Breaking News >> News >> Azzaman


كتاب أمير دوشي (أحتضان اللهب )


Link [2022-03-26 01:39:09]



كتاب أمير دوشي (أحتضان اللهب )

على هامش مهرجان الحبوبي السادس في الناصرية

نعيم عبد مهلهل

يضع الكاتب والمترجم امير دوشي كتابا مهما في وقت قياسي بعنوان ( احتضان اللهب ) والصادر عن دار نشر السومري للطباعة والتوزيع في بغداد تخليدا لرجل عالم وأثاري ووزير وعاشق لتراث بلاده الحضاري واهمه ما ينتشر على خارطة بلاد سومر الدكتور (عبد الأمير الحمداني ) وطوال مسافات المودة والتحليق في تلك الأيقونة المحبة التي جعلها امير دوشي كتابا تشعر انه يتمنى ان يستيقظ الحمداني من رقاده الصعب على فراش المرض ليتأمل سردا باهرا لأيام صعبة وذكريات ممتعة ومحنة لذيذة تشاركا بها في رسالة عظيمة عنوانها الحفاظ على التراث الإنساني والاثاري لما تركه اهل سومر في امكنه سلالاتهم في اور واريدو والوركاء وتلو وايشانات الأهوار وتل العبيد ولارسا وباقي الأمكنة الأخرى.

كتب امير دوشي كتابه في فصول اربع (( النهب – حرق الكتب – التنقيب – التراث الرافديني والأخر ) بعد ان مهد لهما بقصيدة كتبها الشاعر العراقي الكبير شوقي عبد الأمير وقد اهدها وقتها الى صديقه الدكتور عبد الأمير الحمداني .

وكعادته يكتب شوقي عبد الأمير أثراء لغويا ومكانيا وإنشاديا للذات الأثرية في روح الحمداني ويربطها بوقائع أزمنة المكان واثره البهيج عن حافة أسوار مدن الطين والزقورات ، فتكون القصيدة ضربا من المدائح الإنسانية العميقة وقد زخرفتها لغة التراتيل القادمة من روح الشاعر السقشخي ، نسبة الى مدينة ( سوق الشيوخ ) حيث ولادة الشاعر والمقيم الآن في ازل باريس ونهر السين والتي مع رقة وإحساس وفخامة هذا النص  لترتدي ثياب الكاهن السومري :

(( السلالمُ التي ترتقيها اليومَ

بُنيتْ أُولى درجاتها قبل آلاف الأعوام

الصوتُ الذي تتهجاهُ

أسمع أصداءه في حنجرة الوقت

الصلصالُ الذي تنهمكُ في تشريح جُثّته

لم تنطفئ تلك النار

التي خرج منها..))

ومتى هبطت دمعة الكتابة في وجدان امير دوشي وضع التمهيد ليجعل طرق الكتاب سالكة وهو يشعر قارئه ان المقاربة بين جلجامش وخله انكيدو قد تبان بين أروقة تلك الفصول الأربعة وهي ذاتها فصول العام السومري والبابلي والآشوري وكل حضارات الأرض.

بعد قصيدة شوقي يمهد الكاتب امير دوشي لأزمنة الظلال المرافقة للحياة العلمية والوظيفية لصديقه الدكتور عبد الأمير الحمداني ، يؤرخها بأزمنة وتواريخ يعتبرها انها كانت جدية ونقطة تحول بعد الغزو الأمريكي للعراق في 2003.

تلك التواريخ التي حملت عنوانا لمفردة قاسية وبريريه تصاحب دوما هاجس الغزو والحرب والاستحواذ ( النهب ) حيث يبتدأ دوشي فصله الاول من الكتاب بلغة طبوغرافية توثيقية وتاريخية يسجل فيها تفاصيل يوميات صديقه الأزلي عبد الأمير الحمداني ، وفي تلك المشاهد الأرشيفية والتوثيقية تبرز قيمة الشهادة لما جرى وحدث لآثار العراق بعد الغزو . حيث يسجل الكاتب وقائع تلك الأيام والتي كنت أنا قريبا منها واحظى ببعض من يومياتها وعلي ان أقارن صدق ما يوثقه امير دوشي مع الكم الهائل من الإنجاز في ظروف كان فيها الموت الشبح الذي يطارد الكاتب حين تعرض للاختطاف فيما تعرض الحمداني للسجن بتهمة ملفقة اخرج منها بريئا بعد ان تم اكتشافها على انها تهمة كيدية ، فيما خرج صديقه امير دوشي من محنة الاختطاف ليبدأ في اليوم الثاني بمعاونة صديقه الحمداني في الترحال الى مواقع الأثر والسعي للحفاظ عليها كما يؤشرها دوشي في شهادته عن صديقه :

