Breaking News >> News >> Azzaman


الشرق الأوسط وشمال أفريقيا وسيناريوهات التغيّر الجيوسياسي – عماد علو


Link [2022-03-27 02:14:26]



الحرب الروسية الأوكرانية

الشرق الأوسط وشمال أفريقيا وسيناريوهات التغيّر الجيوسياسي – عماد علو

مدخل

لا يزال شكل التغيرات الجيوسياسية الناجمة عن الحرب الروسية الأوكرانية غير واضحة بشكل يمكن معه رسم ملامح النظام العالمي الجديد الذي سيتبلور في ضوء نتائج وتبعات وتداعيات هذا الصدام العسكري واسع النطاق في القارة الاوربية، إذ لن تقف تبعاته ونتائجه الجيوسياسية عند القارة الأوروبية فقط، وإنما ستتعدى الى منطقة الشرق الأوسط وشمال افريقيا المناطق الحيوية الأقرب لتلك التغيرات الجيوسياسية، على المدى القريب والبعيد كذلك ، وستكشف عن تحالفات (جيوستراتيجية) جديدة، وتفاقم انعدام الأمن الغذائي، وتهدد بإشعال مواجهات عسكرية جديدة خصوصا” في الساحة السورية وكذلك في شمال افريقيا(ليبيا، المغرب والجزائر)، وذلك في حال استمرت المواجهة بين روسيا ومعظم أنحاء العالم لفترة طويلة، كما يبدو مرجحاً، فقد تكون الآثار الأكثر خطورة على المدى الطويل بدلاً من المدى القصير.

ومن الجدير الإشارة الى أن حلفاء وشركاء الولايات المتحدة الرئيسيين في المنطقة لم يبدو أي تأييد واضح لمواقف الولايات المتحدة والناتو إزاء الغزو الروسي لأوكرانيا ، في حين أعلنت سوريا وايران تأييدهما للموقف الروسي ، والسبب في ذلك أن دول الخليج وبعض الدول العربية الأخرى ترى، أن روسيا حليف مهم في إنتاج الطاقة، ومصدر محتمل للأسلحة والاستثمار والسلع الأخرى؛ حيث عبَّرت تلك الدول عن قلقها؛ لكنها تجنبت إلقاء اللوم على روسيا مباشرة.

مجال حيوي

يعتبر الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أن انهيار الاتحاد السوفيتي كان أسوأ كارثة جيوسياسية في القرن العشرين. حيث تقلص بل فقدت روسيا معظم مجالها الحيوي لصالح حلف شمال الأطلسي (الناتو)، خصوصا” بعد أن انضمت بحلول عام 2020 كل دول شرق اوربا التي كانت ضمن المنظومة الاشتراكية لحلف الناتو وهي كل من بلغاريا واستونيا ولاتفيا وليتوانيا ورومانيا وسلوفاكيا وسلوفينيا وألبانيا وكرواتيا والجبل الأسود ومقدونيا الشمالية. وتبلور اتجاه واضح من حلف الناتو بدفع ودعم امريكي لضم كلٍ من جورجيا وأوكرانيا، الى حلف الناتو! الامر الذي اعتبرته روسيا الاتحادية تهديدا” لأمنها القومي باعتبارهما ما تبقى من المجال الحيوي لروسيا الاتحادية فكانت الحرب في جورجيا عام 2008 لإحباط مشروع ضمها للناتو، وحالياً فان الهدف الاستراتيجي من الحرب في أوكرانيا هو لإفشال مشروع ضمها الى الناتو أيضا”.

تغير جيوسياسي

لا شك أن العالم يعيش منذ 24 شباط/فبراير 2022 لحظة تاريخية حاسمة في اطار تحولات وتغيرات جيوسياسية مهمة وكبيرة. فالعالم قبل 24 شباط /فبراير 2022 لم يعد هو نفسه بعد ذلك التاريخ فالولايات الأمريكية لم تعد اللاعب الوحيد على الساحة الدولية، وهذه اللحظة التاريخي تؤشر ذهاب القوى الكبرى المنافسة للولايات المتحدة لاستخدام القوة العسكرية لتحل مكان الولايات المتحدة، ولكن هذا لا يعني توقع انهيار واشنطن، وإنما تراجع هيمنتها الدولية، وظهور أقطاب أخرى تلعب على الساحة الدولية”. واستنادا” لذلك فان ابرز سيناريوهات التغير الجيوسياسي ما يلي:

قواعد اشتباك جديدة: ان التقدم العسكري الروسي في الأراضي الأوكرانية سيعني تحريك موسكو لخطوطها الدفاعية لتكون على حدود التماس المباشرة مع حلف الناتو، وهو ما يعنى أن الطرفين سينتقلان إلى قواعد اشتباك جديدة، ليس فقط في اوربا وانما قد يصار الى قواعد اشتباك جديدة في مناطق الاحتكاك في الشرق الأوسط وشمال افريقيا حيث تتواجد قوات الطرفين بالقرب بعضها من البعض الاخر. كل ذلك سيعني إعادة نظر موسكو وحلف الناتو بحجم الانتشار العسكري في مناطق الاحتكاك خارج الساحة الاوربية في اطار توازن قوى عسكري جديد، مما سيزيد من سباق التسلح بسبب الحاجة الى بنية عسكرية كبيرة في المدى المنظور، الأمر الذى سيزيد التوترات العسكرية تعقيداً أكثر مما هي عليه الان.

