Breaking News >> News >> Azzaman


أول حديث صحفي مع القيادي البعثي السابق عبد الواحد شمس الدين: – أحمد عبد المجيد


Link [2022-03-06 01:13:45]



أول حديث صحفي مع القيادي البعثي السابق عبد الواحد شمس الدين: – أحمد عبد المجيد

الشيخ عبد الزهرة الكعبي زارني في مقر الحرس القومي لتفقد الشيوعيات المعتقلات

عبد الخالق ألسامرائي ألحقني بالمكتب الثقافي برغم إستقالتي من الحزب

ايقظت هذه المقابلة، سنوات مراوغة وجذابة في صباي مثل حلم يتلاشى، كنت تلميذاً في الصف الخامس الابتدائي، حيث اندلعت (ثورة)  14 رمضان  8 شباط 1963. كانت كربلاء تستقبل طلائع المشاريع التنموية التي نهضت عن برامج ثورة  14 تموز  1958 في انعاش حياة المدينة، التي لم يخرق نسيجها الاجتماعي حدث عاصف الذي حدث على يد حزب ظل اعضاؤه قلة قياساً بالاجماع التقدمي الذي مثله مثقفو اليسار والنخب الوظيفية الوسطى .

وقد أدثت الاطاحة بالزعيم عبد الكريم قاسم، شرخاً اجتماعياً سرعان ما تم رصده في تحول شباب المدينة الى أخوة اعداء، أحمرهم زج في المعتقلات وأخضرهم يرتدي بدلة الحرس القدمي يجوب الشوارع ويتباهى بالوضع الجديد.

هنا كان القيادي السابق في حزب البعث عبد الواحد شمس الدين يتقدم الصفوف، محاولاً بسط نفوذ حزبه بالطرق (الثورية) في عالم عربي صاخب، مؤدلج ومؤجج، كانت خسائره باهظة جداً.

(الزمان) تحاور شمس الدين في استعادة لهذه الاجواء:

{ تركت التنظيم لقناعتي ان (التكارتة سرقوا الحزب)

{ االبكر وصدام اضمروا لي واضطررت الى تحاشي لقائهما

{ من سجن بعقوبة راسلت صدام حسين المحتجز في سجن رقم واحد

{ الحزب خطط لاغتيال عبد الكريم قاسم في كربلاء خلال افتتاح معمل التعليب

{ هيمنة العساكر على قيادة الحزب وراء التراجعات والهزائم وسوء الاحوال

{ اعدام قيادات الحزب والكوادر المتقدمة في تموز 1979 عملية وحشية

{ ثلاث شخصيات وراء تدمير العراق منذ الحكم الملكي

{ متى تركت التنظيم في حزب البعث؟

– كان ذلك بعد الاطاحة بحركة 14 رمضان، اي بعد 18 تشرين الثاني 1963. ثمة سببان او اكثر .. الأول شعوري بسيطرة العسكر على قيادة الحزب ويعود ذلك الى البداية يوم نشرت جريدة الحزب الداخلية (الاشتراكي) مقالاً تحدث عن (دور العسكريين في الحركة الوطنية) ودعا الى انتمائهم الى الحزب وحث الاعضاء على كسبهم الى  صفوفه. وكنت قد سمعت من القيادي في الحزب حميد خلخال ما مؤداه ان دخول العسكريين الى الحياة الحزبية من شأنه تخريب الاوضاع ومساعدتهم على تحقيق طموحاتهم بالحكم وليس خدمة الشعب والوطن.

بعد 18 تشرين اكتشفت أيضاً ان العسكر هم الذين أفسدوا حركة 14 رمضان، وقد سبقتهم حادثة دخولهم بقوة السلاح الى المؤتمر القطري للحزب وارغام سعدون حمادي على النزول من المنصة مع مناداته باسم (عبد الزهرة). وفي منتصف عام 1966 إنعقد المؤتمر القومي الثامن للحزب واتخذ قراراً باعادة المنشقين عن الحزب شرط تقديمهم نقداً ذاتياً. وقد رغب عدد منهم بالعودة لكن بدون تقديم نقد ذاتي.

