فاتح عبدالسلام
اللجوء الى حرق مقر حزب سياسي أو مبنى قناة فضائية أو مؤسسة إعلامية أو سفارة، بسبب أي موقف طارئ ومقحم، يجري تفسيره بشكل انفرادي كما يهوى ذوو الأغراض الخاصة، انما هي عمليات تقوض تدريجيا السلم الاجتماعي والتعايش بين أبناء المجتمع والعلاقات مع العالم أيضاً.
الحزب الديمقراطي الكردستاني، له مقر واحد في بغداد، لم تتحمل وجوده الرمزي أحزاب كثيرة قضت شطراً كبيراً من تاريخها في رحاب إقليم كردستان العراق في زمن النظام السابق، وكان السياسيون الكرد يعاونونها ويساندونها كون الإقليم الأرض العراقية الوحيدة التي يقفون ويتحركون فوقها في ذلك الوقت .
حرق مقر هذا الحزب الكردي وإلصاق تهمة الإساءة لمقامات دينية به، وهو بريء منها ومستنكر لها أصلاً وليست من ادبياته الفكرية او مواقفه العامة، عمل سياسي بامتياز، وعقاب افتراضي من جهة ما في العراق تقترب الى حد كبير في نهجها، من هدف القصف الإيراني على أربيل قبل أسابيع.
لغة استباحة المقار والمباني وحرقها غريبة على اخلاق العراقيين ومسارات تفكيرهم، التي كانت سائدة في عقود ماضية، ولم تحدث الا عند غياب السلطة في مدن جنوب العراق اعقاب الانسحاب من الكويت في الحرب الامريكية الأولى على العراق العام ١٩٩١.
الحرق والتدمير والاغتيال والتكسير والتفجير والقصف، لها اثار مدمرة لأنها قد تقود في يوم ما وتحت أي ظرف الى ردود مماثلة، وعندها ينهار السلم الاجتماعي، ولا يكون لأحد مستقر على هذه الأرض.
هناك أزمات في الأفق العراقي، تلوح ولا يمكن تجنبها، اذا استمر التعاطي السياسي المتدني مع قضايا دستورية تقتضي في الاصل الارتفاع والسمو ازاءها.
الحزب الكردي الذي أصبح مقره في بغداد هدفا للحرق، السياسي، طبعا تحت حجج واهية، قام بهدم المقر، لكي لا يكون هناك أيّ هدف بارز يجتمع أصحاب النيات السيئة للتنفيس عن أحقاد سياسية وربما شخصية، من خلال تصرفات لا تليق إلا بالضعفاء.
اغلبية القوى السياسية، حتى الحليفة منها مع الحزب الكردي، “غلّست”، ولم تقف وقفة تصدٍ حقيقية لمنع استهداف مقر حزبي لا علاقة له بما أرادوا عنوة الصاقه به.
ليسأل سدنة العملية السياسية والمدافعون عنها والرافلون في نعيم امتيازاتها الحصرية لهم، أنفسهم مرةً واحدةً عن أسباب عجز تلك العملية البائسة بعد تسع عشرة سنة على قيامها في تأسيس مواثيق شرف تحفظ سياقات الحياة الحزبية بشخوصها ورموزها ومقارها ومؤسساتها، وتعدها من الخطوط الحُمر في السلم العام للمجتمع؟
رئيس التحرير-الطبعة الدولية
fatihabdulsalam@hotmail.com
2024-09-22 07:57:43