Breaking News >> News >> Azzaman


أوربا وخطّتها الطموحة – لويس إقليمس


Link [2022-03-18 22:32:58]



 لتحقيق هدف المناخ النظيف

أوربا وخطّتها الطموحة – لويس إقليمس

تسعى دوائر أوربية متنوعة الفعاليات منذ فترة لتحقيق ما أسمته بخطة “التكيف مع الهدف 55” وإحراز تسوية سياسية مناخية قابلة التطبيق ضمن خطة مدروسة للتقليل من الانبعاثات الغازية السامة بنسبة 55 بالمئة لغاية 2030 ونسبة 60 بالمئة لغاية 2050.

 هذه المبادرة المناخية الطموحة التي تولتها المفوضية الأوربية تحمل بين طياتها مراحل عديدة وصولاً للتخلص من المخلفات الكاربونية القاتلة التي تقرّب البلوغ نحو تحقيق هدف “البيئة النظيفة” من خلال تقليل استخدام الوسائل التي تسهم في تلوث البيئة، ومنها بطبيعة الحال ما يتعلّق بالاستخدام المفرط لوسائل إنتاج الطاقة واستخدامات وسائل النقل التقليدية المعتمدة في كلتيهما على أشكال الوقود الأحفوري بسبب ما يشكله هذا الأخير من منغصات ومشاكل بيئية أفسدت الهواء وخنقت الأجواء وآذت البشر والحجر والماء سواءً بسواء. وبحسب تحليلات مراكز بيئية متقدمة، قد تشكل مخلّفات هذا النوع من الطاقة الوقودية ما يصل إلى 75% من شكل الانبعاثات في أوربا وحدها. لذلك، ومن دون إيجاد بدائل كفيلة بمعالجة هذه المشكلة المتأزمة عبر تغيير أنماط الطاقة المستخدمة وابتكار غيرها ممّا يتلاءمُ ويتكيف مع خلق بيئة أكثر نظافة، فإنه يعسر بلوغ الهدف المنشود المعروف “بالميثاق الأخضر” أو ما يوازيه من “الحياد المناخي” بحلول 2050.

وهذا ما يدعو إليه بإصرار أنصار “البيئة الخضراء” ودعاة تحسينها بتسريع وسائل الانتقال إلى نظام بيئي أكثر نقاءً واللجوء لترك وسائل الطاقة الملوِّثة تدريجيًا، بعد رصد ارتفاع درجات الحرارة على كوكب الأرض بمقدار 1,1درجة بين السنوات 1850-2017 وفي فرنسا بالذات بمعدل 1,5 درجة منذ عام 1900 ومثلها تقريبًا في دول القارة العجوز.

 اتفاقية باريس

لقد تركت اتفاقية باريس للمناح آثارًا إيجابية لدى أصحاب “الدعوة لبيئة أكثر نظافة ونقاوة”. وهذا ممّا حدا بمنظماتٍ وجهات رقابية بيئية عالمية ومناطقية ومحلية للتفكير الجدّي بالتخفيف من آثار الاحتباس الحراري الذي بدأ يهدّد البشر والكرة الأرضية بأسرها. وسواءً انتبه البشر “النائمون وأرجلُهم في الشمس” للآثار المدمّرة لهذه الظاهرة أم أهملوا ما ينتظرُهُم في الأيام والسنوات القادمة من منغصات جديدة ومشاكل بيئية وكوارث طالما حذّر منها أصحاب العلّة والتحليل والتنبؤات، فإنّ “الفأس سيقع في الرأس” لا محالة في حالة التغاضي عن المسببات والعلل والنتائج غير الظاهرة أو الضعيفة البادية للعيان. من هنا جاءت الدعوة المتكررة لاحترام اتفاقية باريس للمناخ التي رسمت الخطوط العريضة لاحترام البيئة ووضع السياسات التي من شأنها إنقاذ البشرية من خطر التلوث الداهم الناجم عن تزايد الانبعاثات الحرارية بلا تقييد ولا تفكير للنتائج المدمّرة القادمة. ومن شأن خطط التعافي الموضوعة بعد دراسة مستفيضة أن تقدّم حلولاً معقولة ومقبولة بالالتزام بتخفيض مستويات الانبعاثات سعيًا وراء مكافحة التغير المناخي بكلّ الوسائل المتاحة. وقد رُصدت لبلوغ هذا الهدف ميزانية كبيرة ووضعت له معايير صارمة حددتها اللجنة المكلّفة بمتابعة هذا الملف من أجل بلوغ ما يُسمّى بهدف “الحياد الكربوني” كي يكون متاحًا بحلول عام 2050  حيث من المقرر تناقص الانبعاثات في أوربا بنسبة 60 بالمئة عام 2050. وهذا من شأنه إحراز نجاحات مماثلة في سبل تخفيض ما تنفثه المصانع والمعامل ووحدات أنتاج الطاقة وأدوات النقل بمختلف أشكالها وأحجامها من سمومٍ كاربونية قاتلة بسبب استخدامها لوسائل الطاقة التقليدية في تشغيلها.