{ هؤلاء كانوا يسمونهم جماعة سوريا؟

– تمام.  كنت مسؤول منظمة سجن بعقوبة. وكان معي نحو 12 شخصاً من هؤلاء. وفي غضون ذلك جاءنا أمر حزبي من عبد الخالق السامرائي، عبر عبد الفتاح الياسين، الذي كان يومها عضو ارتباط وكان يعمل يومها مديراً للمصرف الزراعي في السماوة. ورأيت ان اعادة المنشقين، ولا سيما اؤلئك الذين واجهنا منهم شتى انواع الصدود والأذى، ليس من صلاحية القيادة القطرية، بل هو شأن القيادة القومية. وهددت بتقديم استقالتي من الحزب. وفعلاً قدمتها خطية وسلمتها الى الياسين الذي غالباً ما كان يزورنا في كربلاء كعضو ارتباط في سجن بعقوبة مع خيري الراوي احياناً، لتفقد التنظيم وايصال التعليمات. وقد اخذ مني الاستقالة ونقلها الى بغداد. وقد سألني رفاقي عن سبب هذه الاستقالة بأوضحت لهم ما ذكرته الآن، كما اعلنت تذمري بالقول (ان التكارتة سرقوا الحزب)، كما رأيت ان صلاح عمر العلي وصالح مهدي عايش واحمد حسن البكر المتهمين بالتعاون مع عبد السلام عارف في الاطاحة بحركة شباط (14 رمضان)، اصبحوا اعضاء قيادة ما دفعني الى القول ان التكارتة سرقوا الحزب.

{ اذن هذا هو السبب الذي دفعك لترك التنظيم.. فهل تعرضت للمضايقة أو التهديد؟

– كنت طالباً بكلية الحقوق، لاني سجنت عام 1964 وكنت طالباً في الصف الأول، فحرمت من اداء الامتحان وفصلت.

{ وهل رأيت صدام؟

– نعم، وكنت قبل ذلك قد أرسلت له رسائل، ابان كان مسجوناً في السجن رقم واحد، على خلفية كشف تنظيم ما يسمى بخلية حنين. وعنما رأيته في الكلية سنة 1968 تبادلنا الحديث دون ان يأتي على ذكر موضوع استقالتي. وشعرت انه حاول تجاهل استقالتي او السؤال عن السبب، فادركت انه متأثر من قولي بان التكاترة سرقوا حزب البعث.

وفي الشهر الخامس أو السادس من عام 1968 جاءني لطيف نصيف جاسم وكنت اسكن شقة بشارع الرشيد مقابل مكتبة مكنزي ناقلاً رسالة من صدام وقال ان (ابو عدي يسلم عليك ويريد انضمامك الى حركة انقلابية نهيئ لها)، وذهبنا الى المقهى البرازيلي لاستكمال الحديث، وقلت له (لا يلدغ المؤمن من جحر مرتين). أنا أرى ان القيادة التي تضم البكر وعماش وحردان التكريتي وبقية الشلة العسكرية اختطفت القرار من الجناح المدني داخل القيادة وانا لا ثقة لي بالعسكر، وابلغني لطيف نصيف جاسم انهم اتفقوا مع العقيلي لكن المشكلة اننا نخشى هذا الرجل بحكم علاقاته الواسعة بكبار الضباط الموصليين في الجيش، وأكد لي أيضاً (اننا بصدد مفاوضة ضباط آخرين بدلاً عن العقيلي، لكنه لم يذكر اسماءهم، مشدداً على الثقة بنجاح الانقلاب).

{ وهكذا فانك لم توافق على الاشتراك بثورة 17 تموز 1968 ؟

– نعم. وقد عرفت انهم مساء يوم 16 تموز تجمعوا في منزل بمنطقة القادسية، فادركت ان حدثاً سيعلن فجراً وهو ما حدث صباح يوم 17 تموز 1968.

