Breaking News >> News >> Azzaman


أمنيات برسم الحكومة الجديدة


Link [2022-04-02 00:14:22]



أمنيات برسم الحكومة الجديدة

دولة حضارية وتراجع المحاصصة ومشاريع ذكية

مقدمة

الانتخابات، في الفكر السياسي الديمقراطي، هي الية لتداول السلطة سلميا في المجتمع. ومن هنا جاء تعريف الديمقراطية بانها “منظومة اليات محايدة لتداول السلطة سلميا ودوريا عن طريق الانتخابات”.

وهي مباراة تنافسية سياسية ودية وليست معركة بين اعداء وخصوم وليس الفوز فيها انتصار بالمعنى العسكري.

وموضوع هذه المباراة هو خدمة الانسان، او المواطن. “وَفِي ذَ?لِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ”.

ذلك ان تعريف السياسة عندنا هي: رعاية شؤون الناس.

ومن اجل تحسين الاداء الديمقراطي الخدمة للحكومة، اقدم في هذه السلسلة من المقالات مجموعة امنيات لي كمواطن، وربما تكون نصائح، ارجو ممن سوف يتولى تشكيل الحكومة نيابة عن الشعب الاخذ بها وتنفيذها.

الامنية الاولى

الدولة الحضارية الحديثة

ان تعلن الحكومة انها تعمل من اجل اقامة الدولة الحضارية الحديثة في العراق.

خلال السنوات التي مرت على العراق بعد 14 تموز عام 1958 تبنت الاحزاب السياسية الرئيسية اهدافا وشعارات ايديولوجية. الحزب الشيوعي تبنى الماركسية اللينينية. حزب البعث تبنى هدف الدولة القومية العربية. الاحزاب الاسلامية تبنت الدولة الاسلامية. وعمّقت هذه الاهداف الايديولوجية الخلافات والانقسامات في المجتمع العراقي. وبسبب التخلف الحضاري للمجتمع جسدت هذه الانقسامات نفسها على شكل ممارسات صراعية عنيفة وقاسية ذهب ضحيتها الكثير من العراقيين، وهدر بسببها المال والجهد والزمن.

آن الاوان ان يكون الهدف هو اسعاد الانسان العراقي عن طريق تحسين نوعية الحياة التي يحياها، وتطويرها، وهذا ما يمكن تحقيقه عن طريق زيادة انتاجية المجتمع، والعدالة في توزيع الثروة والسلطة، وتحسين الخدمات، وتبسيط الاجراءات، وبسط الامن، والحرية والمساواة، وتوفير فرص العمل العادلة، والسكن، والرعاية الصحية، والتعليم، وغير ذلك.

وهذا ما لا يمكن تحقيقه الا في اطار ومن خلال الدولة الحضارية الحديثة، الامر الذي جربته وحققته شعوب اخرى كثيرة في اوروبا واسيا وافريقيا، كما في اليابان وماليزيا وسنغافورة، والدانمارك والنرويج وفنلندا وهولندا، ورواندا، وغيرها من الدول.

وانا اعلم ان اقامة الدولة الحضارية الحديثة لا يتحقق خلال اربع سنوات فقط، لان الامر يحتاج الى وقت اطول، الى اجيال؛ لكن الشروع في السير في الطريق المؤدي الى تحقيق هذا الهدف يتم في لحظة، هي لحظة اتخاذ الحكومة الجديدة قرارا باتخاذ الدولة الحضارية الحديثة هدفا اعلى للحكومة ومعها المجتمع كله. وهذا هدف انساني عام مشترك يمكن ان يجمع تحت مظلته العراقيين باختلاف تنويعاتهم العرقية والدينية والمذهبية والحزبية والمناطقية.

والدولة الحضارية الحديثة دولة قيمية، وهذا هو ما يميزها عن الدول المتخلفة، والاستبدادية، والدكتاتورية، وغيرها.

ومنظومة القيم العليا للدولة الحضارية الحديثة هي التي تمكن الفرد والمجتمع والدولة من تشغيل المركب الحضاري وعناصره الخمسة (الانسان، الارض، الزمن، العلم، العمل) من الاشتغال بطريقة تضمن تحقيق الاهداف الانسانية والخدمية التي ذكرتها قبل قليل. وتضم منظومة القيم العليا مفردات مثل التعاون، والتطوع، والتسامح، والحوار، والتهذيب، والنظافة، والاخلاص، والوسطية، وغير ذلك.

وتقوم الدولة الحضارية على ركائز واسس متينة منها: المواطنة والديمقراطية وحكم القانون والمؤسسات والعلم الحديث.

وبناء عليه، فان على الحكومة الجديدة ان تعمل على تعزيز هذه الاسس الخمسة، في مختلف المجالات، بحث تكون هذه الاسس اساسا ومقياسا لتصرفاتها واجراءاتها وقراراتها. وسوف تتعلق هذه الاجراءات فيما يمكن ان نطلق عليه عنوانا عريضا هو الاصلاح الحضاري الذي يشمل العديد من المفردات الاصلاحية الفرعية مثل: الاصلاح السياسي، والاصلاح الاقتصادي، والاصلاح الحزبي، والاصلاح التربوي، وغير ذلك.

كانت الحكومات السابقة تضع الكثير من التفاصيل في برامجها العملية، لكنها لم تضع تلك التفاصيل في اطار رؤية شاملة جامعة، وقد ان الاوان بعد عقود من المعاناة والحرمان ان تتصرف الحكومات العراقية بوحي رؤية مستقبلية علمية متكاملة هي الدولة الحضارية الحديثة.

الامنية الثانية:

حكومة الاغلبية السياسية

اتمنى ان يقبل من يُكلّف بتشكيل الحكومة بفكرة حكومة اغلبية سياسية تقابلها معارضة برلمانية.

