاولت الأجهزة الأمنية الأمريكية والبريطانية إقحام معلومات غير صحيحة في التقرير، وهو ما أدى إلى استقالة رود بارتوف العضو الأسترالي الكبير في 22 من آذار/ مارس 2004? وانتهى الأمر -بعد تفاصيل كثيرة وضجيج إعلامي كبير في العالم حول هذه القضية التي أضاعت شعباً وأبادت مقدراته بحجج زائفة- إلى إصدار مجلس الأمن لقرار في بداية تموز/ يوليو 2007? يقضي بتعليق كل أنشطة هذه اللجنة في العراق لعدم وجود دليل على أسلحة دمار شامل.

هنا، لم يقدم أحد ولو مجرد اعتذار للعراق والعراقيين عما لحقهم من الأذى نتيجة هذه الحرب غير الشرعية وغير المبررة، بل اتخذت التبريرات لشنها مسارات أخرى جديدة بعد فشل الحجة الأساسية المتعلقة بأسلحة الدمار الشامل، وما تلاها من حجة صلة العراق بالقاعدة، وبالتالي بتفجيرات 11 من أيلول/ سبتمبر التي حدثت في الولايات المتحدة الأمريكية.

محاولات ترقيع السمعة

ورافق هذا الفشل محاولة لترقيع سمعة الولايات المتحدة وبريطانيا التي سقطت في الوحل، حيث بدأ ظهور حملات إعلامية في أوروبا تدعي بأن شن الحرب على العراق كان من أجل تحقيق الديمقراطية للشعب العراقي، وتخليصه من ربقة نظام دموي جائر.

لكن الأدهى من كل ذلك، أن “صدام حسين كان يعتقد أن بقاءه [في السلطة] يعتمد على إقناع الإيرانيين بأنه يمتلك أسلحة دمار شامل، وقد نجح في ذلك. والمفارقة هي أنه لم يكن يخشى عثور مفتشي لجنة الأمم المتحدة للرصد والتحقق والتفتيش على مخزونات من أسلحة الدمار الشامل، بل كان أكثر ما يخشاه هو أن تخلص اللجنة إلى أنه لا يمتلك شيئاً من تلك الأسلحة. وبالمثل، ظل صام حسين مقتنعاً حتى اللحظة الأخيرة أن قوات التحالف لن تغزو العراق وتغير النظام فيه، وذلك نتيجة لافتراضاته الخاطئة بشأن خوف الولايات المتحدة من ارتفاع عدد الضحايا، وتفسيراته الخاطئة للصراعات السابقة”. (تفسير حرب العراق، 446)

في الجهة المقابلة، كان الشعب العراقي يذوق ويلات فقدان الأمن، وضياع الثروات، وتدهور الأوضاع، إلى درجة أن الجيوش التي جاءت لتحقيق الديمقراطية هي نفسها التي فاحت منها رائحة فضيحة سجن ابي غريب، وجرائم مرتزقة بلاك ووتر، والفلوجة، والمداهمات التي قامت بها لاعتقال المدنيين والأطفال والنسوة، وخصخصة الإقتصاد العراقي، واختفاء المليارات من الدولارات المخصصة لإعادة إعمار العراق، وعدد مثل هذه الكوارث ماشئت، بل وأفجع!. (موسوعة المصطلحات السياسية والفلسفية والدولية، 266-267 و466-469 و 544-546 و568-569 مرجع ومنجد أساسي، 194(.

“في آب/ أغسطس 2010 بدأت القوات الأمريكية الغازية بالإنسحاب من العراق، واستكمل الإنسحاب في 18 من كانون الأول/ ديسمبر 2011 حيث أعلنت الولايات المتحدة أن جيشها أكمل انسحابه من العراق ذلك اليوم، وأن الإنسحاب جاء تطبيقاُ للإتفاقية الأمنية الموقعة مع حكومة بغداد عام 2008? بعد أن رفضت الأخيرة منح آلاف الجنود الأمريكيين حصانة قانونية.

وكانت بريطانيا بدأت سحب قواتها من جنوبي العراق مطلع نيسان/ إبريل 2009? وأكملته بشكل نهائي يوم 22 آيار/ مايو 2011″. [إستراتيجية التدمير الأمريكية، 188? عن: موسوعة الجزيرة، بحث:  (الغزو الأمريكي للعراق، مبررات واهية ونتائج كارثية) منشور الكترونياً].

لماذا لم يقاتل العراقيون؟

يذكر أحمد الجلبي: “الجيش العراقي لم يقاتل بجدية عند وصول الأمريكيين.. ولو قاتل كما حصل بعد الاحتلال لكان الأمريكيون تكبدوا خسائر كبيرة. أذكر عندما التقينا مع رامسفيلد كمعارضة في الشهر الثامن من عام 2002 كان همه الكبير، هو ومايرز، معرفة إذا كانت بغداد محصنة، وهل سيقاوم سكانها الأميركيين في الشوارع؟، نحن كنا دائماً محقين بأن لا الجيش العراقي ولا الشعب العراقي سيدافعون عن صدام”. [العراق من حرب إلى حرب، 450[.

