فاتح عبدالسلام
دائماً، يرتقي الاستخدام الاصطلاحي بمعنى اية مفردة من أصولها اللغوية الى مستويات ودلالات أعمق في المعنى، حين تحولها مصطلحاً، الا مفردة السياسي كمصطلح لا تزال في نظر السياسيين ومواقفهم وسلوكهم وفسادهم، معلّقة فاشوشية وضحلة، لا تنتمي الى رقي المعنى الاصطلاحي ولا الى الجذر اللغوي بمستوياته الدلالية البسيطة. فالسياسي لم يعد موجودا بمعنى المصطلح الذي يعني متدبر الأمور وقيادة السفن من أعالي البحار الهائجة الى السواحل الهادئة المطمئنة، كما لم يعد سياسيو هذه الايام متمثلين المعنى الحرفي في الجذر اللغوي لكلمة سياسي، المشتقة من ساس الدواب وروضها وعني بها وتدبر أمورها.
السياسيون، كشفوا عن هوياتهم في أثناء ما يقرب من عقدين في مراكز السلطة المتنوعة المباشرة وغير المباشرة في العراق، وما كانت صورتهم على هذا الوضوح في نظر مراقبين او مواطنين عاديين لولا انعكاسها في مرايا السلطة الفاضحة، هم مجرد أرقام في دواليب أحزاب مقفلة معتمة واذا أشرق نور فيها يوما كان ضبابيا محتجباً خلف غلاف سميك من عالم باطني لأحزاب، لا تزاول التسامح والتعددية في حياتها الداخلية، فكيف يمكن ان نتوقع مكنها ان تفيض بدعم مسارات تداول السلطة والتعددية والديمقراطية وحرية الرأي والاختيار خارج دهاليزها، وعند مواجهة الشعب ؟ والسبب في ذلك هو انّ الأحزاب في مُتشكلها المظهري التداولي انّما هي صدى لتكوينات اجتماعية ودينية قائمة على الانقسامية والتمترس، وان اغلبها مارس التزييف على نفسه قبل الاخرين، حين تغطى بشعارات بحسب مضائق المراحل التي يمر بها، اتسمت بالوطنية التي تناقش التكوين الأيديولوجي الأساس لمعظمهم.
هؤلاء يصنعون سياسة تنتسب الى نفس فوضى العُقد الداخلية التي أنتجتهم. لو بقيت بعض الأحزاب مجسدة للطبائع القبلية او المذهبية او الفئوية، كتصنيف اخر غير الحزبي، لربما جرى إعادة الالتحام الوطني استنادا الى مصالح ومنافع يتبادلها أبناء المجتمع ويصنعون عبرها ناموسهم الوطني القار في الأرض كواقع حقيقي، وليس معلقا بشعارات واهواء وتهويمات سياسيين، يفيدون من مرجعياتهم المختلفة من دون القدرة على الارتقاء بالمعاني السيامية التي يحملونها في عناوينهم.
اغلب الأحزاب تقوم على تمثل ان السياسة تعني التجرد من الاخلاق، بوصفها المنظومة القيمية المتوارثة والمعززة في كل مرحلة زمنية بعوامل استقراء ونمو حتى الوصول الى مقاربات الاستقرار في ضبط حركة المجتمعات. تصورا ان السياسي في العراق يفكر في نسف ذلك كله على طريق ما يسمى مشروعه للوصول الى السلطة، وقبلها التسلل الى مسامات المجتمع.
كيف يمكن تعريف هذا السياسي، خارج كونه سياسياً واطياً وموطوءاً.
رئيس التحرير-الطبعة الدولية
fatihabdulsalam@hotmail.com
2024-09-23 05:32:47