جرت العادة في السنوات السابقة على تشكيل حكومة يشارك فيها الجميع، اي كل الكتل السياسية التي تفوز بعدد معين من المقاعد البرلمانية. وجرى تطبيق هذه الطريقة بموجب احد قواعد “الديمقراطية العراقية” وهو الاستحقاق الانتخابي. وهو مبدأ لم يرد في الدستور. وبموجب هذا المبدأ، توهمت القوى السياسية ان من كل من فاز بعدد من المقاعد البرلمانية ان يستحوذ على ما يعادلها من الحقائب الوزارية. وجرى تثمين الحقائب الوزارية بما يناسبها من المقاعد البرلمانية. وفي وقتها كان لهذه القوى من الاسباب التي دفعتها الى هذا التصرف الغريب مما اريد التطرق اليه هنا. لكن اريد الاشارة الى النتائج السلبية لهذه الطريقة.

اولا، ادى ذلك الى تشكيل حكومات غير منسجمة، وبالتالي غير كفوءة. المفهوم ضمنا ان تعدد الاحزاب السياسية واختلافها يعكس تعددا في البرامج السياسية واختلافها. فاذا اجتمعت كل هذه الاحزاب ذات البرامج المختلفة في حكومة واحدة، كانت الحكومة خليطا غير متجانس من الاراء والافكار والرؤى. ومثل هذه الحكومات سوف تكون غير قادرة على الانسجام والاتفاق خاصة اذا تذكرنا ان نظامنا السياسي يسير بموجب التوافق، او الديمقراطية التوافقية، او الاجماع. وهذا من عيوب التأسيس المعيقة.

ثانيا، ادى ذلك الى غياب المعارضة البرلمانية. وهذا هدم خطير للحكم الديمقراطي الذي ينبغي ان يطير بجناحين هما: حكومة الاغلبية السياسية والمعارضة البرلمانية.

وبغياب المعارضة يغيب النقد البناء والمراقبة الموضوعية، وتحل محلهما المماحكة السياسية.

ولما غابت المعارضة البرلمانية، اضطر الشعب،  الذي كان يأمل ان يتحدث النواب باسمه، الى النزول الى الشارع.

وفي مجتمع كالمجتمع العراقي، يكون من الصعب ضبط الجماهير الغاضبة ضمن القانون والاساليب الحضارية في التظاهر والاحتجاج. وهذه تطورات سلبية دفع ثمنها الكثير من المواطنين.

ولتجنب هذا، فاني اتمنى تشكيل حكومة اغلبية سياسية. واشدد على كلمة “سياسية” لانها لا تعني اغلبية مذهبية او عرقية او حزبية. انما تعني تشكيلها من افراد يمثلون التعددية العرقية والمذهبية والدينية والحزبية الخ، لكنهم يتفقون على برنامج حكومي عملي واحد. ولكن لا يشترط في تشكيلها ان تضم كل من فاز في الانتخابات. انما يشترط ان تستند حكومة الاغلبية السياسية الى كتلة او قاعدة برلمانية مؤلفة من 165 نائبا في الاقل يمثلون الاغلبية البرلمانية.

في مقابل حكومة الاغلبية السياسية، يستطيع النواب الاخرون، الذين يمثلون بدورهم نفس التنوع المذهبي والديني والعرقي (وليس الحزبي بطبيعة الحال)، ان يشكلوا المعارضة البرلمانية التي تمارس بقوة دور الرقيب والحسيب على الحكومة، اضافة الى دورها التشريعي المعتاد. ويمكن ان يشكلوا “حكومة الظل” التي تعترف بها الحكومة معنويا، وذلك على الطريقة البريطانية.

الامنية الثالثة:

  التخلص التدريجي من المحاصصة

نظام المحاصصة من ابرز عيوب التأسيس التي ابتلي بها النظام السياسي الجديد. وهي تعني تقاسم مناصب الدولة بين الفرقاء على شكل حصص محددة ومقررة. وكانت المحاصصة بالاصل للمكونات الاساسية، اي الشيعة والسنة والكرد، وهذه هي المحاصصة العرقية والطائفية. ثم نزلت درجة اخرى لتقسم الحصص بين الاحزاب. وهذه هي المحاصصة الحزبية.

والمحاصصة العرقية والطائفية والحزبية انحراف خطير عن الديمقراطية. واصل هذا الانحراف يعود الى المفكر ليبهارت الذي اقترح الديمقراطية التوافقية للمجتمعات التعددية.  وطبقت الديمقراطية في دول قليلة جدا ولم تنجح الا في سويسرا. وانتهت التجارب الاخرى على قلتها الى الفشل.

وبسبب التخلف السياسي في المجتمع العراقي، وهذا يشمل الطبقة السياسية ايضا، فقد انزلقت الديمقراطية التوافقية على يد احزاب السلطة الى  المحاصصة بانواعها الثلاثة المذكورة انفا.

اذا جعلت الحكومة هدفها التمهيد للدولة الحضارية الحديثة، فانها يجب ان تعمل من اجل التخلص من المحاصصة، لان هذه الدولة تقوم على اساس المواطنة والكفاءة والنزاهة؛ والانتماء القومي او الطائفي او الحزبي ليس من شروط المواطنة والكفاءة والنزاهة. وقد يقال انه من الصعب التخلص من المحاصصة دفعة واحدة لاسباب لا اريد مناقشتها الان، لانها خارج الصدد، لكني استطيع اقتراح برنامج تدريجي للتخلص من المحاصصة. وسيكون ذلك على مرحلتين،  الاولى تخص المحاصصة الحزبية؛ والثانية تخص المحاصصة المكوناتية. واقترح ان نتخلص في المرحلة الاولى من المحاصصة الحزبية بمعنى التخلي عن مفهوم ان يكون لكل حزب فائز عدد من الوزارات ووكلاء الوزارات والمدراء العامين وهكذا نزولا الى اخر ما يمكن الوصول اليه. وهذا ما سوف اعود اليه ثانية حين اتحدث عن الفصل بين المسار السياسي- الحزبي للدولة والمسار الاداري والتنفيذي لها. ستنظر الدولة في هذه المرحلة الى الحزبيين والمستقلين نظرة واحدة على اساس المواطنة والكفاءة. كل مواطن يملك نفس الحق في تولي المنصب الفلاني اذا كان يملك المواصفات والمؤهلات التي يملكها المواطن الثاني الذي يتطلع الى نفس المنصب. هذا بشرط ان تكون المؤهلات مما يتطلبها المنصب  وينص عليها القانون المتعلق به. الانتماء الحزبي او السياسي تحديدا لا يعطي افضلية للشخص في تولي المنصب. ومن باب اولى فان الانتماء الديني أو الطائفي او العرقي لا يعطي المواطن اولوية او ميزة على غيره في تولي المنصب المعين.