رحلة جديدة

((في اليوم التالي لأطلاق سراحي , زارني الأستاذ الحمداني , للترتيب لرحلة جديدة للمواقع الاثارية المهوبة ,واخبرني انه بصدد القيام بتنقيبات  إنقاذيه, في موقع تل اللحم ,  20 كم جنوب الناصرية. قبل ان يغادر بيتي دس في يدي  رسالة من اخيه د عبد الباري الحمداني , أستاذ علم النفس في جامعة ذي قار, جاء فيها :

(( أخي الأستاذ والأديب أمير دوشي

أهنئكم بسلامة العودة الى البيت  فما جرى وسام  شرف لمسيرتكم الوطنية والثقافية والشخصية.

وأتمنى عليكم  ان تواجه الخوف و تتحداه , فكما تعلم ان بعد الصدمة و تجربة الموت التي عاشتها لابد لكم ان تعيشوا الحياة كما كانت و ان تبعد  عن ذكريات التجربة التي مررت بها , رغم علمي ان  ذلك صعبا في البداية. أشجعكم وادعوكم الى  الحديث عن التجربة للآخرين و كأنها حدثت لفرد أخر غيركم , وان تتجنب البقاء لوحدكم  لفترة طويلة. والأفضل ان تعود الى عملكم  في حماية الآثار  فذلك سيزيد من أيمانكم برسالتكم خصوصا لما تمتلكه من قدرة على تفسير ما تعرضت له برؤية المفكر و الفيلسوف وبلاغة الأديب.

مفارقة الإحساس ورقته تظهر في بلاغة الروح الشعرية يدون بها امير دوشي اللحظات الصعبة في حياته والتي تعلم فيها من رفيقه في الأسر الصحفي كان ،وتلك المرانات كانت بشكلها الروحي تمثل تجاوزا للمكان ورهبة الموت فيه ولمدة عشرة ايام .))

وما يسرده امير دوشي في تلك اللحظات الصعبة يضعنا أمام شجاعة في التركيز وتحمل المهمة في وطنتيها وإنسانيتها ، ويرينا أنه يعيش في اللحظة الصافية من قيمة ما يفعله من اجل الحفاظ على تراث بلاده وقد سقط بيده وعرف ان بسبب الفوضى التي أتى بها المحتل وتعمد فيها صارت مدن الأثر عرضة لمعاول اللصوص والسراق والجهلة .

تلك المرانات الروحية هي من بعض شاعرية اللغة في الكتاب والتي تثبت لنا مهارة امير دوشي في جعل مدونته سردياً شعريا لمصائب حبه لمهنة الأثر ورؤى البوح الجمالي القادمة من تماثيل ملوك سومر .

ممارسة روحية

فكانت تلك المشاعر ( حين كان مخطوفا ) تتلذذ ببهجة توقع النهاية ،أما موتا او انفراجا وفي النهايتين عليه ان يتعلم المران الروحي ويستلذ به :

قال صاحبي ، في اليوم الثاني للحجز ، سأعلمكَ شيئا ، ممارسة روحية ، أعلمك اليوغا . وهي إحدى مبادئ فلسفة الدين الهندية وتتطلب نظاما ذهنيا وجسديا مركز ، كوسيلة للوصول إلى الوحدة مع روح الكون . وتشمل تمارين روحية وجسدية . كما يدونه هو في هذا الفصل :

(( كان المبدأ الرئيسي هو تفريغ الذهن من كل فكرة ، عبر التركيز على التنفس ، حيث تصبح حركة الذهن والجسد واحدة . ومن ثم القيام بحركات جسدية أخرى . لكن يبقى المبدأ الأهم هو إخلاء الذهن من أي فكرة بصب التركيز على التنفس . مارست ذلك طوال أيام الاختطاف وبعد كل ممارسة يمتلئ جسدي بطاقة روحية هائلة .))

