إطلالة جديدة للسيد الموسوي على موسوعة العراق الجديد – حسين الصدر
-1-
يُطل علينا الاديب الرساليّ والباحث الأكاديمي السيد محسن حسن الموسوي – حفظه الله – بمقالة شيّقة يعرّف فيها – بفنّ واقتدار- بما يضمه الجزء الجديد الصادر من (موسوعة العراق الجديد) تُعد صدوره بأيام .
-2-
وبصراحة :
فاني أنتظر مقالاته وأتلهف الى قراءتها لأني اعتبرها المرآة التي تعكس لنا ما يحمله السيد الموسوي – حفظه الله – من براعةٍ في التعبير، ودقة في التصوير ،ويقف في بعض المحطات ليطلق من خلالها انطباعاتهِ ونظراته عن قضايا مهمة في حياة المسلم المعاصر والتحديات الكبرى التي يواجهها في مساراته ومداراته .
-3-
وتصطبغ كتاباتُه يتواضع جمّ ، وأدب رفيع ، لا سيما وهو يُصِّرُ على الانتساب الى مدرستنا مع أنه بحمد الله يملك قامةً غنية برصدها المعرفي والأدبي والثقافي فضلاً عن التوازن والاعتدال في الأفكار وفي المسار .
-4-
وليس عدلاً أنْ نبخـــس الصديقَ الاديــبَ الموسوي حَقَّه، ولا نردُ على تَحيتِهِ بتحية مثلها …
ومن هنا :
جاءت هذه السطور تعبيراً عن تقدير كبير لما يبذله السيد الموسوي من جهد متميز في اثراء الحراك الفكري والثقافي والمعرفي والأدبي والذي أصبح من فرسانه اللامعين الذين يشار اليهم بالبنان .
فله منا الشكر الجزيل والثناء الجميل مع خالص الدعوات وأطيب التمنيات .
حسين الصدر
واليكم مقالته عن الجزء السادس والسبعين من موسوعة العراق الجديد الموسوم بـ (شذرات) .
وخير جليسٍ في الزمان كتابُ ….
الكتاب : شذرات
المؤلف : سماحة العلامة السيد حسين السيد محمد هادي الصدر ، حفظه الله.
الطبعة : الأولى / بغداد 1443خج _ 2022م
عدد الصفحات : 152صفحة
ماذا فعل الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم حينما بعثه الله سبحانه إلى الناس كافة ؟
وكيف كانت أحوال الأمة التي بُعثَ فيها ؟
وهل من المتوقع أن تكون تلك الأمة التي كانت في الطرف البعيد عن الأحداث الجسام ، والحروب المستعرة بين الروم والفرس ، والتي كانت بعيدة عن أسباب القوة والحضارة ، وفي ظرف ربع قرن من البعثة النبوية تكون في الصدارة من أمم الأرض ، حضارةً ومدنيةً وحضوراً ؟
ماذا فعل الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم بتلك الأمة لتكون( خير أمةٍ أُخرجت للناس) ؟
إنه صلى الله عليه وآله وسلم صنع (الإنسان) ، وعرّفه نفسه ، فتكامل ، وأصبح مثالاً يُحتذى فيه بكل مكارم الأخلاق !
إذن ، نحن نحتاج الآن إلى( صناعة الإنسان ) وإرجاعه إلى إنسانيته ، وكرامته ، وعزّته ، التي أهدرتها وشوّهتها الحضارة الغربية الغبية ، وجعلته يلهث وراء زخارف الدنيا ، ويدفع ضرائب باهضة من إنسانيته المهدورة على رصيف تلك الحضارة الخائبة. ولسماحة سيدنا العلاّمة حسين السيد محمد هادي الصدر ، حفظه الله ، خطوات كبيرة في هذا الطريق لإعادة الإنسان إلى إنسانيته وكرامته وعزّته ، من خلال تواصله اليومي في الإشارات والتوصيات والملاحظات ، وقد أصدر موسوعة ضخمة وصلت مجموع اجزائها إلى ستة وسبعين جزءاً ، ويقول عنها (إن هذه المقالات ليست سوى خواطر وانفعالات إزاء مايجري في الساحة من أحداث سياسية واجتماعية وثقافية ، وهي في المحصلة النهائية مساهمة متواضعة في عملية الإصلاح والتغيير المنشود بعد الانتكاسة الخطيرة التي مُنيَ بها الوطن الحبيب على يد المفتونين بذواتهم من سياسيْ الصدفة ، والذين بالغوا في الجشع والطمع واثقلوا كاهل البلاد والعباد بالأعباء والأزمات وسوء الخدمات).