نعم سوف نسمح في هذه المرحلة باعتماد المحاصصة التمثيلية للمكونات في تولي المناصب الوزارية تحديدا، لتحقيق الصفة التمثيلية للحكومة بشكل مرضي للمكونات الاثنية في البلد. بمعنى ان الحكومة لا تتشكل من وزراء من لون عرقي او طائفي واحد، انما يجب ان يكون فيها وزراء من مختلف الانتماءات. فهي حكومة يتحقق فيها التمثيل وليس بالضرورة المحاصصة.

ليكن هذا المقترح للسنوات الاربع المقبلة، على ان يتم الغاء المحاصصة تماما في السنوات الاربع التالية. وبهذا نكون قد حققنا خلال ثمان سنوات احد اهم ممهدات او متطلبات د ح ح  وهو اعتماد مبدأ المواطنة ومبدأ الكفاءة في تولي الوظائف الحكومية.

الامنية الرابعة:

عدم استيزار النواب

يفترض ان العراق نظام برلماني. و”هو نظام حكم يُشكل فيه الوزراء الفرع التنفيذي من البرلمان، ويكون مسؤولًا أمام هذه الهيئة، بحيث أن السلطتين التنفيذية والتشريعية متشابكة. في مثل هذا النظام، يكون رئيس الحكومة بطبيعة الحال الرئيس التنفيذي وكبير البرلمانيين على حد سواء. تتميز النظم البرلمانية بفصل غير واضح بين السلطتين التنفيذية والتشريعية، مما يؤدي إلى مجموعة مختلفة من الضوابط والتوازنات بالمقارنة مع تلك التي وجدت في نظام رئاسي. وعادة ما يكون هناك تمييز واضح في النظم البرلمانية بين رئيس الحكومة ورئيس الدولة، فيكون رئيس الحكومة هو رئيس الوزراء، ويكون وضع رئيس الدولة في كثير من الأحيان صورياً، هو في الأغلب إما رئيس (منتخب شعبياً أو إما من قبل البرلمان) أو عاهل وراثي (غالباً ملكية دستورية)”. (انتهى الاقتباس). وافضل نموذج للنظام البرلماني هو المطبق في بريطانيا.

لكن هذا الوضوح غير موجود في النظام “البرلماني” العراقي، بل ان استخدام “برلماني” لوصف النظام السياسي العراقي غير دقيق، ومستخدم على اساس قاعدة “التسامح في استخدام المصطلحات” المعمول بها في العراق. وهذا ما جعل النظام “البرلماني” العراقي هجينا. وهذا ما وقع فيه الدستور ايضا حين نصت الفقرة السادسة من المادة 49 على ما يلي:”لا يجوز الجمع بين عضوية مجلس النواب، وأي عملٍ، أو منصبٍ رسمي آخر.”. ولهذا جرت العادة ان يفقد النائب مقعده النيابي حين يصبح وزيرا. ويصعد الى البرلمان شخص من نفس القائمة الانتخابية للوزير بحسب قانون استبدال النواب الذي وضعه مجلس النواب للحفاظ على الاقطاعيات السياسية. وقد نصح الامام السيستاني بعدم تحول النواب الى وزراء. ولكن لم يسمع نصيحته احد، حتى النواب الشيعة!

نحن الان امام خيارين: اما تعديل الدستور والسماح بالجمع بين منصبي النائب والوزير، وهذا امر صعب الان، او عدم استيزار النواب اصلا. وهذا ما افضله في هذه المرحلة تحديدا، الى ان يتم تعديل الدستور.

ولهذا اتمنى على من يُكلّف بتشكيل الحكومة ان يبحث عن وزراء من خارج البرلمان، على ان بكون الوزراء من الخبراء المختصين في مجال عملهم. لا مشكلة، حاليا، ان يكون الوزراء حزبيين، سواء كانت الحكومة حكومة اغلبية سياسية، كما ذكرت في الامنية الثانية، او حكومة الكل كما جرت العادة عليه حتى الان. والمستقلون افضل لبعض الوزارات مثل وزارة التربية، ووزارة التعليم العالي.  وسبب هذه الامنية هي ان الشخص رشح نفسه ليكون نائبا، والشعب رشحه على هذا الاساس، فليبقَ نائبا الى ان يحسم الشعب رأيه في مسألة النظام البرلماني، في استفتاء عام. وفي هذه المرحلة، سوف نقبل بنظام التمثيل المكوناتي، وليس المحاصصة الحزبية، في تشكيل الحكومة، بمعنى ان يشترك في الحكومة وزراء من مختلف المكونات، على سبيل التمثيل وليس المحاصصة.

الامنية الخامسة:

فصل المسارين التنفيذي والحزبي للدولة

ارتكبت الاحزاب العراقية خطيئة كبيرة بعد سقوط النظام البعثي الدكتاتوري. وهي افتراض ان فوزها بعدد من المقاعد البرلمانية يخولها حق الحصول على عدد مناظر من المناصب والمواقع الحكومية. بدأ الامر بالرئاسات الثلاث، ثم الوزارات والهيئات المستقلة، ثم وكلاء الوزارات، ثم بقية الدرجات الخاصة،  وهكذا نزولا الى ادنى الدرجات الوظيفية في الدولة.

