يُعرف التضليل الإعلامي بـ : ((نشر وبث المعلومات والأفكار الزائفة عن عمد وعن سابق تصور وتصميم)) وفي تعريف أخر ((خلق رأي مغلوط ، لكن مقنع بما فيه الكفاية، وذلك بهدف إيقاع الخصم في الخطأ بينما هو يفكر بشكل صحيح.
في العام 2001 وبإشراف “كارين هيوغز” مستشارة “بوش” و”اليسر كمبل” المستشار الإعلامي السابق لـ “طوني بلير” وهو من خبراء التلاعب الإعلامي. تأسس “مركز التحالف الإعلامي” بهدف رسمي معلن لاستمالة العالم العربي لشن حملات التظليل والتلاعب قبل بدء الحرب على العراق للاطاحة بنظام البعث، وقد أغلق هذا المكتب مصادفة بحلول الذكرى الاربعين للانقلاب الاسود، في شباط 2003، اثركشف “نيويورك تايمز” عن حقيقة مهامه وأساليبه في التعامل مع الصحافة الدولية بشأن الحرب وما أثار ذلك من احتجاجات في أوساط اعلامية ومنظمات مجتمع مدني معتدلة كثيرة.
أنهت القوات الأمريكية استعداداتها للحرب، وفق الدلائل النهائية في مسرح العمليات وساحة المعركة، وفشلت جميع المحاولات والطرق والوسائل لتفادي هذه الحرب. خضع العراق آنذاك لحملات حربية أمريكية متعاقبة 1992، 1993، 1996، 1998. وتناول قاموس الإعلام الأمريكي قبيل الغزو الدعاية الزائفة للحرب المحتملة على العراق، مبنية على شعارات مثيرة ـ حرب تحرير العراق، تحرير الشعب العراقي، حرب الخير ضد الشر، ثم تغيرت الصيغة الإعلامية إلى: الحرب الوشيكة على العراق.
اذن لماذا كان هوس الحرب مرتفعا لهذا الحد؟ وما هي الاسباب المستوجبة للقيام بها؟ وما هي النتائج المحتملة؟ يصف القانون الدولي جميع الحشود لعمل من هذا النوع في اي مكان كان، بإرهاب القوة ـ أو ما يسمى بالعرف الدبلوماسي، استخدام القوة اللاشرعي. مع ذلك فقد قصف الشعب العراقي بـ 800 صاروخ أطلقت خلال يوم، انتهت باحتلال العراق وتفكيك دولته وتمزيق مجتمعه وتجويعه، وفتح تدخل النفوذ الإيراني من أوسع أبوابه. وكانت إيران بمثابة المساهم الإقليمي المهم لغزو العراق حسب تصريحات المسؤولين الإيرانيين واعتراف الادارة الامريكية بذلك. يلاحظ ان انهيار النظام الرسمي العراقي ومؤسساته أمام “إرهاب القوة”، خصوصا اذا ما علمنا أن مرتكبي المجازر والجرائم وملاحقة المناوئين للنظام وتعريضهم للسجن والتعذيب، نجد ان القتلة في أعلى هرم السلطة وأروقتها السياسية على الرغم من ممارستهم بحق الشعب العراقي كل أنواع الاضطهاد والابادة الجماعية وبكل الوسائل البشرية والعسكرية بما فيها المحرمة دوليا، لم يتم مسائلتهم وفق معايير القانون الجنائي الدولي والقانون العراقي. بل تمتعوا بعد السقوط بحصانة قانونية من قوات الاحتلال الأمريكي ودوائره السياسية. بيد ان الأحداث الدموية والتاريخ المأساوي للنظام الديكتاتوري السابق أثبتت ـ إن نظام صدام كان السبب الأساس لتعريض العراق للحروب والدمار والحصار والاحتلال، وإن أمريكا وحلفائها في المنطقة، مسؤولون عن ترسيخ النظام ودعم مسلكه ضد شعبه وشن حروبه دفاعا عن مصالحهم على حساب دماء العراقيين ومستقبلهم. لقد سعى الاحتلال منذ غزوه للعراق إلى تشجيع الاتجاهات والأفكار الهادفة إلى إنهاء كيان العراق كوحدة وطنية، أرضاً وشعباً، بمساهمة الأحزاب الطائفية والشوفينية التي تربصت الفرص لتحقيق مآربها. وما كان لتشكيل مجلس الحكم على أسس أثنية على يدِ بريمر، إلا خطوة أولى في هذا الاتجاه لحقها خطوات أخرى في إطار ما يسمى بالعملية السياسية، التي اعتمدت على تفكيك الروابط الوطنية وتعويضها بروابط طائفية وقومية وعشائرية كانت غير معروفة في العراق. فسمحت حكومة الاحتلال بتكوين الميليشيات خارج إطار الدولة على أسس طائفية ـ عرقية، عربية وكردية. لا بل ودعمتها بالمال والسلاح والوسائل اللوجستيه المتنوعة.
