Breaking News >> News >> Azzaman


حرب الكبار وخسائر الصغار – طالب سعدون


Link [2022-03-17 00:13:41]



نبض القلم

حرب الكبار وخسائر الصغار – طالب سعدون

لم يكن الغزو الروسي لاوكرانيا مفاجئا ، ولا هو صدفة غريبة أو مغامرة غير محسوبة من الرئيس بوتين ، بل كان متوقعا ، لكن استمراره كل هذه المدة جعل التكهن بموعد انتهائه صعبا ونتائجه أصعب على صعيد الاطراف المتحاربة والعالم أجمع ، وترك الباب مفتوحا على إحتمالات كثيرة منها توسع رقعة الحرب التي لم تظهر بوادرها على الارض الى الأن عدا خطوات محسوبة كتقديم المساعدات والمعونات العسكرية والتوسع في فرض العقوبات بين المتحاربين .

هناك من يرى أن الحرب هي صراع بين امريكا والغرب ممثلة بحلف الناتو وروسبا واوكرانيا كانت الضحية لانه يدور على أراضيها .. فهي ساحة مناسبة لامريكا والغرب لتطويق روسيا وتدميرها على حد ما يرى بوتين ومكانا أنسب لوقف التوسع الغربي والامريكي وتحقيق الامن الروسي الاستراتيجي بمنعها من دخول حلف الناتو وجعلها منطقة محايدة في الحد الادنى من الحسابات الاستراتيجية لبوتين .

لم تفاجأ امريكا بالغزو .. تعرف جيدا نيات بوتين و الرئيس جو بايدن كان من أوائل المحذرين منه.. فلا هو ولا غيره ( اُخذ على حين غرة به ) وبوتين نفـسه لم يتعامل معه بسرية .. كانت سياسـته على مدى طويل والتحشيد على الارض تنبىء بذلك .. مما يجعل البعض يذهب الى أن أمريكا قد استدرجت بوتين الى هذا ( الفخ ) الذي قد يجد صعوبة من الخروج منه أو يكون بثمن كبير ..

الرئيس بوتين كان واضحا جدا.. يتعدى في طموحه حدود روسيا ليعيد مجد الاتحاد السوفيتي وتحقيق توازن دولي جديد يقوم على التعددية القطبية .. هكذا كانت القراءات والمؤشرات السابقة ، ومنها إصراره على التمسك بالسلطة التي تجاوزت مدتها العشرين عاما ، وهي أطول مدة يبقى فيها رئيس روسي في السلطة منذ ستالين الذي توفي عام 1953 وسعيه لبناء قدرات عسكرية وإقتصادية ومالية كبيرة تناسب خطورة مشروعه وخطوات أخرى كبيرة ، توجهه بضم شبه جزيرة القرم .. وقد اشار بوتين صراحة الى ان بلاده صرفت 355 مليار دولار لانتاج اسلحة جديدة بلغت نحو 14 سلاحا .

الاتحاد السوفيتي كان الاقرب الى قلب بوتين وكان انهياره بمثابة اذلال عاطقي مؤلم للغاية له على حد تعبير احدى الصحف .. هو نفسه من قال (إن قيادة الحزب الشيوعي السوفيتي إرتكبت الكثير من الأخطاء التي أدت الى إنهيار الاتحاد السوفيتي وأن حق الجمهوريات في مغادرة الاتحاد كان بمثابة (القنبلة الموقوتة) تحت الدولة الروسية ، التي كانت تسمى الاتحاد السوفيتي انذاك) ..

باختصار شديد .. ان خطوة بوتين الجديدة ليست غريبة بل لها صلة بالماضي وارث روسي .. فهو صاحب مشروع كبير يسعى لتنفيذه جاهدا ، وهو ان تستعيد روسيا دورها الكبير في العالم بعد تفكك الاتحاد السوفيتي وتحقيق التوازن فيه بعد انفراد قوة واحدة ، لذلك ذهبت التوقعات في البداية بعيدا الى ان الغزو قد يمتد الى أبعد من أوكرانيا اذا ما قدر له النجاح ، الى دول الاتحاد السوفيتي ..