{ { { {
والعراق يحتاج إلى مثل هذه الأقلام الصادقة ، والجريئة ، والشجاعة ، والخبيرة ، إلى عشرات الأقلام ، بل مئات الأقلام ، بل ألوف الأقلام ، في عراقنا الحبيب ، لإعادة الإنسان إلى النهج المستقيم ، ويعرف ما له وما عليه .
لماذا أصبح الإنسان العراقي ، غالباً ، بهذه الصورة اللامبالية ، كثيرة القلق على الحاضر والمستقبل ؟ لماذا أصبح التكليف الحكومي للمنصب فرصة ثمينة للثراء بالحرام ؟ لماذا انتشرت ظواهر غير إنسانية ، من قتل وسلب وتعدّي سلبي بين الناس بشكل غير طبيعي في المجتمع ؟
شمعة واحدة لاتكفي لضوء الطريق .
وأنا منذ سنوات استمتع واستفيد من كتابات سيدنا ومعلمنا سماحة الحجة الصدر ، حفظه الله ، بهذه الثروة الفكرية التوجيهية ، التي تضمّ من حكم ومواعظ وآراء سديدة ، وليت أولي الأمر أن يجعلوها علامات بها يهتدون.
يقول سماحته ، حفظه الله : (اننا مِن موقع المسؤولية الشرعية والوطنية نقرع أجراس الإنذار لا للسلطويين وحدهم ، بل نقرع بها قلوبنا القاسية أيضا حيث أنّ المسؤولية عامة كما جاء في الحديث المروي عن الرسول الأعظم (ص) :
((كلكم راعٍ وكلكم مسؤول عن رعيته)) .
ضمّ هذا الجزء من (موسوعة العراق الجديد) ( 40) مقالاً متنوعاً ، وبأسلوب تميّز به سماحة العلامة الصدر ، حفظه الله ، من براعة الوضوح ، مع الابتعاد عن اللغة المبتذلة ، واختيار الجملة بكل اناقة وجمال في أسلوب عصري بارع ، وكلمات منتقاة، وجمل قصيرة ورقيقة ، بعيدة عن التقعير .
وهو أسلوب حكيم ، يجعل القارئ على بصيرة من أمره ، دون الولوج والاستفهام عن معاني بعض الكلمات ، وهذا ماجعل هذه الكتابات محببة إلى النفس ، ومَن يقرءها لأول مرّة لايتركها في المرات القادمة.
وسماحة سيدنا الصدر ، حفظه الله ، كثيراً ما يؤكد على طلب العلم ، والتحلي به ، وجعله هو الرصيد الأول للإنسان ، فبدون العلم لايمكن للإنسان أن يفهم الحياة وسيتمتع بها ، ويعرف معناها ومبناها ؛
(العلم في طليعة المعايير التي يتفاضل بها الناس حيث يتبوأ العالِم مقاماً مرموقاً يتميز به عن أولئك الجهّال الذين لايفقهون ، قال تعالى : ((هل يستوي الذين يعلمون والذين لايعلمون)) ..
ومن أصعب الأمور التي يعاني منها العلماء كثرةُ الجهّال حولهم ، الأمر الذي يوجب وحشتهم ، وقد يؤدي بهم إلى اعتزالهم الناس ..!
ومن الصفات الذميمة هو البخل الذي يفقد صاحبه المروءة والإنسانية، وكذلك يفقد الإحترام في المجتمع ، وكل هذا يؤشره سماحة العلامة الصدر ، حفظه الله :
( لن يحظى البخلاء باحترام أحدٍ من الناس ، ذلك أنّ البخل هو العنوان البارز للأنانية ، وعشق المال حَدّ تفضيله على القيم المقدسة كلها ، ومع هذا التهالك المقيت على المال وعلى الدنيا حيث الامتناع التام عن الإسهام في وجوه البِّر والخير والإحسان ، مع ايصاد الباب بوجه المحتاجين إلى الإغاثة والمساعدة من المستضعفين والفقراء والأيتام والأرامل . .. وكل ذلك لايقود إلاّ إلى احتقار البخيل وازدرائه واعتباره عنصرا لئيماً جاحداً للنِعَم وبعيداً عن الاستجابة لنداء المكارم والقيم ) .
