في ذكرى ليرمنتوف
ضوءٌ بعيدْ
في الظلمةِ المتلبّدةْ
عَبْرَ ارتماءِ البحرِ يخبو أو يعودْ
متراجفاً كالنجمِ يبدو
أو ساكناً كالشعلةِ التعبى، النؤوم.
هل ذاكَ صيّادٌ بقاربِهِ يؤوب؟
أم ذاكَ طيفُ مُهرّبٍ حذرٍ، دؤوب؟
يا أنتَ، يا ضوءاً نحيلا
كُن ما تشاءُ، ولا تغِبْ عنّي طويلا.
(……..)
جاءت إليكَ، عشيّةَ الميلادِ، حاملةً هديةْ
هيَ معجمٌ
ما زلتَ، من عامٍ إلى عامٍ، تنوءُ بدَفّتيه
متصفّحاً، متذكّراً تلكَ المحطّةْ
وتباطُؤَ المترو، وتلكَ المِصطبةْ
صفراءَ، باهتةً تلوح
وكأنها، بعدَ انقضاءِ العمرِ، آخِرُ مِصطبةْ
بلْ قُلْ: هيَ الأُولى، الأخيرةْ.
إلى آنسةٍ سيبيريّةٍ اسمُها رايا
يا أيّها البطُّ المهاجرُ في الأعالي
صيحاتُكَ المتفجّعات
منذُ الصِبا وإلى اكتمالي
تعلو ببالي.
من أينَ أنتَ؟ أمِنْ سيبيريا؟
أوَ لم تزَلْ تلكَ المجالي
يا بطُّ تنتظرُ الربيع
تحتَ التلفُّعِ بالصقيع؟
فإذا رجَعتَ إلى هناك
وسلِمتَ من أيدي الشِباك
بلّغْ تحيّاتي النساءَ الشائباتْ.
فلَربّما منهنَّ مَنْ تتذكّرُ، اليومَ،
الفتى المتودّدا
الشاعِرَ المتنهّدا.
وسأبتني لكَ في الحنايا
وكراً يَرُدُّ العادياتِ منَ المنايا
باللهِ لا تنسَ ابتهالي
يا أيّها البطُّ المحلِّقُ في الأعالي.
القطّةُ السوداء
في ذكرى نجيب محفوظ
هيَ قِطّةٌ سوداءُ من خزفٍ جميلْ
أنا قد أتيتُ بِها قديما
فيما اشتريتُ منَ الهدايا.
كانت لها عينانِ من حجرٍ صقيل
في الليلِ تتّقِدانِ كالجمرِ اتّقادا.
ولها كأيّةِ قِطّةٍ ذيلٌ طويلْ.
هل كانَ من شَعرِ امرأةْ؟
من شَعرِ غانيَةٍ منَ المَوتى الكِرام؟
أنا لم أعِرْ هذا اهتماما.
شيءٌ فريدٌ، يا صحابُ، أخافَني
هو أنّها جاءت إليّا
بعدَ انتصافِ الليلِ زائِرةً تَموء.
قلتُ: اجلسي.
سأُعِدُّ شاياً بل حليبا.
فتبسَّمَتْ: أنا لا أُريد
إلّا قُدَيحا
مِن هذهِ القنّينةِ المتوهّجةْ.
قنّينةِ الجِعةِ الفتيّةْ!
أُنشودةُ الكناري
يا أيّها الكناري
يا قارِئاً أشعاري
في قفَصٍ حبيسا
لا صاحباً تلقى ولا أنيسا.
سَأفتحُ البابَ وطِرْ
إلى الهواءِ الطلقِ والفضا.
فقالَ لي مُفاجَأً، مُنتفِضا:
-وما الذي تقولُهُ
للطِفلةِ الأميرةْ
سيّدتي
سما، سما الصغيرة؟
أقولُ: جاءت أُمّهُ الكبيرةْ
وأطلقَتْ سَراحَهُ
لامِسةً بِسحرِها جَناحَهُ.
فَقالَ لي:
دَعني هُنا والأسْرَ والعذابا
ولا تكُنْ كَذّابا.
2024-09-22 21:38:16