Breaking News >> News >> Azzaman


مَن أودى بمنظومة القيم؟ – نزار محمود


Link [2022-03-12 15:38:48]



تتطور‭ ‬العلوم‭ ‬وتتشعب‭ ‬التخصصات‭ ‬مع‭ ‬تطور‭ ‬الحياة،‭ ‬وبالتالي‭ ‬يصعب،‭ ‬أو‭ ‬ربما‭ ‬حتى‭ ‬يستحيل‭ ‬على‭ ‬المرء،‭ ‬الالمام‭ ‬بمستجداتها،‭ ‬ناهيك‭ ‬عن‭ ‬التخصص‭ ‬في‭ ‬جميعها‭. ‬ومنذ‭ ‬فترة‭ ‬ليست‭ ‬بالقصيرة‭ ‬اصبح‭ ‬الاهتمام‭ ‬بعلمي‭ ‬النفس‭ ‬السياسي‭ ‬والاجتماع‭ ‬السياسي‭ ‬يتزايد‭ ‬كثيراً‭ ‬اذا‭ ‬ما‭ ‬أراد‭ ‬الساسة‭ ‬فهماً‭ ‬ونجاحاً‭ ‬في‭ ‬أعمالهم‭ ‬وتحقيقاً‭ ‬لطموحات‭ ‬شعوبهم‭.‬

وقد‭ ‬لا‭ ‬يعتبر‭ ‬من‭ ‬التجني‭ ‬أن‭ ‬نقول‭ ‬أن‭ ‬كثيراً‭ ‬ممن‭ ‬حكم‭ ‬العراق‭ ‬لم‭ ‬يفهم‭ ‬كثيراً‭ ‬في‭ ‬هذين‭ ‬العلمين‭ ‬فانتهى‭ ‬بنا‭ ‬الحال‭ ‬الى‭ ‬ما‭ ‬نحن‭ ‬عليه‭ ‬من‭ ‬فوضى‭ ‬وتشرذم‭ ‬وظلم‭ ‬وتخلف‭ ‬وفقر‭ ‬وهوان‭ ‬على‭ ‬الناس،‭ ‬رغم‭ ‬ثرواتنا‭ ‬وماضينا‭ ‬الحضاري‭ ‬المجيد‭.‬

ولم‭ ‬يكن‭ ‬ليحصل‭ ‬ذلك‭ ‬دون‭ ‬اهتزاز‭ ‬وتدهور‭ ‬لا‭ ‬بل‭ ‬وانهيار‭ ‬في‭ ‬منظومات‭ ‬قيمنا‭ ‬الأخلاقية‭ ‬الضرورية‭ ‬لضبط‭ ‬ايقاع‭ ‬الحياة‭ ‬وتهذيب‭ ‬العلاقات‭ ‬بيننا‭ ‬وزرع‭ ‬هواجس‭ ‬العدالة‭ ‬وردع‭ ‬نوازع‭ ‬الظلم‭ ‬والخنوع‭ ‬والهزيمة‭.‬

ومن‭ ‬أجل‭ ‬تحديد‭ ‬الفترة‭ ‬التي‭ ‬يتناولها‭ ‬هذا‭ ‬المقال،‭ ‬إرتأيت‭ ‬حصرها‭ ‬بالمساحة‭ ‬الزمنية‭ ‬التي‭ ‬تمتد‭ ‬من‭ ‬العام‭ ‬‮١٩٨٠‬‭ ‬وحتى‭ ‬هذا‭ ‬اليوم‭.‬