إن من أخطر النتائج التي سعى إليها الاحتلال هو نسف الكيان الوطني العراقي، وكل المبادئ والمفاهيم القانونية والحقوقية والامنية، التي ترمز لسيادة الدولة واستقلالها الوطني وأهمها الأسس الثلاث “الحصرية والشمولية والذاتية”. وتسويق مفاهيم جديدة خاصة بالمحتل لإعادة وتحديد بناء كيان الدولة ومؤسساتها على أسس تحمي مصالحه وأهمها الستراتيجية والنفطية بواسطة منظومات وشخصيات عراقية. وتم استصدار تشريعات دستورية وقضائية وسياسية واقتصادية تتوافق مع مشروعه الخاص لتقسيم العراق وتغيير شكل المجتمع وبنيته الأساسية.. وتجدر الإشارة إلى ان قانون إدارة الدولة سيئ الصيت وغيره من قوانين وتشريعات سنها المحتل، لازالت جارية على نحو خطير ومريب، بالرغم من انها تتعارض مع أبسط مقومات الدولة العصرية ومصالحها الوطنية. ومنذ مجيئها للسلطة، فان القوى السياسية ـ الطائفية، في أشكالها الفجة والمقيتة، لازالت تكرس نظام توزيع الغنائم والامتيازات والعقود والصفقات السرية التجارية والاقتصادية وفي مجال الصناعة والزراعة والبناء فيما بينها. وتتخذ الاحزاب الكردية المتنفذة، موقفاً انعزاليا شوفينيا ضيقا، وهي لا تجد نفسها كطرف في ادارة الحكم ملزمة لحماية القانون والحد من معاناة المجتمع العراقي برمته، كما أنها غير معنية بالدفاع عن سيادة العراق وتحقيق استقلاله، بل وصل الأمر بها حد استغلال الظروف الصعبة التي يمر بها العراق وشعبه لفرض شروطها الستراتيجية والتكتيكية والذاتية، مستظلة بغطاء القوى الخارجية، وهذه نظرة قاصرة وغير موضوعية ستؤذي الشعب العراقي وتلحق الأضرار بمصالحه، بما فيها مصالح الأكراد انفسهم.. إن سوء الاوضاع واتساع المشاكل في العديد من المحافظات العراقية بحاجة إلى حوار وطني موضوعي هادئ، بعيداً عن الابتزاز والتعصب الشوفيني، وفرض الحلول الأحادية. كما أنها بحاجة إلى تقديم مبدأ الحلول الوطنية العامة على الحلول الوقتية والصفقات السرية التي لا تدوم كونها غير شرعية وخالية من مستلزماتها الموضوعية، وعلى جميع القوى السياسية تقع مسؤولية الابتعاد عن ردود الفعل المتشنجة والمجاملات المفتعلة والتمادي في فرض سياسة الأمر الواقع، وأن لا تسير نحو المنزلق الخطير الذي يبدد أحلام الجميع، كما ويعرض العراق لمخاطر مستقبلية سياسية واقتصادية بالاضافة الى تهديدات التقسيم والحروب العبثية التي عانى منها الشعب العراقي بكافة قومياته طويلا.
برلين
2024-09-23 13:33:57