ونطلق على هذه الظاهرة التداخل بين الحزب والدولة، او المسار الحزبي، والمسار التنفيذي. وهذه مسالة سبق ان ناقشتها الاحزاب الشيوعية تحت عنوان علاقة الحزب بالدولة. وكان هناك دائما من يدعو الى الفصل بين الحزب والدولة. لان التداخل بينهما مفسدة للطرفين. وظيفة الحزب في النظام الديمقراطي البرلماني تثقيف المواطنين واقناعهم ببرنامجه الانتخابي، ثم الفوز باصواتهم التي توصل مرشحيه الى البرلمان، ومن البرلمان يتم تشكيل الحكومة من قبل الحزب الذي فاز باغلبية المقاعد البرلمانية زائد واحد بعضوية نواب يجمعون بين صفة النائب والوزير؛ فيما يجلس الحزب الاخر في صفوف المعارضة ليراقب اداء الحكومة ويحاسبها. لا تطالب الاحزاب الموجودة في البرلمان بمواقع حكومية لاعضائها، لان هذا ليس من “حقوق” الحزب الفائز، وليس من خصائص النظام البرلماني الديمقراطي. الوظائف الحكومية وظائف خدمة عامة تدفع اجورها من المال العام ولا يصح تقاسمها بين الاحزاب. اشدد مرة اخرى: من الممكن ان يتولى الحزب الحاكم او الائتلاف الحزبي الحاكم الحقائب الوزارية، او حتى وكالات الوزارات، لكنه لا يملك حقا ابتدائيا لانه حزبي في وظائف الدولة الاخرى. هذه الوظائف حق مشاع لكل مواطن تتوفر فيه شروطها ومتطلباتها. اما الاستحواذ على هذه المناصب بسبب انتماء الشخص الى حزب معين فهذا تمييز بين المواطنين على اساس حزبي، ومصادرة حق المستقلين من تولي الوظائف الحكومية بصورة عادلة ونزيهة وشفافة. يقف جميع المواطنين الراغبين  على قدم المساواة امام الوظائف الحكومية لا يتميز بعضهم على بعض الا بمقدار ما تتوفر فيهم شروط تولي هذه الوظائف. ويمكن ادارة التنافس الحر والنزيه بين المواطنين على هذه الوظائف بشفافية وعادلة من خلال مجلس الخدمة العامة، او اية وسيلة اخرى تضمن المساواة وعدم التحيز في اسناد الوظائف العامة للمواطنين. وضمن هذا المبدأ يعامل المواطن الحزبي على قدم المساواة مع المواطن غير الحزبي.

اما الاحزاب فيمكنها ان تواصل عملها في الفرع التشريعي للدولة، اي البرلمان والمجالس الشبيهة، وبين صفوف الناس، وذلك للحفاظ على استقلالية الجهاز الادراي والتنفيذي للدولة. وهذا ما اطلقت عليه عنوان: فصل المسار الاداري والتنفيذي للدولة عن المسار الحزبي.

وفيما اقدم هذا الاقتراح الى رئيس الوزراء المقبل وحكومته العتيدة، فاني اعلم ان الامر ينطوي على صعوبة بالغة، ولكن لابد من تحمل هذه الصعوبة، لان الحكومة الجديدة انما تشكلت بعد انتخابات مبكرة اجريت بهدف اصلاح الدولة، وانيطت مهمة الاصلاح، في جانبها التنفيذي، بالحكومة الجديدة، وعليها ان تتحمل اعباء هذه المهمة الجليلة.

الامنية السادسة

النظام التربوي الحضاري الحديث

ربما كانت هذه هي اهم امنياتي ونصائحي للحكومة الجديدة. وهي امنية-نصيحة سبق ان قدمتها الى الحكومات السابقة من  نوري المالكي ثم العبادي ثم عادل عبد المهدي وصولا الى مصطفى الكاظمي.

الدولة مسؤولة عن تنشئة اذفال وشباب المجتمع. وتتم هذه التنشئة في المدارس. وقد ادرك هذه المسألة قدماء المفكرين والفلاسفة ومحدثيهم، من افلاطون وارسطو، مرورا بغوستاف لوبون وجان جاك روسو، وغيرهم. ولهذا تبوأت المدرسة مكانا مرموقا في اهتمامات الدول من حمورابي الى الثورة الفرنسية وما بعدها. المدرسة هي اخطر مؤسسة في المجتمع، ووزارة التربية هي اهم وزارة في الدولة. ولهذا اتمنى من الحكومة الجديدة ان تولي هذا الموضوع اهمية قصوى وذلك بتبني المشروع الحضاري الحديث في مناهج وبرامج ومقررات المدارس، وتضع ستراتيجية تربوية متكاملة تمتد على مدى 12 سنة تستغرقها الدورة الدراسية عندنا في العراق، اي منذ المرحلة الابتدائية الاولى انتهاء بالمرحلة الثانوية السادسة.

وهدف المشروع التربوي الحضاري الحديث تنشئة اجيال من الطلبة تتوفر فيهم صفات وخصائص المواطن المتحضر الفعال. ويتمحور هذا المشروع حول منظومة القيم الحضارية العليا الحافة بالمركب الحضاري وعناصره الخمسة اي الانسان والارض والزمن والعلم والعمل، فضلا عن فكرة الدولة الحضارية بركائزها الاساسية اي المواطنة والديمقراطية والقانون والمؤسسات والعلم الحديث، واهدافها في الحرية والعدالة والمساواة والامن وتنمية الانتاج وحقوق الانسان وكرامته، واخيرا الحداثة، بما تعنيه من الانفتاح الحضاري والتفاعل الحضاري والعيش في العصر وامتلاك ادواته.