فترة‭ ‬الحرب‭ ‬العراقية‭ ‬الايرانية‭:‬

لست‭ ‬في‭ ‬معرض‭ ‬بحث‭ ‬أسباب‭ ‬وحيثيات‭ ‬اندلاع‭ ‬الحرب،‭ ‬والتي‭ ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬استبعادها‭ ‬في‭ ‬فهم‭ ‬ما‭ ‬ساهم‭ ‬في‭ ‬تداعيات‭ ‬تدهور‭ ‬المنظومة‭ ‬الاخلاقية‭ ‬في‭ ‬العراق‭ ‬لاحقاً‭. ‬فمنذ‭ ‬استلام‭ ‬خميني‭ ‬السلطة‭ ‬في‭ ‬ايران‭ ‬وما‭ ‬رفعه‭ ‬من‭ ‬شعارات‭ ‬وما‭ ‬أثاره‭ ‬من‭ ‬فتنة‭ ‬طائفية‭ ‬كبيرة‭ ‬القت‭ ‬بظلالها‭ ‬على‭ ‬كينونة‭ ‬الاخلاق‭ ‬الوطنية‭ ‬العراقية‭ ‬وشعور‭ ‬الانتماء‭ ‬لها‭ ‬والاستعداد‭ ‬للتحلي‭ ‬بها‭ ‬والدفاع‭ ‬عنها‭.‬

من‭ ‬ناحية‭ ‬أخرى‭ ‬استوجبت‭ ‬الحرب‭ ‬اعلاناً‭ ‬صريحاً‭ ‬ومساهمة‭ ‬ملموسة‭ ‬ومحسوسة‭ ‬لدى‭ ‬أكثر‭ ‬المواطنين‭ ‬في‭ ‬المشاركة‭ ‬في‭ ‬الحرب‭ ‬العراقية‭ ‬الايرانية‭ ‬بصورة‭ ‬مباشرة‭ ‬وغير‭ ‬مباشرة،‭ ‬بقناعة‭ ‬أو‭ ‬دون‭ ‬قناعة،‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬دفع‭ ‬بالبعض‭ ‬الآخر‭ ‬الذي‭ ‬أثارته‭ ‬دوافع‭ ‬تلك‭ ‬الحرب‭ ‬بصورة‭ ‬سلبية‭ ‬إلى‭ ‬الهرب‭ ‬والانضمام‭ ‬للطرف‭ ‬الآخر‭ ‬أو‭ ‬أي‭ ‬تنظيم‭ ‬معارض‭ ‬رافض،‭  ‬أو‭ ‬التخفي‭ ‬أو‭ ‬اضمار‭  ‬الحقد‭ ‬والكراهية‭ ‬وتربص‭ ‬الفرص‭ ‬السانحة‭ ‬للانقضاض‭ ‬على‭ ‬منظومة‭ ‬الأخلاق‭ ‬التي‭ ‬قام‭ ‬عليها‭ ‬نظام‭ ‬بعث‭ ‬صدام،‭ ‬والتي‭ ‬خرج‭ ‬منها‭ ‬منتصراً‭ ‬عسكرياً‭ ‬في‭ ‬حدوده،‭ ‬ولكن‭ ‬كذلك‭ ‬بتداعيات‭ ‬اقتصادية‭ ‬ومالية‭ ‬واجتماعية‭ ‬وثقافية‭ ‬ثقيلة‭ ‬انعكست‭ ‬بتأثيراتها‭ ‬في‭ ‬المنظومة‭ ‬الاخلاقية‭ ‬لم‭ ‬تظهر‭ ‬على‭ ‬الفور‭.‬

فترة‭ ‬دخول‭ ‬الكويت‭ ‬والخروج‭ ‬منها‭:‬

لم‭ ‬يكن‭ ‬قرار‭ ‬دخول‭ ‬أو‭ ‬غزو‭ ‬العراق‭ ‬للكويت‭ ‬بالمسألة‭ ‬العابرة‭ ‬التي‭ ‬ليست‭ ‬لها‭ ‬أوليات‭ ‬وأسباب،‭ ‬كما‭ ‬أنها‭ ‬لم‭ ‬تمر‭ ‬دون‭ ‬تداعيات،‭ ‬لا‭ ‬بل‭ ‬وتداعيات‭ ‬جسيمة‭ ‬بالعلاقة‭ ‬مع‭ ‬منظومة‭ ‬الاخلاق‭. ‬فهناك‭ ‬من‭ ‬وجد‭ ‬فيها‭ ‬خرقاً‭ ‬لاخلاق‭ ‬الاخوة‭ ‬العربية‭ ‬والجيرة،‭ ‬وهناك‭ ‬من‭ ‬رفضها‭ ‬لما‭ ‬توقعه‭ ‬من‭ ‬تداعياتها‭ ‬السياسية‭ ‬والعسكرية‭ ‬والاقتصادية‭ ‬وحتى‭ ‬الاخلاقية،‭ ‬والتي‭ ‬جاء‭ ‬الحكم‭ ‬عليها‭ ‬بعد‭ ‬الذي‭ ‬حصل‭ ‬من‭ ‬أمر‭ ‬الكويت‭ ‬غزواً‭ ‬وتحريراً‭.‬