{ وهل حدث تطور في مسألة عودتك للحزب بعد الثورة؟

– بقيت على وضعي. وقد اتصل بي نعيم حداد وبالمناسبة، فان نعيماً واخاه علي كانا معنا في سجن بعقوبة وطلب مني العودة. ثم ارسل في طلبنا عبد الخالق السامرائي للمشاركة في لجان ثقافية تنظيمية تستهدف محاولة كسب الطلبة العرب الدارسين في الكليات والجامعات العراقية، ولاسيما اؤلئك الوافدين من دول الخليج. كانت النية تتجه لتوسيع خلايا الحزب في البلدان العربية عبر هذه الفئة من الطلبة. وهكذا اضممننا انا ونحو 12  اخرين، من امثالي من البعثيين القدماء، الى المكتب الثقافي. وقد كلفني السامرائي بمكتب الجزيرة والخليج في القيادة القومية وشرعنا باصدار مجلة (صوت الطليعة).

{ وسرعان ما نهض شمس الدين الى حجرة مجاورة وعند عودته كان متأبطاً مجلداً فيه 12 عدداً من المجلة المذكورة وبدأت اتصفح موضوعاتها ثم استأنف القول:

– كنا ننشر فيها مقالات وتحقيقات تعنى بالشأن الخليجي، ولا سيما ما يخص المملكة العربية السعودية. وكان معي في انجاز هذه المهمة قيس محمد نوري وجاسم العيد.

{ هل هو الذي تولى ادارة الدار الوطنية للتوزيع مطلع السبعينات؟

– لا. كان شقيقه جعفر. وكان مسؤول هذا المكتب عضو القيادة القومية علي غنام.

{ انه يمني؟

– ابداً هو سعودي، لكنه سكن اليمن بعد الاحتلال في نيسان 2003. لان كريمته كانت تدرس طب الاسان في بغداد ثم انتقلت الى صنعاء لاستكمال الدراسة، لقد مكث هناك سنة ثم انتقل الى بلاده وقد توفي في العام 2008. كان من اوائل البعثيين في السعودية وتحت قيادته وصل الحزب الى تنظيم شعبة. كما كان لدينا شعبة في البحرين منذ الخمسينات.

{ ثم ماذا حدث بعد ذلك؟

– تحملنا تنظيم عدد من الطلبة وتولى كل واحد منا مسؤولية حلقة أو اثنتين، وكانت اجتماعاتنا اسبوعية في مكاتب الحزب في منطقة كرادة مريم مقابل محطة البنزين، قبل ان تنتقل القيادة القومية الى مبناها الكبير، كانت المكاتب في هذه المطقة، فيما كان مقر القيادة في منزل نوري السعيد، الواقع على نهر دجلة.

{ ومتى رأيت صدام مرة أخرى؟

– عندما اشتغلت في الاذاعة والتلفزيون مطلع السبعينات، كنت أداوم مساءً. وحدث ان عقد صدام اجتماعاً للبعثيين، سواء كانوا في التنظيم أو خارجه. كا هو مسؤول المكتب الثقافي، والاجتماع تم في مكان في كرادة مريم أيضاً. وصادف ان تم تشكيل لجنة تحقيقية بشأن شكوى تنظيمية. وقد ذكر اسمي تحديداً لرئاستها، واختار من كان على يميني وعلى يساري اعضاء فيها. كان لا يعرف اسماءهم فاختارهم بهذه الطريقة.

{ ثم ماذا حدث؟

– لم أره بعد ذلك.

{ عود الى كربلاء.. كنت مسؤولاً للحرس القومي فور سقوط عبد الكريم قاسم صبيحة 8 شباط 1963. لماذا تم اختيارك؟

– لأنني مسؤول منظمة الحزب في كربلاء انذاك.

