Breaking News >> News >> Azzaman


دعوة للتأمل – جليل وادي


Link [2022-03-06 01:13:45]



كلام أبيض

دعوة للتأمل – جليل وادي

لا جديد في قولي : لمواقع التواصل الاجتماعي فوائد جمة وأضرار جسيمة ، ولا يقتصر ضررها على مجال دون آخر ، بل تطول جميع المجالات كما هو حال منافعها ، لذا وصفت بالنعمة والنقمة على حد تعبير زميلي الاعلامي القدير زيد الحلي ، اذ تقف هذه المواقع وراء الكثير من المشكلات التي يتعرض لها الناس ، بدءا من ظاهرة الطلاق التي تشهد اتساعا لافتا ، ما ينذر بمخاطر من شأنها تمزيق المجتمع وتصدّع بنائه ، ومرورا بعزوف بعض شبابنا عن الزواج ، بسبب نماذجه الفاشلة التي يرونها ، حتى ظنوا ان الزواج مشكلة بذاته ، ولا داعي لدخول قفصه الذي لم يعد ذهبيا مسبوكا ، بل هشا منخورا ، ويمكن ( للايك ) واحد على الفيس بوك أن يحيله رمادا.

وانتهاء بسرقة الأبناء من الأحضان ، وانتهاك ما نسميه بالسيادة الأبوية ، فالآباء فشلوا في السيطرة على سلوك أبنائهم الالكتروني ، لا يعرفون أين يذهبون ، وفي أي المواقع يحطون الرحال ؟ فالسلوك الالكتروني السائب الذي عززته البطالة غيّر من نمط حياتنا ، فصار الأبناء يستيقظون بعد منتصف  النهار ، وتحولت وجبة الغداء الى فطور ، بل ان وجبة الغداء الغيت لدى بعض الأسر ، وصار أمرا عاديا أن تعود من عملك ظهرا فتجد أبنائك للتو يتناولون فطورهم ، وما عليك سوى القول بسخرية : صباح الخير ، وتتناول غدائك بمفردك.

ندرك عند تأمل هذه الظاهرة انه ليس من المنطقي حجب خدمة الانترنيت ، كما  ان الحصول عليها بات يسيرا ، وهناك طرق شتى للدخول الى عوالمها ، ولا تستدعي منهم استئذانك ، وبدورك لا ترغب بحرمانهم مما وصلت اليه تقنيات الاتصال ، فهم يعيشون لزمان غير زمانك ، ولا بد أن يتسلحوا بأدوات المستقبل.

سلبيات هذه المواقع لا تحصى ، والادمان أولها ، وأكثرنا مدمنون ، فضاعت علينا فرص التأمل ، اذ سرعان ما نتصفح هواتفنا بمجرد توافر وقت الفراغ حتى وان كان ضئيلا ، ولا نغادرها الا مضطرين . لقد ضيّقت مواقع التواصل الاجتماعي على دماغنا ممارسة نشاطاته الهادفة ، كالتفكير والتذكر والتصور والتخيل ، اذ تشغله بما تنطوي عليه من مضامين متذبذبة في مستواها ، بل قل : جُلها غير نافع ، بينما الانسان بحاجة للتأمل في الأشياء ، ذلك انه ممارسة في التركيز ، وتُكسب القدرة على التحليل ، والحصول على رؤية واضحة لما يجري تأمله.

ديانات وفلسفات عديدة أكدت على التأمل بوصفه نشاطا روحيا مهما لتحقيق السلام الداخلي والطمأنينة ، ولذلك عُد نوع من الطب التكميلي للعقل والجسم ، فحياتنا مكتظة بالضغوطات المختلفة ، ومن شأن التأمل ازالتها او التخفيف من حدتها ، فهو يمكنّنا من بناء مهارات التعامل معها ، واكسابنا منظور جديد للمواقف العصيبة ، ويعمق من وعينا الذاتي ، ويزيد من تركيزنا على الحاضر ، ويقلل من مشاعرنا السلبية ، ويفّعل التخيل والابداع ،  لكن مواقع التواصل تستحوذ على كل أوقاتنا ، بما لا يتيح لنا فرصة للتأمل ، ولذلك بدأنا نسمع بكثرة النسيان وضعف التركيز ، وعدم تفهم مواقف الآخرين ، فالجمود في التعاملات ، وعدم ايلاء الآخرين اهتماما بدت واضحة في حياتنا اليومية ، وهي من مظاهر ضعف الخيال ، فلكي يمارس العقل الانساني عملياته بنشاط يؤدي الى فهم الأشياء سواء التي في دواخلنا او ما يحيط بنا ، لابد من الاكثار من ممارسة هذه العمليات ، أي يفترض اشغال أوقات فراغنا بالتأمل ، وكيف يحدث هذا ؟ بينما صارت جل الأوقات تهدر في استخدام مواقع التواصل، فحال استيقاظك من نومك وما زلت في فراشك تلقي نظرة عليها ، والشيء نفسه تفعله قبل النوم ، وهكذا طوال اليوم ، ولا أظن ان الاستثناءات كثيرة ، فساعات استخدام مواقع التواصل وصلت بمعدلاتها الى أكثر من أربع ساعات في اليوم ، ويمكن لها أن تزيد اذا علمنا ان الانسان ميال للمضامين الاعلامية التي لا تستدعي منه جهدا ذهنيا . وهذا ما تحققه مواقع التواصل الاجتماعي .

jwhj1963@yahoo.com



Most Read

2024-09-23 11:19:40