ويعرف بوتين وهو السياسي المحترف والمخابراتي المتمكن و (الرئيس المزمن) في الحكم أن قدرة الغرب وأمريكا في مواجهته محدودة ، لانه دولة نووية عظمى ، وإذا ما اُستخدم هذا السلاح فهو يشكل كارثة إنسانية عالمية لا تبقي ولا تذر .. أو بعبارة أخرى هو سلاح (مجنون) .. بوتين لم يخف ذلك فقد اشار أكثر من مرة الى إمكاناته النووية محذرا بان لديه اسلحة مخيفة وسريعة يمكن أن يلجأ اليها اذا ما سارت الحرب في غير ما يريد .. وهذا السلاح قد يجعل الرد الى مدى معين محدودا لا يتعدى الدبلوماسية والعقوبات الاقتصادية التي سيكون مردودها السلبي كبيرا ليس على روسيا فقط ، وانما على أوربا والعالم الذي يعاني أصلا من أزمات إقتصادية وصحية وسياسية وغيرها … وهذا ما لا يمكن ان يتحمله العالم لزمن طويل .. كما ان روسيا نفسها استخدمت سلاح العقوبات ايضا .

إذا لم تكن هناك مفاجأة في غزو اوكرنيا فالمفاجأة التي تعقد اللسان وتحير العقل هي الموقف الامريكي من هذا الغزو .. فهل يناسب ردها الى الأن (مكانتها ) والهالة التي كانت تحيط نفسها بها وتعامل الاخرين وخاصة (الصغار ) معها ؟.. وهل اصيبت بالصدمة وتفاجأت بالاجراءات والقوة والجرأة الروسية التي لم تتعامل بمثلها سابقا ، أم لها حساباتها ؟؟؟

 هل تفاجأت امريكا بالقوة الروسية لانها لم تدخل في حرب عسكرية مباشرة معها أو مع دولة توازيها في القوة ، بل مع دول وشعوب أقل منها قوة على غرار سياستها العدوانية الظالمة مع الشعب الفلسطيني وحروبها مع العراق وفيتنام وافغانستان وخرجت منها منهزمة وأذنت ببداية السقوط الامريكي .؟ ام لها حساباتها ؟

هل ستنهض روسيا من جديد أم تورطت في المستنقع الاوكراني . ؟وهل سيكون الغزو الروسي بداية عصر يعيد رسم خارطة القوى في العالم ، وفي تعدد الاقطاب خاصة مع الصعود الصيني المستمر وتوازن الرعب والقوة بينها .. ؟ أم سينتهي الغزو بانتصار امريكا واستمرارها كقوة عظمى وحيدة تسيطر على العالم وبذلك تكون اوكرانيا نهاية للحلم الروسي والبوتينية ..؟

اسئلة كثيرة تدور في الذهن ستكشف الايام ذلك ….

خبراء ومفكرون بما فيهم أمريكيون يحذرون من مخاطر الصعود الروسي والصيني ، فقد قال بريجنسكي ما نصه ( أن الهدف الحقيقي لروسيا والصين هو تدمير امريكا وجعلها من دول العالم الثالث ) ..

 فهل ذلك ممكن ؟؟ واذا ما صحت تلك القراءات تكون امريكا قد شاخت قبل أوانها .. ليس في قيادتها بل في قدرتها على الارض وحققت ( البوتينية ) هدفها وستتقدم الصين لاحتلال موقعها ..وسينبثق عالم جديد .. عالم الكبار .. لا مكان فيه للضعفاء .. ومن يقتصر همه وهمته على مراقبة بورصة النفط .. صعدت أم هبطت ..

هل يتحقق ذلك أم ستفـــاجىء امريكا العالم باجراءات ربما لم تكن في الحساب .. ؟ ..

العالم مقبل على تغييرات كبيرة بهذه الحرب التي يسعى كل طرف الى تحقيق النصر فيها .. فهل تحقق روسيا هدفها بانضمام اوكرانيا لها وتحقيق اهدافها الاستراتيجية او العكس بنصر لحلف الناتو بانضمام اوكرانيا اليه ..

ان صيغة لا غالب ولا مغلوب غير واردة في هذه الحرب لان حروب الكبار تنتهي دائما بنتائج استراتجية تناسب اهدافها السياسية التي قامت من أجلها وتضحياتها الكبيرة التي تتعدى حدود الدول المتحاربة كما حصل في الحرب العالمية الثانية ..

كيف ستنتهي .. ؟. يصعب التكهن بنهــــايتها والسيناريو المناسب لها لانها بدخولها الشهر الثاني ستتــــعدى وصف ( الحرب الخاطفة ) ، الســـريعة .. وينطبق عليها ما ينطبق على كل الحروب القول الشائع من السهل جدا أن تبدا الحرب لكن من الصعب أن تنهيها .. وهي كأي حرب وقودها الصغار .. دولا وشعوبا .. وخاصة الحلقات الضعيفة .. الاطفال وكبار السن ..

000000000000000

كلام مفيد :

تعدو الذئاب على من لا كلاب له

وتتقي مربض المستنفر الحامي

(النابغة الذبياني )..



Most Read

2024-09-22 23:31:24