Breaking News >> News >> Azzaman


محمية متطوعين لإنقاذ أسود السودان الجوعى


Link [2022-03-16 01:13:16]



الباقير‭ (‬السودان‭) (‬أ‭ ‬ف‭ ‬ب‭) – ‬كانت‭ ‬كنداكة‭ ‬تجلس‭ ‬في‭ ‬ما‭ ‬مضى‭ ‬جائعة‭ ‬داخل‭ ‬قفص‭ ‬صغير‭ ‬في‭ ‬الخرطوم،‭ ‬لكنها‭ ‬باتت‭ ‬تنظر‭ ‬إلى‭ ‬أشبالها‭ ‬الصغيرة‭ ‬تمرح‭ ‬داخل‭ ‬محمية‭ ‬تقع‭ ‬في‭ ‬قلب‭ ‬سهل‭ ‬عشبي،‭ ‬وذلك‭ ‬بفضل‭ ‬حفنة‭ ‬من‭ ‬المتطوعين‭ ‬في‭ ‬أحد‭ ‬أفقر‭ ‬بلدان‭ ‬العالم‭.‬

في‭ ‬السودان،‭ ‬باتت‭ ‬كلمة‭ ‬كنداكة،‭ ‬وهو‭ ‬اسم‭ ‬الملكات‭ ‬النوبيات‭ ‬في‭ ‬العصور‭ ‬القديمة،‭ ‬مرتبطة‭ ‬بالمتظاهرات‭ ‬اللاتي‭ ‬شاركن‭ ‬بشجاعة‭ ‬في‭ ‬التظاهرات‭ ‬التي‭ ‬أدت‭ ‬إلى‭ ‬اسقاط‭ ‬عمر‭ ‬البشير‭ ‬عام‭ ‬2019‭ ‬وما‭ ‬زلن‭ ‬يشاركن‭ ‬حاليا‭ ‬في‭ ‬التظاهرات‭ ‬التي‭ ‬اندلعت‭ ‬للمطالبة‭ ‬بتنحية‭ ‬العسكريين‭ ‬عن‭ ‬السلطة‭ ‬بعد‭ ‬انقلاب‭ ‬25‭  ‬تشرين‭ ‬الأول‭/‬اكتوبر‭.‬

ولكن‭ ‬هذه‭ ‬اللبؤة‭ ‬ذات‭ ‬السنوات‭ ‬الخمس‭ ‬أُطلقت،‭ ‬بعد‭ ‬ثمانية‭ ‬أشهر‭ ‬من‭ ‬الاستعدادات،‭ ‬من‭ ‬حديقة‭ ‬حيوان‭ ‬الخرطوم‭ ‬مع‭ ‬أسدين‭ ‬آخرين‭ ‬في‭ ‬كانون‭ ‬الثاني‭/‬يناير‭ ‬2021‭ ‬فيما‭ ‬كان‭ ‬السودان‭ ‬قد‭ ‬خرج‭ ‬لتوه‭ ‬من‭ ‬30‭ ‬عاما‭ ‬من‭ ‬الحكم‭ ‬العسكري‭-‬الإسلامي‭ ‬ومن‭ ‬عزلة‭ ‬دولية‭.‬

وأُنقذت‭ ‬الأسود‭ ‬الثلاثة‭ ‬التي‭ ‬كانت‭ ‬تعاني‭ ‬من‭ ‬الجفاف‭ ‬والترهل‭ ‬بفضل‭ ‬حملة‭ ‬على‭ ‬الإنترنت‭. ‬ومنذ‭ ‬ذلك‭ ‬الحين‭ ‬اتسع‭ ‬المشروع‭ ‬وأصبحت‭ ‬محمية‭ ‬الباقير‭ ‬التي‭ ‬استقبلتهم‭ ‬والواقعة‭ ‬على‭ ‬بعد‭ ‬ساعة‭ ‬بالسيارة‭ ‬من‭ ‬الخرطوم،‭ ‬تؤوي‭ ‬17‭ ‬أسدا‭ ‬تراوح‭ ‬أعمارها‭ ‬بين‭ ‬ستة‭ ‬أشهر‭ ‬وست‭ ‬سنوات‭ ‬تعيش‭ ‬على‭ ‬مساحة‭ ‬تفوق‭ ‬40‭ ‬ألف‭ ‬متر‭ ‬مربع‭.‬

في‭ ‬كل‭ ‬يوم،‭ ‬يوزع‭ ‬عثمان‭ ‬صالح‭ ‬ومعتز‭ ‬كمال‭ ‬و20‭ ‬متطوعا‭ ‬آخرين‭ ‬ما‭ ‬بين‭ ‬5‭ ‬الى‭ ‬10‭ ‬كيلوغرامات‭ ‬من‭ ‬اللحم‭ ‬على‭ ‬كل‭ ‬أسد‭ ‬وعلى‭ ‬حفنة‭ ‬من‭ ‬الضباع‭ ‬لديها‭ ‬مساحة‭ ‬مسوّرة‭ ‬خاصة‭ ‬بها‭ ‬في‭ ‬الهواء‭ ‬الطلق‭.‬

