فاتح عبدالسلام
يفرح أي انسان، حين يرى الدول الكبرى تندفع مرة واحدة وعبر تصريح واحد مقتضب على ألسن زعمائها في اعتبار مقتل عشرين مدنياً أوكرانياً في بلدة صغيرة قرب العاصمة الأوكرانية كييف، على يد الجيش الروسي جريمة حرب وابادة ضد البشرية. ذلك انّ هناك تحسناً واضحاً في مقياس تحديد الإبادة البشرية، وبات مقنناً برقم صغير إذ كنّا في السابق نشهد الرقم ذاته من الضحايا المدنيين من الأطفال والنساء في قصف روسي على عمارة سكنية في سوريا من دون أن يلتفت أحد الى ذلك بوصفه جريمة عادية وليس ضدّ الإنسانية وربما لا يرد الخبر في معظم نشرات الاخبار ، وليس على افواه الزعماء.
القاصف هو نفسه روسي، والسلاح روسي، والقرار روسي، لكن الضحية مختلفة ما بين سوريا وأوكرانيا. وينبغي أن نقف احتراماً لجميع الضحايا المدنيين في العالم من دون السقوط في الفرز السياسي.
العراقيون هم أول الشعوب مدعوون الى الإفادة من المقياس الدولي الجديد في اعتبار عشرين قتيلاً مدنياً جريمة حرب وابادة ضد الإنسانية، فقد نزفوا طويلاً، وبقيت جثث أطفال ونساء لهم في بعض المدن، التي مرّت منها الحروب، شهورا وربما سنوات تحت الأنقاض المدمرة حتى جرفتها الجرافات. ولا يزال أهالي أولئك الضحايا غير قادرين على استحصال حقوقهم من الدولة العراقية بوصفهم شهداء وغير مشمولين بالمساءلة والعدالة، فيا لسخرية الاقدار.
المدنيون في مناطق الحروب أسرى في كلا الحالين، إذا بقوا في مدنهم مضطرين تحت القصف، فهم أسرى قدرهم الذي ارتبط، من دون إرادتهم، بمصير أي جيش يحارب في المدينة، وهم كذلك أسرى بنظر القوات المهاجمة حين تضعهم في خانة العسكري أو الارهابي المتحصّن في المدينة وتشمله بالقصف والتنكيل والتشكيك بوطنيته إذا نجا من الموت.
لا أحد يضع المدنيين في الاعتبار حين يشن الحروب، بل هناك استهداف متعمّد للمدنيين بضربات مدروسة كما قصف الامريكان ملجأ العامرية ببغداد العام ١٩٩١.
رئيس التحرير-الطبعة الدولية
fatihabdulsalam@hotmail.com
2024-09-21 22:57:33