{ تناهى الى اسماعنا انك نصحت رفاقك في الحرس القومي صباح يوم 18 تشرين الأول 1963 بالقاء السلاح وترك المقر او تسلمه الى الشرطة. ما صحة ذلك؟

– بالعكس بقينا في مواقعنا الى ما بعد ظهر 18 تشرين، بقينا الى العصر حتى قدوم الشرطة لتسلم مقر الحرس، الذي كان في مبنى المكتبة المركزية قرب ساحة البلوش بالعباسية الغربية. لكن صادف ان مدير الشرطة انذاك تعنت معنا فذهبت مع مجموعة من رفاقي وهددته، طالباً بقاء كل طرف في مكانه لحين انجلاء الموقف، كما طلبت منه التحلي بالحكمة لتفادي التصادم ولاسيما بعد صدور أوامر بغداد بمهاجمة مقرات الحرس. لقد تحلينا بالحكمة والتعقل للوصول الى تفاهم، لكن مدير الشرطة تقدم بشكوى ضدي زاعماً باني هددته بحرق المدينة اذا تطور الموقف، والحق اني قلت ما معناه بعد توتر الوضع معه اني سأضطر لحرق السراي الحكومي، وكان مركز الشرطة ضمن مبانيه، وفي المحكمة لم يأت للادلاء بافادته.

{ أسألك أين كان رفاقك حميد وبدري الكلكاوي يومها؟

– حميد كان عضواً عادياً أما بدري فكان عضو منظمة كربلاء.

{ وانت كنت مسؤولهم الحزبي؟

– نعم كنت مسؤولهم. وللتاريخ فان المنظمة منذ التأسيس حتى عام 1959 كان جواد ابو الحب هو المسؤول ومعه رزاق ابو الحب ومهدي أبو المعالي ثم التحق بهم عبد المنعم الجابري.

{ وانت.. من تولى تنظيمك للمرة الاولى؟

– مهدي ابو المعالي في آب سنة 1954. كنت طالباً في متوسطة كربلاء القديمة التي شغلت مبنى البلدية. كانت أول مدرسة متوسطة تفتتح بعد ان كانت ثانوية كربلاء تضم الصفوف من الأول الى الخامس. كان مديرنا عبد الرسول معصوم، والذي عرف ابو المعالي عليّ، انني كنت متفوقاً في الدراسة وحصلت على ساعة هدية، بوصفي ثالث الطلبة الاوائل في المتوسطة. لقد رأى ميولي الثقافية وتفوقي الدراسي، فاحاطني باهتمامه وبدأ يمدنا بالنشرة الداخلية والادبيات الحزبية ولاسيما في سبيل البعث ومقال الرسول العربي لميشيل عفلق. ولا اكتمك فان عناصر شيوعية من الشغيلة حاولت كسبي وأمدتني بادبياتها أيضاً، لكني وجدت الافكار العروبية تحاكي نشأتي العائلية .

{ أيضاً قيل ان الشيوعيين الذين كان معظمهم في كربلاء زملاءكم أو اصدقاءكم.. كيف تعامل الحرس القومي معهم؟

– كان التعامل في الحسنى مع الاعتراف ان عدداً منهم لا يتجاوز الخمسة او الستة مورس التعذيب بحقهم. ولا تنسى ان الشيوعيين تظاهروا ضد حركة 8  شباط، كما دعوا الى استخدام السلاح ضدنا.

{ والنساء الشيوعيات؟

– في مقر الحرس لم نعتقل سوى بعض محدود جداً منهن وقد احاطناهن بالاهتمام والرعاية، ولم تتعرض اي واحدة منهن الى التعذيب أو سوء المعاملة، برغم الشائعات التي روجت. وقد زارني يوماً الشيخ عبد الزهرة الكعبي شارحاً ذلك، ونفيت له واخذته الى  القاعة التي استخدمت لحجز المعتقلات وقابلهن بنفسه ونفين ذلك، وعندها وجدت ان الاجدر لنا نقلهن الى ادارة الأمن في كربلاء، توسلن بنا طالبات البقاء في مقر الحرس القومي. واتذكر ان الشيخ الكعبي تحدث من على المنبر بما رأى.

{ بعد اقامتك في بغداد وندلاع ثورة 17 تموز 1968 هل بقيت على موقفك من الابتعاد عن التنظيم؟

– تمام.. عرضوا علي مناصب في كربلاء ورفضت، بعد ان تم تعيين حسن سعيد محافظاً للناصرية فقد رشحني، لكني اعتذرت له بحجة كرهي للمسؤولية ومايترتب عليها في دوائر الدولة من التزامات بالوظيفة واطاعة اوامر المسؤول. ومنذ كنت طالباً كان يراودني شعور بأني سأصبح محامياً. وهو ما حصل بعد دخولي كلية الحقوق.