على سبيل المثال لا الحصر، تشكلُ وسائل النقل التي تستخدم مشتقات الوقود التقليدية نسبة عالية من حجم التلوث الذي يحاصر الأجواء ويؤذي البشر الذين يعيشون فوق الأرض في كلّ مكان من البسيطة.

وقد تنبهت العديد من الدول لهذه الظاهرة المتفاقمة بسبب ما تشكله من خطورة في تلويث الأجواء وكذلك من ارتفاع في مستويات درجات الحرارة المتزايدة سنة بعد أخرى. لذلك، فقد أوصت بتقليل استخدامات وسائل النقل الخاصة وهيّأت ما تيسر لها من وسائل نقل عامة في جميع المجالات مساهمةً منها في تقليل الانبعاثات الحرارية. وقد تكون المشكلة قائمة وصعبة التخفيف في الدول التي تفتقر إلى وسائل نقل عام تؤمّنُ نقل الإنسان المكلّف بعمل أو وظيفة أو لقضاء حاجة خارج المنزل وأوقات العمل. بل بالعكس، فقد لوحظ تزايد استخدام وسائل نقل خاصة متنوعة وبأعداد تفوق حجم استيعاب شوارع بعض البلدان، كما يحصل في العراق، بحيث اكتظت الشوارع بهذه الوسائل التي تنفث سمومَها في كلّ الأجواء. هذا إضافة إلى ما تشكلُه استخدامات توليد الطاقة عبر الوحدات التوليدية للقطاع الخاص (المولدات) من مشاكل بيئية كثيرة وما تنفثُه من سموم كاربونية في كلّ الاتجاهات، بحيث أصبحت تشكلُ هاجسًا على صحة المواطن والأرض التي يطأُها ويجد صعوبة في استغلالها لأسباب كثيرة.

مسؤولية جماعية

من هذا المنطلق عينه، تنبهت أوربا إلى هذه المشكلة حين أقدم برلمانُها على وضع أجندة زراعية وقائية صارمة في سياسته العامة في اجتماع 25  حزيران 2021 من أجل إيجاد بعض الحلول الناجعة في تقليل أدوات التلوث وصولاً لسياسة زراعية “أكثر خضرة وإنصافًا” ضمن مخططات صديقة للبيئة اتفقت جميع الأطراف على تبنّيها.

وبحسب مصادر، تشكل هذه الروزنامة ما يعادل 25 بالمئة من ميزانية المساعدة التي تتولاها دول الاتحاد الأوربي، أي ما يعادل 48 مليار يورو. وقد انضمّت الصين بصورة خاصة إلى هذه الفكرة بتبنيها سياسات بيئية إيجابية من جانبها لبلوغ ذات الأهداف بحلول عام 2030 وهدف الحياد الكاربوني في عام 2060.