يؤشر الفصل الثاني ( النهب ) حكاية يرويها امير دوشي وهي تسجل يوميات إعادة ترتيب الارث الحضاري للمكان الذي داهمته الدبابات وفوضى الحرب ، انه ( النهب ) تفاصيل يومية ولوجستية تشارك بها امير دوشي مع رفيق دربه عبد الأمير الحمداني وتظهر الذكريات مدى توافق تلك الثنائية في رسم خطوط متقنه وناجعة ويومية للحفاظ على الأثر بالرغم من المخاطر الذي تعرض اليها امير ( الخطف ) وعبد الأمير ( السجن ) . ومثل سرد ممتع يقرن بعباءات الكهنة وقلائد أميرات اور والسلالات الأخرى تشعر بأن محنة الصديقين ينازعهما هاجس فرح غريب وهما يجاهدان ويرافقان القوة العسكرية من اجل ان يضعا حدا لتهور معاول اللصوص . وكأنهما ينسجمان تماما مع شولكي الملك السومري في عزفه من اجل الحياة .

الحياة التي لن تكون جميلة من دون هواية ممتعة وما يكتبه امير يظهر نمطا سحريا من الهوايات التي تهم تراث بلادك وانت تحاول كل يوم ان تذهب الى مكان اثري وتطمئن على ان موجودات تلك التلول لم يحفر فيها اللصوص بمجارفهم ومعاولهم ومطارقهم القاسية .

هذا الفصل بذكرياته هو عبارة عن بانوراما يسجل فيها المؤلف أحداثا فيها المتعة والخوف والغرابة ولم يفت الكاتب ان يعيش لحظة تحليل ما آلت اليه الأمور عبر نافذة نهب الأثر التي تحولت نافذة نهب العراق كله . فكان علينا ان نتمتع ذاكرتنا بهاجس ان ترى صديقين يعملان من دون مقابل فيما الكثير من الساسة الجدد يمتدحون البدلة الأنيقة التي يرتديها الحاكم المدني بول بريمر .

في نهاية فصل ( النهب ) يسجل امير دوشي حقائقا تبدو في نتائجها مؤلمة ولكنها شاهدة حقيقية لتاريخ ما حدث واغلبه أحداثا مؤلمة كان على الصديقين فيها ان يبذلا الجهد ليحافظا على ما تبقى من ارث بلادهما الحضاري :

(( بعد تجفيف الأهوار , وكذلك انجز مشروع النهر الثالث , المصب العام, الذي تسبب في تخريب اكثر من اربعين موقع آثار , فيما اظهرت الأهوار المجففة للعيان الكثير من المواقع التي كانت مغمورة بمياه الاهوار. عمل الكثير من سكان منطقة الفجر في مشروع المصب العام , وكان يشاهدون الحفارات والشفلات وهي تشق الطرق والقنوات   وتظهر القطع الآثارية المهشمة. بعد نيسان 2003، تحول الكثير منهم الى عمال في شبكات نهب الآثار, فهي تجارة سرعة الربح. “ليسمع فلان ابن فلان000 فصله نجيبه من شميت  لو جوخان” هكذا يهدد احد الاخر بالقول : عبر قطعة آثارية صغير, ختم اسطواني لا يتجاوز اربعة سنتيم , , من المواقع الاثارية القريبة (شميت او جوخا).,يمكن له ان يدفع دية القتل. و تحولت , في فترة زمنية قصيرة, بيوت الطين , الى بيوت من  طابوق بل قصور .))دوشي في سرديته التأريخية هذه فهو يتكلم عن متواليات قدرية مع رفيق عمره ، وتلك المتواليات ارتهنت بهاجس التحفة الاثارية والمكان المؤسطر ، وستشعر مع الأحداث التي يكتب عنها انه يحسسك بقدرية الذات مع المصائر التي تحدثت عنها الأساطير في تلك الامكنة ومرة تعرضك الى الموت ومرة تملأك بسعادة الانتشاء انك عثرت على لقا مسروقة واعدتها الى المتحف المحلي لمدينتك او المتحف الوطني لبلادك ، فكان فصل التنقيب تمهيدا لأسطرة العلاقة بين المؤلف والمحتفى به في هذا الكتاب ( الدكتور عبد الأمير الحمداني ).