لقد‭ ‬انتهت‭ ‬قضية‭ ‬الكويت‭ ‬هذه‭ ‬الى‭ ‬كارثة‭ ‬وطنية‭ ‬وقومية‭ ‬ودقت‭ ‬مسامير‭ ‬نعش‭ ‬نظام‭ ‬العراق‭ ‬وصدام‭ ‬حسين‭ ‬لاحقاً،‭ ‬وما‭ ‬صاحبها‭ ‬من‭ ‬احداث‭ ‬ونتائج‭ ‬على‭ ‬منظومة‭ ‬القيم‭ ‬الاخلاقية‭.‬

فترة‭ ‬العدوان‭ ‬الثلاثيني‭ ‬على‭ ‬العراق‭ ‬عام‭ ‬‮١٩٩١‬‭:‬

ان‭ ‬ما‭ ‬خلفه‭ ‬العدوان‭ ‬الثلاثيني،‭ ‬اقول‭ ‬العدوان‭ ‬لانه‭ ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬الا‭ ‬عدواناً‭ ‬مخطط‭ ‬له‭ ‬مسبقاً،‭ ‬من‭ ‬دمار‭  ‬هائل‭ ‬في‭ ‬العراق‭ ‬على‭ ‬المستوى‭ ‬الاقتصادي‭ ‬والاجتماعي‭ ‬والثقافي‭ ‬والسياسي،‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬يشكل‭ ‬البنية‭ ‬التحتية‭ ‬للمنظومة‭ ‬الاخلاقية‭ ‬المتفاعلة‭ ‬معها،‭ ‬قد‭ ‬ساهم‭ ‬بدرجة‭ ‬كبيرة‭ ‬على‭ ‬قيم‭ ‬تلك‭ ‬المنظومة،‭ ‬لا‭ ‬سيما‭ ‬بعد‭ ‬ما‭ ‬سببته‭ ‬واتاحت‭ ‬الفرصة‭ ‬له‭ ‬من‭ ‬انتفاضة‭ ‬لقوى‭ ‬سياسية‭ ‬وعسكرية‭ ‬وثقافية‭ ‬معارضة‭ ‬لنظام‭ ‬صدام‭ ‬حسين،‭ ‬وما‭ ‬آلت‭ ‬اليه‭ ‬تلك‭ ‬الانتفاضة،‭ ‬ناهيك‭ ‬عن‭ ‬الكارثية‭ ‬الوطنية‭ ‬لسيادة‭ ‬العراق‭ ‬في‭ ‬خطوط‭ ‬حظر‭ ‬السلطة‭ ‬المركزية‭ ‬في‭ ‬ضوء‭ ‬نتائج‭ ‬ذلك‭ ‬العدوان‭.‬