سكارفيس‭” ‬و‭”‬منصور‭” ‬

ويتعين‭ ‬على‭ ‬هؤلاء‭ ‬المتطوعين‭ ‬توزيع‭ ‬وقتهم‭ ‬بين‭ ‬خدمة‭ ‬المحمية‭ ‬ووظائفهم‭. ‬ولكن‭ ‬منذ‭ ‬الانقلاب‭ ‬العسكري‭ ‬في‭ ‬تشرين‭ ‬الأول‭/‬أكتوبر،‭ ‬ينبغي‭ ‬عليهم‭ ‬كذلك‭ ‬تحمل‭ ‬أعباء‭ ‬الانتقال‭ ‬والبحث‭ ‬عن‭ ‬طرق‭ ‬بديلة‭ ‬لتلك‭ ‬التي‭ ‬يغلقها‭ ‬الجيش‭ ‬بسبب‭ ‬التظاهرات‭.‬

ويقول‭ ‬المتطوع‭ ‬معتز‭ ‬كمال‭ ‬البالغ‭ ‬30‭ ‬عاما‭ ‬إن‭ ‬الوقود‭ ‬سعره‭ ‬مرتفع‭ ‬والانتقال‭ ‬الى‭ ‬المحمية‭ ‬مكلف‭ “‬ولكني‭ ‬آتي‭ ‬كل‭ ‬يوم‭ ‬لأنني‭ ‬أشعر‭ ‬بسعادة‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬مرة‭”.‬

وانضم‭ ‬مهندس‭ ‬الاتصالات‭ ‬الشاب‭ ‬هذا‭ ‬المولع‭ ‬بالكلاب‭ ‬منذ‭ ‬الصغر،‭ ‬إلى‭ ‬المشروع‭ ‬منذ‭ ‬البداية‭. ‬وهو‭ ‬يزور‭ ‬المحمية‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬عطلة‭ ‬نهاية‭ ‬أسبوع،‭ ‬ويكلفه‭ ‬التنقل‭ ‬إلى‭ ‬المكان‭ ‬ما‭ ‬بين‭ ‬دولارين‭ ‬وأربعة‭ ‬دولارات‭ ‬تقريبا‭.‬

ويبدي‭ ‬كمال‭ ‬إعجابا‭ ‬خاصا‭ ‬بالأسد‭ “‬سكارفيس‭” ‬وهو‭ ‬ذكر‭ ‬كبير‭ ‬ذو‭ ‬وبر‭ ‬باللون‭ ‬البيج،‭ ‬وكذلك‭ ‬بـ‭”‬الطيب‭”‬،‭ ‬وهو‭ ‬أسد‭ ‬آخر‭ ‬أخذ‭ ‬اسم‭ ‬متطوع‭ ‬غادر‭ ‬أخيرا‭ ‬إلى‭ ‬أوغندا‭ ‬لاستكمال‭ ‬دراسته‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬أن‭ ‬يصبح‭ ‬طبيبا‭ ‬بيطريا‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬اكتشف‭ ‬اثناء‭ ‬وجوده‭ ‬في‭ ‬المحمية‭ ‬ولعه‭ ‬بالحيوانات‭.‬

وهناك‭ ‬أيضا‭ ‬الأسد‭ “‬منصور‭”‬،‭ ‬الذي‭ ‬أطلق‭ ‬عليه‭ ‬هذا‭ ‬الاسم‭ ‬لأنه‭ ‬تغلب‭ ‬على‭ ‬الجوع‭ ‬في‭ ‬حديقة‭ ‬حيوانات‭ ‬الخرطوم‭ ‬ونجا‭ ‬من‭ ‬العنف‭ ‬في‭ ‬السودان‭ — ‬وهو‭ ‬استثناء‭ ‬مقارنة‭ ‬بما‭ ‬يحدث‭ ‬في‭ ‬مناطق‭ ‬أخرى‭ ‬من‭ ‬العالم‭. ‬ويشير‭ ‬الصندوق‭ ‬العالمي‭ ‬لحفظ‭ ‬الطبيعة‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬عدد‭ ‬الأسود‭ ‬الإفريقية‭ ‬انخفض‭ ‬بنسبة‭ ‬40‭% ‬على‭ ‬مدى‭ ‬ثلاثة‭ ‬أجيال‭.‬

ولم‭ ‬يعد‭ ‬هناك‭ ‬سوى‭ ‬20‭ ‬ألف‭ ‬أسد‭ ‬في‭ ‬الأوساط‭ ‬البرية‭ ‬في‭ ‬إفريقيا،‭ ‬من‭ ‬بينها‭ ‬حفنة‭ ‬تعيش‭ ‬في‭ ‬السودان،‭ ‬في‭ ‬حديقة‭ ‬الدندر‭ ‬الوطنية‭ ‬بالقرب‭ ‬من‭ ‬الحدود‭ ‬مع‭ ‬إثيوبيا‭ ‬الغارقة‭ ‬حاليا‭ ‬في‭ ‬الحرب‭.‬