{ هل حاولت مرة، ان ترشح لمنصب في نقابة المحامين؟

– أبداً. ولازمني شعور بضرورة النأي بنفسي عن أي منصب أو واجهة، ولا سيما بعد حادثة ابلاغ صدام والبكر بقولي ان (التكارتة سرقوا الحزب)، فقد تواريت عن رؤية معظم رفاقي واصدقائي، مع اني رأيت البكر في شتاء 1967 في كربلاء مع صالح مهدي عماش. وكان الاثنان يرافقان جنازة عند مدخل الروضة الحسينية. وقد قدمت نفسي له وسلمت عليه عارضاً الضيافة في مقهى حجي حبيب القريبة من المكان. كان البكر يدخن وشكرني.

{ يقال ان مرافقتهما الجنازة للتمويه.. كان البكر وعماش وحردان قد قدما الى الامام العباس لاداء اليمين على عدم الخيانة ببعضهم؟

– لا أظن ذلك. وأنا لم أر سوى البكر وعماش.

{ الجنازة لمن؟

– لا أعرف.. ربما تكون زيارة الى الامام لا اجزم.

{ ألم ترتبط بعلاقة شخصية بأي احد من اعضاء القيادة طيلة حياتك؟

– قلت لك ظل هاجس كلامي عن سرقة التكارتة للحزب يلازمني فأثرت الابتعاد عن المشهد العام. وكمثال عند اندلاع الحرب العراقية الايرانية  واصدار أمر التبرع مقابل تجديد رخصة الاستيراد لمعمل كربلاء لصناعة اليشماغ المساهمة، الذي كنت ادير واتابع معاملاته في بغداد، قدمنا مبلغاً وعندما بدأ صدام بمقابلة المتبرعين، افتعلت سفرة الى خارج العراق لتحاشي الحضور أمامه. كنت اتحسب منه واتفادى اي طلب منه للعودة للحزب أو تكليفي بمهمة ما في الدولة.

ولتأكيد ذلك كنا في سفرة سياحية الى مصيف سرسنك رفقة ثلاث عوائل من الأهل، وزار صدام المنطقة وتجهر الناس حوله في موقع الشلال، واقترح بعص الأخوة الذهاب اليه لكني اعتذرت. كنت اتجنب الظهور أمامه أو الحضور في مكان هو فيه. وحتى زيارتي الى كربلاء كنت أوقتها في المساء ولا تستغرق اكثر من ثلاث أو اربع ساعات. ولم يحدث ان زرت محافظاً او مسؤولاً في المدينة .  ولم أزر سوى اثنين الأول محمد حسين الشامي عندما عين محافظاً لكربلاء مطلع السبعينات، وهو صديق قديم والثاني عدنان داود سلمان عند تعيينه بالمنصب في الثمانينات، وتربطني به علاقة طيبة وحتى زارني في شركة كربلاء، اكثر من مرة مثلما زارني المرحوم خليل ابراهيم جاسم التكريتي. كان كريماً وقد زارني نحو ست مرات في الشركة. أما في المنظمة الحزبية فلم يحدث ان زرتها الا ثلاث مرات الأولى لمجيئ فاخر الايزيرجاوي، والثانية عند قدوم علي حداد الى كربلاء وكان مقر الحزب في مبنى الادارة المحلية، والثالثة بعد العام 1991 عندما تولى رئيس اتحاد نقابات العمال، أحمد الدليمي التنظيم الحزبي. وقد طلبوا تبرعات من الشركات لتأهيل المدارس التي طالها التخريب. وفعلاً قدمت مقترحاً لمجلس الادارة بدفع خمسة الاف دينار وقد قدمناه بصك. اي طيلة 30- 35 سنة لم تتحقق لي لقاءات مع أحد منهم.

{ وكيف تصف علاقتك بالاستاذ شبيب المالكي؟

– كانت علاقة سلام واحترام، ولاسيما خلال حضوره المناسبات الاجتماعية كالفواتح في المدينة، لكن لم اتواصل معه كمحافظ.

