فاتح عبدالسلام
استوردت قوى وأحزاب كثيرة أسوأ البضائع السياسية من الخارج من اجل تسويقها في البرلمان العراقي وترسيخها في الحياة العامة، بعد ان نفدت الألعاب التي اتقنوها ما قبل احتلال العراق وزاولوها الى حد الاستهلاك بعده من خلال سدة الحكم ببغداد، ورأيناهم منذ شهرين يروجون لمصطلح الثلث المُعطل من اجل إعاقة استحقاقات دستورية أو لأسباب أخرى. ويبدو انّ هذا المنتوج المستورد جاءنا جاهزا من التجربة اللبنانية التي تعيش اختناقات تنعكس منذ سنوات عديدة على حياة الشعب هناك، وتضعه امام مستقبل مجهول.
وما كان العراق تنقصه اعاقات وتشوههات جديدة في وضعه السياسي لكي يلجأ الى النهل من تجربة مريرة يعاني اللبنانيون انفسهم من سوئها.
تجربة المعارضة السياسية في البرلمان أو خارجه لم تولد في العراق برغم مرور تسع عشرة سنة على تغيير سياسي كان عنوانه الأساس المتقاطع مع النظام السابق انه لم يكن مسموحا لقيام معارضة سياسية. ما الاختلاف اليوم إذا كان الجميع يريدون تصدر المشهد كسلطة بغض النظر عن نتائج الانتخابات التي صدعوا رؤوس العراقيين بها ؟
حين تترسخ تقاليد معارضة سياسية بعد اصلاح سياسي اشمل بروح وطنية خالية من العقد الذاتية والعمالة للخارج، فإنّ من حق أي أسلوب او أداة سياسية او برلمانية ان يتم استخدامها مثل تعطيل إقرار قوانين واعاقة برامج سياسية استنادا الى تبريرات وطنية أولاً وآخراً .
الوضع السياسي نفسه، بهذه العقليات الانطوائية الساذجة، يعاني عوقا واضحا، ومن الصعب ان يشفى الا بعمليات جراحية دقيقة.
كان العراقيون يأملون بعد تضحيات انتفاضة تشرين المقدسة ان تعي العقليات المتحجرة خطورة وضع البلد بعد التدهور المتناسل سنة بعد أخرى، وان تتراجع عن أدوار سيئة سبق ان قادت البلاد الى المهالك.
المسألة ليست في اختيار رئيس جمهورية او رئيس حكومة، المسألة اعمق كثيرا لأنها تتصل ببنيوية النظام السياسي المنخور بالفساد، وهنا الفساد ليس سرقة أموال النفط والضرائب والجمارك والاتاوات والمشاريع، ولكن في بيع مستقبل الأجيال لمن قرّر في الخارج ان يبقى العراق حديقة خلفية.
رئيس التحرير-الطبعة الدولية
fatihabdulsalam@hotmail.com
2024-09-22 13:19:47