Breaking News >> News >> Azzaman


نفاذ الحكم القضائي – علي الشكري


Link [2022-03-14 22:32:48]



نفاذ الحكم القضائي – علي الشكري

في مكتبي الحكومي زارني أحد العراقيين من حاملي الجنسية الأجنبية ، وقد بدت عليه علامات الاستغراب واضحة ، في مظهره وطريقة جلوسه وكلامه ، حيث راح يلي اللسان ويصطنع التلعثم في مخرج الكلمات للدلالة على استغرابه ، وهو لا يعرف ولا حتى كلمة واحدة بلغة البلد الذي حمل جنسيته مؤخراً ، جلس وقد وضع رجله اليسرى على اليمني وقد ارتفعت الى الأعلى ، للدلالة على فوقيته واعلويته على الحضور ، وقد نظرت الى حذاءه الذي غطته الأتربة حتى تغير لونه الأصلي ، وليس بنطاله وقميصه وسترته بإفضل حال ، بدأ الحديث بمهاجمة العراق ، بطرح سؤاله غير البريء ، كيف يعيش البشر في بلد مثل العراق ؟ الأمن مفقود ، العمل شحيح ، البطالة منتشرة ، الأمراض متفشية ، الخدمات الطبية غائبة ، السكن غير صحي ، الماء ملوثه ، الكهرباء تطل كما الهلال في أيام معدودات متقطعة ، الطقس متقلب ، المناخ متطرف ، التناحر السياسي في أوجه ، وقائمة السلبيات التي راح يسردها ممتدة لها بداية وليس لها نهاية ، والمستغرب قبل أن يشرع بحديثه ، أخرج علبة الدخان من قميصه وشرع بالتدخين ، بعدها تساءل هل يضايقكم الدخان ؟ فأجبته أنا اتحاشه لأني مبتلي بحساسية القصبات الشديد ، وليس أكثر من التدخين عدو لها ، في محاولة لتحريك محسسات الشعور عنده ، ويبدو أن الإحساس عنده غائب فلم يشرع بإطفاء سجارته أم الربع دينار ، عاد للسؤال لا ارى نفاضة دخان ؟ فأجبت أن التدخين محظور في الأماكن المغلقة والمكاتب الحكومية ، وقد جال في خاطري أن الرجل سيبادر مباشرة لإطفاء سجارته والاعتذار ، فرد لا إشكال سأحول كوب الشاي الفارغ الى نفاضة ، وبعد نصف ساعة أو أقل تحول المكتب الى معمل طابوق يعمل بالنفط الأسود ” كورة ” وقد استدعيت موظفي المكتب لفتح النوافذ وإزاحة الستائر ، والزائر يتابع التدخين بطريقة شرهة ، ويطلب فنجان القهوة مع كل سجارة ، وراح يفيض في وصف رغد العيش في بلاد الغرب وشضفه  في العراق ، وأنا استمع بتململ ، فليس من اللياقة التعامل بفضاضة حتى مع الضيف الثقيل ، لكنني وجدت نفسي مرغماً على لبس الوجه الرسمي ، والتعامل بقليل من الخشونة ، لإيقاف مديحه وذمه ، إذ وجدت الفرصة سانحة حينما تحدث عن صرامة تطبيق القانون في بلاد الغرب ، وقداسة الحكم القضائي ، وإلا حُكم الممتنع عن جريمة احتقار المحكمة . وقد وجدت فيما انتهى اليه الزائر خير وسيلة للرد عليه ، بطريقة مهذبة ، فليس من الأخلاق المساس بكرامة زائر أو النيل من شخصه وإن أصطنع التمدن ، واظهر التأثر ، وأبان زهو الحياة في الغربة وقساوتها في بلده الأم ، فشرعت بالرد عليه متسائلا هل يجيز قانون بلدك الثاني التدخين في الأماكن المغلقة ؟ فصمت وبادر على خجل بالرد لا مطلقاً ، فاتبعت سؤالي بسؤال ولماذا حولت مكتبي الى مدخنة قديمة مختنقة ؟ فرد بأريحية لأن القانون في بلد الغربة يعاقب ، وفي العراق لا عقوبة على التدخين في الأماكن المغلقة ، ثم أتبعت سؤاليي بثالث تمحور حول عمله في وطنه البديل ؟ فرد بالقول اعتادت على المساعدات الاجتماعية التي تقدمها الحكومة ، فالعمل شحيح ، والفرصة نادرة ، والأجر قليل ، ثم بادرت بالسؤال عن مساحة الفلة التي يقطنها ؟ فرد قبل الإجابة على السؤال مباشرة ، بأن المساحات في بلاد الفرنجة محدودة جداً ، ثم أجاب أن مساحة شقته “25”  متراً !!! لكنها منظمة جميلة مصممة بطريقة توحي لك أن المساحة الف متر !!!! ثم بادرت بسؤاله عن الشهادات الإضافية التي تحصل عليها في بلاد الغربة غير تلك التي حصل عليها في العراق مجاناً ؟ فرد لا شهادة جديدة ، فالدراسة في بلاد الغرب مرتفعة الكلفة ، ولا فرصة الا للقادر على الدفع ، وعن الرعاية الصحية بادرته بالسؤال ؟ فرد كل ما تسمعونه عن الرعاية الصحية الحكومية غائبة لا وجود لها ، إذا قضت كورونا على كهول المجتمع وكبار سنه ، فمن لا يحتكم على المال اللازم للاستشفاء الخاص يموت . وبعد سلسلة التساؤلات التي وجهتها له متتابعة ، وجدت نفسي مضطراً ، لسؤاله ، إذا لماذا أبهرتك مظاهر الحياة في الغربة وشقّت عليك في وطنك الأم ؟ ولماذا بادرت بمهاجمة العراق وكان الإنصاف يقتضي مهاجمة القابض على السلطة وليس الوطن ؟  فالعراق شامخ والانتماء اليه شرف وحمل جنسيته كرامة ، ولماذا رحت تؤشر للبطالة في العراق ، وأنت عاطل عن العمل في وطنك البديل ؟ ولماذا تنتقد الخدمات الطبية في العراق ، وأنت تقول من ليست لديه القدرة على الاستشفاء الخاص في بلاد الغربة يموت ؟ ولماذا تؤشر لتراجع التعليم في العراق ، وأنت لم تتمكن من اضافة الجديد لتحصيلك العلمي الذي تحصلت عليه في العراق مجاناً ، لارتفاع تكاليف الدراسة في وطنك البديل  ، ولماذا تؤشر لازمة السكن في العراق وسكنك في الغربة لا يتجاوز “25” متر ، وختمت حديثي وقائمة تساؤلاتي التي دعاني لطرحها مساس المستغرب بكرامة الوطن ، بقولي اتقوا الله بالعراق ، وبادروا لشتم السلطة ، نعم العراق غني وشعبه جائع ، قوي وسلطته ضعيفه  ، كفاؤته كبيرة وفرصها شحيحة ، علماؤه يفترشون الأرض والوطن يأن لهم ، أرضه بكر وسكنه شحيح ، ماؤه وفير وزرعه مستورد ، معدنه غزير ومنتجه وافد . نعم لضيف المكتب الحق في انتقاد السلطة ، ومهاجمة المتصدي ، وتسجيل السلبيات ، ولكن ليس له الحق في مهاجمة الوطن ، فالوطن سام وغيره يمس ، وهو  باق والسلطة زائلة ، والوطن متبوع وغيره تابع ، ولضيف المكتب الحق في تفاخره بقدسية القانون وسمو حكم القضاء في بلاد الغرب ، فالقانون فيه نافذ والحكم القضائي مهاب مصان ، وهو سر السير المنتظم للبلاد ، والسبب الكامن وراء امتثال العباد ، فبلد دون قانون غاب ، البقاء فيه للأقوى ، ووطن يسمو فيه المسؤول على حكم القضاء ضيعة كل من ايده اله ، على رأي المثل الشامي ، فاللافت المستجد بعد سنة  2003أن المسؤول الإداري المعني بتنفيذ حكم القضاء راح ينتقي ما يرى تنفيذه ، والتنكر لما لا يرى فيه صالح ، وفي ذلك إضعاف لهيبة القضاء وذهاب لريح حكمه وقراره ،  فقد أثبتت التجربة أن المادة (329) من قانون العقوبات العراقي التي تعاقب الموظف الممتنع عن تطبيق الحكم القضائي النهائي ، لم تعد قادرة على ضبط إيقاع الموظف المسؤول وإنفاذ حكم القضاء ، من هنا على المشرع العراقي إفراد إنفاذ الحكم القضائي النهائي بتشريع مستقل ، يغلّظ العقوبة على الموظف الممتنع ، ويشددها على المتراخي والمتأخر ، فبلد دون قانون مُهاب ، ضيعة البقاء فيها للأقوى ، وقضاء لا ينفذ حكمه ، غيابه أولى من صدوره ، حفاظاً على مكانة الحصن الأخير الذي يرى فيه المواطن الملجأ والمعتصم ، ففــي قوة القضاء هيبة الدولة ، وفي استقلاله صيانة للحـــقوق ، وفي حزمه أمن المجتمع .



Most Read

2024-09-23 03:27:49