لكن لماذا لم يقاتل العراقيون؟، أظن أن لكل عراقي سبباً ما، ولن أحلل أو اذكر هذا السبب أو ذاك، وإنما أسوق ما وقفت عليه خلال البحث، ومنها ما ذكره اللواء المتقاعد قحطان حسن جبر، مبيناً أنها أسباب “تاريخية وليست وليدة اليوم. [أوراق تساقطت، 139-152].

ويعزو مصدر آخر أن عدم القتال وانسحاب القوات العراقية وتفرقها كان لاعداد مواجهة جديدة مع القوات الأمريكية داخل المدن، وهو قرار مباشر من صدام.

ينقل جاك أوكونيل عن صديقه عبد الهادي المجالي نائب الرئيس السابق لهيئة الأركان العام للقوات المسلحة الأردنية، وقد كان آنذاك رئيساً لمجلس النواب الاردني، أنه التقى قبل ثلاثة أيام من الإحتلال مع رجلين عراقيين برتبة فريق وهما صديقان له، وقد قالا له خلال ذلك اللقاء:

“(إن الولايات المتحدة سوف تنتصر في حرب تقليدية مع العراق. ولذلك قرر صدام أن يتجنب المواجهة المباشرة، وكانت الخطة أن تنسحب القوات العراقية إلى بغداد، وتقوم بإعداد دفاع رمزي هناك، ومن ثم تختفي مشتتة في مساقط رأسها من مدن وبلدات وقرى حيث تم وضع الأسلحة بشكل مسبق)، وعندما ذكرت هذه الحقيقة للمسؤولين الأمريكيين فيما بعد، نفوا بشدة أن يكون العراقيون قد تركوا بغداد بصورة طوعية، مصرين على أنه كان قد تم طردهم.

وفي الحقيقة أن العراقيين لم يخوضوا معركة في بغداد. ونشرت الواشنطن بوست مقالة قصيرة تشير إلى أن قوات الإحتلال عثرت على رسالة في مكتب البصرة للمخابرات العراقية تأمر فيها الأفراد أن يضعوا الأسلحة ويعودوا إلى منازلهم، تحققتُ من الخبر مع الواشنطن بوست ومن مصادر أخرى في البنتاغون، ولكني لم أعرف شيئاً إضافياً. وأعتقد أن الخبر حقيقي، ولكن الإدارة الأمريكية كانت مغرورة جداً، أو غير حصيفة للغاية، حتى تعترف أنه قد تم وضعها من قبل صدام “. [مستشار الملك، 236 باختصار.]

ولم يتحقق ذلك بالطبع، فبقيت الأسباب الحقيقة في علم الله تعالى وأصحاب القرار آنذاك.

وللحديث صلة..

كواليس الاحتلال الأمريكي البريطاني للعراق

لا دليل على أسلحة الدمار والجيش لم يقاتل بجدية

عمر علي

يقال إن الجروح تشفى مع مرور الأيام، لكن جرح العراق يُنكأ كلما مرت ذكرى جريمة الاحتلال الأمريكي البريطاني، وهي على هذه الحال منذ 2003 الى اليوم، وستستمر إلى نهاية التاريخ!.

سأدخل في الموضوع مباشرة من دون مقدمات، وسيكون حديثي مسنداً من مصادر لم تكن موجودة خلال التحضير لاحتلال العراق، ثم احتلاله وتدميره، ثم تركه يواجه مصيره المجهول منذ 19 عاماً مضت إلى اليوم، ويبدو أن قراءة الحوادث المستمرة التي يمر بها إلى اليوم تكشف أنه سيبقى يعاني لمدة أطول.

ظهرت خلال السنوات التي تلت الاحتلال الأمريكي البريطاني والقوات المتحالفة معهما العديد من مذكرات الرؤوساء والقادة السياسيين والعسكريين، إضافة الى الكثير من الكتب التي تناولت الموضوع من زوايا مختلفة، وظهر معها الكثير من الحقائق التي أثبتت تعرض العراق إلى أكبر جريمة في العصر الحديث، انتهت بتدميره شبه التام نتيجة تهم باطلة، باعتراف القائمين أنفسهم بهذه الجريمة المروعة.