ولتحقيق ذلك، بل لضمان تحققه، اتمنى من الحكومة الجديدة ان تشكل المجلس الدائم للتربية والتعليم الذي يتولى وضع المناهج الدراسية الصفية واللاصفية والمقررات التي تجسد المشروع التربوي الحضاري الحديث. اي ان المجلس يقوم بتهيئة المحتوى المعرفي للمشروع، اي مقابل ال software ? فيما توفر وزارة التربية الجانب المادي للمشروع اي ال hardware? مع التمني في اخراج وزارة التربية من دائرة المحاصصة العرقية او المذهبية او الحزبية، وتكليف شخص مؤمن بالمشروع التربوي الحضاري الحديث وقادر على متابعته. اما المجلس الدائم للتربية فيتشكل من اعضاء متطوعين للعمل، على ان يتم تكوين الجهاز الاداري والتنفيذي للمجلس من موظفي وزارة التربية، على طريقة التنسيب. وبهذه الطريقة لن يكلف المجلسُ الدائمُ الدولةَ ايةَ تكاليف مالية اضافية.  وغني عن الذكر ان اللجنة المختصة في البرلمان عليها ان تنسق وتتعاون مع وزارة التربية والمجلس الدائم للتربية والتعليم من اجل توفير مستلزمات هذا المشروع على المستوى التشريعي والقانوني. وحسب علمي ان رئيسة لجنة التعليم النيابية غيداء كمبش السابقة، رحمها الله، دعت إلى  “تشكيل مجلس اعلى للتربية والتعليم لوضع خطط انية ومتوسطة وبعيدة المدى يسن له قانون تضمن لقراراته الديمومة بعيدا عن التغيرات والتجاذبات السياسية”. وهذه دعوة جيدة متوافقة مع هذه الامنية.

الامنية السابعة:

المشاريع الذكية الصغيرة

تنطلق هذه الامنية من عدة ظواهر غير صحية يعاني منها البلد، وهي:

الظاهرة الاولى: الارتفاع الكبير في نسبة البطالة بين الشباب من الجنسين.

الظاهرة الثانية: انخفاض انتاجية المجتمع وتحوله الى مجتمع استهلاكي مستورد بالدرجة الاولى.

الظاهرة الثالثة: انعدام التنسيق بين الجامعات وحاجة المجتمع من حيث قوة العمل، الامر الذي يزيد من حجم البطالة سنويا.

الظاهرة الرابعة: تضخم الجهاز الاداري للدولة بشكل يفوق حاجة الدولة الفعلية.

ازاء هذه الظواهر مجتمعة، فان البلد بحاجة الى “مشروع ذكي” قادر على حل هذه الظواهر بخطوة واحدة جبارة.

ويمكن في هذا المجال الاستفادة من الخبرة اليابانية في استقطاب اليد العاملة وزيادة انتاجية المجتمع عن طريق “المشاريع الانتاجية الصغيرة”، سواء كانت مشاريع زراعية او صناعية، وما يرتبط بها من مشاريع خدمية او تجارية او غيرها.

وفكرة المشاريع الانتاجية الصغيرة بسيطة وسهلة التنفيذ. وخلاصتها تشجيع الشباب (من 10 فما فوق) على تأسيس شركات صغيرة تقوم بمختلف الاعمال والنشاطات في المجتمع، ومساعدتهم على توفير الرأسمال المطلوب، عن طريق القروض الميسرة من المصرف الزراعي او الصناعي او غيرهما، وتقديم الخبرات الضرورية لهم، وتوفير البيئة القانونية لعملهم. ويمكن ان تتأسس الاف الشركات من هذا النوع القادرة على استيعاب الملايين من الشباب في مختلف الاختصاصات في اعمال انتاجية مختلفة مما يزيد من القدرة الانتاجية للمجتمع. وقد اطلقت اسم “المشاريع الذكية” لانها قادرة على تحقيق عدة اهداف في ان واحد وفي وقت سريع.

ولما كانت  هذه المشاريع الذكية ضمن نشاط القطاع الخاص، فيجب ان تقوم الدولة بما يلزم لتقوية القطاع الخاص وتعزيزه وخاصة فيما يتعلق بالضمانات التي يحتاج اليها العاملون فيه وخاصة فيما يتعلق بالحقوق التقاعدية.

وكانت وزارة التخطيط قد باشرت بخطوات اولى في هذا المجال، في عدد من المحافظات، واستبشر الشباب بذلك، لكن الحكومة الحالية اوقفت المشروع. وهذا من مشكلات الدولة العراقية، فما ان يأتي مسؤول جديد حتى يلغي ما قام به المسؤول السابق بحجة مكافحة الفساد وغيره، الامر الذي يؤدي الى خسارة المجتمع لخاصية المراكمة، وهي خاصية ضرورية لتحقيق التقدم.

لهذا كله اتمنى على الحكومة الجديدة ان تسرع في تبني فكرة “المشاريع الذكية/  الانتاجية الصغيرة”، وتوفير المال اللازم لتنفيذها بسرعة، وتسهيل الاجراءات الحكومية المتعلقة بها، ودعوة الشباب من الجنسين الى الانخراط في هذه المشاريع، وتوفير المحفزات التشجيعية التي يتطلبها هذا الامر. وافترض ان مجلس النواب، وبخاصة الوجوه الجديدة فيه، سوف يدعم تحرك الدولة بهذا الاتجاه، ويُسهم من جانبه بتشجيع الشباب للانخراط في المشاريع الذكية.

وارجو ان لا تكون حجة عدم توفر السيولة المالية ذريعة جوفاء لعدم الاخذ بهذه الفكرة المهمة.

الامنية الثامنة

تحسين الخدمات

الخدمات الجيدة هي من اهم معالم الدولة الحضارية الحديثة؛ بل ان هذه الدولة في تعريفها العام ليست دولة عقائد وايديولوجيات بقدر ما هي دولة خدمات. لا قيمة لقولنا ان هذه دولة اسلامية او علمانية او اشتراكية او رأسمالية الا بمقدار ما تقدمه من خدمات لمواطنيها. فالخدمات، كما يقول فؤاد بن غضبان، تستهدف “تحسين نوعية الحياة للفرد والمجتمع”. ويلاحظ مازن عبد الرحمن الهيتي في كتابه “جغرافيا الخدمات أسس ومفاهيم” ان الخدمات  تحظى  بأهمية كبيرة ومتميزة من قبل سكان المدن ويعود السبب في ذلك لتزايد حاجة الإنسان لتلك الخدمات وخاصة بعد التطور في مستوى التحضر الذي تعيشه المجموعات البشرية وتطور التقنيات والأساليب المستخدمة في تقديم وتوفير تلك الخدمات فضلا عن اختلاف وتباين مستويات أصنافها في المكان، ونتيجة لتسارع نمو المدن وتطورها وارتفاع مستويات التحضر الذي جعل أمر توفر الخدمات بأشكالها وأنواعها المتنوعة أمرا ضروريا وأساسيا بل أصبح توافرها من مقاييس ومعايير وسمات التحضر الذي تمر به الدول، والمهم في ذلك يجب أن تكون الخدمات بكفاءة وكفاية ونوعية وكمية كمعايير تطور حضاري وتكنولوجي على اعتبار أن المظهرين يرتبطان بأهمية وجودها.