فيما أشارت دول أخرى مثل اليابان وكوريا الجنوبية إلى بلوغ هدف الحياد الكاربوني بحلول عام 2050.

فيما أبلغت الولايات المتحدة نظراءها الدوليين في اتفاقية باريس للمناخ، أنها عازمة على تخفيض مستويات الاحتباس الحراري بنسبة 52 بالمئة بحلول عام 2030 مقارنة بمستواه في عام 2005.

كلّ هذا، يجري ضمن الالتزامات السياسية الدولية باتفاقية باريس للمناخ التي تعهدت دول العالم بإيجاد حلول واقعية لحالة البيئة المتراجعة في نقاوتها ونظافتها نتيجة الاستخدام المفرط للطاقة التقليدية والتباطؤ في إيجاد البدائل للطاقة المتجددة سواءً لأسباب اقتصادية أو جيوسياسية أو غيرها.

وممّا لا شكَّ فيه، سيكون لهذه القرارات والإجراءات التعاونية الدولية فيما لو جرى الالتزام بمضامينها وأدواتها وتوقيتاتها، أثرٌ إيجابي على المستوى العام في منظور السياسة العامة للأمم والبلدان التي تعهدت بتنفيذ التزاماتها الأخلاقية والسياسية تجاه الكرة الأرضية لما تشكله هذه المشكلة من مخاطر أو تخلقه من أزمات بيئية لاحقة.

وهنا لا بدّ من الإقرار بتباطؤ بلوغ الهدف الأسمى في تقليل الاحتباس الحراري بسبب تعثّر النمو الاقتصادي العالمي نتيجة هجمة COVID19 وتداعيتها وما تركته من آثار سلبية بالتعلّق باستخدام الطاقة التقليدية ومنها استخدام الفحم الحجري الذي زاد بنسبة 4,5  بالمئة في 2019 على سبيل المثال لا الحصر لصالح استخدامه في إنتاج الطاقة في دول اسيوية عديدة. وهذا الأمر قد انعكس سلبًا على التأثير المرتقب للمنظور الأوربي في بلوغ أهدافه المخطَّط لها، طالما بقي تعافي الاقتصاد في بعض الدول مرتبطًا ارتباطًا وثيقًا باستخدام الوقود الأحفوـري لأية أسباب كانت.

 نتائج كارثية

لطالما حذّرَ خبراءُ البيئة من النتائج الكارثية والعواقب غير المدركة من مغبة ارتفاع درجات الحرارة على كوكب الأرض بمقدار 2 درجة مئوية، ما يقتضي التنبه للكارثة واتخاذ ما يلزم من إجراءات وقرارات مصيرية حاسمة لتلافي مثل هذه النتائج غير السارّة.

وفي حــــالة التغاضي عن هذه كلّها أو التغافل عن بعضها، فإن العالم مقبلٌ لا محال على كارثة بيئية قاتلة ستغيّر من مواقع جغــــــــرافية وتزيد من مخاطر غمر وزيادة مياه البحار والمحيـــطات بمعدل 82 سم بحلول عام 2100 بحسب توقعات خبراء الأرصاد والبيئة بسبب ذوبـــان جليد المناطق القطبية التي يراقب العالم ضمورها تدريجيًا.

ولنا ان نتصوّر ما سيترتب على هذه التوقعات من عواقب لاسيّما في مناطق السواحل وما يجاورها من كوارث ومآسي واحتفاء مساحات شاسعة من كوكب الأرض بسبب فيضانات عارمة وأعاصير ومواسم جفاف وحرائق غابات متوقعة الحدوث، ما ستكون له آثارٌ سلبية على واقع الحياة الطبيعية للبشر وعلى اقتصاد العالم عمومًا.

وهذا يعني أن هذه العواقب ستكون شاملة لجميع بني البشر، ما يحتّم كون المسؤولية الأخلاقية أيضًا أن تكون جماعية ولا مجال للتنصل منها.



Most Read

2024-09-22 21:26:58