يقول ماكس مالوان الآثاري الذي اشتغل في اور مطلع القرن العشرين وزوج الروائية أجاثا كريستي .ان الأثر من دون تواريخ معلومة يصبح دمى للأطفال .

وعليه فأن مؤلف كتاب احتضان اللهب نجهد ان يبعد صفة الدمى عن كل الموجودات التي تم العثور عليها وان يرينا تفاصيل جهود مضنية كان صديقه عبد الأمير المتصدي الاول في محاولته للحفاظ على هذا الارث العظيم.

اشواق المودة

في فصل إحراق الكتب تظهر بانورامية سردية اخرى فيما يريد امير دوشي ان يوصله من أشواق المودة الكبيرة مع خله الأثري والحياتي وسادن صداقته الروحية ، وهنا يشبعنا الكاتب برائحة دخان الورق المرتب بصلابة الحجر والطين الذي يحوله حرق المكتبات الى فخار يدمع من همجية المغول هو يحرقون كتب بيت الحكمة في بغداد ، وهنا يؤرخ لنا دوشي احتراق مكتبات اخرى كان لمصادرها ان تمنح وتنمي بذرة المعرفة لأجيال كثيرة.

وذاته التأريخ المحروق من ايام اور على يد عيلام وحتى ما فعله اللصوص في مكتبة متحف الناصرية وعلى اثرها يسجل امير دوشي وقائع بكاء صديقه الحمداني وقبلها يستند الى إحساس جان كوكتو يوم يفترضون أمامه ان مكتبته احترقت فماذا سيتصرف :

(( مرة سأل صحفي الكتاب المسرحي جان كوكتو ” ماذا تفعل أن شاهدت دارتك الجميلة بكل ما تضم من كتب رائعة ولوحات أصيلة, تلك التي أهداها لك أصدقاؤك الفنانون , وكذلك تحفك الثمينة, وقد شبت النيران بك ذلك. فأجاب كوكتو على الفور” اذن احتضن ذلك اللهب الرائع بين ذراعي.”))

بهذه الصورة التي يتداخل فيها الحزن والعشق يمثل السرد في فصل أحراق الكتب انموذجا لدراما الحزن التي يؤرشفها لنا امير دوشي من خلال بكاء صديقه عبد الأمير الحمداني يوم تم إحراق مكتبة متحف الناصرية من قبل اللصوص.

في هذا الفصل يشتغل التدوين على هاجس الاسى المشترك بين الصديقين ويوثق لنا امير الكثير من الأحداث التي تهم الكتب وطقوس جهنمية إحراقها والإجهاز عليها ولكنه هنا يحول مسار السرد الى رؤية معرفية وأبحارا في عالم الكتب خصوصا تلك التي تهم البناء الحضاري لكوكب الأرض وهو يستعين بمصادر ترجمها وقرأها واهمها لسجموند فرويد حيث سعى امير دوشي كثيرا للاتصال مع متحف بافاريا التاريخي في مدينة ميونخ الألمانية ليحصل على أوراق كتبها فرويد تهم الحضارة السومرية وهذا ما لا يعرفه عنه الكثير من قراء فرويد ومتابعي جهده النفساني والاجتماعي والطبي.