والخدمات هي أنشطة تمارسها الدولة (قطاع حكومي) أو مؤسسات غير الدولة (قطاع خاص) لتوفير منافع معينة لإشباع حاجات ورغبات الناس وتوفير مستلزمات الحياة الأساسية في الكهرباء والصحة والتربية والسكن والطرق ومياه الشرب والصرف الصحي والحدائق العامة والترفيه عن النفس وبقية مفردات البنية التحتية للدولة. ونتذكر ان حكومة نوري المالكي حاولت تحقيق ذلك عن طريق مشروع “قانون البنى التحتية” لكن المماحكات السياسية اجهضت المشروع في مجلس النواب للاسف.

لقد صنفت مؤسسة “ميرسر” العالمية للاستشارات، العاصمة العراقية، بغداد، بالمركز الأخير كأسوأ مدينة للعيش في العالم. وليست بقية المدن العراقية، باستثناء مدن كردستان، بافضل حال من بغداد، ان لم تكن اسوأ.

لذا يتعين على الحكومة الجديدة ان تولي مسألة الخدمات اهمية قصوى لان المواطن الذي مازال يعاني من تردي الخدمات في العراق، وسوء نوعية الحياة في مدنه، لا يتطلع الى شيء اكثر من تطلعه الى تحسين نوعية حياته في مختلف المجالات.

وهذا يتطلب اولا ان تدرك الحكومة ان الخدمات اضحت علما يدرس في الجامعات تحت عنوان جغرافيا الخدمات، geography of services . وهذا يتطلب ان يكون وزراء الوزارات الخدمية وكبار موظفيها من الخبراء المختصين في مجالات هذا العلم المختلفة وليسوا مجرد ممثلين لاحزابهم. ويتطلب ثانيا وضع ستراتيحية طويلة الامد لتحسين نوعية الخدمات التي تقدمها الدولة، موازية ربما لستراتيجية النظام التربوي الحضاري الحديث، من اجل تحديث كل الخدمات التي تقدمها الدولة للمواطنين.

ويتطلب ثالثا توفير او تخصيص المال الكافي لتنفيذ هذه الستراتيجية طويلة الامد.

الامنية التاسعة:

مكافحة الفساد

الفساد ظاهرة اجتماعية تشمل المال العام والوظيفة العامة، و هو استغلال الوظيفة العامة لتحقيق منافع شخصية مثل الاثراء غير المشروع وغيره، و اساءة التصرف بالمال العام وسرقته.

لا جديد في حديثنا عن الفساد في العراق. فهذا امر مشهود معروف ملموس من قبل المواطنين قبل غيرهم. وتؤكد منظمة الشفافية العالمية هذا بقولها ان العراق يحتل المرتبة 160 من بين الـ 180 دولة في العالم.

وجاء في موقع ويكبييديا ما نصه:”يعتبر العراق من أعلى الدول في معدلات الفساد الإداري والمالي،[ وهو موجود بشكل ملحوظ في عدة مرافق إدارية في العراق، من القضاء،[ والوزارات الأمنية والخدمية، ويعتبر السياسيون الكبار في العراق الأوائل من ألذين تحاصرهم تهم الفساد، وبسبب ذلك يعتبر العراق مع عدة دول مثل أفغانستان و الصومال و اليمن و السودان و ليبيا من أكثر الدول في معدلات الفساد حسب إحصاء باروميتر للفساد.[بسبب الفساد الهائل في العراق، فإن هناك نقصا هائل في الخدمات وتدهور للبنى التحتية وتدهور للتنمية الصناعية والزراعية”.

و يكشف الفساد عن وجود خلل حاد جدا في منظومة القيم العليا الحافة بالمركب الحضاري للمجتمع والدولة. فالفساد في حقيقته يمثل ازمة قيمية عميقة في المجتمع. ويتركز هذا الخلل القيمي في منظومة القيم الفرعية المتعلقة بالانسان. فالانسان هو اساس الفساد او الصلاح في المجتمع. ويحمّل القران الكريم الناسَ مسؤولية الفساد: “ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُم بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ”.

والناس كلمة واسعة تشمل كل اعضاء المجتمع، من حكام ومحكومين، ومواطنين في مختلف مراتب الدولة والمجتمع. ولهذا قال الرسول: “كُلُّكُمْ راعٍ وكُلُّكُمْ مَسْئُولٌ عن رَعِيَّتِهِ، والأمِيرُ راعٍ، والرَّجُلُ راعٍ علَى أهْلِ بَيْتِهِ، والمَرْأَةُ راعِيَةٌ علَى بَيْتِ زَوْجِها ووَلَدِهِ، فَكُلُّكُمْ راعٍ وكُلُّكُمْ مَسْئُولٌ عن رَعِيَّتِهِ.”

وهذه النظرة الشمولية للفساد تشكل منطلق التفكير الصحيح لمعالجة ومكافحة الفساد. والعلاج يجب ان يكون شاملا ايضا يغطي كل المجالات ذات العلاقة بالفساد، بصورة مباشرة او غير مباشرة.

واتمنى على الحكومة الجديدة وبدعم من البرلمان والمجتمع ان تتخذ خطوات جادة، قريبة المدى وبعيدة المدى، وليست دعائية، من اجل مكافحة الفساد والحد منه ثم القضاء عليه.