{ كان أول محافظ لكربلاء بعد سن قانون الادارة المحلية الجديد في العام 1968.

– صحيح. وقد نجح الرجل في اقامة توازن بين مصالح الحزب ومصالح الناس. كان سلوكه دبلوماسياً ويتمتع بالكياسة والخلق.

{ لنكن واضحين.. كيف كان شعورك بعد الزلزال الذي نسميه احتلالاً وسقوط نظام الحكم في نيسان 2003؟

– شعوري يفوق الاحباط.. و اجزم ان السياسة التي انتجها صدام حسين منذ 1979 هي وراء المآسي والاوضاع الراهنة. وفي قناعتي ان حزب البعث كحزب عقائدي انتهى منذ 8 شباط 1963 بسبب هيمنة العسكر عليه، واتساع الخلافات داخل القيادة وتتعدد الاجنحة.. علي صالح السعدي من جهة ووزير الخارجية وحازم جواد من جهة ثم فتح الابواب لمن هب ودب في الانخراط بالحرس القومي والقيام بالانتهاك واهانة كرامات الناس. أما الطلاق الذي حدث دون رجعة بين البعث والمبادئ فقد حدث في تموز 1979 عندما اقدم صدام على اعدام ثلث اعضاء القيادة ونحو 50 من الكادر الحزبي المتقدم. أما طريقة التنفيذ فأقل ما يقال بشأنها انها وحشية.. فلا وجود للنظام الداخلي ولا قيمة للصلاحيات ولاتمت المحاكمة الى القواعد التنظيمية والتحقيقية والاخلاقية التي تحدد صلاحيات قائد الحزب. اذن هو سبب مآساة العراق، وهو ما حذرنا منه منذ وقت مبكر. ودعني أوكد لك ان صدام حسين وقع في فخ خطة هنري كيسنجر التي تنص على اخضاع المنطقة الى حروب طائفية وعنصرية اقليمية تستمر مئة عام من اجل ضمان أمن اسرائيل. واوكد لك ان وكيل وزارة الخارجية الامريكية  زار بغداد يومها وعرض على احمد حسن البكر، الحرب على ايران لكنه رفض، فيما تولى صدام المهمة بعد السيناريو الذي جرى باستقالة البكر والتهيئة لاجواء الحرب عام 1980. ومثلما قال حسن العلوي ان صدام يؤمن بقضية التخادم. فصدام جر البلد الى هذا المصير استناداً الى المخطط الامريكي الصهيوني ونظرية الفوضى الخلاقة، وهذه النظرية في نظري فشلت ولم تحقق سوى تدمير الشعوب والمنطقة وكبدت امريكا خسائر في الارواح والاموال، كما اعترف بذلك جو بايدن  وغيره. الآن الأخطر هو نظرية الصدمة التي تهدف الى تفكيك الشعوب وتدمير تماسك العائلة سواء عبر سياسة البنك وصندوق النقد الدولي والامم المتحدة. الهدف هو تفكيك الشعوب وجعل مديونتها عالية. وتستخدم اسلحة التواصل وألعاب الفيديو ووسائط ما سمي بالثورة الرقمية في التعويض عن حروب الجيوش والاسلحة النارية. اظن انها طبقت في مصر ونجحت. الآن غادر المصريون شيئاً اسمه قومية أو عروبة أو فلسطين او الاشتراكية. الآن بعد تجاوزهم عقبة الاخوان المسلمين، بسبب الاستهلاك وغياب المقبولية، السيسي ينفذ النظرية عبر برامج تنموية محدودة ووفق خطوط معينة لا يمكن تجاوز حدودها. والحق يقال ان وتائر التنمية في مصر حالياً عالية والفقر في تقهقر.

{ استاذ عبد الواحد في رأيك هل ان شخصية صدام تخلو من ايجابيات؟

– من قال ذلك؟ هو شخصية ذكية وتنطوي على بعض السمات، لكن ركبه الحمق  كنوري السعيد. وانا اعتقد ان ثلاث شخصيات وراء تدمير العراق. اولاً الوصي عبد الاله وثانياً نوري السعيد وثالثاً صدام حسن.

