فاتح عبدالسلام
كان الرحالة العربي محمد بن عبدالله بن بطوطة حين يزور مدينة يتحدث عن أبوابها واسواقها المعروفة بأسماء زمانها، ولصلتها الوثيقة بأحوال الناس وكلامهم ومعاشهم، ولأنه زائر مار غير ماكث ومسجل غير محقق، كان يذكر اعداد الأبواب ولا يأتي دائما على جميع أسمائها بالرغم من انّ بعض الأسماء تغيرت مع عصور الحكّام الذين تعاقبوا على المدن والبلاد، فقال مثلا
ان لدمشق ثمانية أبواب منها باب الفراديس وباب الجابية والباب الصغير، ولم يتم تسمية جميع الأبواب.
والعراق بلد غني بالأبواب الشاهقة الحصينة التي كانت تميز مدنه وترمز لمراحل تاريخية من التجارة والرحلات والحروب والنوافذ في العالم . وكانت لبغداد أربعة أبواب كبيرة هي باب البصرة وباب خراسان وباب الشام وباب الكوفة، وفيها أيضا الباب المعظم والباب الشرقي وباب الشيخ والباب الوسطاني.
وفي النجف توجد ابواب القبلة والسور وباب الخضرة وباب الطوسي وسواها.
وفي الموصل كان الباب الجديد وباب السراي وباب لكش وباب الجسر وباب القلعة وباب الطوب وباب الشط وباب البيض وباب عراق، وفي الموصل اثار لباب نركال وباب شمس. وفي الكوفة وواسط والبصرة أبواب أيضا.
اليوم، لا تهتم المدن العراقية الحديثة بتلك الأبواب ولا تمتلك لها رسوما ومجسمات أومحاولات لإعادة بنائها في اماكنها الحقيقية كشواهد تاريخية مع معلومات توثيقية تبرز عمق المدينة العراقية وارتباطها بالتاريخ وتحولاته. العمران الحديث غيّر شكل المدن، لكن التخطيط الصحيح الذي يستلهم التاريخ العراقي، على افضل وجه، يستطيع ان يبرز القيم الجمالية المعمارية والدلالات والمعاني التاريخية لأبواب المدن، لاسيما تلك التي صمدت ضد الغزوات الاتية من الشرق والغرب، وعاش العراقيون خلف تلك الأبواب واسوار المدن في أزمان الحروب والمجاعات والصعاب يواجهون في روح واحدة التحديات.
لكن المحزن انّ كثيرًا من اثارنا أو الأماكن المفترضة للأبواب والقلاع والاسوار القديمة صارت بين كماشتي استباحة المباني الحديثة قبيحة الاشكال والعشوائية من جهة و اهمال البلديات وتحولها الى مكبات الأنقاض والنفايات من جهة اخرى.
بالرغم من انّ الاحتلالات كانت تغلب امكاناتهم وتستبيح مدنهم أحياناً، إلا انّ المدن كانت تنهض من جديد، وكم مدينة حرقها الغزاة لكنها ظلت باقية قرونا وتبقى مادامت الحياة على الدنيا، فهذه الأرض اقدم بقعة مأهولة للبشرية التي صنعت الحضارة وصدّرتها للعالم، ولن تنطفئ جذوة العلم والابداع والفكر فيها مهما حدث، ومهما مرّت عليها ظـروف طارئة كثرت فيها الوحوش واللصوص والأفّاقون والمزورون والدجّالون وتجار الدين والدماء.
رئيس التحرير-الطبعة الدولية
fatihabdulsalam@hotmail.com
2024-09-21 20:06:11