ومن هذه الخطوات النظام التربوي الحديث الذي يتكفل بتنشئة الاطفال على الصلاح والاخلاص والحرص على المال ورفض الفساد بكافة اشكاله.

ومنها التخلص من نظام المحاصصة السياسية والطائفية والحزبية الذي ثبت انه  البيئة التي تنمو فيها جراثيم الفساد وتتكاثر.

ومنها ما يذكره أستاذ العلوم السياسية عصام الفيلي وهو “وجود قاعدة تشريعات رصينة والاستعانة بمؤسسات مالية عالمية تستطيع متابعة حركة المال في البلاد، تمثل الأسس الرئيسة لمعالجة الفساد، إلا أنها لا تزال غائبة عن المشهد العراقي”.

ومنها تبسيط الاجراءات الحكومية وتسهيلها واختزالها والحد من احتكاك المواطن بالموظفين الامر الذي يساعد على سد احد اوسع ابواب الرشوة والفساد الاداري.

ومنها اعادة مكاتب المفتش العام في الوزارات ومؤسسات الدولة والغاء قرار مجلس النواب السابق بحذفها.

واخيرا محاربة الفساد عن طريق اجهزة بعيدة عن المؤثرات الحكومية او الحزبية او السياسية.

الامنية العاشرة

حماية شبكة الاعلام

حين جعلت شبكة الاعلام موضوع الامنية العاشرة لم يكن يدور بخلدي ان الشبكة سوف تشهد تطورات دراماتيكية قبيل كتابة هذه المادة. ولكن هذا ما حصل. فقد قرر مجلس الامناء انهاء تكليف نبيل جاسم لرئاسة الشبكة، الذي هرول بدوره الى محكمة القضاء الاداري ليأخذ منها في نفس اليوم امرا ولائيا بايقاف تنفيذ قرار مجلس الامناء، فيما رد رئيس الوزراء على مجلس الامناء بتكليف الدائرة القانونية في الأمانة العامة لمجلس الوزراء بإعداد مشروع قانون لتعديل قانون شبكة الإعلام العراقي النافذ، وبما يتضمن إلغاء مجلس الأمناء في الشبكة، وإعادة تنظيم بنيتها الإدارية. وهكذا تحول ما بدأ كاشكال بين مجلس الامناء ورئيس الشبكة الى نزاع وتحدي بين مجلس الامناء ورئيس الوزراء. وقد كشفت خطوة رئيس الوزراء عن نزعة عدوانية وهجومية وتدخل سافر في شؤون شبكة الاعلام العراقي بهدف السيطرة عليها، وتسخيرها لمآرب واهداف رئيس الوزراء.

اثرت هذه التطورات على مخطط كتابة هذا المقال. فاذا تولى الكاظمي رئاسة الحكومة الجديدة فليس عندي امنية اقدمها له، لاني يائس منه بعد ان تم انكشاف نواياه ليس فقط ازاء الشبكة، وانما ازاء العراق كله. فالرجل، رغم امكانياته الثقافية والعلمية والسياسية والقيادية المتواضعة جدا، يبدو انه عازم على السير في الطريق الذي سار فيه صدام حسين وانتهى الى اقامة دكتاتورية فردية مطلقة وعبادة للشخصية تنافس الله. هذا مع يقيني انه لن يستطيع تحقيق ذلك.

انما انا اتوجه بالامنية-النصيحة الى حكومة لا يرأسها الكاظمي او من هو على شاكلته بخصوص شبكة الاعلام، وعلى النحو التالي:

اولا، ان تدرك الحكومة الجديدة الفرق بين اعلام دولة واعلام الحكومة، وان تعرف ان شبكة الاعلام تندرج ضمن عنوان اعلام الدولة، او ما يعرف باسم البث العام، وليست ضمن اعلام الحكومة، ولا الناطقة باسم الحكومة، ولا خاضعة لسلطة الحكومة، وان علاقة رئيس الوزراء بالشبكة لا تمر من خلال المادة 78 من الدستور، التي تقول:”رئيس مجلس الوزراء هو المسؤول التنفيذي المباشر عن السياسة العامة للدولة، والقائد العام للقوات المسلحة، يقوم بادارة مجلس الوزراء، ويترأس اجتماعاته، وله الحق باقالة الوزراء، بموافقة مجلس النواب”، وانما من خلال القانون رقم    26 لسنة 2015 الذي ينص على استقلالية الشبكة.

ثانيا، ان تحرص الحكومة على ابعاد الشبكة عن المحاصصة الحزبية او العرقية او المذهبية، خاصة على مستوى اختيار رئيسها او تعيين اعضاء مجلس الامناء او تغطياتها الخبرية.

ثالثا،  ان تدرك الحكومة ان الشبكة تتمتع بالاستقلالية  بمعنى “القدرة المالية والتحريرية والادارية على ممارسة العمل، بما ينسجم ويتناسب مع خصوصية العمل الاعلامي، وبدون الخضوع للمؤثرات الخارجية أو النوازع الذاتية أو الانحيازات الشخصية، وبشكل محايد.”. وبناء على هذا يجب على الحكومة ان تتوقف عن التدخل بشؤون الشبكة.

رابعا، ولما كانت الشبكة احدى مؤسسات الدولة، ولما كانت الحكومة مسؤولة عن الدولة، فان عليها ان تقدم الدعم المالي والتقني والقانوني اللازم للشبكة، بدون ان تتخذ من هذا المال وسيلة للضغط على الشبكة.

خامسا، ولما كانت الشبكة احدى مؤسسات الدولة، ولما كانت الحكومة احدى مؤسسات الدولة الاكثر اهمية ودورا في الدولة والمجتمع، فان على الشبكة ان تغطي اخبار الحكومة بشكل منصف وعادل، وتوصل صوتها الى الجمهور بشكل امين، استنادا الى نص قانون الشبكة الذي يقول: “اعلام الجمهور بالتطورات السياسية والاجتماعية والثقافية والصحية والرياضية والدينية وغيرها بمهنية ومصداقية وحياد وموضوعية.” الشبكة ليست معارضة للحكومة ولا مناوئة لها.

