كلام أبيض
لا ألوم الناس أبداً – جليل وادي
عليك ألا تلوم الناس ان كان سلوكهم لا يروق لك ، كأن تراهم يرمون من نافذة السيارة قناني المياه الفارغة او ورق الكلنكس او قشور الفواكه ، او شاهدت سيارة البلدية تفرغ نفاياتها على جانبي شارع رئيس يوصف بأنه دولي تمر به شاحنات وزوار أجانب ، مع ان مكتب المسؤول البلدي لا يبعد عنها سوى كيلومترات تعد على أصابع اليد الواحدة ، واذا رغبتم يمكنني أن أسمي .
لا تنتقد مظهر الشباب غير اللائق وهم يتجولون في الأسواق ، او نظراتهم غير المؤدبة للفتيات حتى وان كن برفقة ذويهم ، لا أحمّل المسافرين العراقيين ابدا تبعات سلوكياتهم غير المتحضرة في المطارات الأجنبية ، ولا أستغرب أصواتهم العالية التي تلفت أنظار المسافرين الآخرين ، ولا أسأل الناس عن عدم اهتمامهم بالبيئة التي تمظهرت بآلاف الصيدليات وأضعافها من العيادات الطبية الخاصة ، فلا ذنب لهم في كل ذلك ، هم أبرياء مما يحدث ، فلِمَ ننتقدهم عن تراجع ذوقهم ، ونصفهم بنعوت غير لائقة ، أليس هذا باطلا ؟ .
لا أعيب على شخص لا يلتزم بالنظام ، وينتهك الاشارات المرورية ، ويعتدي على رجل المرور ، او لا يعير اهتماما لمن سبقه في الدور أثناء مراجعة دائرة رسمية ، او يقطع حديثك مع آخرين دون استئذان ، وأظن ليس من الانصاف والعدالة محاسبة الطلبة الجامعيين الذين يتركون فضلات الأكل على طاولة اساتذتهم او على حافات النوافذ ، ولا أرى من اللياقة مساءلتهم ان مر قربهم استاذ وظلوا جالسين في أماكنهم دون الوقوف احتراما له .
جميع الأفعال السلبية التي يقوم بها الناس ، هم في الحقيقة غير مسؤولين عنها ، لذا من غير المبرر لومهم او انتقادهم او محاسبتهم ، نعم ، لا ذنب لهم في كل ذلك ، قد يستغرب البعض مما أقول ، وسيسألوني : ومَنْ يتحمل المسؤولية ؟ ، وأسألهم بالمقابل : كيف نحاسب شخصا على أخطائه ، بينما لم نعلمه الصحيح ؟ نحن لم نعلم الناس ، لقد فشلنا بامتياز في تربية أفراد المجتمع منذ الصغر ، ولذا لا تندهشون من نوع الجرائم التي تُرتكب ، وبعضها لم يخطر حتى في الخيال ، ولا تستغربون شيوع الفساد بأشكاله التي تعرفون ، او اتساع مساحة الصراع الاجتماعي على أبسط الأشياء ، بدل التعاون والتنافس المقبول ، او تراجع الذوق العام الذي وصل الى عدم المعرفة بأساليب التخاطب والحوار المؤدب ، او عدم المحافظة على الأملاك العامة .
معروفة الجهات التي يفترض بها القيام بعمليات التربية ، لكن الممنهج منها ، وبأسس علمية وأهداف محددة ، تلك التي تجري في المدرسة وليس غيرها ، ما دعانا لتقديم التربية على التعليم ، فلا قيمة لتعليم بلا تربية ، بل قد يجلب التعليم غير المقرون بالتربية من الويلات ما يفوق تلك التي ينتجها غياب التربية .
المدرسة هي الوحيدة التي بمقدورها اعادة الامور الى مساراتها الصحيحة ، ولأنها كذلك أولتها الأمم قدسية تستحقها ، فأسهمت وبمدد وجيزة في ارتقاء بلدانها وتحضّر مجتمعاتها التي ما أن نختلط بها حتى ينتابنا شعور بالدونية ، بينما لسنا بأقل ذكاء منها ، وفي تراثنا كدس من القيم العظيمة ، لكن المدرسة التي كانت سواعد العراقيين أول من بنى جدرانها ، يخيم عليها البؤس في بلادنا راهنا ، واوكلت أغلب ادارتها الى كفاءات هزيلة وعقول متحجرة . ما يؤسف له أن تظل المدرسة على هامش اهتماماتنا ، ألا تذكرون كيف كانت حديقة المدرسة زاهية ، ويُعاقب أشد العقاب من يقطع وردة ؟ او اصطحاب المدرسين لنا لزيارة المكتبة ، واختيارهم من الكتب ما يوافق أعمارنا ، لا أظنكم نسيتم مراقبة المعلمين استخدامنا للحمامات ، وكيف نخرج بالدور عند انتهاء الدوام ، ولم تغب عن البال دروس الرسم على الهواء الطلق ، او سفراتنا الى المدن الأثرية لنتعرف الى تاريخنا وحضارتنا ، مازالت ماثلة في ذهني صورة المدرسة المستنصرية التي لا يعرفها طلبتنا الآن ، لِمَ أغفلت مدارسنا التربية لنكون بمواجهة هذا الواقع المخجل ؟.
jwhj1963@yahoo.com
2024-09-23 15:27:18