تراجع امدادات الطاقة: سيناريو الازمة في امدادات الطاقة (النفط والغاز)، تبلور بشكل واضح من خلال القفزة الكبيرة في أسعار النفط فوق 100  دولار للبرميل، للمرة الأولى منذ عام 2014 بعد الغزو، وبالنسبة للدول المصدرة للنفط في الشرق الأوسط وشمال افريقيا، ستوفر الأسعار المرتفعة تخفيفاً مرحباً به بالميزانية على المدى القصير، الا أنه على المدى الطويل، قد يؤدي ارتفاع أسعار النفط المستدام إلى تسريع انتقال الطاقة التقليدية إلى الجديدة، أو المعروفة بـالنظيفة وذلك من خلال جعل مصادر الطاقة المتجددة والكهرباء أكثر جاذبية من الناحية الاقتصادية

ازمة الامن الغذائي: ان سيناريو الامن الغذائي في اوربا سيمتد تأثيره الى منطقة الشرق الأوسط وشمال افريقيا وذلك لان منطقة الحرب بين روسيا وأوكرانيا مصدرا” لرُبع الصادرات العالمية من القمح والمنتجات الزراعية الاستراتيجية الأخرى، فقد ارتفعت العقود الآجلة للقمح في باريس بنسبة 16 بالمئة منذ اندلاع الحرب في 24 شباط/فبراير، بالإضافة إلى ذلك، قطعت روسيا صادراتها من سماد نترات الأمونيوم، وكذلك عديد من البلدان في الشرق الأوسط معرضة بشكل خاص لارتفاع الأسعار وتعطل الإمدادات. ومن الجدير بالذكر أن دول في الشرق الأوسط وشمال افريقيا مثل لبنان التي تستورد 60 بالمئة من احتياجاتها الغذائية من أوكرانيا، ومصر التي تعد أكبر مستورد للقمح في العالم وكذلك سوريا وليبيا واليمن والجزائر تعتمد بشكل كبير على القمح الاوكراني والروسي، ان علامات نقص الإمدادات الى منطقة الشرق الأوسط وشمال افريقيا باتت واضحة بالفعل، وربما تظهر خلال الأشهر القادمة، خصوصا” مع الزيادات في الأسعار واستمرار موجات الجفاف الشديدة. التوازن العسكري في الشرق الأوسط وشمال افريقيا: استمرار الحرب في أوكرانيا سينعكس بشكل كبير على قدرة روسيا ادامة انتشارها العسكري في مناطق الصراع الساخنة في منطقة الشرق الأوسط وشمال افريقيا. فعلى الساحة السورية فان أي تغيير في الجهد والانتشار العسكري الروسي سيترك فراغاً ستملأه القوات الإيرانية، والفصائل المسلحة الموالية لها مما سيصعد من حدة التوترات مرة أخرى ولن تقف إسرائيل مكتوفة الايدي، ازاء أي خلل في التوازن العسكري الهش الذي كان متفق عليه مع الروس في الساحة السورية. خصوصا” اذا ما استخدمت روسيا حق النقض الفيتو ضد السعي الغربي لتمديد عمليات الأمم المتحدة الإنسانية عبر الحدود، في المناطق التي تسيطر عليها المعارضة السورية في شمال غربي سوريا. كما أن وجود القوات الامريكية والتركية والفرنسية في سوريا مع استمرار وجود عسكري روسي وايراني مؤيد له، سيتطلب إطارا” جديدا” لقواعد الاشتباك في ضوء تدهور العلاقة ما بين موسكو والناتو. اما على الساحة الليبية فان أي تغيير في حجم انتشار قوات شركة فاغنر الروسية سيدفع الى تعزيز التدخل العسكري التركي والمصري في رسم المشهد الأمني والعسكري في ليبيا، مما سيصعد من حدة التوترات بين الفرقاء السياسيين في ليبيا باتجاه العودة الى الصراع المسلح لفرض الارادات. وبشكل عام فان توتر العلاقات بين روسا والغرب سيؤدي الى زيادة تهديد الهجرة غير النظامية من الشمال الافريقي الى أوروبا، كما قد ينعكس ذلك أيضا” على المفاوضات الدولية بشأن الملف النووي الإيراني.

استنتاجات نهائية

مع استمرار العمليات العسكرية في أوكرانيا فانه من الواضح أن العالم اليوم إزاء تبلور نظام عالمي جديد وخصوصا” في اوربا التي تعيد ترتيب أوراق ملف الامن والاستقرار الذي كان سائدا” منذ نهاية الحرب العالمية الثانية (1939-1945) الا انه من الواضح أننا سنشهد خريطة جديدة للتحالفات الدولية والإقليمية، في وقت انهارت فيه مكانة الولايات المتحدة الامريكية، كقوة عظمى وحيدة في العالم. كما ستسهم نتائج الحرب الروسية الأوكرانية في صعود الصين كقوةً فاعلة سياسيا على المسرح الدولي. وقد أدت الحرب الروسية الأوكرانية بشكل واضح الى عودة كل من ألمانيا واليابان، الى سباق التسلح وتعزيز قراتهما العسكرية ومما سيؤدي ذلك إلى تغيرات في موازين القوى العالمية. كل ذلك سيكون له تداعيات وانعكاسات مختلفة على منطقة الشرق الأوسط وشمال افريقيا.

{ لواء ركن متقاعد

{ مدير مركز الاعتماد للدراسات الأمنية والاستراتيجية



Most Read

2024-09-22 11:52:38