فترة‭ ‬الحصار،‭ ‬وما‭ ‬أدراك‭ ‬بآثاره‭ ‬الأخلاقية‭!:‬

ليس‭ ‬هناك‭ ‬ما‭ ‬دمر‭ ‬المنظومة‭ ‬الاخلاقية‭ ‬في‭ ‬العراق‭ ‬اكثر‭ ‬من‭ ‬الحصار‭ ‬القاسي‭ ‬والجائر‭ ‬على‭ ‬شعبه‭ ‬والذي‭ ‬وجد‭ ‬تداعياته‭ ‬في‭ ‬مدى‭ ‬قوة‭ ‬السلطة‭ ‬على‭ ‬ما‭ ‬حصل‭ ‬من‭ ‬أمور‭ ‬بسببه،‭ ‬أو‭ ‬مرونتها‭ ‬تجاوباً‭ ‬مع‭ ‬وضعه،‭ ‬أو‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬استغلاله‭ ‬من‭ ‬ضعاف‭ ‬النفوس،‭ ‬أو‭ ‬بسبب‭ ‬قدرة‭ ‬الناس‭ ‬على‭ ‬تحمل‭ ‬تبعياته،‭ ‬وبالتالي‭ ‬تنصل‭ ‬وتحلل‭ ‬الكثيرين‭ ‬من‭ ‬الالتزام‭ ‬بمنظومات‭ ‬القيم‭ ‬التي‭ ‬ترعرعت‭ ‬في‭ ‬المجتمع‭ ‬العراقي‭. ‬لقد‭ ‬شكلت‭ ‬فترة‭ ‬الحصار‭ ‬وتبعياته‭ ‬المعيشية‭ ‬والصحية‭ ‬والتعليمية‭ ‬الارضية‭ ‬لاهتزاز‭ ‬القيم‭ ‬على‭ ‬المستوى‭ ‬الجمعي‭ ‬والفردي‭.‬

فترة‭ ‬احتلال‭ ‬العراق‭ ‬وما‭ ‬تلاها‭:‬

لقد‭ ‬توج‭ ‬احتلال‭ ‬العراق،‭ ‬من‭ ‬قبل‭ ‬الامريكان‭ ‬وايران،‭ ‬كل‭ ‬ما‭ ‬سبقه‭ ‬من‭ ‬عوامل‭ ‬في‭ ‬هدم‭ ‬اساسيات‭ ‬في‭ ‬منظومة‭ ‬الاخلاق‭ ‬الجمعية‭ ‬والفردية‭. ‬فاخلاقيات‭ ‬التعامل‭ ‬مع‭ ‬الاجنبي‭ ‬المحتل‭ ‬والنهب‭ ‬والكسب‭ ‬الحرام‭ ‬والرشاوي‭ ‬والعمولات‭ ‬واستباحة‭ ‬دماء‭ ‬الابرياء‭ ‬من‭ ‬المواطنين‭ ‬وتدمير‭ ‬كل‭ ‬ما‭ ‬بناه‭ ‬النظام‭ ‬السابق،‭ ‬وتحليل‭ ‬الحرام،‭ ‬وتحريم‭ ‬الحلال،‭ ‬كما‭ ‬يقال،‭ ‬بعد‭ ‬فترات‭ ‬من‭ ‬المركزية‭ ‬الوطنية‭ ‬وتراكمات‭ ‬الحرمان‭ ‬اثر‭ ‬الحصار،‭ ‬كلها‭ ‬عوامل‭ ‬ساهمت‭ ‬في‭ ‬انزلاق‭ ‬المنظومة‭ ‬الاخلاقية‭ ‬الى‭ ‬مستنقع‭ ‬ودرك‭ ‬واقع‭ ‬اليوم‭.‬

خاتمة‭: ‬ان‭ ‬ماحصل‭ ‬في‭ ‬العراق‭ ‬خلال‭ ‬تلك‭ ‬الفترات‭ ‬وما‭ ‬سببه‭ ‬عند‭ ‬كثيرين،‭ ‬وللأسباب‭ ‬التي‭ ‬أتيت‭ ‬على‭ ‬ذكرها‭ ‬بالنص‭ ‬أو‭ ‬التأويل،‭ ‬وأخيرها‭ ‬ما‭ ‬حصل‭ ‬من‭ ‬اسلوب‭ ‬تغيير‭ ‬السلطة‭ ‬غير‭ ‬المشرف‭ ‬وطنياً‭ ‬واطرافه،‭ ‬وبالتالي‭ ‬تغير‭  ‬الاصطفافات‭ ‬وما‭ ‬سببته‭ ‬من‭ ‬انفصامات‭ ‬في‭ ‬الشخصية‭ ‬لدى‭ ‬كثيير‭ ‬من‭ ‬العراقيين‭ ‬رسم‭ ‬ملامح‭ ‬المنظومة‭ ” ‬الأخلاقية‭” ‬الجديدة‭ ‬في‭ ‬المجتمع‭ ‬العراقي‭.‬

برلين،‭ ‬‮١٠‬‭/‬‮٣‬‭/‬‮٢٠٢٢‬‭



Most Read

2024-09-23 05:26:49