الماء والطين

ولكنها في حديثه عن حزن الكتب يذهب الى صديقه الحمداني ويضع كتابه (الواح رافدينية حكايات  الماء والقصب والطين الذي أفاد منه امير ما يمكن لمثقف ان يستفيد من تلك الرؤى المسكونة بين هاجسين ( الماضي والحاضر ) وقد ربطهما الحمداني عبر منهج (الأثنوجرافيا)ليسجل فيه حركة الطين والقصب والماء في جعلهما أساسيات البدء في النهوض الحضاري لبلاد وادي الرافدين.وعلى مدى أزاء كتاب الحمداني الخمسة ، يستشرق امير دوشي وعي صديقه الفكري والعلمي ويبين في روح الكتاب الهاجس الذي دفع الحمداني في جعل المقارن الحديث هو من يجعل دلالات الوعي الاول تؤسس لما اتى لاحقا لتكون الألواح بدءا روحيا ومعرفيا للحياة البشرية التي نعيشها اليوم وخصوصا في بلاد الرافدين وما جاورها . تلك التي تهم وقائع الحياة اليومية والأساطير التي سجلت حسا فنتازيا لأخيلة وتفكير الأنسان الأول .في فصل حرق الكتب كتب امير دوشي هاجس الألم وهو ذاته الذي عايشه مع صديقه عبد الأمير الحمداني كفصل مهم من فصول الحياة المشتركة بين جلجامش وخله انكيدو .

وعليه فان ذكاء دوشي في خاتمة هذا الفصل تظهر برؤية مشتركة بين الكتاب وروح كافاكا اليائسة ولكنها ممسوخة ، غير ان امير في ارتباطه بكتاب صديقه وحزنه على الكتب المحروقة في امكنه حضارية عديدة يسجل تواصلا في تعريف ماكان الكتاب يمثله لعبد الامير الحمداني وكافكا:(( كتب  الكاتب فرانس كافكا واصفا  أهمية الكتاب في حياة المرء  ” أن  كان الكتاب الذي نقرأه لا يوقظنا كما يدق بقبضة على جمجمتنا ، فلماذا نقرأه؟ يا إلهي سنكون سعداء أيضًا إذا لم يكن لدينا كتب . ومثل هذه الكتب التي تجعلنا سعداء يمكننا ،  أن كان هنالك حاجة ، أن نكتبها نحن. لكن ما يجب أن يكون لدينا..))

  العسكر يرحل ويبقى العلماء

يستمر أمير دوشي في مرافقة ظل صديق عمره عبد الأمير الحمداني ، خطوات متآلفة عند نغمة واحدة يشتركان في جعلها ماسحة لما يخبئ التراب والرمل والطين من منحوتات ورقم وأختام وتماثيل الهة ونساء متبرجات .

ففي هذا الفصل الذي يحمل عنوان التنقيب يبن دوشي كيف احتضن صديقه الحمداني تلك الرغبة العارمة ليكون مكتشفا ومنقبا وليأخذ على عاتقه مهمة البحث عن الأثر بعد عشرات الأعوام من رحيل قافلة العلامة ليوناردو وولي عن مدينة اور ـ ولتظهر سيدة أمريكية باحثة ومحبة للتراث السومري كبدلين عن كاترين وولي زوجة ليوناردو ، وجاثا كريستي زوجة ماكس مالوان الذي رافق وولي في بعثته الأثرية الى اور وزارته فيها زوجته الروائية أجاثا كريستي وهذا البديل تمثل في السيدة اليزابيث ستون ، العالمة الاثارية الأمريكية التي تمتلك ولعا خاصا بالأثار العراقية ويتحدث عنها الكاتب ان هذا الولع جذوره ما قبل احتلال العراق في 2003 وانها على وشك الحصول على سمة الدخول الى العراق من سفارة العراق في واشنطن ولكن حرب الخليج وغزو الكويت في 1990 اخر الأمر وخيب ظنون الكثير من مشاريعها .

في هذا الفصل يرسم لنا امير دوشي بانوراما للحركة التنقيبية بعد 2003 .شاركت فيها الدكتورة ستون التي هي ايضا كانت مشرفة على رسالة صديقه الحمداني لنيل الدكتوراه . وانا شخصيا اتصل بي الدكتور عبد الأمير من نيويورك أثناء إجراء عمليته الجراحية الأولى واخبرني ان الذي ساهم وقدم الرعاية والدعم في عمليته هي أستاذته اليزابيث ستون وزوجها الدكتور بول زمنسكي.

في هذا الفصل يرينا الكاتب امير دوشي جهدا كبيرا لصديقه وكان هو شاهد عيان ومع تلك الشهادة تكتشف ان الكاتب كان هنا كعين راصدة لما يجري قريبا من  مكان التنقيب فيرصد حتى حركة أرتال القوات الأميركية التي تجاور سير عربتهم في الطريق السريع بين الناصرية والبصرة وينقل عن الدكتورة ستون وهي تشاهد انسحاب الأرتال برفقة عبد الأمير وأمير قولها : كما ترون يذهب العسكر ويأتي العلماء.