وفي هذا الجزء من الموسوعة ، كما في كل الأجزاء الأخرى ، هناك حيّز مهم في ذكر مناسبات أهل البيت عليهم السلام ، في مناسبات الولادات والوفيات ، في ذكر شمائلهم ، ومكارم أخلاقهم ، وكلماتهم ، وبعض القصص من سيرتهم العطرة ، فالإمام محمد الباقر عليه السلام ، خامس أئمة أهل البيت عليهم السلام ، خصّه سيدنا الحجة الصدر ، حفظه الله ، في هذا الجزء من الموسوعة وتحدث عن بعض معالم شخصيته الرسالية ، وبعض كلماته ، وما قال فيه العلماء ، وينقل عن الصحابي الجليل جابر بن عبد الله الأنصاري أن رسول الله ( ص) قال له : ياجابر ، يوشك أن تبقى حتى تلقى ولداً لي من الحسين يُقال له محمد ، يبقر علم الدين بقرا ، فإذا لقيته فأقرئه منّي السلام ، وحين لقيه جابرُ في بعض سِكَكِ المدينة قال عنه : شمائلُ رسول الله ( ص) وربِّ الكعبة ، ثم قال له : يابُنيَّ ، رسول الله ( ص) يقرئكَ السلام ، فقال ( على رسول الله السلام ما دامت السماوات والأرض ، وعليك يا جابر بما بلّغت السلام )
وفي هذا الجزء أحاديث عن الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم ، وعن أمير المؤمنين علي عليه السلام ، في ملف مختصر ، وعن الإمام موسى الكاظم عليه السلام ، وعن الإمام علي الهادي عليه السلام ، وعن الإمام محمد الجواد عليه السلام .
ويتزامن الشهر الثاني من هذه السنة بانتهاء دفع التعويضات إلى الكويت ، ومقدارها (52,4) مليار دولار ، يا له من مبلغ ضخم ، ولكن هل لنا أن نأخذ العِبرة من هذه الجريمة الكبرى التي دفع ثمنها المواطن والوطن العراقي ؟
( إن الجرائم الكبرى التي ارتكبها الطاغية المقبور لا بدّ أن تبقى قيد التداول بين الناس ، ذلك أنّ الملايين من الشباب العراقي ممّن هم في العشرينات من أعمارهم لم يدركوا فظاعة ما اجترح الطاغوت بحق البلاد والعباد من مظالم وجرائم) .
ولك أن تتخيّل ماتكتبه الأقلام الخائبة والجاهلة في شتم الشعب العراقي بعد أحداث الكويت ، وإلى اليوم ، أو ممّن يظهر الحنين إلى أيام الطاغية المقبور : يقول سيدنا الحجة الصدر ، حفظه الله :
(لا فرق عندي بين أنْ يقف أحد الحمقى ليكيل السبّ والشتم للعراق وأهله ، وبين أنْ يمتدح الطاغية المقبور ويظهر الحنين إلى أيامه ، حيث أنّ مديحه يعني الاستخفاف والتهاون بحق العراق وشعبه ، وبالقيم المقدسة كلها .
إنه بحاجة إلى عقاب رادع بدل أنْ يستقبل كلامه بالصمت المريب .
وأنه لاشك محشورٌ مع مُبْتَكِر الجرائم الكبرى ، والمظالم التي لا تنسى ، في قَعْر الجحيم ، وبئس المستقر والمصير)
هذه جولة سريـــــــعة بين صفحــــــات هذا الجــــــزء المليء بالمقالات الادبية والسياسية والاجتماعية ، والنـــــظر إليها وتحليلها لفهم الواقع الذي نعيشه، وما ينبغي التصرف مع أحداثه السريعة .
نسأل الله أن يحفظ سيدنا العلاّمة الحجة السيد حسين السيد محمد هادي الصدر ، ويبارك فيه وله وعليه .
من تلميذه المخلص : محسن حسن الموسوي.
2024-09-23 05:34:32