لكن‭ ‬كل‭ ‬هذه‭ ‬الحيوانات‭ ‬بحاجة‭ ‬الى‭ ‬طعام،‭ ‬بحسب‭ ‬ما‭ ‬يشير‭ ‬عثمان‭ ‬صالح‭ ‬مؤسس‭ ‬المحمية‭ ‬الذي‭ ‬استطاع‭ ‬أن‭ ‬يجمع‭ ‬بنفسه‭ ‬كل‭ ‬الأسود‭ ‬القابعة‭ ‬في‭ ‬الأسر‭ ‬في‭ ‬السودان،‭ ‬سواء‭ ‬من‭ ‬حديقة‭ ‬الحيوان‭ ‬في‭ ‬الخرطوم‭ ‬أو‭ ‬من‭ ‬الأفراد‭.‬

ويكافح‭ ‬صالح‭ ‬كل‭ ‬يوم‭  ‬لإطعام‭ ‬الحيوانات‭. ‬ويضطر‭ ‬أسوة‭ ‬بجميع‭ ‬المتطوعين‭ ‬إلى‭ ‬التبرع‭ ‬من‭ ‬مالهم‭ ‬الخاص‭ ‬لشراء‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬100‭ ‬كيلوغرام‭ ‬من‭ ‬اللحم‭ ‬يوميا‭ ‬لنزلاء‭ ‬المحمية‭.‬

ويقول‭ ‬صالح‭ ‬لوكالة‭ ‬فرانس‭ ‬برس‭ “‬لدينا‭ ‬متبرعون‭ ‬في‭ ‬السودان‭ ‬وفي‭ ‬الخارج‭ ‬ولكن‭ ‬ذلك‭ ‬لا‭ ‬يكفي،‭ ‬خصوصا‭ ‬أنه‭ ‬لا‭ ‬الحكومة‭ ‬ولا‭ ‬الشركات‭ ‬التي‭ ‬اتصلنا‭ ‬بها‭ ‬وافقت‭ ‬على‭ ‬مساعدتنا‭”.‬

ففي‭ ‬بلد‭ ‬يعتمد‭ ‬ثلث‭ ‬سكانه‭ ‬على‭ ‬المساعدات‭ ‬الإنسانية،‭ ‬يُعتبر‭ ‬التبرع‭ ‬بأموال‭ ‬لاطعام‭ ‬الحيوانات‭ ‬نوعا‭ ‬من‭ ‬الترف‭.‬

ويضيف‭ ‬صالح‭ “‬هناك‭ ‬سودانيون‭ ‬كثيرون‭ ‬يعانون‭ ‬من‭ ‬الجوع‭ ‬ومن‭ ‬الطبيعي‭ ‬أن‭ ‬تكون‭ ‬لهم‭ ‬الأولوية‭”.‬

ويعوّل‭ ‬صالح‭ ‬على‭ ‬المتطوعين‭ ‬وأنصار‭ ‬الرفق‭ ‬بالحيوان‭. ‬ويوضح‭ ‬أن‭ “‬أطباء‭ ‬بيطريين‭ ‬متطوعين‭ ‬يأتون‭ ‬كل‭ ‬أسبوع‭ ‬لإجراء‭ ‬فحوص‭ ‬روتينية‭” ‬للحيوانات‭.‬

كما‭ “‬يأتي‭ ‬كل‭ ‬ستة‭ ‬أشهر‭ ‬أطباء‭ ‬بيطريون‭ ‬من‭ ‬منظمة‭ +‬فور‭ ‬بوز‭+ ‬غير‭ ‬الحكومية‭ ‬للقيام‭ ‬بجراحات‭ ‬وتدريب‭ ‬أطقمنا‭ ‬المحلية‭”.‬

ويحلم‭ ‬عثمان‭ ‬صالح‭ ‬بتوسيع‭ ‬نشاط‭ ‬محميته‭ ‬في‭ ‬السودان‭ ‬حيث‭ ‬تلقّى‭ ‬التنوع‭ ‬البيئي‭ ‬ضربات‭ ‬قاسية‭ ‬بسبب‭ ‬النزاعات‭ ‬المسلحة‭ ‬والتنقيب‭ ‬عن‭ ‬الذهب‭ ‬والنفط‭.‬

ويقول‭ ‬مبتسما‭ “‬ربما‭ ‬نستطيع‭ ‬يوما‭ ‬ما‭ ‬استقبال‭ ‬أفيال‭ ‬وزرافات‭ ‬وحمير‭ ‬وحشية‭… ‬كل‭ ‬هذه‭ ‬الحيوانات‭ ‬التي‭ ‬اختفت‭ ‬من‭ ‬السودان‭”.‬



Most Read

2024-09-22 23:36:37