سأقدم خلال هذه السطور ما اسميته (كواليس الاحتلال الأمريكي البريطاني للعراق)، مالذي كان يجري، وكيف جرى؟، ثم اتبعه بمقال لاحق بمجموعة من الإعترافات التي أدلى بها قادة الاحتلال الأمريكي البريطاني، وأرجو أن تصبح هذه الكلمات وثائق تجمع مع غيرها لتقوم أجيال العراق المتعاقبة بقراءتها، واستعراضها، ومطالعة المزيد منها عبر دراسات وابحاث وندوات مستمرة تمثل شهادات حية على ما تعرض له وطنهم، وأدلة دامغة تسير باتجاه المطالبة بحقوقهم، وحقوق الأجيال اللاحقة، حقوق لا يسقطها التقادم، ولا تنسيها كثرة المآسي، وظلم القريب والبعيد.

من هنا كانت البداية؟

بعد إخراج العراق من الكويت في العام 1990 سيطر التفكير بإطاحة صدام حسين -لا نزع اسلحة الدمار الشامل- على خطط العديد من الساسة الأمريكيين، تدفعهم في ذلك دوافع شتى، وقد بدأت بوادرها بالرسالة التي رفعها عدد من المحافظين الجدد (من ذوي النزعة الصهيونية) إلى الرئيس الأمريكي بيل كلنتون في 19 من شباط/ فبراير 1998? يحرضونه فيها على احتلال العراق وضرورة (إخضاع صدام) من دون اللجوء إلى مجلس الأمن، وذلك لفشل سياسة احتواء العراق بالحصار الإقتصادي، والحاجة إلى اتخاذ تدابير أكثر قسوة وشدة، لضمان أمن ومصالح الولايات المتحدة الأمريكية. وحضوا البيت الأبيض على (توفير القيادة اللازمة لإنقاذ أنفسنا والعالم من بلاء صدام، وأسلحة الدمار الشامل التي يرفض التخلي عنها)، وقد وقع على هذه الرسالة مجموعة من المحافظين الجدد (الصقور لاحقاً) أبرزهم:”ريتشارد. ل. آرميتاج، جون بولتون، فرانسيس فوكوياما، زلماي خليل زاد، ريتشارد بيرل، دونالد رامسفيلد، بول وولفويتز، روبرت زوليك”، وآخرون.[الولايات المتحدة (الصقور الكاسرة في وجه الديمقراطية)، 109? حلف مع الشيطان، 77-78? التفرد الأمريكي، 265-266].

آلهة الحديد والنار؟

وقد سُمّيَ هؤلاء بآلهة الحديد والنار، وهو “اسم شهرة أطلق على الفريق الإستشاري حول السياسة الخارجية الذي كان يرافق المرشح الجمهوري جورج دبليو بوش لتقديم النصح له أثناء حملته الإنتخابية الرئاسية عام 2000? وكان الفريق برئاسة كوندليزا رايس، وضم كلاً من ريتشارد أرميتاج، وروبرت بلاكويل، وستيفن هادلي، وريتشارد بيرل، ودوف زاكهايم، وروبرت زوليك، وبول وولفويتز، وسكوتر ليبي. كذلك شارك مع الفريق شخصيات رئيسية من بينهم ديك تشيني، وجورج شولتز، وكولين باول، وإن لم يكونوا فعلاً أعضاء في الفريق. ويشير اسم (آلهة الحديد والنار) إلى تمثال روماني ضخم يمثل إله النار والأعمال المعدنية في مسقط رأس كوندوليزا رايس بمدينة برمنجهام في ولاية الاباما. وكانوا كذلك حقاً لأنهم صبوا جحيم نيران وحديد الترسانة العسكرية الأمريكية على كل من أفغانستان والعراق. وبعد نجاح بوش في انتخابات عام 2000 أسند إلى هؤلاء الأعضاء المناصب العليا في إدارته”. [الرمال المتحركة، 962? باختصار].

رفض كلنتون هذا المقترح، لكنه وجّه الكونغرس لإصدار (قانون تحرير العراق).

يقول د. إياد علاوي:”تصاعد الموقف الأمريكي فصدرت موافقة الكونغرس على قانون تحرير العراق الذي أدى فيه الدور الأكبر المرحوم أحمد الچلبي، وكان لذلك القانون جانبان: الجانب السياسي القاضي باستبدال نظام الحكم في العراق، والجانب العملياتي المتعلق بتسليح ودعم قوى معارضة كقوى مؤهلة لذلك”، [بين النيران، 1/ 255].

هذا القانون لم يكن سوى مجرد حبر على ورق، يقول ديفيد فروم وريتشارد بيرل:”في عام 1998 قام الكونغرس -بعد أن أرهقه عجز إدارة كلينتون عن التحرك – بإصدار مرسوم تحرير العراق الذي خوّل بموجبه تحويل 100 مليون دولار كمساعدة إلى معارضي صدام. بعدها قامت وزارة الخارجية ووكالة المخابرات المركزية بالضغط بشدة ضد انفاق هذه الأموال ونجحت في ذلك، إذ قام كلينون برفع توقيعه على المرسوم بعد أن أثنى عليه ووقعه، وحتى بعد أ

Most Read

2024-09-21 17:55:49