تلك الشاهدة الأمينة والمنصفة يتحدث فيها امير دوشي عن دور صديقه الحمداني ومتى الصعوبات التي واجهته في مهمته لتوسيع دائرة التنقيب واتصالاته المستمرة بكل الوفود أتت للعراق في طمع منها بآثاره او بعضها يرغب في تقديم العون ، وفي فصل التنقيب هذا يتحدث دوشي عن تلك الأيام ذات العمل المضني وقد بدأت في بعض مراحلها غير مشجعة لدخول نوازع السياسة والأطماع فيها ، وقد تحدث امير عن الجهد الدولي في التنقيبات التي يعرف الكثير عن تواريخها وأولياتها التي ابتداها وولي في اور واكملها علماء عراقيون منهم العلامة الدكتور طه باقر . وترينا كتابة المؤلف أشياء كثيره عن أهمية المكان ودوره الحضاري وبعض الألغاز التي رافقت هذا التاريخ المرتبك من عمليات التنقيب ،حتى تشعر ان صديقه الحمداني يكاد يكون وحده أمام هذا الكم الكبير من المكتشفين القادمين الى العراق بعد احتلاله :

فريق تنقيب

((في اليوم الاول للتنقيب  بدأت الدكتورة ستون بتوزيع العمل بين فريقها والفريق العراقي المشارك في العمل . يضم فريق ستون علماء من المملكة المتحدة وألمانيا واليونان , بالإضافة الى زوجها الدكتور بول زمنسكي والمدير التنفيذي للمشروع والمدير السابق لمفتشية آثار ذي قار الأستاذ عبد الأمير الحمداني .

يقول  الحمداني : ان الفريق قد جلب معه معدات تقنية حديثة لم يسبق ان استخدمت في العراق من قبل . منها جهاز مسح TOTAL STATION يستطيع ان يقوم بعملية تشبيك بين الأقمار الصناعية والمنطقة المزمع مسحها . ويذكر الحمداني بأن هناك لوبي تركي سوري يعمل على الاستحواذ على البعثات التنقيبية الدولية والوقوف حائلا أمام تشكيل أي فريق اجنبي يسعى للقدوم الى العراق عبر التلويح ببطاقة الوضع الأمني المتدهور .))في منهجية هذا الفصل أثار الكاتب أمورا عميقة وحساسة حول الدور الوطني للحفاظ على آثار حضارة سومر ، واشر الى الكثير من الأمور ورصد المساعي التي قام بها العراقيون والأجانب وكان لصديقه الحمداني دورا كبيرا فيه ، ولأن المؤلف قريب تماما من البعثات ورافق اغلبها كمترجم فقد استخدم هنا منطقا تحليلا منصفا عن اغلب توجهات البعثات الأثرية ومنجزها ، ولكنها في سياق رؤيته ( أمير دوشي ) وضع تصورات فكرية واجتماعية والتاريخية الى كل اؤلئك الذين جاءوا لينقبوا عن الأثر في العراق ، وكان للدكتورة اليزابيث ستون حيزا كبيرا في هذا الفصل لانه راقب عن كثب حرصها ورغبتها للحفاظ على الارث العراق وإظهار ما لم يزل نائم تحت تراب التلول والمدن المندرسة .وهذه الرؤيا بجوانبها المختلفة لخصها المؤلف امير دوشي بهذه الرؤية :((في ثلاثينيات القرن العشرين لعبت قضية الآثار دورا كبيرا في الحياة الثقافية في العراق حيث كان التوجه العام يميل الى تأكيد الهيمنة العراقية على شؤون الآثار حيث كانت القضايا الاثارية تحظى بتوافق اكبر , على الأقل في ما يخص جوهر الموضوع ما بين السياسيين العراقيين كي ينفذ العراق منهجا أكثر وطنية وخصوصية من باقي القضايا السياسية والاجتماعية والثقافية المختلف عليها .))

{ تكملة النص على الموقع (الزمان)



Most Read

2024-09-22 13:24:50