Breaking News >> News >> Azzaman


علي الخالد – علي الشكري


Link [2022-02-20 02:12:52]



علي الخالد – علي الشكري

المتتبع لتاريخ الشعوب والأمم ، يجد حكام خلدهم التاريخ ، حكموا  فأقسطوا ، وتولوا فشيدوا ، وقضوا فأعدلوا ، وحرصوا فأنصفهم التاريخ ، وآخرون رحلوا ولم يتركوا الا السوء . ليس غريباً أن يُخلّد النبي والرسول ، فهو مبعوث من الله ” عز وجل شأنه ” ، والأمر مفهوم علناً وضمناً خلود الإمام فهم أهل بيت النبوة وحفظة الرسالة وهداة الرعية ، لكن أن يُخلّد الحاكم فالأمر وراءه حكمة وحرص وقسط وأثر وبناء وفرصة عمل وخدمة وتقدم ووصل ليل بنهار وشعب راضٍ  ، حَكَمَ علي ” عليه السلام ” وهو كاره مكره ، فحُكم رعية ليس هدف من حاباه الله ، فجعل الكعبة المشرفة مسقط رأسه ، أسلم علي فكان الأصغر عمراً في اتباع النبي  ، أسلم ولم يُسلم وجهه لوثن ، قاتل وناصر ونصر وافتدى وثبّت وناصب من أراد المساس بالنبي العداء ، اختلط دمه بدم النبي فأنتج سيدي شباب أهل الجنة ، وهل أشرف صهراً من رسول الإنسانية ؟ وهل أطهر زوجاً من السيدة البتول ؟ وهل أشجع على وجه الخليقة من الأولين والآخرين من علي ؟ وهل أحكم منه ؟ وهل أقسط منه بين الرعية ؟ وهل عرفت ميادين العلم أعلم من علي ” سلوني قبل أن تفقدوني ” وهل عرف تاريخ الولاة والأمراء والحكام أحرص من علي ؟ ويحدثونك عن حرص علي ” على الحكم ” وتدافعه من أجل التولي ، وسعيه من أجل التنصيب ، وهل غير علي ” عليه السلام ” من أطلقها خالدة فخلده تاريخ الحكام والسلاطين ” أتيتكم بجلبابي هذا وثوبي فإن خرجت بغيرهن فأنا خائن ” ويحدثونك عن الدنيا عند علي وهو من أطلقها حكمة ومروية مأثورة ، وهو يخاطب الفانية الحقيرة التي غرت غيره وسقطت على أعتابه ” يا دنيا غري غيري فعمرك قصير ، وخطرك كبير ، وعيشك حقير ” . فُرضت عليه وهو كاره لها ، فحملها أمانة ، وسلمها ملاقٍ رب كريم على يد ارذل خلق الله ، تلقاها ضربة قاتلة وهو ساجد لمن حملّه الأمانة فقبلها ، سلمها ولم يهادن ولم يخن ولم يعبث ولم يظلم ، سلمها نظيفة نقية طاهرة دون أن تغره ، حملها وكفنه بيده وهو يعلم علم اليقين أن حكمه لن يطول وعرشه لن يمتد وحكمه لن يستتب ، كيف يستتب أمراً ، وأعداء علي ” عليه السلام ” الخارجون عن الإسلام ، السارقون للمال ، الظالمون للعباد ، المتطلعون الى سلطان ، المغتصبون للحقوق ، العابثون بالدين ؟ وكيف لحكم أن يثبت والفقير حبيب الحاكم ، واليتيم أبن الأمير ، والشريف رفيق القائم على الأمر ، والعالم جليس الولي ، والظالم عدوه ، والخارج عن الدين هدفه ، والعابث بالمال خصيمه؟  نعم حكم علي ” عليه السلام ” وقد تكالب عليه كل أعداء الدين ، فأتسم عهده بالاضطراب والفتن والحروب ، لكن ليس لناصبي أن يدعي الظلم في عهد علي ، وتفشي المفاسد في زمانه ، وغصب الحقوق في خلافته .

زهد وحكمة

رحل علي والتاريخ يذكر مآثره ، ويتناقل أخباره ، ويروي مناقبه ، رحل علي ” عليه السلام ” والعلم أثره والحكمة ضالته والقسط سمته والزهد صفته والفقير رفيقه . وليس في كل ما يُذكر في حكم علي ” عليه السلام ” غرابه ، فكل حياته معجزات ومناقب وتفردات، لم يسبقه اليها أحد ولم يعقبه فيها مخلوق ، زهده وحكمته وشجاعته وقوته ونصرته وثباته وولادته ورحيله وحكمه ، لكن الغرابة كلها فيمن يتيمن بعلي ” عليه السلام ” ويعتقد بحكمته ، ويتناقل أخباره ويروي مآثره وينبري في الدفاع عنه ، ويذهب سارداً صفاته ، وربما يتصدى لرواية مناقبه في مصنفات ومؤلفات وبحوث ، ويخالف سيرته ومسيرته ، تصدى فأخفق ، وأتمن فخان ، وقضى فظلم ، قرب الفاسد وابعد النزيه ، أستشار الجاهل وأبعد الكفؤ ، أودع الأمانة عند غير أهلها فسرق وافسد وأفقر وأمات ، وبالقطع أن تداخل المشهد واختلاط الرؤيا وتكالب العالم والإقليم وابن الوطن ، على الاطاحة بالقادم الجديد ، خلفيات لا يمكن تجاهلها ، ومتغيرات لا يمكن التغاضي عنها في فهم حقيقة تمكين الفاشل وتنصيب الفاسد وانتشار الظلامات وارتفاع نسب الفقر وتفشي البطالة وشيوع الرشا وشراء المناصب والذمم ، فضلاً عن نقص الخبرة ، والرغبة في تعويض ما فات ، وسد ما نقص والاقتصاص ممن تسبب ، وبالقطع أن كل هذه المسببات تفسر الفشل والإخفاق والتراجع والتردي الذي طرأ على المجتمع ، لكن ذلك كله مدعاة لإعادة النظر وتصحيح الأخطاء وتصويب المسارات ، فالوقوف على المسببات وحدها لا تبني بلد ولا تقوم معوج ولن تعوض ما فات ، فعلي ” عليه السلام ” لم يتذرع بالموروث ولم يقف عند القائم ولم يحتج بنقص الاموال وتعدد الولاءات وتشتت الأفئدة وتنوع المشارب ، لكنه عمل بتكليفه فحمل الأمانة وصان العهد وحفظ الوديعة ، فاستقبلها ناصعاً وأودعها والتاريخ يتحدث بعدله وحكمته وقسطه وحفظه الأمانة ، فحق على اتباعه التمثل بأخلاقياته وأتباع سلوكياته ، والتيمن بمسيرته ، واقتفاء أثره  ، فالناس على دين ملوكهم ومن تيمن بمثل سار على هداه .



Most Read

2024-09-23 15:16:58