واقول ان صدام يتمتع بقدرات ولكنه رجل فردي ركبه الحمق والغرور فوصل الى هذه النهاية، بينما ركب الحمق فقط نوري السعيد. وكان يرى جميع من تناوبوا معه على رئاسة الحكومة دون المستوى. لم يعد يمتثل الى نصيحة أو يدرك طبيعة الافعال والممارسات ولا يقيم وزناً لمشاعر الشارع. وفي مذكرات نذير فنصة مستشار شاه ايران السابق ادلة على ذلك بينها ابلاغ نوري السعيد عن بوادر التحرك لانقلاب 14 تموز 1958 كما ان مذكرات الملك حسين تضمنت معلومات عن اجتماعات الضباط الاحرار للاطاحة بالحكم الملكي. لم يسمع نصائح كثيرين بمن فيهم فاضل الجمالي. كان يعلن ان (دار السيد مأمونة ). أما حمق صدام، فيذكرنا بعد انتهاء الحرب العراقية الايرانية بقوله في التلفزيون (انها ثمانية أيام فكيف أصبحت ثماني سنوات؟)، أما قوله (شنو هو القانون؟ هو وركة نكتبها) ، في وقت هو يزعم انه خريج كلية الحقوق؟ وبالمناسبة في العام 1968- 1969 عدنا الى كلية الحقوق بعد ان كنا مفصولين وقد رأيت صدام داخلاً قاعة الامتحان وجلس بعد ان سلم علينا، لاننا دخلنا قبلها، ثم في الايام البقية ظل يجلس في غرفة مدير الادارة ويقدم له الدفتر والاسئلة ويمتحن لوحده. كان مدير الادارة  من عائلة عريم، وقد كافأه صدام بتعيينه سفيراً في مسقط. لقد عرف صدام بأنه لايحب سوى نفسه. فهو ليس بعثياً ولا قومياً ولا اي شيء آخر، هو صدام فقط، كما قال عبد الجبار محسن. كل شيء يخدم شخصه يفعله.. لا قيمة عنده لعروبة أو أمة أو حزب.

{ أوقفت التسجيل في جهاز هاتفي المحمول، لكن شمس الدين كشف لي عن واقعتين جديرتين بالتوثيق، الأولى ان تنظيم الحزب في كربلاء المؤلف من جواد ابو الحب ومهدي ابو المعالي ومنه، قدم الى بغداد بعد انسحاب وزراء أحزاب الجبهة الوطنية، الوطني الديمقراطي و البعث والاستقلال ، وغيرهم من حكومة عبد الكريم قاسم، لمقابلة فؤاد الركابي وابلغهم ان الاتفاق مع قاسم كان مشروطاً باجراء انتخابات لاختيار مجلس للنواب وكتابة الدستور بعد 6 – 12 شهراً من الثورة، تنبثق عنه حكومة وطنية لكن الثفاف الشيوعيين حول قاسم واغراء السلطة دفعاه الى التخلي عن هذا الخيار ما اضطر الوزراء الى الانسحاب.

أما الواقعة الثانية فهي ابلاغ شمس الدين عبر قيادي في الحزب انه تم التخطيط لمحاولة اغتيال ثانية لعبد الكريم قاسم، خلال زيارته الى كربلاء لافتتاح عدد من المشاريع التنموية بينها معملا تعليب وألبان كربلاء. وقد وضع اسم شمس الدين ضمن الفريق المكلف بعملية الاغتيال دون اشعاره، لكن العملية ارجأت بسبب نزول آلاف المواطنين الى الشوارع للترحيب بمقدم الزعيم، حيث ستكون النتائج مكلفة بشرياً.

وقبل ان اختم عبر شمس الدين عن الرغبة في كتابة مذكراته، لكنه لم يخف خشيته من التأويلات في توقيت اصدارها، فامامه تجربة رفيقه السابق محسن الشيخ راضي الذي أصدر مذكراته (كنت بعثياً)، ووصف بعض المترصدين توقيتها بغير المناسب، لانها تخدم الوضع القائم بحسب رأيهم.



Most Read

2024-09-23 11:30:05