سادسا، ان تدرك الحكومة ان “مجلس الامناء” هو المؤسسة الاهم داخل الشبكة والمسؤول عن حماية الشبكة من كل اشكال التدخلات وفي مقدمتها تدخلات الحكومة، بموجب قانون الشبكة الذي ينص على ان “مجلس الامناء: هو المجلس المسؤول عن رسم السياسات العامة في الشبكة ومراقبة عملها والحفاظ على استقلاليتها بما يضمن تحقيق الاهداف المحددة بهذا القانون ويعبر عن مصالح الشعب ويعمل حاجزا يفصل ما بين الشبكة ومصادر الضغط الخارجية.” وان حله يمثل خطوة كبيرة الى الوراء.

الخاتمة

مسؤولية الحكومة الجديدة

قلت في المقدمة ان الانتخابات، في الفكر السياسي الديمقراطي، هي الية لتداول السلطة سلميا في المجتمع. ومن هنا جاء تعريف الديمقراطية بانها “منظومة اليات محايدة لتداول السلطة سلميا ودوريا عن طريق الانتخابات”.

وهي مباراة تنافسية سياسية ودية وليست معركة بين اعداء وخصوم وليس الفوز فيها انتصار بالمعنى العسكري.

وموضوع هذه المباراة هو خدمة الانسان، او المواطن. “وَفِي ذَ?لِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ”.

ذلك ان تعريف السياسة عندنا هي: رعاية شؤون الناس.

ومن اجل تحسين الاداء الديمقراطي الخدمة للحكومة، اقدم في هذه السلسلة من المقالات مجموعة امنيات لي كمواطن، وربما تكون نصائح، ارجو ممن سوف يتولى تشكيل الحكومة نيابة عن الشعب الاخذ بها وتنفيذها.

وفي ذروة التظاهرات الاحتجاجية التي شهدها عامر2019 قالت المرجعية الدينية العليا في خطبة يوم الجمعة في 20 كانون الاول 2019ما نصه:

“واذا تمّ إقرار قانون الانتخابات على الوجه المقبول يأتي الدور للنخب الفكرية والكفاءات الوطنية الراغبة في العمل السياسي لتنظم صفوفها وتعد برامجها للنهوض بالبلد وحلّ مشاكله المتفاقمة في إطار خطط عملية مدروسة، لكي تكون على إستعداد لعرضها على الناخبين في أوان الانتخابات، ويتم التثقيف على التنافس فيها لا على أساس الانتماءات المناطقية او العشائرية أو المذهبية للمرشحين بل بالنظر الى ما يتصفون به من كفاءة ومؤهلات وما لديهم من برامج قابلة للتطبيق للعبور بالبلد الى مستقبل أفضل، على أمل أن يقوم مجلس النواب القادم والحكومة المنبثقة منه بالدور المطلوب منهما في إجراء الإصلاحات الضرورية للخلاص من تبعات الفساد والمحاصصة وغياب العدالة الاجتماعية في المدة السابقة.”

بعد حوالي سنتين من هذا الخطاب، يمكن ان نقدم جرد حساب بما حصل وبما لم يحصل. تم تشريع قانون مشوه وهجين للانتخاب الفردي، وتم اجراء انتخابات تشوبها الشبهات. لكن لم توحد النخب الفكرية والكفاءات الوطنية لا جهودها ولا رؤيتها، ولهذا لم تستطع خوض الانتخابات كقوة موحدة كبيرة، ولم تستطع ان تحدث نقلة كبيرة في الانتخابات. لكن هذا ليس مدعاة لليأس، وانما دعوة الى مواصلة العمل في السنوات المقبلة بحسب النصيحة التي قدمتها المرجعية حتى يحصل التغيير المطلوب والمأمول ان شاء الله.

ويلاحظ ان المرجعية الدينية احالت تنفيذ البرنامج الاصلاحي الى مجلس النواب ومجلس الوزراء الجديدين، وكان هذا تعديلا مهما على شعارات ومطاليب المتظاهرين انذاك الذين كانوا يطالبون الحكومة انذاك باجراء الاصلاحات المطلوبة، وكان هذا خطأ في ترتيب الاولويات.

وقد اختصرتُ في هذه المقالات الاصلاحات المطلوب اجراؤها والقيام بها من قبل البرلمان والحكومة الجديدين وهي:

اولا، العمل وفق رؤية الدولة الحضارية الحديثة

ثانيا، تشكيل حكومة الاغلبية السياسية

ثالثا، عدم استيزار النواب

رابعا، التخلص التدريجي من المحاصصة

خامسا، فصل المسارين التنفيذي والحزبي للدولة

سادسا، النظام التربوي الحديث

سابعا، دعم المشاريع الذكية الصغيرة

ثامنا، تحسين الخدمات

تاسعا، مكافحة الفساد

عاشرا، حماية استقلالية شبكة الاعلام

ليس هذا كل ما اتمناه كمواطن عراقي، لكني ذكرت هذه النقاط حصريا لثقتي بامكانية تنفيذها دون الحاجة الى تعديل الدستور، او تخصيص اموال طائلة، او اللجوء الى اجراءات استثنائية. انها نقاط ممكنة التنفيذ في ظل الوضع الراهن ولا تتطلب تغييرا جذريا فيه.

لكن لا يفوتني في الختام ان اعبر عن امنية او نصيحة الى مجلس النواب وهي ان يُسرع الخطى بتشريع قانون جديد للاحزاب يضع من بين اهدافه تقليل عدد الاحزاب الى ادنى درجة على ان يكون احدها حزبا كبيرا بالقياسات التي اقترحتها في مناسبة اخرى.

كما ادعو مجلس النواب الى تنقية قانون الانتخاب وتصفيته من الشوائب التي الحقها به مجلس النواب السابق لتكون الانتخابات القادمة انتخابات فردية شكلا ومضمونا.

انتهى



Most Read

2024-09-22 05:06:42